والذكريات صدى السنين الحاكي
مركب فجل سوّيت .. و چروخه شلغم !
كثيرون من نقدة الفنون كتبوا
يقولون ان الغناء العراقي قد تاخر وان حداثة الاغنية ليست غير وهم ويدللون على صحة
حكمهم بالاشارة الى ان الفنانين العرب الذين زاروا العراق في العقدين الأخيرين ، قد اجمعوا على انهم لم يعرفوا من مطربي العراق الا ناظم الغزالي وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم ، فهل أن عدم معرفتهم بمطربين آخرين تعني ان الطرب عندنا قد تأخر ولم يتقدم ؟
لست اريد الخوض في الجواب على ذلك ، وإنما احب ان احدث قراء " جريدة العراق" عن بعض مااعرفه عن الأغنية العراقية ، والأدوار التي مرت بها ، وعن المطربات والمطربين الذين شاركوا في تطوير الأغنية عندنا ، ولن اتطرق الى الأغنية الحالية لإنها مرت بأصعب الظروف ، وهي ظروف الحرب العراقية - الإيرانية وإجتازتها بنجاح ملحوظ .
الاغنية التي طرقت مسمعي في منتصف العشرينات ووعيتها حتى اليوم هي التي كان مطلعها :
مركب فجل سَويت و چروخه شلغم
وكان ذلك خلال ايام عيد الاضحى وقد ذهبت مع النسوة الى "المراجيح"
التي كانت تنصب على مقربة من مقبرة الشيخ عمر فيذهب اليها الصبيان والأولاد ، اما النساء والأطفال والبنات الصغيرات فكن يذهبن اما الى احد البيوت التي تقام فيها مرجوحة، كبيرة ليركبن فيها واما يدخلن الى بيت من البيوت التي يرقص فيها بعض الرجال وقد تزينوا بازياء النساء وكانوا يعرفونهم بإسم "الشعاعير" وقد دخلت الى بيت منها ورأيت اربع نساء ينقرن بالدنابك والراقص يرقص والقادمات قد تحلقن حوله. وكانوا
يغنون ويقولون : مركب فجل سوّيت .. كذا فدهشت لأنني لم أفهم كيف تكون الباخرة من الفجل ، ولا كيف تكون دواليبها من اللفت ! ومن يدري فلعل الذي نظم الأغنية كان يريد ان يحدثنا "سريالياً" او انه قد نظم ما صار يحاكي فيما بعد ، ولكن باللغة الفصحى وليس بكلام العامة
و بعد اعوام لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة ، كانت " الفونغرافات " قد انتشرت في المقاهي ، وصار اسمه بلغة الضاد هو " الحاكي " وصار الحاكي في كثير من البيوت ، وصارت الشركات الخاصة بـ الإسطوانات تقوم بملء اسطواناتها بالأغاني العراقية ، وكان المطرب محمد القبانجي صاحب النصيب الأول من تلك الإسطوانات التي ملأ بعضها في بغداد وملأ غيرها في أوربا التي زارها على نفقة احدى شركات الإسطوانات.كما تضمنت اسطوانات تلك الأعوام اغان للمطربات جليلة العراقية - ام سامي - وبدرية أنور - ومريم كجك ومنيرة الهوزوز ، ثم سليمة مراد وزكية جورج وغيرهما في الثلاثينات ومابعدها.
وقد كان لتلك الشركات دورها البارز في ايصال اصوات بعض مطربي المدن العراقية الى أسماع العراقيين في انحاء القطر ، وهكذا صار المغني الذي يشتهر في البصرة او الناصرية او الموصل يتمكن من ابلاغ صوته الى بقية انحاء العراق وهكذا عرفنا المطربين الريفيين .
ثم قامت الإذاعة العراقية فالتلفزيون ،، وصار بامكان المطريات اسماع الى كل المستمعات والمستمعين . ثم رؤية وجوههن ووجوههم،هذا بالإضافة الى من اتاحت لهم الافلام العراقية فرصة الظهور على الشاشة الكبيرة والغناء عليها . وظلت الأعوام تتعاقب والإختراعات تتوالى في مجال تسجيل الأغاني حتى وصلنا الى مانحن عليه اليوم ونسأل : هل ان الأغنية العراقية قد هبطت عن مستواها ، ام ماذا ؟
وقبل الإجابة نسأل : هل ان الذين يتحدثون عن هبوط مستوى الأغنية العراقية قد الموا بكل اغانينا ام انهم يتحدثون عن اغاني عقد واحد او عن اغاني عقدين من الزمن ؟!
يبدو انهم يتحدثون عن اغاني فترة زمنية وعوها ، وإلا لما تشكوا من بعض اغاني هذه الأيام ، لأن الأغاني العراقية القديمة حفلت بالرديء والجيد ، وكان بين الرديء تفاهات مرفوضة ولكنهم - ناس تلك الأيام - كانوا يستمعون الى الذين ينشدونها ويصفقون لهم .
فاضافة الى اغنية ، مركب فجل سوّيت ، وچروخه شلغم، كانت
اغنية سورية قد شاعت وهي تقول :
هي كالوا كلوكه .. يابنت الملوكه
اهلك ما يعطوك .. إلا بالحلالوا
وكانوا يغنون في بغداد اغنية مطلعها :
عفاكي عفاكي .. على فن العملتينو
انا اتعبو وانا شقيتو .. على الحاضر اخذتينو
ومن اغاني العشرينات وبعدها كانت الأغنية التي مطلعها :
فانصوكم عالدرب هوّ العمه عيوني !
وعندما ظهر المطرب محمد القبانجي كان من قراء المقام
في حينه كل من المطربين رشيد القندرجي ونجم الشيخلي وجميل البغدادي
وغيرهم ثم ظهر ناظم الغزالي ويوسف عمر وعبد الرحمن خضر ثم جاء
الجيل الجديد من قراء المقامات ، وقد اعطى كل واحد منهم مااستطاع اعطاءه ، وكان القبانجي قد اثار عليه قراء المقام في وقته لأنه جدد وطور
في الغناء ثم سمعنا عن الغزالي ويوسف وعبد الرحمن وغيرهم لأنهم
تلاميذ القبانجي ، ولم نسمع من احد بأن قراءة المقام قد انتكست ولاقيل
ان غناء البستات قد اصيب بالضعف والانحلال.
وكانت المطربات منذ العهد العثماني حتى الإحتلال ثم قيام الحكومة العراقية ، لايؤدين الغناء الا في الملاهي حتى قامت الاذاعة فصرنا نسمعهن منها ايضاً وبرزت في نهاية الثلاثينات كثيرات ومنهن المنلوجست
عفيفة اسكندر وقد سمعنا من المطربات جيلاً بعد جيل اتفه الأغاني
وأروعها ، فسمعنا من سليمة مراد اغنيتها :
يامنيتي وكَت الفجر .. وكَت العصر
وسمعنا في ذات الوقت اغاني مثل اغنية الغجر التي ادوها في الملاهي
التي عملوا فيها بعد الحرب العالمية الثانية :
إتنام المسعده وتكَول مدري بَه
وسمعنا الكثير التافه فهل يصح ان نقول عن الغناء انه كان دون المستوى لوجود بعض ماسمعناه وذكرنا بعضه ؟
الجواب الطبيعي هو : "كلا" ذلك لأن الغناء عندنا قد تطور مع كل ماطرأ على العراق من تطور في جميع الميادين وإنتكاسة في اغنية او تراجع في
ناحية ثانوية لايجوز ان نستخرج منها حكماً عاماً !
والحديث يطول وقد نعود اليه في وقت قادم .
صادق الأزدي تصوير : امري سليم
جريدة العراق -العدد -3977-الثلاثاء 14- شباط 1989
{من أرشيفي الخاص}