زيارة عبد الوهاب للعراق عام 1932

تعقبت ما تفضل الاخوة المشاركون بايراده بمناسبة احياء ذكرى وفاة الموسيقار عبد الوهاب، ولكني لم اجد مع الاسف اي اشارة الى الزيارة التي قام بها عبد الوهاب للعراق في سنة 1932 مع ان هذه الزيارة كانت حدثا هاما في تاريخ عبد الوهاب الفني.
فحين تلقى عبد الوهاب الدعوة لاحياء حفلات غنائية في بغداد، نصحه امير الشعراء احمد شوقي بالامتناع عن السفر لانه كان يعتقد ان حالته الصحية لا تسمح له بان يتحمل مشاق السفر برا في تلك الايام. ولكن عبد الوهاب قرر ان يسافر وان يستغل هذه الفرصة للتعرف على النشاط الفني الموسيقي والغنائي في القطر العراقي، علما بان موسيقى واغاني العراق لم تكن منتشرة في تلك الاحيان في مصر او غيرها من الدول العربية. وقد عبر احمد شوقي عن خشيته على عبد الوهاب بقصيدة "يا شراعا" التي لحنها عبد الوهاب واداها في حفلة الافتتاح التي اقيمت على مسرح حديقة المعرض في بغداد بحضور الملك فيصل الاول. وتجدر الاشارة هنا الى ان عبد الوهاب لحن وغني العديد من اشعار امير الشعراء بالعامية والفصحي، ولكن قصيدة "يا شراعا" كانت المرة الاولى والوحيدة التي كتب فيها احمد شوقي قصيدة خاصة لعبد الوهاب وحول عبد الوهاب شخصيا، اذ انه يدعو في مطلعها لعبدالوهاب السلامة في السفر حيث يقول:
ياشراعا وراء دجلة يجري
في عيوني تجنبتك العوادي
سر على الماء كالمسيح رويدا
واجر في اليم كالشعاع الهادي

وقد احيا عبد الوهاب خلال زيارته تلك حفلات غنائية على مسرح حديقة المعرض خلال شهر كامل وحظي من الجمهور العراقي بكل حب وتقدير. وكان طبيعيا ان يحاول الاتصال بالمحافل الموسيقية والغنائية، فتوجه بعد ان انتهى من احياء حفلته الى احد الملاهي التي كانت مشهورة في بغداد وهو ملهى الهلال، وهناك تعرف مع اعضاء فرقته على الموسيقار العراقي صالح الكويتي الذي اشتهر بالعزف على الكمان وتلحين الاغاني آنذاك. ويحكى ان كلا من الفنانين وجد في الآخر ضالته المنشودة، فكانا يلتقيان كل ليلة تقريبا بعد ان ينتهيا من عملهما في دار الضيافة التي كان يقيم فيها عبد الوهاب لكي يتبادلا الحديث عن الموسيقى والغناء حتى الفجر. وقد اخذ عبد الوهاب من صالح الكويتي مقام اللامي الذي لم يكن معروفا في مصر واستعمله فيما بعد في عدد من الحانه، واخذ صالح الكويتي من عبد الوهاب مقام الزنجران الذي لم يكن متداولا في العراق واستعمله هو الآخر في الحانه. كما استغل عبد الوهاب هذه الفرصة للتعرف على موسيقى الكويت وغنائها من صالح الكويتي الذي بدأ نشأته الفنية في الكويت،وكان يتقن موسيقى الكويت وغناءها. واستمرت العلاقات المتبادلة بين الاثنين بعد ان عاد عبد الوهاب الى القاهرة، لسنوات عديدة.