الفرقة الماسية بقلم ابن الماسية الحلقة الثامنة منوعات وخواطر
الفرقة الماسية
الحلقة الثامنة منوعات وخواطر وذكريات
فى خلال سنوات الثلاثينيات والاربعينيات كانت مثل الفرقة الماسية حلم جميع الملحنين والمطربين وبالذات بعد النضج الذى وصل اليه التلحين والغناء فى تلك الفترة , كانت الحاجة لفرقة متجانسة من العازفين المهرة متواجدين فى نفس المكان ملحة جدا , لأن الحال فى تلك السنوات كما قلت قبلا فى كل لحن يتم جمع العازفين وتتكون فرقة لتسجيل لحن ثم تتفرق وحتى الملحن نفسه عندما يريد تسجيل لحنا تاليا تكون الفرقة التى تتكون مختلفة عن سابقتها قد يغيب افرادا وقد يزيد افرادا , وذلك بالنسبة للملحنين امثال عبد الوهاب والسنباطى يشكل مشكلة كبيرة من حيث ان لكل له اسلوب ومن المفروض ان الفرقة تحفظ الاسلوب لكى يستغل هذا التجانس بينه وبين الفرقة فى الابداع , وكان من مميزات الفرقة الماسية ان اى آلة غريبة يريدها الملحن فى اللحن الجديد تتجانس مع الفرقة من اول مرة بشكل جميل منقطع النظير , ومن اغرب الآلات الموسيقية تذكرون اغنية حبيبها لعبد الحليم حافظ , فى الكوبليه الذى يغنى وسرت وحدى شريداً كانت توجد آلة غريبة عن الموسيقى العربية ولم تتداول على الاطلاق سوى فى هذه الاغنية فقط ومن المؤكد انكم لاحظتم التجانس بين هذه الآلة الغريبة جدا وبين الفرقة حتى صارت الازمة من احلى الموسيقى فى موسيقى اغانى عبد الحليم وكان اللحن من توزيع الموسيقار الراحل على اسماعيل , طبعا تلك الفترة كانت قبل ان اعمل معهم بعدة سنوات ولم ادرى من اين اتى على اسماعيل بتلك الآلة العجيبة الجميلة او كيف جاءته الفكرة اصلا ً , واتحدث اليكم بصفة احبائى كانت لى علاقة بتلك الالة ولكن فى قصة قد تكون مضحكة قليلاً , تعلمون انى اعمل فى وزارة التربية والتعليم انا الآن موجه اول للتربية الموسيقية فى وزارة التربية والتعليم وبالطبع بدات حياتى العملية فى الوزارة مدرساً للموسيقى وتنقلت بين عدة امكنة , وذات مرة نُقلت الى مدرسة المتفوقين الثانوية بعين شمس , وتلك المدرسة الفريدة من نوعها وهى عبارة عن مدرسة كبيرة الحجم جدا لدرجة ان غرفة الموسيقى تقع فى آخر المدرسة كان لابد ان ادخل بسيارتى لأن المشوار كان طويلا جدا وتلك المدرسة كانت تستقبل اوائل الشهادة الاعدادية من كل المحافظات يعنى الخمسة الاوائل من كل محافظة وكانت داخلية وتخيلوا عندما يكون الفصل الدراسى يحوى عدد اثناعشر طالبا فقط مع اكفأ مدرسين يتم اختيارهم بدقة شديدة وعادة يكونون هم ايضا اوائل الثانوية العامة المهم عندما استلمت العمل كان اول شىء ان استلم غرفة الموسيقى واستلم عهدة الآلات الموسيقية
وكانت كالعادة تحتوى مثلا عدد كذا اكورديون وكذا كمنجة وهكذا فوجئت بكلمة غريبة عدد واحد جبتونة كهربائية , ولم اعرف معنى الكلمة ولكن وقعت على الاستلام وذهبت جريا لأرى ما هذه الآلة التى لا اعرفها وجدتها تشبه مابين المندولين والجيتار والقانون يعنى تعزف بالوضع الافقى كالقانون , وطبعا كانت اوتارها غير مضبوطة ولا اعرف سلمها المهم انها بقيت كما هى لم استطع الاستفادة منها , المفروض ان مدرس الموسيقى ممكن يدرس اى آلة غير الآلات التى درسها ولكن بشرط ان يحاول ان يعرف معلومات عنها لكن تلك الآلة العجيبة لم استطع الحصول على اى معلومات بشأنها لأنها غير معروفة المعلومة الوحيدة التى اكتشفتها انها هى التى عزفت فى مسيقى كوبليه وصرت وحدى شريدا لعبد الحليم .
ومع توالى الخواطر كانت الفرقة الماسية الفرقة الوحيدة فى العالم العربى التى تستطيع ان تسجل عليها اى الحان او اى نوعية موسيقى مهما كان نوعها او لونها او جنسيتها بأعلى درجة من الجمال والاتقان اولا لوجود خبراء فى الموسيقى للتدوين يدونون اى شىء وطالما كان الورق سليم ترى العجائب . وكلمة الوان الموسيقى لكل دولة لون مختلف او نكهة مختلفة ولكى نعطيك تلك النكهة كانت المهمة الشاقة تنقسم الى قسميم اولهما الفرقة الماسية عندما يكون اللحن سعودى كانت الاوراق مكتوبة ببراعة تجعلنا نعزف سعودى وكأننا مولودين فى السعودية ولكن يبقى الشق الخطير من اهم مميزات الموسيقى الخليجية الايقاعات وهذا شىء لا نستطيع ان نجيده بالطبع لأن ايقاعات الخليج كانت متعددة ومتداخلة يعنى لابد من اربع او خمس عازفين كل واحد منهم يعزف ايقاع مختلف فى نفس الوقت ومجموع ماتسمعه هو الذى يعطيك النكهة الخليجية , كانت لهم طريقتهم والتى لن نستطيع ابدا ان نقلدهم لأن المطلوب ليس عازفا واحدا كانت تكون سهلة لأن كان عندنا حسن انور يعزف المستحيل ولكن كانت المشكلة لابد من وجود كما قلت 4 او خمس عازفين يعزفون تداخلات صعبة جدا ومن الصعب حتى تعليم او تدريب هذا العدد عندنا فى مصر لأن هؤلاء الخمس عازفين لابد ان يكونوا مولودين اصلا فى الخليج يعنى راضعين هذه الايقاعات من المهد , وحللنا المشكلة جعلنا الملحنين السعوديين يحضرون معهم من السعودية الخمس عازفين , وهم عليهم الايقاع مع لمسة تجميلية من حسن انور ونحن علينا الموسيقى , وكان الابداع الذى تسمعونه فى اغانى محمد عبده وطلال ومن جاء بعدهم وبدءوا من القاهرة وهم نجوم اليوم وجاء بعدهم الملحنون والمطربون من جمبع انحاء الخليج ثم من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب , استطعنا التغلب على كل تلك المشكلات , هناك مشاكل اخرى فى الموسيقى , يعنى مثلا اللبنانيين وبالذات الرحبانية واذكر من كان معهم مايسترو مشهور الآن اسمه توفيق الباشا , كانوا يتميزون بلون مختلف او نسيج مختلف وبالذات الاكثار من استعمال الاكورديون ولكن بغيارات او الوان محددة كانت كل طلباتهم عندنا , بعد احداث لبنان والحرب الاهلية كانوا يسجلون الموسيقى عندنا فى الفرقة الماسية ويأخذون الشرائط الى اليونان وفيروز تركب صوتها عليها , وبعد التسجيل كنت اراهم يسمعون ويبدون اعجابهم الشديد لأننا اعطيناهم الالوان التى يريدونها بكل دقة .
وهنا لايفوتنى احتكاك مهم فى حياتى بموسيقار كبير جدا هو الموسيقار عبد الحليم نويرة ,
وهذا الرجل لن توجد كلمات توفيه حقه وللحديث عنه امامى مواضيع متعددة لست ادرى من ان ابدأ ولكنى سأحاول , امتاز عبد الحليم نويرة بالتوزيع للموسيقى الشرقية من لون جميل جيد وغريب يظهر بتمعن فى نشيد كان من تلحينه اسمه ارضى وهذا اللحن يبين تناول للهرمنة فى الموسيقى العربية بشكل خاص جدا وهو الهرمنة التى توضع تحت المقام الشرقى وهو الشىء الذى كان يتفاداه الجميع بمعنى لو اى موزع عندما يوزع لحنا به جملة بياتى ثم تليها جملة كرد او نهاوند او حجاز تجده يبدع بصدر مفتوح وشجاعة واقدام فى هذه المقامات لأن دراسة التوزيع الاكاديمية غربية اصلاً ولكنه يحذر او يحجم فى الجملة من المقام الشرقى
ولكن عبد الحليم نويرة كان يقتحم المقام الشرقى ووصلت عبقريته ان الهرمنة تكون ايضا بمقام شرقى وسجلنا معه عدة الحان راينا فيها السحر والاعاجيب وما لم نسمعه او نحسه من قبل . وعندما اتكلم عن نويرة لا اغفل فرقة الموسيقى العربية , وقد عزفت فيها حوالى عام ونصف , وتلك الفرقة عندما انشأتها الدولة فى الستينات كان الاعتماد او النظر اساساً على عازفى الفرقة الماسية لأنهم كانوا العصب الموسيقى فى الموسيقى الشرقية وكانوا هم هم فرقة السيدة ام كلثوم وانشات الدولة نظام فرقة الموسيقى العربية وكان موعد البروفات كل يوم من الساعة الخامسة مساء الى السابعة حتى لايتعطل هؤلاء العازفين عن الفرقة الماسية ولم يوجد عازف ماهر فى مصر إلا وعزف مع فرقة الموسيقى العربية .
وعندما اتكلم عن نويرة لايفوتنى اعظم دور له وهو الحفاظ على التراث القديم ولولا هذا الرجل العظيم لضاع تراث السابقين الى الابد .
عندما تتجول بين صفحات التاريخ تسمع اسماء محمد عثمان وكامل الخلعى وعبده الحامولى وغيرهم كثيرون , وهؤلاء منذ اكثر من مائة سنة قدموا اعمالا غاية فى الروعة وهى من كنوز تراث الموسيقى العربية ولكن المشكلة الخطيرة ان كان لايوجد تدوين موسيقى , كانت اعمالهم تنتقل بواسطة الحفظ والتلقين واخطر ما فى تلك الطريقتان ان اللتلقين او الحفظ كان عن طريق التداول بين مغنى ومستمع حتى التسجيلات بأنواعها لم تكن قد تداولت فى مصر
يعنى لو عندك اسطوانة قديمة جدا مجرد ان تديرها وتسمع مافيها هنا انت تستمع الى مقنن يعنى شىء محدد , لكن عن طريق المطربين كان كل منهم يغنى ما يحلو له ومجرد انتقال اللحن من شخص الى آخر يفقد جزء . والفرق الخطير بيننا وبين الغرب ان التدوين الموسيقى بدأ منذ عصر الباروك وتم تدوين كل همسة من وقتها وصار التداول من النوتة الموسيقية والتى لاتقيل اى تحريف ولو نظرنا الى بيتهوفن مثلا كل حرف الفه كان يدونه بيده يعنى عندما تسمع سيمفونية لبيتهوفن هى هى كام الفها بيتهوفن حرفا حرفاً
عندما نعود الى التراث هنا مسألة فنية احب ان الفت نظركم اليها , زمان من 100 سنة كان الوقت بطىء والمطرب ممكن يغنى الدور الواحد فى وصلة غنائية تستغرق اكتر من ساعة ولو قارننا كلمات الدور من حيث الحجم يعنى دور كادنى الهوى مثلا كان ثلاث اسطر واغنية امل حياتى 30 سطر كان المطرب يغنى تلك الثلاث اسطر فى ساعتين يعنى جملة للحسن ده بالطبع اميل كان يغنيها بثلاثون لحن مختلف يظهر براعته فى التنقل بين المقامات والتجويد ومساحة صوته اللحنية من الحاد الى الغليظ , وكان اللحن انا اسميه متفتح يعنى مثل عزبة بدون اسوار ولكن اغنية امل حياتى مثلا محددة اللحن لو خرجت عن اللحن فى اى لحظة المستمع سيحس انك عملت شىء خطأ ولكن اللحن المتفتح كما قلت ان المصيبة فيه ممكن تدخل وتخرج فى مواضيع تانية تجد ان اللحن صار لحنا مختلفاً , انا حصل معى نفس الشىء منذ شهرين , طلع فى دماغى اعزف دور كادنى الهوى وبينى وبينكم المنتدى هنا هو اللى شجعنى اول شىء استمتعت الى التسجيل الخاص بفرقة عبد الحليم نويرة واشكر الاخ زكريا من امريكا انه اهدى المنتدى 8 اسطوانت نادرة من كنوز هذه الفرقة وهو السبب الاساسى ان فكرت اعزف هذا اللحن لأنى لما نزلت الاسطوانات من موضوعه هذا الدور انا اعشقه ,
انا احب دائما ان ادرس اى عمل اريد عزفه بالذات عندما يكون لون غريب غير ما تعودت عزفه وجئت فى البحث وكتبت كلمة كادنى الهوى وهالنى مارأيت وجدت هذا الدور موجود على المنتدى بصوت اكتر من عشر مطربين وايضا مسجل بكمنجة امير الكمان سامى الشوا ولا اخفى عليكم ان هذا العزف لسامى الشوا اثار عندى الحساسية انى اعزف شىء مختلف ومش حانكر انى كنت اريد اعزف شىء احلى وبدأت الاستماع الى التسجيلات وجدت مشكلة ان كل مطرب منهم يختلف اداءه عن الآخرين بنسبة خمسين% على الاقل عن المطرب الآخر
دى قد يعتبرها البعض تجويد او اظهار شطارة ولكن انا عادل صموئيل ابن الفرقة الماسية وابن عبد الوهاب والسنباطى اعتبرتها مصيبة تساءلت اين اللحن الاساسى ؟ فين الشىء اللى لحنه اصلا محمد عثمان ؟ يعنى تخيلوا قصيدة لأحمد شوقى من 40 بيت فيهم عشرين بيت
حد مغيرهم يعنى ضاعت قصيدة احمد شوقى , وهنا احسست بالدور الخطير الذى عمله عبد الحليم نويرة , كان صديقى الشخصى وكنت اذهب كثيرا الى الفيللا التى كان يسكنها فى كوبرى القبة لنعمل سويا , كانت زوجته السيدة الفاضلة الصحفية سكينة السادات , ذات مرة اثناء انهماكنا فى عمل موسيقى فجأة ضرب الجرس وفتح السفرجى الباب رأيت القادم من بعيد شخص اسمر يلبس جلباب ابيض وشبشب او صندل دققت فيه ولن تتخيلوا كان الرئيس انور السادات جاى يزورهم تخيلوا سيادة الرئيس فى عز مجده يخرج بمفرده فى سيارة صغيرة ويزور اهله بدون موكب وموتوسيكلات وجلس معنا وتضاحكنا .
المهم هذا العبقرى كان يذهب يبحث عن بقايا مطربين زمان العواجيز ومن شتى المحافظات يحضرهم ويجعلهم يغنون ويسجل لهم وبعد ان يتشبع من دور ما يبدا فى كتابته من جديد يبنيه مستخدما الاطلال التى وصل اليها الدور او بقايا او قطع من المنزل المهدوم وانشأ منه عملا اهم مايميزه اولا كان الدور بشكله القديم لايصلح للجذب الجماهيرى فى الستينيات يعنى مش معقول الناس متعودة تسمع ام كلثوم تغنى 30 بينت فى ساعة ونسمع واحد بيغنى جملة للحسن ده بالطبع اميل فى ساعة , كانتالادوار القديمة ستفقد قيمتها وتصبح موضة قديمة تتلاشى كما تلاشى وابور الجااز وقطار البخار وهنا اتى دوره ان يصنع الدور فى عشر دقائق مع احلى الجمل والتنقلات اللحنية يعنى يركز كل الحلاوة والخلاصة والبهريز ولكن بطريقة تتماشى مع المسمتعين والعصر وايضا لتبقى ونتيجة عمله اليوم مازالت الفرقة موجودة ولها جمهور وبالذات من الشباب وعدد الحضور مكتمل دائما ومازالت تعمل على تراث عبد الحليم نويرة
اذكر ايضا الموسيقار الكبير محمود الشريف والذى كان له لونا مختلفا , فى الفترة التى عملت فيها سجلت معه عدة مرات ولكن فى اواخر ايامه , ولكنه كان قويا ومرحا مبتسم دائما ويتحرك برشاقة لاتتناسب مع سنه ولكن الموسيقى تجرى فى دمائه والموسيقى شابة دائما تعطى المتعامل معها الشباب الدائم ....
اذكر ايضا ملحن اسطورى ...... احمد صدقى ايضا سجل معنا ولكن فى اولخر ايامه ايضا ... كان عجوزا جدا ولكن مازالت الموسيقى تنساب منه بشباب وعذوبة وهؤلاء العمالقة عندما تنظر اليهم لا تنظر الى شكلهم الحالى ولكن تخيل تاريخه وعندما نظرت اليه سمعت كل اغانى ليلى مراد , شممت رائحة بحر مرسى مطروح فى فيلم شاطىء الغرام , سحر الماضى , تذكرت ضخرة وقفت عليها ليلى مراد وصورت لقطة من فيلم شاطىء الغرام ثم سميت هذه الصخرة الى اليوم صخرة ليلى مراد , يعنى اى انسان يذهب الى مرسى مطروح ولم يشاهد صخرة ليلى مراد تكون زيارته باطلة , تخيلوا جمال التاريخ وهل لنا ذكريات اليوم مثل تلك الاحلام ؟؟؟
بالتامل فى صفات هؤلاء العمالقة تجد ان كل ملحن له مطرب يألف اليه او ان هذا المطرب او المطربة يعطيه الهاماً او ابداعاً خاصا لا يجده عند غيره من امثلة ذلك الكثيرة الدويتو شادية ومنير مراد فقد لحن لهل مجموعة كبيرة من ااغانى الرائعة كونت مايسمى بالفنانة شادية , وكان منير مراد اخف الفنانين ظلاً كان يسكن فى العمارة المجاورة للفرقة الماسية وكنت ازوره كثيرا لدون له اعماله الموسيقية الرائعة , واحيانا تكون ضالة الملحن شخصية بعيدة عن المألوف , آخذ من ذلك مثلا الموسيقار الكبير كمال الطويل وجد كنزا فى سعاد حسنى , واقول بعيدة عن المالوف ان سعاد حسنى مثلت سنوات طويلة ولم نعرف عنها انها تغنى او على الاصح كلمة تغنى يعنى طرب وعندما بدأت تغنى اكتشف فيها كمال الطويل مطربة متميزة وظهرت فى الغناء ب لالا فى مقدمة الدنيا ربيع وهل احسستم بالمساحة اللحنية العريضة جدا والنغمات الصحيحة , ولولا انه احس بموهبتها لما جعلها تدندن مع المقدمة التى اعتبرها صعبة نسبيا ولكن لى وقفة مع لحن متميز جدا مع انك من اول وهلة قد تستغرب كلامى لحن من فيلم شفيقة ومتولى اسمه بانوا بانوا .. ولو تأملنا ظروف هذا اللحن ان صلاح جاهين الف الكلمات كلمات ساخرة مثل كلمات المنولوجات او ممكن نسميها كوميديا سوداء
والطبيعى الشائع فى تلك الالحان ان الملحن يلحنها بطريقة بسيطة وايضا لأن سعاد حسنى بخفة دمها وحركاتها اى لحن بسيط سيؤدى الغرض ولكن الملحن العبقرى كان له رؤية اخرى مغايرة تماما للواقع , لم يحس ان الكلام كوميدى وخفيف تخيل انه امام سلوا قلبى ولحن الكلمات على اعلى مستوى وتجاوبت سعاد حسنى وقالت وقالت .. من ضمن كلمات الاغنية جربنا الحلو المتعايق ابو دم خفيف .. وبقينا معاه اخوة شقايق فاكرينه شريف .. اتاريه مش كده على طول الخط .. الطبع الردى من جواه نط .. ماخلاص ده مهما انشال وانحط ... الخ
نجد هنا الكلمات شكلها كلمات منولوج ساخر ولكن تلحين كمال الطويل هنا اعطى كمية طرب
من النوع العالى جدا وتجاوبت سعاد حسنى وانا سجلت اللحن معها بشكل احسسنى اننى امام مطربة مذهلة .. كمية طرب فى ادائها من اعلى الاداء المتمكن ثم ناتى للتسلسل الصاعد من اتاريه مش كده على طول الخط وانهت الجملة عند كلمة نط وكلمة خلاص وضعت سعاد حسنى عفقة او عربة بين حرف ال ط وكلمة خلاص شىء مستحيل انا سمعتها آلاف المرات وهذه العُربة تجعلنى احس بقشعريرة غريبة ...
وخرجت من كل تلك التجارب والمشاهدات ان هؤلاء العمالقة فى كل عمل او اى عمل كانوا مجيدين او مبتكرين وصنعوا فناً عظيما . ومن تخيلاتى مثلا الفنان عمار الشريعى مع انه مكفوف يعنى ان مجال الثقافة امامه محدود لكن انظروا الى مستوى ثقافته وبالذات فى برنامج غواص النغم , انا اتخيل لو شخص مبصر دخل لمكتبة الاذاعة واراد اختيار اغنية ليقدم منها برنامج مثل غواص فى بحر النغم اعتقد انه سيتجول ويتجول هو يرى الشرائط ليختار شريط ولكن عمار فرصته فى التجول محدودة ولكن انا اتخيل انه لو دخل المكتبة واخذ اى شريط تمر عليه يده سيخرج منه بحلقة تحليلية ممتازة واقولها اى شريط لأن هؤلاء العمالقة كانت كل اعمالهم روائع تُدرس كدروس فى الابداع الموسيقى لثلاثة اسباب اولهم انهم كانوا مبدعون ولايقدمون اقل من الابداع شعرة وثانيا المنافسة يعنى كان عدد كبير من العمالقة وكل يتباهى بأعماله هذا الجو خلق ابداعاً اكثر فوجود المنافسة تجعل الابداع اعلى من وجود عبقرى واحد وثالثاً المناخ كان الجمهور على اعلى درجة من التذوق ويرفض المستويات الاقل لدرجة ان عبدالحليم والذى من الصعب ان تلد النساء مثله واحدا ثانيا مكث فترة عشر سنين لايعترف به الجمهور ولكن اليوم اى واحد اقولها اى واحد ليس له علاقة بالغناء وضعه فوق مسرح فى حفلة واضاءة وموسيقى صاخبة سيعتبره الجمهور نجما .
من اهم صفات هؤلاء العمالقة الاهتمام بكل حرف فى اللحن , مرة كنت عند السنباطى ادون له احد الالحان وفى احدى الجمل وكان مؤلفها اصلا وكانت جملة جميلة كالعادة ولكن لثناء ان كان يعزفها لى لم يعجبه حرف واحد نغمة واحدة توقف عندها وصار يكرر فيها ويغيرها وهنا تلاحظ الوسوسة التى يقع فيها او يمارسها المبدع واستعصى عليه احرف دقائق علما بان الحرف الول كان جميلا والجملة جميلة ولكنه لم يرضى بانها جميلة لابد ان تكون مبدعة وتفقنا عند هذا الحرف نصف ساعة ولست ادرى ما جعلنى بتسرعى وحماقة منى ان قلت له ( طيب ما تخليها حرف كذا ! ) وهنا تشددت اساريره وهم ان يضربنى بالعود وقال بالحرف الواحد ماتيجى تلحنه انت ! وتأسفت له وتفهم بسرعة وكان الحل المثل ان اخرج فى البلكون واتركه مع نفسه قليلاً الى حين يستدعينى ولم يطل انتظارى كثيرا نادانى واجاءه الوحى المطلوب واطلق الحرف القذيفة وهو مبتسما , ولم يتحدث بغضب ولكن انفرجت اساريره جداً لقد الف رياض السنياطى عشرات الآلاف من الجمل الرائعة ولكن بعد السنوات الطويلة كان هو يفرح بكل جملة مبدعة يصيغها فرحتك باول مولود تنتظرها بشغف هكذا كانوا وراودتنى تلك القصة وانا ادون لحنا لأحد ملحنى هذه الايام ذهبت اليه اول اكتشاف اكتشفته فيه انه لايعزف على اى آلة موسيقية اصلاً ( وهو ملحن معروف ) كان يلحن على المنضدة يعنى يطبل عليها وهو يدندن ترالا لا لا وهكذا طبعا اول شىء لأدون ان استخلص المقام الذى يقول منه والميزان , ولم يوضح المقام دندنته تبعد كل البعد عن نكهات المقامات المعروفة الشائعة ولا اخفى عليكم طبعا ليس له اى خبرة موسيقية ليستعمل مقاما غريباً او من المقامات التى يستعملها الجهابذة وهى بعيدة عن متناول العامة , وبعد جهد تخيلت المقام واسمعنى جملة باهتة لالون لها ولاطعم ( طبعا هو معتمد كعادته على الضجيج الذى تصنعه الايقعات المتوحشة والاورج والتوابل التى تستعمل اليوم لإخفاء ضعف الجمل الموسيقية ) قلت له ايه رأيك يا استاذ نخليها كذا فقال لى ماشى , ( وهنا تذكروا السنباطى رحمه الله عندما اوشك ان يضربنى بالعود لأجل اقتراح حرف واحد ) والجملة التى تليها ايضا غيرت له نصفها وهكذا الى آخر اللحن احسست انى عملت له اكثر من ثلاث ارباعه , ولا انكر عليكم لم تكن التغييرات التى اجريتها لها قيمة فنية ولكن كانت ارتجالات منى لتجبير الشىء المقرف المقزز الذى كان يدندنه وهكذا الحال .... كنت طول الوقت يراودنى شعور هل يعقل ان امتداد السنباطى وعبد الوهاب والقصبجى وغيرهم هؤلاء وهل نتقدم الى الوراء او نصعد نصعد الى هاوية ولكن اعود لأنى متفائل بطبعى اتحسس النقط المضيئة وسط الظلام الدامس , انا احب اذاعة البرنامج العام فى القاهرة , لأنى اسمعها تقريبا طول الوقت , احسست انها المحطة الوحيدة المحافظة على التراث وقيمة الفن , يعنى عندما تسمعها ساعة متصلة تحس ان التراث والاصالة مازالا على قيد الحياة ناهيك عن البعث الذى تعطيه لأحلى البرامج والمواد فى برامج الحان زمان وغواص النغم وتسجيلات من زمن فات يعيد اليك التاريخ والذى هو اغلى مانمتلك , ايضا اسعدنى منتدانا الحبيب اسعدتنى فيه المواهب المتعددة واكثر شىء اسعدنى فى هذا المنتدى اقبال الشباب حتى من هواة السمع والذين بوجودهم احس بالربيع , لأن الشباب فى هذه الايام معظمه يميل الى السطحية او على الاقل يسمعون ماتقدمه الفضائيات من ( ال لا فن ) ويدهشنى انهم اطلقوا على زماننا كلمة زمن الفن الجميل وهذه الكلمة لو حللتها لها خلفية غير المعنى الرومانسى الجميل الذى تحويه ولكن معناها ان الفن اليوم صار عكس كلمة جميل , صار شيئاً ليس له لون او نكهة او هوية او جنسية صار طبق فيه سمك على لبن على تمرهندى وفوقه كاتشب ومايونيز والغريب ان هذا الشىء يقبل عليه الكثير مما يشجع منتجيه على الاكثار والاستمرار فى انتاجه ويربحون منه الملايين
نحياتى والى القادمة
|