حين ذكر اسم الشاعر الغنائي الراحل ' عبد السلام زقلام ' لا بد أنْ تتقافز إلى الأسماع ، كوكبة ٌمن نصوصه الشعرية ، التي غدت بعد تصييرها إلى أنغام من أجمل و أروع الأغنيات الليبية الحديثة ، مثل : أغنية ( أصحاب الغية ) لحن و غناء ' إبراهيم فهمي ' و أغنية ( هاي ننسى ) لحن الموسيقار ' علي ماهر ' و أداء الفنان ' مصطفى طالب ' و أغنية ( من يستغنى عليك ؟ ) لحن الفنان الكبير ' إبراهيم أشرف ' و شدو المطرب الراحل ' خالد سعيد ' و أغنية ( يا سلام ع الحب ) لحن و غناء الفنان ' أحمد فكّرون ' إلى غير ذلك من أغنيات و أصوات و أسماء ، قد تعاملت مع هذا الشاعر الكبير ، فقد كان الفقيد فارجة خير و نجاح على كل مُلحِّن ، و نافذة بحرية يطلُّ من شرفتها الواسعة ، المطربون على الجمهور ، كما النسمات المنعشة في يوم ٍ قائظٍ ، بكلماته اللطيفة في معناها و الظريفة في أوزانها و الخفيفة في ظلها و العفيفة في مغزاها .

كان العمر الفني لهذا المؤلف الغنائي قصيراً جداً ، فلم تمهله الأقدار فرصة ، كي يشّعرنا بكل ما يدور في قريحته من مشاعر ، يمكن أنْ تُقال شعراً ، لتغنى فيما بعد ، كما هي عادة الأقدار دائماً مع الشعراء المتميزين ، لكنّ جودة ما دوّنه من أشعار ، هي من نقشت اسمه بمداد من ذهب في ديوان الأغنية الليبية .
لقد عرفنا الشاعر المتميز ' عبد السلام زقلام ' من خلال مفرداته و تفعيلاته و بنائه الشعري ، و كذلك بأفكاره الناضجة و مضامينه المبتكرة ، التي لم يقترب منها أيُّ شاعر غنائي ليبي قبله ، و لم يمسّسها سواه ، فقد شكّل أوان بزوغ نجمه في سماء الأغنية المحلية صُحبة الشاعرين ' فرج المذبل ' و ' يوسف بن صريتي ' لغة شعرية حديثة ، تتحدث بلسان جيل جديد من الشعراء ، و تعبّر عن مشاعر جيل من المستمعين الشباب ، فأسهمت من ثم ، في تطوير الأغنية الليبية بمفرداتها و مرادفاتها المغايرة للتي كان الجيل الأسبق من الشعراء ، يمضي عليها من خلال الصياغة على منوال الشعر الشعبي بمفرداته الغائرة في العامية المنغلقة على الذات ، و أوزانه المألوفة ، فقد كان الراحل و زميلاه هذان ، بالإضافة إلى الشاعر الكبير ' أحمد الحريري ' من الجيل الذي تلى ، و استلم الراية من الجيل الذي سبقه بريادة المُحدِّث في التأليف الغنائي ' عبد السلام قادربوه ' و ' الطاهر شقليلة ' و ' محمد مخلوف ' و ' عاشور عبد العزيز ' و ' مسعود بشون ' و ' مسعود القبلاوي ' و ' علي السني ' فقد كانوا مثل العدائين في حلبة سباق ( التتابع ) و هم يستلمون ( الشاهد ) لإكمال المَهَمَة المُهـِمَة ، و الوصول إلى نقطة النهاية البعيدة ، التي لا يستطيع عدّاءٌ بمفرده إدراكها إلا إذا تضافرت معه الجهود ، غير أنهم كانوا جميعاً ضمن فريق واحد ، خيّمت عليه روح التعاون و المحبة و الإخلاص ، لأنّ التنافس أو التسابق بينهم ، لم يك تسابقاً بين خصوم متبارين ، بل تسابقاً شريفاً و وديّـاً بين شركاء لأجل غاية و هدف مشترك ، هو الرقي بالأغنية الليبية – لفظاً و لحناً و أداءً – إلى مصاف الأغنية العربية في الأقطار الأخريات ، فبأفكارهم المتفتحة و بثقافتهم المتنوعة و الواسعة ، فتحوا على الملحنين مسالك عدة ، ليتحرّروا من عِقال الرتابة اللحنية ، التي رانت لفترة ليست بالقصيرة على الغناء في ( ليبيا ) بيد أنّ أغلب مجايليه ، عُرفوا كصحفيين و ككـُتـّـاب مرموقين ، لهم شأن في الصحافة الليبية ، فضلاً عن كونهم شعراء أفذاذاً .
فرج المذبل
يوسف بن صريتي
أحمد الحريري
شاعر يسعد بآلامه :
إذا أخضعنا أعمال الشاعر الراحل ' عبد السلام زقلام ' لمختبر التحليل البنائي للنص الشعري الغنائي ، فسوف نجد أنها عُصارة الشعور بالضيم ، و من المألوف أنّ مثل هذا الشعور العنيف ، غالباً ما يولّد في النفس البشرية شعوراً مضاداً و مماثلاً تجاه كلّ من كان سبباً في إيلامنا ، لكنّ إحساسه بهذا الشعور الصعب ، ولّد في نفسه المرهفة و في خلجاته الرقيقة ( رومانسية ) مفرطة ، أفرط في ترجمتها في نصوصه الشعرية الغنائية ، فقد تسامت نفسه على الجراح ، و أضحى يصرُّ في أعماله على أنْ يُصنِّف ذاته بالحبيب المخلص و الوفي ، المتعالي على كل ما يساور و ينتاب أحاسيسه من أحزان ، حتى بات لا يرتهن أحاسيسه لما يبادله به الآخر ( الحبيب ) من صفاء أو جفاء ، فمهما يكُن من شيء ، فإنّ قناعته العاطفية لا تتبدّل البتة ، فهو من زمن الحب ؛ و لعلّ مطلع أغنيته ( ما ليش غيرك ) يترجم هذا التصور - الذي أرتأيه من جهتي - فقد أحبّ أنْ يوصلنا إياه ، من خلال أوتار آلة قانون و حنجرة الفنان الرقيق ' إبراهيم فهمي ' ملحن و مؤدي هذا العمل البديع ، إذ يقول على لسان الأخير :
ما ليش غيرك يا زهور اربيعي
شاري هواك حتى إن كان اتبيعي ..
و على الرغم من تطابق عنوان هذه الأغنية مع أغنية ( علشان ما ليش غيرك ) للموسيقار الراحل ' فريد الأطرش ' التي كتبها له الزجّال المعروف ' فتحي قورة ' و يقول مبتدؤها :
علشان ما ليش غيرك الليل تسهرني
علشان ما ليش غيرك دايماً محيرني
إلا أنّ ' فريد الأطرش ' في هذا المطلع من هذه الأغنية ، يُعرب عن استيائه و ندمه بعد فوات الأوان .
أخذت هذه الأغنية للشاعر الراحل ' عبد السلام زقلام ' للتدليل على صحة ما تطرقت إليه بخصوص الرسالة الشعرية في مضمون الأغنيات التي درج عليها و أراد إبلاغنا إياها ، و ما يؤكد ذلك ، إذا استمعنا إلى أغنيته ( من يستغنى عليك ؟ ) حينما يشدو المطرب الراحل ' خالد سعيد ' من ألحان الموسيقار العبقري ' إبراهيم أشرف ' و من كلماته في البيت ( الكوبليه ) الثاني منها :
لا يصبر قلبي لا يتوب
ولا يرضى ابغير المكتوب
يا محبوب .. أني حبي ما فيه عيوب
حياتي ليك .. و لو تطلب عمري نعطيك ..
أرسي بمركب تنقلاتي بين أغنياته في هذه المحطة ، و بالتحديد عند ( الكوبليه ) الأخير من أغنية ( هاي ننسى ) و هي كما ذكرت في مستهل مقالتي هذه ، من ألحان الموسيقار ' علي ماهر ' و غناء المطرب ' مصطفى طالب ' :
وصورتك مرسومة
افـ موج البحر فوق ع القمر و انجومه
احني روح وحدة بينا مقسومة
احني قلب دقاته غلا طوالي .. ج البحر فوق ع القمر ونجومه ...
احني روح وحدة بينا مقسومة
احني قلب دقاته غلا طوالي