الموسيقى الغرناطية وفعالياتها بمدينة وجدة ج 1
بقلم :عبد القهار الحجاري – المغرب
(منشور بجريدة الفنون عدد 28 / شباط - فبراير 2003 )
تعتبر الموسيقى الأندلسية، من الألوان الموسيقية التراثية، الأكثر أصالة وعمقا. وتتميز بتنوعها، وغناها الفني. وتعدد أساليبها، تبعا لمدارسها الثلاث:
1- مدرسة الآلة.
2- المدرسة الغرناطية.
3- مدرسة المألوف.
كما تتميز أيضا بامتدادها الأورومتوسطي. وبطابعها المغاربي الإيبـري؛ نظرا للروابط التاريخية بين شعوب المنطقة. خاصة في عهد الحضارة الأندلسية. وما نتج عنها من إشعاع شمل مختلف أوجه الإبداع الفني والأدبي. ومس شتى مناحي الثقافة والفكر..
ونود من خلال هذه المساهمة، التعريف بالموسيقى الغرناطية في مدينة وجدة، إحدى أهم الحواضر المغاربية التي احتضنت التراث الموسيقي الأندلسي. وحافظت على اصالته ومقوماته الفنية...
مدينة وجدة، عاصمة الجهة الشرقية للمملكة المغربية. مدينة الألف سنة. المتاخمة للحدود المغربية-الجزائرية، تشكلت ملامحها الثقافية عبر الزمن. منذ أسسها زيري بن عطية المغراوي سنة 994 ميلادية (م) حاضرة شاهدة على التاريخ. بأسوار مدينتها العتيقة. وبواباتها الضخمة.. وأزقتها الاثرية البديعة. وأقواسها المتقنة الصنع. وأسواقها المزدحمة... تشم رائحة العصور الغابرة من جنباتها. وتشد مسامعك ألوان من الموسيقى المحلية المنبعثة، من المحلات التجارية للأشرطة الموسيقية المنتشرة وسط المدينة القديمة. ويمكنك أن تتعرف لونا من النغم الأصيل المتأنق، في إحدى الأمسيات الموسيقية، داخل إحدى المعالم المعمارية العريقة. في إطار الأنشطة الثقافية المحلية، والتي تتميز عروضها بجماليتها الأخاذة. التي تحملك إلى عوالم "الفردوس المفقود" (الأندلس). إنها الموسيقى الغرناطية أو الطرب الغرناطي كما يحلو للوجديين أن يسموها. ستجد نفسك في فناء بيت أندلسي المعمار. شاسع المساحة، تستغل فضاءاته، منذ عقود كمكتبة عمومية. تسمى: خزانة الشريف الإدريسي. وسط جمهور، له ذائقة جمالية خاصة. وأمام توالي فرق للطرب الغرناطي على الأداء الموسيقي والغناء. بزي، غالبا ما يكون مغربيا – أندلسيا، يتكون من جلباب أبيض وطربوش أحمر. وحذاء خفيف يسمى "البلغة". ويمكنك أن تتابع الطرب الغرناطي، أيضا في حديقة متحف " للامريم" الأثري حيث مسرحها في الهواء الطلق، لا يتسع إلا لبضع مئات من الحاضرين. وكأنه صمم خصيصا لجمهور نوعي غير محتشد، أو تستمتع به في "دار السبتي" العريقة... البديعة فسيفساؤها ونقوشها. فتوحي إليك أعمدتها الشامخة، وسقفها العالي. وشرفاتها المطلقة وجنباتها الواسعة... بجلال ورهبة المكان. وتخلبك ثرياتها المتدلية، وجدرانها المزينة... فتمس فعلا، بجمال السحر الوجدي.
وتشهد مدينة وجدة في السنوات الاخيرة حركة ملحوظة للموسيقى الغرناطية من خلال مهرجان الطرب الغرناطي الذي تشرف على تنظيمه كل سنة وزارة الثقافة والاتصال، ومركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة. وقد تعود الجمهور على برنامج من شقين: شق تطبيقي يتعلق بالأداء. وشق نظري فكري فهناك عروض موسيقية، تقدمها جمعيات وفرق للطرب الغرناطي بوجدة، ومنها: الجمعية الأندلسية، والجمعية الموصلية، وفرقة الشيخ صالح، والمجموعة الغرناطية لولاية وجدة، والجمعية الإسماعيلية، وجمعية السلام... وجمعيات من الجزائر الشقيقة،كجمعية نادي الهلال من مدينة مستغانم.. ويشارك في المهرجان أبرز الفنانين المغاربـيـيـن الممارسين لهذا النوع من الموسيقى، أمثال الشيخ أحمد بيرو، وعبد السلام بريول، وبهيجة رحال، وفرانسواز أطلان، وزبيدة الإدريسي وسامي المغربي..
كما جرت العادة أن يشتمل البرنامج أيضا على ندوات ،حول الطرب الغرناطي. من مختلف الجوانب التاريخية والفنية.. يساهم فيها عدد من الأكاديميين والباحثين، وأطر الجمعيات والمجموعات الموسيقية، بالإضافة إلى معرض لصور الدورات السابقة للمهرجان. وقد تمكنت هذه التظاهرة الفنية الهامة على مدار دوراتها الإحدى عشر، من استقطاب جمهور نوعي عريض من ممارسين للموسيقى، في ألوان نغمية أخرى، ومثقفين ومهتمين منذوقين...
في كراس للجمعية الاندلسية بوجدة، كتب بخط مغربي جميل بعنوان: نوبات من الطرب الغرناطي. صنائع أندلسية وقصائد مديحية، نقرأ في بطاقة تعريف الجمعية. "إن الموسيقى من أهم الوسائل التي ترقى بأذهاننا إلى مستوى الجمال المطلق والفناء فيه...". وفي النغم الأندلسي عامة والغرناطي بصفة خاصة. ما يجعلنا نحس بسعة فضائه، وعمق أغواره وسحر جماله... أكثر مما يمكن أن يصوره الطرب نفسه. والنغم الرفيع ليس مجرد طرب. بل يتعداه إلى ما هو أعمق.. إلى ما يوحي بالجمال.. ويرتفع بإحساسنا إلى مستوى الفناء فيه. إنها تلك الطاقة التعبيرية التي تزخر بها بنية العمل الموسيقي الغرناطي؛ النوبة بطبوعها وميازينها، بقالبها المصوغ بدقة فنية بالغة. بحييث ألفت الصياغة اللحنية بين عقلانية المنطق الرياضي، وشعرية النغم تأليفا عجيبا، تزخر به الحركة اللحنية-الإيقاعية... ويفصح عنه الاداء الموسيقي عزفا وغناء.
إننا نشعر بالطرب، بفضل تلك القوة التعبيرية المنداحة. وقد نشعر بالدهشة والانبهار... ويجتاحنا ذلك الإحساس بالجمال المطلق. بل ويمكن أن نرقي إلى درجة الفناء فيه.
ويؤكد الأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل صاحب كتاب "مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية" أن الموسيقى الأندلسية مكونة من ثلاث مدارس هي:
"المدرسة التونسية واصلها اشبيلي. والمدرسة الجزائرية وأصلها غرناطي. والمدرسة المغربية وهي متأثرة بالمدرسة البلنسية في فاس. والمدرسة الغرناطية الحديثة في تطوان وشفشاون..." وإن ما هو أكيد أن الموسيقى الغرناطية مدرسة أندلسية قائمة بذاتها. من بين ثلاث مدارس تشكل كلها الموسيقى الأندلسية: مدرسة الآلة وهي السائدة في المغرب مدرسة الغرناطي في وجدة والرباط والجزائر، ومدرسة المألوف في تونس. وعدد نوبات الموسيقى الغرناطية اثنا عشر نوبة كاملة هي:
الماية – رمل الماية – الرمل – الذيل – الرصد – رصد الذيل – الزيدان – الصيكة (بالصاد وهي مختلفة عن مقام السيكاه) – المزموم – الحسين – الغريب – المجنبة - وأربع نوبات ناقصة هي: الموال – غريبة الحسين – الجركاه – العراق – وإيقاعاتها خمسة هي: المصدر- البطايحي – الدرج – الانصراف –المخلس
يتبع
__________________
باحث في علم الموسيقى