.....................................
.....................................
.....................................

لم يكن الفتى المحمول جوا على الأعناق ، مكتفيا بالصياح ، بل كان يجسد مضمون الهتاف بذراعيه وكفيه ، بل و أصابعه ، فبدا محترفا و متمرسا على قيادة زفات الشوارع .. و هنا كان قد بدأ يشير باصبعيه السبابتين تجاه أهل العريس صائحا :

ياللى ع الترعة ...     ثم يشير بنفس الاصبعين تجاه السمبوخسية :
حَوّد ع المالح
ياللى ع الترعة .. حوّد ع المالح ...
عندكو الترعة .. و عندنا المالح..

و أردف مستبدلا طبقة الجواب بالقرار :

شعرى بيوجعنى
من ايه ؟!
من شدّك ليلة امبارح
ياللى ع الترعة حوّد ع المالح
خدى بيوجعنى
من ايه ؟!
من بوسَك ليلة امبارح ...

كان الفتى قد افتتح هتافه ( بالشَعر) ليهبط من أعلى الى ما تيسر من اعضاء الجسم ، فلم يبدو على أحد أن حياءه انخدش ، بل كان الحريم   أكثر حماسا من الرجال أنفسهم ، فى ترديد الصيحات التى انتهت عند ( السِّمانة ) .. وبدأ الشباب يتقدمون الى الأمامتصحبهم هتافاتهم ، لكن رهطا من البنات ( الزغاليل ) اللاتى كن ينتظرن اللحظة المناسبة ، أخذن يصفقنو يتمايلن ، محلِّقات فى دائرة  واسعة حول  بولا  أخت العروس ، و التى رفعت يديها الى أعلى ، و أخذت تحرك كفيها فى الهواءبنعومة و ليونة ، و بدأت وصلة من الرقص البلدى مع ايقاع( التـّت ) الصادر من الدى جى ، يدعمه فى توزيع ايقاعى حى فرقة المزمار.

   و رغم بدانة بولا المتفجرة ، الا أنها بدت أخف من ريشة وهى تتمايل فى تناغمدقيق مع الايقاع ، و بدا أنها خرقت قانون الجاذبية بحيويتها وتمكنها المحكم فى السيطرة على كل تفصيلة فى جسمها ، فحينا ترعش جزءا ، ثم ترد عليه بارعاش الجزء المقابل فى حوار جسدى محكم ، ثم تتباطأ فى دلال تعبيرى ، و فجأة تقفز لأعلى ثم تهبط فى بطء شديد يفرضه ايقاع التت ، مؤرجحة وسطها بانسيابية لا تتناسب و ضخامتها ، حتى تكاد تلمس الأرض بمؤخرتها ، فتبدأ رحلة الارتفاع المتباطىء و قد أمالت أحد جانبيها و تركته  يرقص وحده ككيان منفصل تماما عن بقية جسمها ، ثم تتحول الى الجانب الآخر ، ليكرر نفس الحركات اللينة الاهتزازية المثيرة !!

     فى الوقت ذاته ، كنت أرنو بحذر الى القدود الأنثوية الطازجة والمحرضة لصديقات أنوسة و بولا ، و التى حُشرت فى فساتين السواريه الضيقة  من كافة المقاسات.. و أخذتُ أتأمل فى الانحناءات الأنثوية الاعجازية  للزغاليل غير عابىء بثرثرة الأستاذ على ، و دنوت  مجذوبا من  التجمع ( الطرى ) المثير و قد دنا معى الأستاذ على السمبوخسى مجذوبا بالتبعية ، و أخذ يحملق فى بلاهة ممزوجة بالفرحة الى ابنته بولا وهى  تواصل رقصتها ، و التى أنهتها بطريقة استعراضية مدهشة ، فقد أرعشت جسمها فجأة كأن كهرباءا أمسكت بها ، بينما مدت ذراعيها فى خط أفقى ، و أخذت تُجنّْح بهما مثل طائر رشيق و عملاق ، و مع آخر ( دُم ) فى الايقاع توقفت كل الاهتزازات و الارتعاشات ، وقد انحنت ضامة  نفسها مثل حرف ( الواو ) ..

الثالثة عشر