رد: تحقيق حصري : فيديوهات فريد الأطرش بالألوان – القصة كاملة
الاتصال بفريد الأطرش ودوره في تكوين المكتبة الشرقية للسكوبيتون
بعد النجاح الذي عرفه دخول الفنانين الشعبين الجزائريين للسكوبيتون ، بدأت الجهة المنتجة تفكر في الانفتاح على الطرب الشرقي باعتباره الأكثر شعبية والأكثر توحيدا للدوق العربي خلافا للأشكال الغنائية المحلية محدودة الإقبال جغرافيا ، ولا توجد لدينا أية معطيات عن الكيفية التي وقع بها اتصال الجهة المنتجة بفريد الأطرش قصد الدخول للسكوبيتون ، لكن لدينا مجموعة من المعطيات التي يمكن أن ترسم طريق الإجابة ، نحن في صيف 1969 ، إعلاميا كان عبد الحليم حافظ نجم المرحلة مستفيدا من تأييد إعلامي ورسمي كبيرين ، لكن المنتجة الكبيرة السيدة دايدي دافي بوايي فضلت أن تتعاقد مع فريد الأطرش لا ليفتتح الكوتالوج الشرقي للسكوبيتون بأغانيه فحسب، ولكن ليلعب دور مستقطب النجوم الذين سيصورون سكوبيتونات للشركة ، وقد نوه فريد إلى هذا الدور في إحدى حواراته الصحافية ( أنظر القصاصة المرفقة ) ، وحدد حتى عدد الأعمال التي اتفق على إعدادها وعددها 50 عمل عبارة عن أغاني ورقصات شرقية ، وقد قام فريد الأطرش بالفعل في الشق الشرقي بنفس الدور الذي قام به المطرب الشعبي الجزائري صالح سعداوي في استقطاب الفنانين المغاربيين وتكوين المكتبة المغاربية للسكوبيتون.
الاتفاق مع فريد ليكون عراب المكتبة الشرقية للسكوبيتون لم يكن مفاجئا ، ففي الستينات كان فريد يُسوق في فرنسا على أنه الممثل الشرعي والأوحد للموسيقى الشرقية في الغرب بعد أن طرحت أعماله في فرنسا على نطاق واسع ، فقد اختار قائد الاوركسترا المشهورفرانك بورسيل أربع من أعماله ووزعها توزيعا اوركستراليا صدر في أسطوانة 45 لفة ، كما غنت المطربة مايا كازبيانكا لحنه يا جميل يا جميل في أسطوانة فليبس ، وكان المخاطب الرئيس لجمعية الملحنين والمؤلفين وناشري الموسيقى بباريس منذ 1961 ، كما كانت له صداقات كثيرة في أوساط الإنتاج الموسيقي بباريس ، يكفي فقط أن نذكر أن أحمد الحبيب حشلاف مدير القسم الشرقي بشركة EMI العالمية لمدة عشر سنوات كان صديقه الشخصي الحميم ، وفوق هذا وذاك كان فريد معبود الجماهير المغاربية التي كانت تشكل حينها 90 % من تشكلية الجالية العربية في فرنسا ، ونجوميته الطاغية في فرنسا تعود بجانب خصائصه الفنية المعروفة لاستمرارية مسيرته السينمائية التي كانت تمنحه دوما جمهورا متجددا وتزكي أسطورته الموسيقية ، والمرجح أن يكون عامل الشعبية هذا مرجحا له عند الشركة المنتجة ، ففي برنامج عن كنوز السكوبيتون بث في التلفزيون الفرنسي العام 1999 ، سئلت منتجة سكوبيتونات فريد الأطرش السيدة دايدي دافي بوايي عن الطريقة التي كانت تعتمدها لاختيار المغنين العرب الذين ستنتج لهم فأجابت بجملة قصيرة ومعبرة "on se renseigner sur les artistes de valeur " " كنا نسأل عن الفنانين دوي القيمة " مما يعني بجلاء أن المنتجة قامت باستفتاء ولو رمزي في أوساط المغتربين العرب أفضى إلى اختيار فريد الأطرش مرشحا أول ليصير نجم الأغنية المصورة بالألوان ، وبالفعل كان فريد قيمة موسيقية كبيرة ، وقد بصم ببصماته على الكتالوج الشرقي ، من خلال حضور كوكبة من الفنانين أغلبهم من تلاميذته كصباح ووديع الصافي وطروب وفدوي عبيد وفايزة أحمد والراقصة منى ابراهيم وغيرهم كثير .
الصورة لمنتجة سكوبيتونات فريد الأطرش السيدة دايدي دافي بوايي التي توفيت بباريس عن سن ناهز 94 سنة .
رد: تحقيق حصري : فيديوهات فريد الأطرش بالألوان – القصة كاملة
أسرار وكواليس التصوير
بعد أن تم الاتفاق بين المنتجة دايدي دافي بوايي والموسيقار فريد الأطرش ، ضرب الاثنان موعدا في ديسمبر 1969 ببيروت حيث سيحل فريق فني فرنسي من مهامه بجانب تصوير باكورة أعمال فريد الأطرش في السكوبيتون ، تصوير أعمال أخرى لبعض فناني الشام كصباح ووديع الصافي وفهد بلان وفدوى عبيد ، وبالفعل استقبلت بيروت ولمدة ثلاث أسابيع الفريق الفني الفرنسي برئاسة المخرج آلان بريني الذي عهدت إليه المنتجة دايدي دافي بوايي بإنجاز المطلوب .
اشتهر آلان بريني ( الذي يبدو في الصورة الأولى في كهولته ) بإجادته إخراج السكوبيتون ، فقد سبق له قبل هذا التاريخ أن أخرج سكوبيتونات لمجموعة من الفنانين الفرنسيين المشهورين ، كما دخل تاريخ الأغنية العربية حين أخرج السكوبيتونات العربية الأولى لمجموعة من الفنانين الجزائريين كصالح سعداوي وسليمان عزام و دحمان الحراشي وغيرهم .
كان الإكراه الأول أمام آلان بريني وفريد الأطرش ، هو مدة الأغنية التي لا يجب أن تتجاوز في أقصى الحالات أربع دقائق لإكراه فني بحت هو أن الشريط فئة 8 ملمتر الذي تصور به السكوبيتونات لاينبغي أن يتجاوز 40 مترا حتى يمكن تجميعه في اللفة الحديدية Bobine وتشغيله على الآلة ، لذلك نجد جميع الأغاني التي صورها فريد الأطرش للسكوبيتون قد خضغت لعملية مونتاج دقيقة قلصت على إثره إلى مدد راوحت ما بين 3 دقائق و 57 ثانية وأربعة دقائق ، بينما كانت جل التسجيلات الأصلية التي وقع عليها الاختيار تتجاوز هذه المدة بكثير حسب الحساب التقريبي بالدقائق ( اتقل 7.22 ، إياك من حبي 5.28 ، تأمر ع الراس وع العين 5.58 ، وياك 6.10 ، يا مالكة القلب 4.44 ، اشتقتلك 5.14 ، تقولا لا 4.52 ، نورا 6.22 ، دايما معاك 6.23 ، ياجميل 6.51 ) ،
الإكراه الثاني كان في إختيار الأغاني ، فمن المعلوم أن ديسكوغرافيا فريد الأطرش غنية بالألحان ، لكن الشركة المنتجة كانت تريد أغاني راقصة مفعمة بالحيوية والايقاع لإكراهات خاصة بأماكن العرض التي كانت عبارة عن حانات ومراقص ومقاهي ، وكان السائد في السكوبيتون هي الموسيقى الراقصة المتأثرة بموجة الديسكو القادمة من أمريكا لتمكين رواد هذه الحانات والمراقص من موسيقى تتيح لهم أجواء الرقص والمرح ، وقد كان تلك هي الإجابة عن سؤال طالما سأله الهواة عن أسباب اختيارالأغاني العشر التي صٌورت دون غيرها ، وكانت إجابة عن سؤال طالما طرحته شخصيا عن حضور أغنية إياك من حبي التي كنت أرى بأن عشرات من أغاني فريد أجدر منها بالتصوير إلى أن علمت أن الشركة المنتجة هي اشترطت حضور أغنية تنتمي إلى صنف Slow music .
بالنسبة لأماكن التصوير، فقد توزعت بين المسرح الروماني بمدينة جبيل حيث صُور سكوبيتون اشتقتلك في تذكير من فريد بتصويرنفس الأغنية على أطلال بعلبك في فيلم رسالة من إمرأة مجهولة ، وفي شلالات نبع الصفا صُورسكوبيتون تأمرع الراس وع العين ، والطريف أن ذات الأغنية كانت قد صورت قبلها بمدة قصيرة بنفس المكان بالأبيض والأسود لفيلم الحب الكبير، ولا نعلم لحد الآن ما إذا كان فريد الأطرش هو صاحب فكرة إعادة تصويرالسكوبيتون بنفس الموضع أو كانت تلك فكرة المخرج الفرنسي بعد مشاهدة الفيلم ، لكن الأكيد أن التصويرين كا نا متقاربين بدليل أن فريد إرتدى نفس البدلة في العملين معا ، أما تصوير باقي سكوبيتونات لبنان فقد كان تصويرا داخليا في شقة فريد الأطرش في محلة اللويزة ببروت .
بعد إنتهاء الشق اللبناني من التصوير توادع المخرج آلان بريني وفريد الأطرش على أمل أن يلتقيا في القاهرة بعد ثلاثة أشهر وبالضبط في شهر أبريل 1970 بمناسبة أعياد شم النسيم ، حيث من المقرر أن يصور المخرج الفرنسي أعمالا أخرى للسكوبيتون أغلبها لفايزة أحمد و لراقصات ذلك الزمن كنجوى فؤاد ومنى ابراهيم وغيرهن ، وبالفعل تم استكمال الشق المصري من سكوبيتونات فريد الأطرش ، ويستطيع العارف أن يميز بين السكوبيتونات التي صورت بلبنان وتلك التي صورت بمصر من خلال ديكورات شقة فريد الأطرش على النيل التي بدت في أعمال من مثل ياجميل ياجميل ودايما معاك .
في الصورة الثانية المخرج آلان بريني يوجه فريد الأطرش ونجوى فؤاد أثناء تصوير فيديو نورا ، وتبدو في أعلى الصورة أضواء التصوير الكاشفة .
رد: تحقيق حصري : فيديوهات فريد الأطرش بالألوان – القصة كاملة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عصام بن محمد
روعة روعة يا أخ أبو إلياس...وأنت الأول ربما الذي يوثق لسكوبيتونات فريد الأطرش التي ظلت دائما تشكل علامة استفهام بالنسبة لمحبيه
شكرا أستاذ عصام على تفاعلك مع هذا الموضوع منذ بدايته ، والحقيقة أن ما قُمت به يظل مجهودا متواضعا ، بدليل أن كثير من جوانب الموضوع ظلت دون جواب لا لشيء إلا لأنني أردت نشر المعلومات والجوانب التي ثبتت لدي من خلال البحث ، أما ما لم يثبت لي فلا يمكنني أن أخوض فيه وتلك من مقومات الأمانة العلمية ، ولقد سجلت من مداخلتك الأخيرة أنك قلت " إن سكوبيتونات فريد الأطرش ظلت دائما تشكل علامة استفهام بالنسبة لمحبيه "، وهواستنتاج في محله لأن هذه السكوبيتونات حين بثت في فرنسا في أوائل السبعينات نشرت على نطاق جد محدود إذ لم يشاهدها إلا المغتربون العرب ممن كانوا يرتادون المراقص والحانات وفي بعض المناطق فقط كالضواحي الباريسية ومارسيليا ، لذلك لما طرحت هذه الأعمال في كاسيت فيديو منذ خمسة وعشرون سنة ، ذُهل محبي فريد عبر العالم لأنهم يكتشفون بعد رحيله بأكثر من 15 سنة فيديوهات لمطربهم المحبب في مرحلة متقدمة من العمر يؤدي بعض أغانيه القديمة بالألوان الطبيعية ، وكلنا تساءل آنذاك ما قصة هذه الفيديوهات ؟ ولماذا لم يتحدث عنها أحد ؟ قد يقول قائل أن الكتب التي كتبت عن فريد كانت تتناقل عبارة " وولج العالمية حين فتحت له نافذة على أوربا ، وصورت أعماله بالألوان ونشرت بالسيني بوكس " ، لكن هذه الافادة لم توحي لي رغم أني قرأتها لمئات المرات بأن المقصود هي هذه الفيديوهات ، لذلك فإن هذا التحقيق المتواضع إنما رام التأريخ لهذه الفيديوهات منذ أن كانت فكرة في ذهن منتجيها إلى أن صورت وشوهدت ، ولتذكير الهواة بلحظة إعادة إكتشاف هذه الفيديوهات أرفع من مكتبتي صورة غلاف أحد أشرطة الفيديو التي عرفت بهذه الأعمال على نطاق واسع منذ 25 سنة خلت .
رد: تحقيق حصري : فيديوهات فريد الأطرش بالألوان – القصة كاملة
هكذا استقبل المغتربون العرب سكوبيتونات فريد الأطرش
وصلت أشرطة أولى سكوبيتونات فريد الأطرش آلات العرض في مقاهي وحانات باريس وضواحيها في النصف الثاني من العام 1970 ، سرعان ما إنتشر الخبر بين المغتربين العرب ، وأصبحث فيديوهات فريد الأطرش حديث المقاهي والمنتديات ، لم يكن غريبا أن تصادف مغتربا مغاربيا ممن يرتادون الأماكن التي تعرض السكوبيتون دون أن يبادرك بالقول " يا سيدي يا سيدي فريد في السكوبيتون " .
وفي الحقيقة كانت فيديوهات فريد الأطرش المصورة بالألوان الطبيعية فرصة لوصل الماضي بالحاضر ، فأغلب الأغاني التي صورت بتقنية السكوبيتون سبق لأغلب مغتربي باريس أن شاهدوها بالأبيض والأسود في أفلام فريد الأطرش التي كانت تعرض خصيصا للمغتربين بسينما نوكس في حي بلفيل بالدائرة 20 .
يحكي الذين عايشوا الفترة أن التفاعل مع هذه الفيديوهات لم يكن يقتصر على المشاهدة فحسب ، وإنما كان يتجاوزها لعقد المقارنات بين الممثلات والراقصات والأماكن وقبلها بين فريد في شبابه وكهولته .
ولعل أبرز ميزات هذه الفيديوهات أنها كانت تخلق مشاعر متناقضة في نفسية مشاهديها ، فهي إن كانت تذكر المغتربين العرب بالزمن الجميل زمن نورا ودايما معاك ووياك ، فإنها كانت تفضح لديهم عدم الإحساس بالزمن يحكي لحسن مغترب مغربي ؛ لأن المشاهد يكتشف بمقارنة الأغاني في صيغتيها بالأبيض والأسود وبالألوان كيف جرى به الزمن وغزا الشيب مفرقه كما غزا مفرق فريد الأطرش نفسه .
ولما كانت الآلة تعرض شريط واحد وإثنين لفريد الأطرش دون أن تجاوزهما ، فقد كان على عشاق فريد انتظار تغيير الأشرطة التي تتم بين الفينة والأخرى لاكتشاف الأغنية القادمة ، بل كان البعض - كما حكوا- يتجول بين مقاهي وحانات باريس والضحية لمشاهدة الفيديوهات التي لم تعرض في مقهى الحي أو مقهى محل عمله، ومن الطرائف التي حكيت أيضا أن فيديوهات فريد الأطرش عرضت خلال حرب الاستنزاف وكانت علاقة الجاليتين العربية واليهودية في فرنسا حينها جد متوترة بسبب عدوان يونيو 1967 ، لكن كل ذلك لم يكن يمنع كثير من اليهود من أصول شرقية من التسلل إلى المقاهي والحانات العربية للترنم بأغاني معشوقهم فريد الأطرش .
بعد مشاهدة السكوبيتونات العشر لفريد وإعادة مشاهدتها لعشرات المرات ، ظل السؤال الذي كان يتردد على كل لسان ؛ ماهي عناوين الأغاني القادمة التي سنشاهدها لفريد على السكوبيتون!!! ؟؟؟ الصورة التجسيدية للمشاركة تمثل أجواء مقهى للمغتربين العرب بباريس في خمسينيات القرن الماضي .