مساهمات السيدة أم كلثوم في السينما الغنائية العربية
مقالة كتبت خصيصا بمناسبة احتفالات المنتدى بالذكرى 34 للرحيل
يرجع ميلاد السينما الغنائية العربية إلى بداية العقد الثالث من القرن العشرين ، ويجمع مؤرخو الفن السابع العربي أن أول فيلم غنائي عربي كان هو أنشودة الفؤاد وقامت ببطولته المطربة نادرة وعرض في 22 مارس 1932 بعده قدم الموسيقار محمد عبد الوهاب فيلم الوردة البيضاء الذي عرض 14 ديسمبر 1933 ، وبعدهما قدمت سلطانة الطرب السيدة منيرة المهدية فيلمها الغندورة الذي عرض في يوم 2 أكتوبر 1935 ، أما السيدة أم كلثوم فلم تلتحق بالركب إلا بتاريخ 10 فبراير 1936 حين عرض فيلمها الأول وداد ومن الفترة الممتدة من سنة 1936 إلى عام 1947 لم تقدم السيدة أم كلثوم إلا ستة أفلام فقط وهو رصيد متواضع من حيث الكم إذا ما قورن بالرصيد السينمائي للكبار ، وفي عرضي لمساهمة السيدة أم كلثوم في إغناء السينما الغنائية العربية لن أسوق تفاصيل قصص أفلامها الست لأنكم حفظتموها عن ظهر قلب لكني سأتوقف على بعض الملاحظات والإرتسامات التي سجلتها من خلال استقرائي للأفلام الست التي مثلثها :
- أدركت السيدة أم كلثوم بحسها الفني أن وظيفتها ليست هي التمثيل بل الغناء لذلك جاءت أفلامها غنية بالألحان فقدمت في أفلامها الست معدل عام قدره 8 ألحان في الفيلم الواحد مقابل معدل عام للفيلم الغنائي العربي خلال الفترة من بداية الثلاثينات إلى أواسط السبعينات قدره 5 ألحان ؛
- قدمت السيدة أم كلثوم للسينما الغنائية العربية شكلا فريدا هو الفنتازيا التاريخية التي تعتمد القصص التاريخية الخيالية فقدمت وداد جارية من عهد المماليك ؛ دنانير جارية من العصر العباسي ؛ سلامة جارية من العهد الأموي ..
- خلافا لمحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش اللذين إستأترا بتلحين جميع أغاني أفلامهما ، قدمت السيدة أم كلثوم للفن الغنائي العربي ظاهرة فريدة هي ظاهرة تنو يع ملحني الفيلم الواحد فنشأ عنها تنافس شديد بين ملحنيها الثلاث زكاريا أحمد ؛ محمد القصبجي ورياض السنباطي وسعى كل منهم إلى التفوق على منافسيه مما شكل قيمة مضافة عز نظيرها في تاريخ الفيلم الغنائي العربي ؛
- في جميع أفلامها حرصت السيدة أم كلثوم إثراء منها للفيلم الغنائي العربي على تقديم أغاني من ألوان وأشكال متعددة : القصبجي بكلاسيكيته المتطورة ، زكاريا أحمد بالتطريب القديم ورياض السنباطي بأعماله التجريبية من كل الألوان بإسثتناء فيلم سلامة الذي انفرد فيه الشيخ زكاريا أحمد بتلحين 8 أغاني من أصل تسعة التي تضمنها الفيلم ؛
- في فيلم عايدة قدمت السيدة أم كلثوم محاولة جرئية و غير مسبوقة في تاريخ السينما الغنائية العربية وهي تقديم الغناء الأوبرالي من خلال أوبرا عايدة للموسيقار الإيطالي فيردي و اقتبسها أحمد راطظكف في فصلين قام القصبجي بتلحين أولهما والسنباطي بتلحين الثاني في توزيع أوركسترالي لإبراهيم حجاج وشاركها في الغناء المطرب إبراهيم حمودة في دور راداميس والمطربة فتحية أحمد بدور أمنيريس ، والحق يقال أن هذه الأوبرا فشلت ولم تلق النجاح المعول عليه لأنها لم تستسغها الآذان العربية التي تعودت على الموسيقى التطريبية لكن تبقى هذه المحاولة رائدة وتحسب للسيدة أم كلثوم؛
- أتاحت الأفلام الغنائية أن نستمع للسيدة أم كلثوم في بعض الأعمال غير المعهود أن تغنيها ومنها الأغنية الجماعية بمشاركة الكورال كأغاني فيلم فاطمة نورك ياست الكل ؛ نصرة قوية وظلموني الناس؛
- كممثلة لم تكن السيدة أم كلثوم مقنعة كما لم يكن جميع كبار الطرب العربي مقنعين في التمثيل أمثال عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم وصباح وغيرهم بالمقابل في الغرب كان هنالك مطربين كانت له نفس موهبة التمثيل بجانب موهبة الغناء أمثال فرانك سيناترا وموريس شفالييه وشارل أزنفور وجاك بريل وغيرهم ، وفي فيلمها الأول وداد أدت دورها بفطرتها الطبيعية وتحسن أداؤها ابتداء من فيلمها الثالث دنانير إلا أنها تبقى بعيدة عن التمثيل حتى المتفرج وعى ذلك فيحكى الذين عاصروا هذه الفترة أن المشاهدين كانوا يغادرون الصالة بعد انتهاء آخر أغنية في الفيلم كما لو جاءوا ليستمعوا إلى أم كلثوم لا ليشاهدوها تمثل ،و لقد استفاد الموسيقار فريد الأطرش من الدرس ؛ ففي فيلمه الأول انتصار الشباب جعل أوبريت الختام آخر ما ينتهي به الفيلم ليشذ المتفرج إلى الفيلم حتى النهاية ؛
- من حيث المؤثرات الفنية في أفلامها تعاملت السيدة أم كلثوم في وضع الموسيقى التصويرية لجميع أفلامها مع محمد الشجاعي بإسثتناء فيلم نشيد الأمل الذي وضع موسيقاه التصويرية عزيز صادق ؛
- من جانب التمثيل وقف إلى جانب الست كبار الممثلين في عصرها كأحمد علام ؛ زكي طليمات ؛ سليمان نجيب ؛ يحيى شاهين وأنور وجدي ؛
- من حيث الإخراج تعاملت السيدة أم كلثوم مع كبار مخرجي عصرها كالألماني فريتز كرامب في وداد ، وأحمد بدرخان في نشيد الأمل دنانير وعايدة وفاطمة وتوجو مزراحي في سلامة ؛
- من جانب كتاب السيناريو تعاملت السيدة أم كلثوم مع شاعرها أحمد رامي والمخرج أحمد بدرخان و عبد الوارث عسر و مصطفى أمين ولم تقتبس إلا مرة واحدة في نشيد الأمل من قصة إدمون توميا ؛
- من حيث القيمة الفنية لأفلامها تبقى أفلام الفنتازيا التاريخية وداد ؛ دنانير وسلامة في المقدمة وتأتي عند النقاد قبل الأفلام التي نزعت فيها الملابس التاريخية لترتدي الملابس العصرية ؛
- يبقى السؤال الذي يطرح إلى اليوم لماذا لم تستمر أم كلثوم طويلا في تقديم الأفلام الغنائية وتوقفت ؟
على تقديرنا جميعنا للسيدة أم كلثوم التي قيل إن العرب اختلفوا في كل شيء واتفقوا على أم كلثوم ، يجب الاعتراف أن أم كلثوم كانت تفتقد إلى المقومات الشكلية للفتاة الأولى في السينما من جمال وقوام وغير ذلك وكانت تلك هي العملة السائدة التي تساهم في نجاح الفيلم وقد مثلت أول دور لها في فيلم وداد و هي في الثانية و الثلاثين من عمرها وأنهت آخر أفلامها فاطمة وهي في الثالثة والأربعين فلم تعد أدوار بنت العشرين تناسبها ، ومن الأسباب الوجيهة لابتعادها أيضا أن الست ربما أحست أن الأغنية السينمائية ليست مجالها ولونها لأن الأغنية السينمائية بطبيعتها تتطلب ألحان ومقامات بسيطة قريبة إلى الجمهور وتفتقر إلى مقومات الديمومة لأنها في كلماتها وموضوعها ، لاتستطيع أن تخرج عن النطاق العام للقصة السينمائية ، وقد يذهب اللحن والمجهود هدرا بمجرد عرض الفيلم وأن مجالها الذي خلقت له هو أداء المطولات على المسرح ، ويتفق جميع النقاد أن من مظاهر عبقرية أم كلثوم أنها عرفت كيف تنسحب من الميدان السينمائي في الوقت المناسب وهي في قمة مجدها السينمائي بعد النجاح الساحق لفيلم فاطمة .
فيلموغرافيا السيدة أم كلثوم
وداد أول عرض 10فبراير 1936
نشيد الأمل أول عرض 11 يناير 1937
دنانير أول عرض 29 ديسمبر 1940
عايدة أول عرض 28 ديسمبر 1942
سلامة أول عرض 9 أبريل 1945
فاطمة أول عرض 10ديسمبر 1947