يالروعة هذه اللغة العبقرية ! كم تضم بين جنباتها من المعاني الخلابة والأحاسيس الجذابة وكأنها الربيع بعينه حين ينشر وشاحه العبق الفواح ليعانق السهول والهضاب فيحيلها إلى مشهدٍ نضرٍ متميز البداعة والألوان ... وكذلك الحال بالنسبة لهذه اللغة الخلاقة فكم تزخر بالألوان المشرقة المتقدة ...
فهناك لون البلاغة ولون المعاني ولون التراكيب ولون الألفاظ ولون الصور ولون الأفكار ولون الأسلوب ... إلخ وتحت كل لون تنطوي عدة ألوان لتتوالد فتظهر لنا ألواناً وألواناً إلى ما لانهاية ... وباختصار فلكل أديب لونه ولكل شاعر أسلوبه ولنا أن نتخيل عدد الشعراء والأدباء في عالمنا لندرك عدد الأساليب والألوان الأدبية والفكرية! وأنا ألمح في هذا النص لوناً من الرمزية الحالمة ... حيث عمدت الشاعرة إلى ترك الألوان المباشرة في التراكيب واعتمدت على مذهب الرمزية لما له من وقع على قلوب المتلقين ... فمذهب الرمزية يتميز ببلاغة الإيجاز من حيث مفاهيم اللغة كما يتميز أيضاً بالتركيز على نظرية الإسقاط التي تلوح بها المعاني للقارئ بصور متباينة القسمات عديدة الرؤى ليفهمها كل قارئ حسب ثقافته الأدبية والنفسية والعاطفية وبذلك يكون العمل أكثر حيوية وجمال .. ومثال ذلك كأن ترى طائراً جميلاً من مكان بعيد فتتخيل صوته وترانيمه على نحو معين تبعاً لخبراتك وأفكارك في هذا المجال وكأنك تراه ... أو أن تسمع صوت حفيف بتلات الورود من خلف سياج بعيد وقد داعبها النسيم العليل بأنامله الرقيقة فتستحضر في قلبك تلك الرائحة الفواحة الزكية وكأنك قد شممتها عن كثب وفي ذلك إعمال للخيال عريض ...
ما كان إلا الشعر .... يا صغيرتي
ما كان إلا نظرة سريعة للرب
تتبع هذا القلب
ما كان إلا الحب
ما كان إلا هذه .... القصيدة
بريدنا اليومي ...للاله
عن هذه الحياة
ما كان إلا هذه الصلاة
تلك هي منزلة الشعر لدى الشاعرة .. فهو الحب وتقلب القلب وطلب الرحمة والصلاة والدعاء وكأنما انطوت به جوانب اليقين والإيمان بالإله المحيط بكل شئ !
ما كان إلا شرفة علوية
يطل منها قمر وحيد
بوجهه الشهيد فالشعر عندها صاحب مقام رفيع يتربع وحيداً على عرشه الوثير ولايقبل له منازعاً فيه ويضحي من أجله بالحياة والنفائس ..
ما كان إلا الشعر ......... والمقاهي
و هؤلاء والناس
و الدخان و الأنفاس
ما كان إلا يقظة الأجراس
ما كان إلا وجهك الملقى على النعاس
يطفو بهذا الكاس
فهو يضم الناس جميعاً تحت سقف المشاعر ويوحدهم داخل بوتقة العشق الأبدي الفريد فلا يستطيع أحد منهم التفلت من سطوته وسلطانه الساحر الأخاذ ثم تبدأ صوره بالتلاحم مع بعضها لتعكس لنا ذلك النسيج العاطفي الوثير الذي يضمهم أجمعين
ما كان إلا الحب والطريقة
فراشة كقبلة الرفيقة
على الشفاه
السمر والحقيقة
نظرتك عميقة للشعر ولقد عبرت عنها بطريقة رمزية مبتكرة فتارة بالتجسيد الحسي للصورة وتارة بالإشارة المعنوية للفكرة وتارة بالمعنى المباشر وتارة بالصمت وعدم التعبير لفسح المجال أمام قارئك ليعبر معك .. وهذا مذهب من أنواع المذاهب الأدبية المختلفة وهناك آراء كثيرة للبلاغيين في الإيجاز والإسهاب تبعاً لما يتطلبه الوقف فلكل مقام مقال !! ولكن القليل من الشعراء والأدباء الذين يجيدونه على النحو الصحيح لأنه غالباً ما يكون في الآداب الغربية المترجمة إلى العربية تمنيت لو أنها طالت فيطول معها الاستمتاع والتأمل .. أتطلع وأتشوق للمزيد... سلمت يراعتك ياشاعرة !