.....................................
.....................................
.....................................

قاطعتها كعادتى اذ أن زوجتى المصونة اذا تكلمت لا تعرف كيف تتوقف
أنا : و العمل ايه يا أم أحمد .. أروح فين أنا دلوقت ..
قلتها بصوت يشبه البكاء .. وأخرجت من صدرى آهة أم ثكلى و أخذت أردد بصوت عميق جريح فصيح
: أنفذ من أين .. أنفذ من أين .. جلدى ضاق على جسدى .. بلدى ليست بلدى ..أنفذ من أين .

كانت زوجتى قد تعودت بحكم العشرة على حالات ( الدروشة ) التى تعترينى فى المواقف الصعبة ، فلم تعلق سوى بـ :
  -  ربنا يشفى 
ونصحتنى بأن آخذ ( دشا ) على السريع  و أغير ملابسى لأجلس مع ( الرجالة ) من آل السمبوخسى .. وأحاطتنى علما بأن الدور على ( أوضة ) النوم فى التوضيب .. حيث أن الحجرة خصصت ( حسب خطة التقسيم الجغرافى التى وضعتها زوجتى بالاشتراك مع الست جلاجل حرم السمبوخسى ) كغرفة خلع ملابس ( للعوالم ) الذين سيحيون الليلة فى الصوان  الجارى اعداده فى شارعنا الأغر..

أنا : هى لسة فيها عوالم ؟!
هى : طبعا يا حبى .. دى حاتبقى ليلة عجب .. عارف مين اللى جى ؟! ..
قالتها وكأنما ستلقى فى وجهى بقنبلة الموسم .. و أردفت دون أن تنتظر منى تخمينا ..
الفنانة عديلة أم شفة ذات نفسها، قلتها بفخر واعتزاز كأنما تتحدث عن أحمد زويل ، . و معاها كراكيبو بتاع الأنابيب تقصد أغنية الأنابيب  وعارف مين الرقاصة ؟ .. كوكى شقق .
استوقفنى الاسم ... شقق ؟! يكونشى ابوها سمسار !
الغرض .. توجهت الى الحمام محملا بأثقال اليوم  اللى باين من أوله ، ينما مطرب جديد يطلق جاعورته  الحشرومية  عبرالسماعات الهاى فاى فى شقة جارنا  اللدود ناعقا فى صوت يشبه عاصفة ترابية

  الحلو نخشش فى دماغى .. شمبر لى قلبى و جاب داغى..

ساعة عصارى ..و قد تحول المكان الى خلية نحل تتحرك فى كل الاتجاهات .. حتى فراغ  العتبة  الواسعة بين الشقتين تراصت فيه الكراسى و حوى ضيوفا من آل السمبوخسى ..

    زغاريد  تطرقع  بمقامات لحنية مختلفة  و أطفال  سبق عجنهم بمية عفاريت  يتقافزون و يتماحكون و يتشاجرون -من بينهم الواد أحمد ابنى -.. و رائحة عرق مختلط بروائح بارفانية رديئة تفوح فى المكان ، يتفوق عليهما معا رائحة  الطعام  الذى يتم اعداده على قدم وساق فى  مطبخنا.. و قد بدأت عصافير بطنى تتساقط جوعا  و خاصة أننى على  لحم بطنى  من صباحية ربنا .. كنت قد جلست فى أبعد زاوية على واحد من المقاعد القطيفية الحمراء التى استأجرت من محل فراشة الأسطى عبده الطنيخى   مع السماعات  اذ كان الاسم مكتوبا على ظهر الكراسى بخط ردىء بحيث يرضى جميع الاحتمالات المتوقعة للاسم ، عبد الطبيخى ..عبده البطيخى .. عيد الطنيحى ..، و اكتشفت أثناء  سرحانى  فى البحث عن احتمالات أخرى للاسم ، أن الأذن مثلها مثل الحواس الأخرى .. يمكن أن تعتاد الدوشة و الهرج والمرج مع الوقت ..كما تعتاد العين على رؤية القبح ، و الأنف على رائحة المخلفات ..و الدليل أن أذنى  المتربية على العزقد تدفق فى قوقعتها ما لا يقل عن خمسين أغنية من الصنف الهابط و المتدنى ، و المنطلقة من سماعات الأسطى عبده الطنيخى بأعلى معدل ( ديسيبيل ) عرفه الانسان منذ العصر الجوراسى ، و مع ذلك لم أمت أو أنهار أو تبدو على ملامحى علامات عته منغولى !.

    امتلأت الصالة الفسيحة لآل السمبوخسى عن آخرها بوجوه متنوعة و أجساد متفاوتة الغلظة .. يربط بينها جينات وراثية لا تخطؤها العين .. و تتعدد أطيافها من  المرهرط  الى  المكلبظ  الى  المتهدل  ثم المنتفخ و المحشو و  المطرمخ  ..فكنت تقريبا الوحيد الذى يمنح للمكان انكسارا لونيا مختلفا يميل للسمرة ، و ملامح دقيقة حادة تؤدى
دور ( الكونتراست ) فى لوحة آل السمبوخسى التى تتميز بلون رئيسى أبيض كثيف مشرب بحمرة النهم !.

الخامسة