الأغنية الليبية المعاصرة
للدكتور عبدالله السباعي
نعود الآن للحديث عن الأغنية الليبية الوليدة ، التي ابثقت من أصول و ثوابت شعرية و موسيقية وإيقاعية قديمة،متأصلة في الغناء التقليدي و في الغناء الشعبي ، وإن اختلفت في بعض من مظاهرها الفنية عن الأنماط الغنائية ، التي كانت سائدة في ذلك التراث . فهي قد اختلفت عن التراث التقليدي الخاص بالزوايا الصوفية كالعيساوية و العروسية و الأسمرية و القادرية و الرفاعية ، بما فيه من أذكار و مدائح و نوبات مألوف ، و اختلفت أيضا عن تراث الغناء الشعبي ، بما فيه من أغان مختلفة الأغراض والألوان المستعملة في شتى المناسبات الأجتماعية في مدن الساحل الشمالي و في المرتفعات الجبلية و في الواحات الصحراوية على امتداد البلاد .
و قد حافظت هذه الأغنية على أصالتها المتوارثة طوال مسيرتها الفنية عبر العقود الماضية ، وهي أغنية كتت أغلب نصوصها باللهجة العامية المحلية في أوزان الشعر الشعبي المعروف بـــ ( أبورجيلة ) و ( أبوطويل ) ، وما تطور عنهما من أوزان شعرية جديدة . و كان من أوضح ما يميز هذا النص الذي كتب في الغزل و الحب و الهجر و الوصال و في الوصف ، استعمال عدد من الألفاظ المساعدة ، التي تضاف بغرض استكمال بعض الفروق الزمنية في طوله ، مقارنة بالجملة اللحنية ، و هذه الألفاظ هي : يا لا لا لي ، يا عيني ، يا عيني يا داي ، و نار علي .... ، و تتكون الأغنية من مذهب و مجموعة من الأبيات بين اثنين و أربعة ، و يتكون المذهب من شطرتين ، و يتكون كل بيت من أربعة أشطار متتالية ، و خير مثال على هذا اللون ( أغنية دير المليحة ، ما أدير السيه ) التي لحنها أمحمد حسن بي ، و غناها محمد سليم ، و هي مجهولة المؤلف ، و كتبت في وزن ( أبورجيله ) . نورد فيما يلي المذهب و البيت الأول منها :
دير المليحة ، ما أدير السيه
ما يلحقك مخلوق بالآذيه
ما أدير الزله
لا تقول كلمه توصلك للذله
قداش من دكتور مات بعله
قداش من رياس اليوم بحريه
ومن المتعارف عليه في تلحين هذا اللون ، أن تبدأ الأغنية من منتصف الشطرة الأولى للمذهب ( ما أدير السيه ) ثم يأتي بداية الشطرة الأولى ( دير المليحة ) ، و تستكمل الجملة اللحنية الأساسية على هذه الشطرة ، ثم تعاد ( ما أدير السيه ) بنفس لحنها الأول ، و بعدها يستكمل النص ببقية الجملة اللحنية ( ما يلحقك مخلوق بالآذيه ) . و يستمر أداء بقية أبيات الأغنية على هذا النسق حتى نهايتها . و تقوم المجموعة الصوتية ،التي تعتبر أساسية في مثل هذه الأغاني ، بتكرار المذهب بعد كل بيت جديد .
و هكذا يتضح أن هذه الأغاني تتكون من جملة لحنية واحدة ، تتكرر في المذهب والأبيات ،و هي سمة تتميز بها الأغاني الشعبية في كل مكان . وقد يعتبر هذا النسق في تأليف الأغنية و تلحينها من مؤثرات الغناء الشعبي المحلي .و تلحن الأغنية في مقامات الرصد ،و البياتي ، البياتي الشوري ، النهاوند ، الحجاز ، الصبا و السيكا . و تبدأ و تنتهي في أغلبها في ذات المقام ، بدون تحويلات موسيقية . و كان من بين الإيقاعات التي استعملت : العتبي و الفزاني و العلاجي و البرول . و هذه إيقاعات تراث الغناء الشعبي و التقليدي .
رد: اراء و دراسات في الغناء و الموسيقى الليبيه
العرض المتطور
