.....................................
.....................................
.....................................
كانت السيارات من مختلف الأحجام و الأنواع ، و التى لم يتوقف هدير أبواقها ، قد بدأت تقذف ما فى جوفها من بشر ، بما فيها عربات النصف نقل التى حملت المدعوين من جماعة أبوطور و أتباعهم من عزوة و جيران و معارف ، جميعهم كان يرتدى الجلباب ، باستثناء البعض الذى تميز بالعباية و اللاسة و العصاة التى تمنح وجاهة و رهبة لحاملها فى آن .
فى ثوان ، كان الشارع قد ( انبدر ) بالوجوه الغليظة المتجهمة لذوى أبو طور ببشرتهم السمراء الكابية ، و عيونهم الضفعدية الجاحظة ، و أخذوا يتصايحون ، رافعين العصىّ و الشوم فى الجو كأن معركة سوف تدور ، مما أضفى على مشهد الزفة بعدا ارهابيا .
و طغى وقع لهجتهم الريفية الغريبة على أذنى ، والتى تشبه ثغاء الخراف ، و تنتهى فيها الكلمات جميعها ملحونة و منتهية ( بعلامة الجر ) كأنما خارجة من فم كهفى كسول !!
استوقنى منظر العريس الذى بدا و كأنه يرتدى بدلة لأول مرة ، اذ ( انشطح ) الجاكيت الى الوراء محدثا فجوة واسعة بين القفا وأعلى الظهر ، كما أنه ظل ممسكا بفردة رجل البنطلون
اليمنى ، رافعا اياها لأعلى كأنما يرتدى جلبابا !! أما العروس أنوسة ، فلم أعرفها من الوهلة الأولى .. وقفتُ مبهوتا أحملق فى وجهها الملطخ بطبقة سميكة من الدهانات الملونة و الذى بدا كوجه مستعار من أفلام الرسوم المتحركة .
و لاحت عيناها بدون النظارات كخطين أفقيين تتوسطهما نقطتان لامعتان ،و قد وقفت راسخة و شامخة كتمثال مهيب ، و على وجهها ظل ابتسامة ثابتة عند درجة بعينها ..
كانت ترتدى فستان سواريه من الساتان ( الكرنبى ) ، مغطى بطبقة من الشيفون ، و مطرزا عند الصدر باللؤلؤ الأبيض ، بينما انتثرت دوائرالترتر البراقة عند خصرها ، و انتفخ نصفها الأسفل فى ( الجيبون ) الفخيم ، فبدت مثل خيمة مستديرة كرنبية ، تأوى تحتها أسرة بكاملها .
و قد شغل الفستان و صاحبته حيزا كبيرا من الفراغ ، مما جعل بينها و بين العريس فجوة غير يسيرة ، أعجزت العريس عن احتواء ذراعها ، فاكتفى ( بدلدلة ) كفه اليسرى فى محيط ذراعها المكتنز !!
لاحظت الأستاذ على السمبوخسى يقف على مقربة منى مبهورا وطائرا من الفرحة .. فحاولت الوقوف فى جهة أخرى حتى لا يصطادنى و يحتكر أذنى طوال الليل .. لكنه لمحنى فأنطلق نحوى متهللا و معاتبا :
- كدا برضو يا بو احمد ؟! .. دانا دخت عليك السبع دوخات ..فاتك نص عمرك .. دى زفة العربيات كان لها العجب .. خدناها م المنتزة للأنفوشى .. الكورنيش كله كان واقف على رِجل ..والعربيات تحدف شمال و يمين ، و بييب بييب بييب .. مش باقوللك .. أنُّوسة دى بنت حلال مصفى !
بدا الأستاذ على متسامحا مع الماضى ، ماحيا من ذاكرته مغامرات أنوسة البلكونية ، و بدأ مشهدى التلاصقى معه يتكرر ، و لكن فى الوضع وقوفا.. فمه فى اذنى و كفه تضغط مع كل كلمة على ذراعى .. غير ان فرحته الفطرية و حماسه المشتعل جعلنى ارتضى ( ضمنا ) كل ما يفعله بى ، بل ساعدته طوعا بإدخال أذنى فى فمه ..و أمسكنى فجأة من ذراعى كأنما يقبض علىّ ، قائلا
- تعالى أعرّفك على الحاج عُصمان .. أبو العريس