أحمد شفيق كامل فى إنت عمرى
أحمد شفيق كامل فى إنت عمرى
بقلم: فاروق شوشة
أحل في عنقي دينا لثلاثة من شعرائنا يمثلون أجيالا شعرية ثلاثة لكل منها لغتها وعالمها الشعري وفضاؤها الذي تسبح فيه. أولهم الشاعر الغنائي الكبير أحمد شفيق كامل الذي أسعدني كل السعادة بديوانه أنت عمري الذي أصدره منذ أسابيع قليلة, بعد تردد طويل وإلحاح من أصدقائه المقربين, وبخاصة صديقه الروائي الكبير خيري شلبي الذي كتب للديوان مقدمة بالغة العذوبة. وقد أصبح أحمد شفيق كامل بفضل العديد من أغنياته التي ارتبط بها وجدان الملايين, في مصر والعالم العربي ـ أن يشغل مكانه اللائق به بين شعراء الأغنية الكبار: أحمد رامي وبيرم التونسي ومأمون الشناوي وحسين السيد ومرسي جميل عزيز وعبدالفتاح مصطفي وعبدالوهاب محمد وغيرهم وإن ظل قريبا من رومانسية رامي في الأغنية وعلي محمود طه في القصيدة, وكان الجواد الرابح في حمل كلماته إلي الملايين هو صوت القيثارة العبقرية التي لا تتكرر: أم كلثوم, بالاضافة الي أصوات نجوم الطرب والغناء وعمالقة الملحنين محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة والسنباطي وبليغ حمدي وكمال الطويل ومحمد الوجي وغيرهم لكن اختيار أحمد شفيق كامل لاسم أغنيته ذائعة الصيت أنت عمري ليكون عنوانا لديوانه دلالة علي إحساسه العميق بأن الأغنية التي حققت لقاء السحاب لأول مرة بين أم كلثوم وعبدالوهاب كانت نقطة فاصلة وقفزة في عالمه الإبداعي المتميز بعد أن أبدع حكاية شعب( قلنا حنبني وادي احنا بنينا السد العالي وذكريات وأبدع بعدهما خلي السلاح صاحي, وأمل حياتي وليلة حب والحب كله( والثلاث الأخيرة من روائع أم كلثوم), وعشرات من الأغاني والقصائد التي تميزت بالرقة الآسرة, وعذوبة التناول, وعفة التعبير, ونضارة اللغة وإشراقتها وشبابها المتوهج.( أليس هو صاحب وطني حبيبي الوطن الأكبر لكل الوطن العربي والإنسانية والتأملية والروحية أو الصوفية التي استأثرت بكتاباته الأخيرة بعد أن أعلن صمته وتوقفه عن كتابة العاطفيات وتفرغه التام لساحة الحب الأسمي وعشق الذات الإلهية علي طريقة شعراء الصوفية, وكتابة المدائح النبوية بعد أن عزف علي وتر الحب باقة من أجمل الأغنيات والقصائد:
يا حبيبي.. أي عطر أنت يسري ملء نفسي
أي ظل أنت يمتد علي أطلال أمسي
أي نور أنت في عيني جلا ظلماء بؤسي
أي بعث أنت يدعوني إلي جنة أنسي
يا حبيبي أنت آمال هدت حسي لحسي
أنت أيامي وأحلامي وأنغامي وكأسي!
ومن أجمل قصائد هذا الديوان قصيدته سر الحياة التي أبدعها من وحي البيت المعروف لأبي العلاء المعري' هذا جناه أبي علي وما جنيت علي أحد
وهو يهديها الي صغيره المنتظر في عالم الغيب الأمين بعد أن صنع بنفسه ما صنعه المعري بنفسه من عزوف عن الزواج والإنجاب خشية أن يظلم أولاده أو يعرضهم لأهوال الحياة ويقول: يا وليدي: إن نشوت النشوة الكبري بكأسك
فتجرد عن قيود حاكها شيطان نفسك
واحي للحق, ففي الحق تري إشباع حسك
فاذا ما دبت الأدواء في أنحاء جسمك
بمشيب غيرت بلواه من وضاء رسمك
وطوال الموت, غولا ماضيا في نهش عظمك
لا تقل إني تجنيت, وأورثت الكمد
وادر أني ـ عادلا عشت ـ ولم أظلم أحد
إن ذا سر الحياة
لوصدر هذا الديوان قبل ثلاثين سنة, لارتجت له جنبات الحياة الأدبية واستقبلته الاستقبال اللائق به وبصاحبه, لكن صدوره في زمن تدهور الأغنية المصرية, وانصراف كثير ممن تبقت لديهم ذائقة سليمة وذوق فني صحيح عن كثير مما يحدث في ساحة الغناء, يجعل استقبالنا للديوان بكائيا علي زمن جميل وترحما علي عصر الكلمة المحترمة في فم المؤدي الأصيل, محمولة علي اللحن المبتكر, الذي ينهشه الآن صعاليك التلحين الذي يعيشون علي فتات الفتات من ألحان الكبار, بعد أن نجحوا في تشويهها ومسخها وتحويلها الي إيقاعات جسدية وصراخ هستيري وبذاءات سوقية ترجمنا بها أجهزتنها الإعلامية ليل نهار. وهو الحال نفسها التي جعلت كثيرا من فرسان الأغنية الحقيقيين الآن يتوارون بعيدا عن مسارها, مكتفين ـ في أضعف الإيمان ـ بكتابة المقدمات والنهايات الغنائية للمسلسلات الدرامية ـ لأنها ماتزال بعيدة عن سطوة فتوات الفيديو كليب وشراسة تسويقهم ـ وابحثوا معي عن إبداعات الأبنودي وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم ومجدي نجيب وجمال بخيت وغيرهم ونسبة دورانها في سوق الأغنية اليوم. ديوان أنت عمري لإحمد شفيق كامل التفاتة بديعة الي عالم جليل جميل مضي ومعه كل رموزه من الكبار,
وتحذير من خطر داهم يتهدد أذواقنا وإنسانيتنا ووجودنا نتيجة استسلامنا المهين للقبح والسوقية والبذاءة إنه ديوان يجيء في وقته تماما.
نقلا عن جريدة الأهرام القاهرية
|
العرض العادي
