رد: عمار الشريعى غواص فى بحر أم كلثوم
كان منظور الثورة للفن إنه الإيد والمخ والقلب.... إنه صانع القضية القومية، الثورة نظرت للفن إنه مفجر ومحرك للقضية القومية ومحفز الجماهير، هى تتقدم وهو يحميها، لم تنظر الثورة أبدا للفنانين أو المطربين إنهم أداة تسلية
هل كان لكل فنان مذاق خاص فى الأغنية الوطنية
نعم: سوف أضرب أمثلة فى ذلك بمعركة واحدة خاضتها الثورة هى معركة السد العالى وذلك فى ثلاث أغانى:
الأولى لعبدالحليم: قلنا هنبنى ودا احنا بنينا السد العالى..
الثانية لعبدالوهاب: ساعة الجد
الثالثة لأم كلثوم: كان حلما فخاطرا فاحتمالا...
تجد فى عبدالحليم، التدفق والشعبية والسيطرة الجماهيرية، امسك كده الموضوع من أوله.
تسمعوا الحكاية بس قولها من البداية
هى حكاية شعب بالزحف المقدس قام وثار
يعنى افترض عبدالحليم، والشاعر أحمد شفيق كامل، والملحن كمال الطويل ان هنا جمهور بيكلموه.. ثم ناموا على كتف الفلكلور المصرى وقالوا:
ضربة كانت من معلم ...جملة صغيرة وقصيرة يمكن ترديدها فى الحارة بسهولة.
أما عبدالوهاب، الباحث عن الفكر الجديد وموضوع جديد جاب ناس بحديد وأجن.. والمرة الأولى والأخيرة الذى تعاون فيها مع المايسترو المصرى العبقرى عبدالحليم نويرة.. هو الذى وزع أغنية ساعة الجد وعمل أغنية تمزج ما بين غناء عبدالوهاب الهادر الرصين وما بين الدقات العمالية كأنه يحدث عملية بناء فى هذه اللحظة،
اما أم كلثوم فى أغنيتها كان حلما فخاطرا فاحتمالا.. حول نفس الموضوع.. موضوع السد.
الشعر والقصيدة،المهيأة للتصدير للأمة العربية كلها، والفكر الموسيقى عند السنباطى مقدمات تؤدى الى نتائج، فكر مخطط متسلسل وليس عشوائيا..لحن عربى ملوش حل..
ما السمة الأساسية فى أغنية أم كلثوم؟
السمة العامة للأغنية فى هذا الوقت وخاصة أغنية أم كلثوم فى حياتها بشكل عام أو 95% مما غنت تلتزم بالجدية الشديدة والصرامة والحب الشديد والخوف الشديد والرغبة فى أن تقدم الأحسن فالأحسن، أنا لا أعرف لها وقايع سقطات.. على الأقل من أول الثلاثينيات القرن الماضى وكون فنان بهذا الشكل فلابد أنه غير عادى أو خارق للمألوف،
ممكن حد يقول طيب ما هى قالت: الدلاعة والخلاعة مذهبى أرد، لكنها قالت، نهج البردة، وولد الهدى وهجرتك، وشمس الأصيل، وغيرها.
أم كلثوم كان عندها خصلة أو سمة قبل الثورة وهى الإرتجال والاعادة 6 أو 7 مرات وكل مرة بشكل مختلف، وبدأت فى ترسيخا بعد الثورة فى أن تعبر وتلهب مشاعر الناس،
مثلا: نحبها من روحنا فى الحفلة التى تحدثت عنها من قبل مع الضباط بعد الثورة مباشرة، كانت تقول الجملة نحبها من روحنا وتتركهم بعد ذلك يرددوا، أى أنها قامت بدور القائد
كان عندها اهتمام باللفظ، بالمنطوق.. كانت تعرف كيف تخرجه، وإذا أخذنا الدليل مثلا من الأغنية الوطنية، فانظر الى الشعب بيضحك زى النور، الشعب جبال، الشعب بحور.. بركان غضبان، بركان بيفور
لو تفتكر أيضا يامجد يا مجدنا يااللى اتبنيت عندنا.. لو درسنا طريقة نطقها فى كل ذلك فالمؤكد أننا سنطلع بدروس عميقة فى تعريض الصوت ودرس فى الخفوت، ودرس فى الحرف المضخم.. ودرس فى أخذ النفس التنفس.. غنوة بسيطة فى ثلاث دقائق تقدم فيها درسا فطريا لكل مخلوق عربى.
سمعت منك مرة تعبير لك هو "الملحن المغنى"..
الملحن المغنى خارج القياس... كالسنباطى وفريد عبدالوهاب وفوزى، أم كلثوم تدخل فى نطاق الملحن المغنى بمعنى أنها كانت تحفظ الأغنية وتهضمها وتطلعها من دمها هى شخصيا.. بحيث لو سمعت نفس الأغنية من رياض أو عبدالوهاب أو بليغ أو الموجى مثلا هتعرف على طول إن بصمات أم كلثوم واضحة جدا، والدليل أننى أعرف ناس عندهم أغنية أروح لمين على سبع حفلات، وكل حفلة تقول فيها أروح لمين بشكل يختلف عن الحفلة التى سبقتها، ليس هذا خطأ فى اللحن ولكن التناول مختلف، يعنى هترقرق صوتها هنا أم لا، هتبح صوتها هنا أم لا، هتقوى هنا أم لا.. هترتجل هنا أم لا.. إيه المقامات التى ستستخدمها وكل هذه حسابات، تخضع لعوامل تؤثر فيها.
وأنا أعرف مثلا أنها كانت تحب مسرح حديقة الأزبكية لأنها بتسمع نفسها صوتها أفضل، ولم تكن مثلا تحب سينما أوبرا، وسينما قصر النيل، أقنعوها بصعوبة أن تغنى فى الاثنين لاتساع القاعة للجماهير، لكن دايما مثلا كانت تقول للإذاعة، خذوا لى تسجيلات الأزبكية، فى دلالة على أن المكان كان يؤثر عليها، ويجعلها تتسلطن.
.. وعند أم كلثوم كان الأمر دراسة، ثقافة، موهبة قوة.. امكانيات خارقة غير معقولة.. لو قلنا قوة أم كلثوم الغنائية.. ماذا تساوى؟... أقول مثل الرجل الذى يحرك السيارة بأسنانه. يعنى أقصد أقول شئ خارج وغير منطقى، لا فى المساحة الصوتية، ولا فى سرعة التلبية ولا كقدرة على الاستدعاء.. كله شئ لا يمكن تكراره ربنا يعمله مرة واحدة.
هل التطويل الذى تميزت به أغنية أم كلثوم كان سمة أساسية فى الأغنيةالعربية؟
إذا كانت تقصد الأغنية العربية بشكل عام فالصحيح أنها كانت حتى عهد أم كلثوم مبنية على أن المطرب بيشيل الليلة، تدخل الفرقة تضرب التحميلة، ويكونوا متفقين الفرقة والمطرب أن مثلا وصلة الغناء الأولى من مقام النهاوند مثلا ويتناولوا العشاء ثم يعملوا التحميلة المقدمة الموسيقية ويقولوا مثلا مقام البياتى وهكذا، أقصد أقول إن أم كلثوم جاءت على هذا الوضع،وتضيف الى هذه العادة امكانياتها الشخصية، إنها خلاص رتبت نفسها على أنها تسيطر على جمهورها.. وتقدم له كل الجديد والمختلف طوال الليل
ونوع أغانى أم كلثوم كانت معتمدة على الاستطراد من الشاعر سواء من رامى أو بيرم، أو مرسى جميل عزيز، أو أحمد شفيق كامل، بالاضافة الى هذا وجود ملحن بجانبها من أطول الناس نفسا فى تاريخ الموسيقى العربية هو رياض السنباطى، الجمل عنده لا تنتهى، والمقام يجر المقام، وإنسيابية التعبيرات عنده لا تنتهى..
مثلا محمد الموجى عامل لحن حانت الأقدار 7 دقائق فيها كل الغناء العربى.. عبدالوهاب طبعا والشيخ زكريا أحمد، جملة إنسيابية ونفس طويل... ليلى التركيب، بليغ دقاق المشاعر، فيهم النفس الطويل وحلاوة الجملة، جملهم توقعك بسهولة فى شبكتهم.
أيهما أكثر معاصرة.. أغنية أم كلثوم أم أغنية فيروز؟
-الحقيقة حين تسألنى، هل أغنية أم كلثوم أم أغنية فيروز هى المعاصرة.. لازم تنظر الى الفترة الزمنية والمحركين لعقل هذه وتلك، وتنظر الى الامكانات الفردية لكل منهما، ومثلا الآن، تقول لى حد يغنى أغانى أم كلثوم، أقول لا، أيا كان جودة المغنى.. النوع ده من الغناء أصبح ملكا لأم كلثوم.
ولو جاءت واحدة تقلد أو تغنى غناء فيروز المؤكد أننى سأقول لها أنا عندى الأصل ولا أحتاج للصورة.. علشان كدة المقارنة ظالمة.
نحن القادرون فقط على القول بأن فيروز جميلة... بقلب مفتوح.
أما اتهام أغانى أم كلثوم بأنها خانقة وتعبر عن الحب الذليل، أوعى تنسى إن أم كلثوم هى الشخص الوحيد على ساحة الغناء العربى الذى غنى للمجردات.. أم كلثوم هى صاحبة، يا مجد يا ما اشتهيتك وسهرت فيك الليالى.. هى صاحبة شمس الأصيل هى صاحبة يا شباب النيل ياعماد الجيل و... صاحبة أغنية طلعت حرب.
قبل الثورة، أم كلثوم وجدت رجلا يحب المرأة الأضعف، علشان كده تعاملت مع هذا الضعف الطبيعى فى نفسية المرأة بمنطق أهلا به، أما الذلة فلم تكن سمة من سمات أم كلثوم، لم يكن الحب فى غناء أم كلثوم حبا ذليلا إطلاقا،...حرمتنى من نار حبك، أنا حرمتك من دمعى.. عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك.. نعم هنا ذل، لكنها تضيف: وتجيب خضوعى منين التى تحمل معنى عدم الخضوع.. التوازن هنا بين رجل يحب إمرأة ضعيفة، وامرأة تحب رجلا قويا.
هات لى شخصية مصرية لم تكن هدفا للتجريح.. من يتحدثون عن أم كلثوم بمنطق أنها مسئولة عن ترويج المخدرات، هم مغرضون لأنهم تناسوا أن هذه السيدة العظيمة كانت هى الرمز الوحيد والأكيد لوحدة الشعوب العربية مرة فى الشهر، الأمة العربية كان تبتهج فى عيدين اسلاميين وعيد ثالث تفتح فيه الأمة العربية الإذاعات يوم الخميس الأول من كل شهر.
سعيد الشحات
جريدة العربى
__________________
مع تحيات سمير عبد الرازق
|