* : صور الفنانين / تلوين (حديث) لأبو برهان .. (الكاتـب : أبو برهان - آخر مشاركة : الفرساني - - الوقت: 15h40 - التاريخ: 28/10/2025)           »          ألحان زمان (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : Dr. Taha Mohammad - - الوقت: 14h01 - التاريخ: 28/10/2025)           »          نـــازك- 14 أكتوبر 1928 - 26 مارس 1999 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 06h55 - التاريخ: 28/10/2025)           »          جمال سركيس (الكاتـب : غريب محمد - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 06h52 - التاريخ: 28/10/2025)           »          آسيا غندور (وطفة) (الكاتـب : حماد مزيد - آخر مشاركة : غريب محمد - - الوقت: 05h27 - التاريخ: 28/10/2025)           »          سعاد مكاوي- 19 نوفمبر 1928 - 20 يناير 2008 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 02h22 - التاريخ: 28/10/2025)           »          آمال حسين (الكاتـب : الباشا - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 21h15 - التاريخ: 27/10/2025)           »          صـــبـــاح- 10 نوفمبر 1927 - 26 نوفمبر 2014 (الكاتـب : الباشا - آخر مشاركة : محمد الصباح - - الوقت: 21h03 - التاريخ: 27/10/2025)           »          محمد السيليني (الكاتـب : Sami Dorbez - آخر مشاركة : محمود نديم فتحي - - الوقت: 20h25 - التاريخ: 27/10/2025)           »          حكاية أغنية كانت من نصيبك واتقسمت لغيرك (الكاتـب : حازم فودة - - الوقت: 17h23 - التاريخ: 27/10/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > مجلس العلوم > الدراسات الأكاديمية في الموسيقى العربية

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 16/02/2025, 08h21
الصورة الرمزية عثمان دلباني
عثمان دلباني عثمان دلباني غير متصل  
ابوهنية
رقم العضوية:42597
 
تاريخ التسجيل: June 2007
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 1,572
افتراضي رد: دراسة في متغيّرات الوعي الجمالي الموسيقي-د. محمد عزيز شاكر ظاظا

الحلقة الثانية من:
"دراسة في متغيرات الوعي الجمالي الموسيقي"
يتم تناول العلاقة بين الأيديولوجيا والوعي الاجتماعي (بما في ذلك الوعي الجمالي) في المجتمعات العربية والإسلامية من خلال إحدى العديد من المقاربات الاستقرائية التاريخية كما يلي:
في القرن السابع الميلادي، كانت شبه الجزيرة العربية تحت تأثير إمبراطوريتين عظيمتين: الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية. كان كل من هذين الإمبراطوريتين يسيطر على ثروات وموارد شعوب المنطقة، مدعومًا بجيش قوي وحضارة مادية وروحية متينة. كانت الفنون (بما في ذلك الرسم، والنحت، والموسيقى، والمسرح، والتشريع، والأدب، والمعتقدات) تشكّل البنية الفوقية (أو الجانب الروحي) لقوة هاتين الإمبراطوريتين.
أدت قوة الإمبراطورية البيزنطية إلى تغييرات كبيرة في الحياة السياسية والاقتصادية لشبه الجزيرة العربية. فقد أثرت تدمير المدن الكبرى في سهول العراق، مثل بابل وآشور قبل قرون، على الممالك العربية التي كانت قد مدّت سلطتها على الطرق التجارية الفينيقية. وعندما فتح الرومان الطريق التجاري البحري عبر البحر الأحمر في القرن الأول الميلادي، تسبب ذلك في انهيار تجارة القوافل الجنوبية، التي كانت العمود الفقري للممالك العربية الجنوبية. ازدادت الأمور سوءًا عندما انتهى نفوذ الأنباط في الشمال بعد أن ذبح الرومان سكان تدمر عام 272 ميلادية. لم تستطع الممالك العربية الإفلات من الهيمنة الاقتصادية والسياسية، مما أدى إلى هجرات يومية وتخلي عن المدن الكبرى التي باتت تبكي بُناتها. وعند ولادة النبي محمد، كانت قريش تعيش على هامش التاريخ، باقتصاد ضعيف يعتمد على التجارة بين الشمال والجنوب (رحلتي الشتاء والصيف)، وتربية الأغنام والإبل، والغزو. كان اقتصادهم في الغالب مكتفيًا ذاتيًا، وكان دينهم وثنيًا، وكان وعيهم الاجتماعي والجمالي ينعكس في فن الخطابة (وخاصة الشعر) والعادات والأعراف والتقاليد القبلية السائدة.
يمكن توقع أن أي دعوة لتغيير أوضاع شبه الجزيرة العربية وتحريرها من سيطرة الإمبراطوريتين العظيمتين ستسعى إلى تفكيك جميع أسس الأيديولوجيا السائدة بمختلف مظاهرها ورموزها.
وهذا ما حدث بالفعل.
جعل الإسلام العلاقة بين المؤمن وربه مباشرة، دون تماثيل، أو رسومات، أو رفاهية، أو زخرفة مفرطة، أو أيقونات، أو لوحات في أماكن العبادة، ودون أدوات موسيقية في الممارسات الدينية (باستثناء الأذان بصوت جميل). كان تحطيم الأصنام والتماثيل في الواقع تدميرًا لرموز المعتقدات الدينية الوثنية. أما استبعاد الفنون المختلفة وعدم استخدامها كوسائل لنشر الرسالة أو لممارسة الشعائر، فقد كان في جوهره استبعادًا لمظاهر الأيديولوجيا الفارسية والبيزنطية. فبينما كان المسيحية تعتمد على مفهوم الثالوث (الأب، الابن، والروح القدس) وما ينبثق عنه من رموز ومعانٍ—كقصص الصلب، والعشاء الأخير، والإنتاج الفني الواسع من لوحات السيدة العذراء، والأيقونات، والمذابح، والقداديس، والترانيم الدينية، والفنون الموسيقية والمسرحية داخل الكنيسة—فإن الإسلام اكتفى بالأذان بصوت جميل لتحديد أوقات الصلاة، وبمكان للعبادة يجمع المؤمنين (المسجد)، وبمحراب بسيط يشير إلى اتجاه الكعبة، وبنية للصلاة.
وعلى الرغم من أن القرآن لا يحتوي على آيات تحدد موقفًا صريحًا من الموسيقى والغناء، فإن الأحاديث الصحيحة تشير إلى التسامح الذي أبداه النبي محمد تجاههما. وقد سُمح للموسيقى بأن تتطور وفق قوانينها الداخلية ووظائفها الاجتماعية دون تدخل ديني مباشر من المؤسسات الدينية [انظر رقم 1].
وبمجرد أن اشتد عود الإسلام وترسخت دعائم الإمبراطورية الإسلامية، مُحرّرة من سيطرة الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، أصبح موقف الخلفاء والقادة الدينيين تجاه الفنون أكثر إيجابية، لا سيما تجاه الموسيقى والغناء، بينما بقي الموقف السلبي تجاه الرسم والنحت قائمًا حتى القرن التاسع عشر. فما سبب هذا التمييز في الأحكام؟
يقول الباحث أنور الرفاعي في كتابه تاريخ الفن عند العرب والمسلمين:
> "الفن المكاني (كالتماثيل) يشير إلى منطقة مكانية واضحة تثير أعظم الشكوك والريبة في النفس البشرية، وتستفزها باستمرار. وهو لا يعبر إلا عن الحالة المقصودة لذاتها. في المقابل، فإن الموسيقى والغناء الشعبي يعبران عن النفس البشرية والوعي الجماعي للأمة. لقد كان وجود التماثيل والآثار عند العرب القدماء يهدف إلى تجسيد الآلهة والمعتقدات الدينية، في حين أن الغناء والموسيقى (وخاصة الفلكلورية) يجسدان ويعبران عن الهوية الإنسانية والحياة اليومية."
كانت محاكاة قدرة الله الخالقة تُرى دائمًا بنوع من الحذر، وكان الفن المكاني هو الذي يذكّر بهذه المحاكاة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتصوير الكائنات الحية (البشر والحيوانات). أما الأصوات الموسيقية، والشعر، والأغاني، فمادتها الأساسية هي الصوت، وهي غير موجودة في الطبيعة بشكل محسوس. لذلك، إذا لم يقترن الغناء والموسيقى بالخمر أو الفجور أو الكلمات البذيئة، فإنهما يظلان في مأمن من الشبهات حتى لدى أكثر المؤمنين تشددًا. (ولم يكن انتقاد القرآن للشعراء بسبب كونهم شعراء، بل لأنهم كانوا يروجون للشرك والوثنية) [ انظر رقم 2].
على أي حال، لا تزال مسألة موقف الشريعة الإسلامية من الفنون مطروحة حتى اليوم، تتراوح بين الحياد والرفض والقبول، وفقًا لاجتهادات العلماء الدينيين أنفسهم. فهناك العديد من المراكز الدينية التي تصدر فتاوى حول: الموسيقى، الأدب، السينما، تنظيم النسل، زراعة الأعضاء، الديمقراطية، الزواج المؤقت، القضايا السياسية، بل حتى دوران الأرض من عدمه، وغيرها.
ساعدت الفترات المستقرة خلال الخلافات الأموية والعباسية، والازدهار الناتج عنها، واهتمام الخلفاء بالعلوم والترجمة والفلسفة، في خلق بيئة ملائمة لازدهار الموسيقى والغناء. وقد ظهرت أعمال الفارابي، وابن سينا، وابن رشد في مجال نظرية الموسيقى والجماليات. كما أبدى الصوفيون (مثل إخوان الصفا) والعديد من الفلاسفة والعلماء والأئمة اهتمامًا بالموسيقى، مما يعكس الانفتاح الاجتماعي والوعي الجمالي العام في تلك الفترات.
لم يكن الاهتمام بالموسيقى نظريًا فحسب، بل كان رياضيًا أيضًا. وقد نشأت أجواء فكرية منفتحة في بغداد، ودمشق، والأندلس، والمغرب، سمحت بمناقشة القضايا الفنية والجمالية والفلسفية، بل وحتى الأيديولوجية الأكثر حساسية.
لكن بعد منتصف القرن التاسع الميلادي، بدأ الانحدار بسبب عوامل داخلية كالثورات، والحروب الصليبية، والغزوات المغولية والسلاجقة. ولم يتغير الوضع إلا في القرن التاسع عشر، مع تأثر المجتمعات العربية والإسلامية بالظروف الاجتماعية والثقافية الحديثة.
وعلى أية حال: لا تزال قضية موقف الشرع الإسلامي من الفنون تطرح إلى اليوم، وتتراوح ما بين الحياد، والسلب، والإيجاب، وذلك حسب قناعات رجال الدّين أنفسهم، و ( ....ضمن ما يسمى بالاجتهاد، هناك مراكز دينية متعددة ومتنوعة تصدر فتاويها تجاه: الموسيقى، الأدب، السينما، تحديد النسل، زراعة الأعضاء، الديمقراطية، زواج المتعة، القضايا السياسية، بل وحتى دوران ( أو عدم دوران ) الكرة الأرضية .. الخ ) [ انظر رقم 3] .
---------
[1]- لقد كانت مكانة الموسيقى فريدة في الحضارة الإسلامية . وقد أحصي عدد الكتب التي عنيت كلياً أو جزئياً بالموسيقى ( حتى القرن السابع عشر لا أقل من 353 كتاباً ، بقي معظمها مخطوطاً ، وضاع قسم منها .
وقد ذكر جورج فارمر هذه الكتب في كتابه ( مصادر الموسيقى العربية ) الذي ترجمه إلى العربية الدكتور حسن نصّار بتكليف من الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية ونشرته : مكتبة مصر ( 3 شارع الفجالة ـ القاهرة) .
[2]- أول صورة رسمت لحاكم إسلامي كانت للسلطان العثماني سليم الثالث المتوفى سنة /1808 /، وتلاه محمد علي باشا. وأفتى الإمام محمد عبده بإباحة التصوير عام / 1903 / م، ومن الغريب أنه كانت تـُرسمُ صورا للنبي (ص) والإمام علي وولديه الحسن والحسين مع إحاطتها بهالات التقديس في إيران. المصدر مجلة العربي، العدد / 193 / عام / 1974 /.
[3]- انظر الملف الفقهي القيِّم الوارد في نهاية البحث، الذي أعدّه الدكتور عبد الحليم عويس و تناول فيه موضوع الغناء والموسيقى بين التحليل والتحريم، و نشر في جريدة الشرق الأوسط في سبع حلقات يومية بدءاً من يوم السبت 5 . 2 . 1983 .
في الحلقة الثالثة سنناقش الموسيقى تحديدًا.
__________________
ما ندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مرارا. عمر بن الخطاب

FACEBOOK - ATHMANE
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16/02/2025, 08h30
الصورة الرمزية عثمان دلباني
عثمان دلباني عثمان دلباني غير متصل  
ابوهنية
رقم العضوية:42597
 
تاريخ التسجيل: June 2007
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 1,572
افتراضي رد: دراسة في متغيّرات الوعي الجمالي الموسيقي-د. محمد عزيز شاكر ظاظا

الحلقة الثالثة من :
"دراسة في متغيرات الوعي الجمالي الموسيقي"
منذ عصر أبي الفرج الأصفهاني (القرن العاشر) الذي طالما أمتعنا في كتابه " الأغاني " بأخبار الموسـيقى والموسيقيين، ضَعُفَ فن الغناء والتأليف. وبغزو المغول وهدم بغداد عام 1258 ميلادي، خسر الفن الموسيقي أحد ألمع مراكـزه وأكثرها حركة، ومع وصول الأتـراك الحكـم ابتداءً من عـام 1517 ميلادي وانتقال مركز الخلافة إلى إستانبول، دخلت التأثيرات التركية في موسيقات المجتمعات العربية الإسلامية. أما الموسيقات المحلية والأشكال التقليدية للموسيقى العربية الإسلامية فقد بقيت فقط في تكايا الشيوخ والدّراويش والمساجد، وفي بعض حلقات الموسيقيين العارفين، وأصبح التراث التقليدي في عهدتهم.. وفي القرن العشرين رجعت الرّوح إلى الموسيقى والغناء، وكان الدّعاة لها هم من الدّراويش والمشايخ، وبعض الفنانين الذين تتلمذوا عليهم.
وبالمقابل ظهر اتجاه جديد من الخارج (متأثر بالموسيقى الأوروبية) ابتدأ مع محمد علي باشا بتأسيسه لأول معهد للموسيقى العسكرية، وذلك ضمن جهوده الرّامية إلى تحـديث مؤسسات الدّولـة. وتلاه الخديــوي إسماعيل، وكان طموحه أن تتغلغل الموسيقى الأوروبية في الأوساط الاجتماعية شيئاً فشيئاً. وشهد الشطر الأول من القرن العشرين تزايد دخول الموسيقى الأوروبية، وتزايد تأثيرها عندما أصبحت تدرّس في معاهد موسيقية متعددة. وبإنشاء أول معهد لتدريس الموسيقى العربية (عام 1929 وهو معهد فؤاد الأول) ترسخت دعائم "الازدواجية الموسيقية" في الفكر الموسيقي.
لقد حرص العراق وسورية وبلدان المغرب العربي على الأصول الموسيقية بلا شك، ولكن مصر بأهميتها الثقافية والجغرافية والسياسية والديموغرافية، استطاعت أن تـُحدِّد اتجاهات الفن وتحوّلاته بترؤسها لحركة التجديد. ومع ذلك فقد تمّت المحافظة على (المقام العراقي) الذي يرجعه البعض إلى الغناء العبّاسي القديم، والخاضع لتأثيرات فارسية وكردية وتركية، ولكنّه احتفظ بجوهره الكامل، كما حافظت مدينة حلب في سورية على أصول الغناء العربي ألأصيلة تـَجَسَّـدَ خصوصاً في الموشحات (ورقص السماح) المشتقّ على الأغلب من رقصات لمتصوفين اتخذوا في حلب تكية شهيرة بما يشبه معهداً موسيقياً تقليدياً. واشتهرت مدينة حلب بمغنّيها. وبفضل أولئك الفنانين اللذين لجأوا إلى مصر، قـُدِّرَ للقسم الأكبر من الموسيقى السورية أن تكون أساس الحركة الموسيقية التي جدّدت الغناء التقليدي في مصر فيما بعد.
وفي عـام 1932 تمّت الدعـوة إلـى مؤتمـر عالمي للموسيقى العربيـة (بغية دراسة أساليب تنشيط الموسيقى العربية، مع المحافظة على طابعها ومميزاتها). وفي عام 1940 أنشئت الاوركسترا الغربية بإذاعة الدولة وأُوكِلَ لها تقديم الموسيقى السيمفونية. وطوال الشطر الأول من القرن العشرين تابع غزو الموسيقى الأوروبية تقدّمَهُ، فقد كانت تدرّس رسمياً في المعاهد العلمية على يد أساتذة ومربّين تعلّموا في معاهد العواصم الأوروبية الكبيرة، وبهذا تمًّ ترسيخ دعائم "الازدواجية" في الفكر الموسيقي أيضاً، ودخلت معارك دعاة التراث ودعاة التجديد الميدان الموسيقي أيضاً، تحت تسميات مختلفة كما هو الشأن في المسرح والرواية والشعر والفلسفة والسياسة والعلوم الاجتماعية.... الخ.
وفي الوقت الذي كانت مصر تعاني فيه من وطأة الاستعمار البريطاني اكتسب الصراع بعده الإيديولوجي - وإن بشكل فيه الكثير من المغالطات أحياناً- ما بين دعاة العصرنة والانفتاح على أوروبا، وما بين رفض مجمل الشعب لذلك من خلال وعيه الاجتماعي العام والجمالي الذي يُفَضِل الاستماع والإحساس بموسيقاه، والذي تحدَّدَتْ من خلال ذلك (أي الوعي الاجتماعي العام والجمالي) حاجاته الجمالية خلال أجيال طويلة، وكذلك رفضه المساس بقيمه الحضارية واللغوية والأدبية والدينية. وقد حَمَلَ لواء الرفض المشايخ والعلماء المتصوفون.
وفي أجواء هؤلاء نشأ عبده الحامولي، والشيخ سلامة حجازي، وسيد درويش.
ماذا عن الأجواء الاجتماعية والسياسية في مصر ...؟
لقد تزايد تأثير دعاة الإصلاح والنهضة وعلى رأسهم (الشيخ محمد عبده)، وتوالت نتاجات (دار الألسن) التي تولت الترجمة من اللغات الأوروبية إلى العربية، ولعبت البعثات الدراسية العديدة دورها الإيجابي وتبيّن بأنَّ العالم الخارجي كان قد قطع أشواطاً بعيدة، ودخلت أفكار العدالة الاجتماعية وتعميم التعليم الحديث إلى المجتمع المصري. ومسًّت ثورة عرابي باشا، ونضالات سعد زغلول، وجدان رجل الشارع، ولم تنج مصر من تأثيرات الحرب العالمية الأولى، وظهرت الأفكار والإيديولوجيات القومية، والدينية، والماركسية، والليبرالية. ( .... واكتشف الجميع مع نهاية الحرب العالمية مدى زيف الإستقلالات التي حصلت عليها الدّول العربية، إذ لم تتعدّ القشرة الهشّة من الزخارف الدّستورية، كالأعلام والأناشيد والسفراء أحياناً، ولم تستطع أن تحجب حقائق الحياة البشعة.
وقد عجزت الأنظمة العربية عن تلبية الاحتياجات الاقتصادية لشعوبها أو تطوير اقتصادها. ولم يتعرّض البناء الاجتماعي القديم ببيكواته، وملاّكه وتجاره) إلى أي تغيير مهم. وبدأت تظهر بوادر إقطاع جديد من أبناء الطبقات والفئات الوسطى والدّنيا أو الصغيرة، كانت تتكوّن من أبناء الفلاحين بدرجة أساسية. وتزايد عدد الدارسين والمثقفين المنحدرين من الطبقات المحرومة في أدنى السلم الاجتماعي، ولم تكن تمارس أي نفوذ في ظلّ النظام القديم (ما قبل 23 يوليو ـ تموزـ 1952) ولعلّ تقسيم ميراث الإمبراطورية العثمانية إلى دول يسهل التحكّم فيها قد طرح فكرة الوحدة العربية بين مختلف الأوساط الاجتماعية. وفي ظلّ هذه الأوضاع برزت القضية الفلسطينية التي مثّلت بالنسبة للكثير من الأحزاب ذات الإيديولوجيا القومية على أنّها تهديد لأعماق الروح العربية.
وفي ظل هذه الأوضاع أٌطيح بالملكية عام 1952 وظهر جمال عبد الناصر الذي أٌعتُبِرَ وريث كل الحركات والأفكار الدّاعية إلى التغيير.
لقد أدّت الأحداث التي تلت حرب السويس (حلف بغداد، الهجوم الأمريكي على المنطقة، حركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا، مدّ الجسور نحو المعسكر الاشتراكي، التطلع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في مصر) أدّت كل هذه الأحداث إلى إحساس عبد الناصر بضرورة خلق مناخ اجتماعي وثقافي يتناسب وأهداف القيادة. وقد تمّ التعبير عن ذلك في القول التالي: ((الثورة الثقافية هي أساس الثورة السياسية، وأساس الثورة الاجتماعية.)) ((وتصوّر المرء على هذا النحو يجعل قضية التغيير الثقافي قضية قائمة بذاتها)).
ونُظِرَ إلى الثقافة والفنون على الشكل التالي: ((إنّ الثورة الثقافية تضع نفسها في خدمة الثورة السـياسـية، وفي خدمـة الثورة الاجتماعيـة.)
(المصدر: الميثاق)
وهكذا فقد أُعطيت للثقافة والفن دور كبير في أيديولوجيا النظام. وبقدر ما كانت أهداف النظام على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هي مطلب الجماهير العريضة، بقدر ما اكتسبت الآلة الإعلامية والثقافية والفنيّة شرعيتها، وذلك على الرغم من طابع أجهزة الدولة القمعي، المتسم بهيمنة رجال المخابرات (الأمن السياسي) على كل مرافق الدّولة والمجتمع.
(إنّ السلطة- في أحسن الأحوال- تـُقنـِّنُ وتراقب جميع ظواهر الاجتماعية، وتعيد كل نشاط إنساني إلى صورة واحدة، بينما الثقافة والفن هي الانطلاقة المبدعة نحو كل خلق جديد. والسلطة، في أحسن الأحوال، هي في طبيعتها توازنية، تراعي دوماً الوضع الراهن. لذلك فإن القوى الثقافية ـ كما يرى هربارت ريد ـ (هي في حالة تمرّد دائم. وهي وعياً أم لا وعياً تحاول كسر القوالب الجامدة التي تعيق نموّها الطبيعي، أو تسدّ منافذ انفتاحها.).
فكيف سيكون عليه حال الثقافة والفن إذا لم تمّ توجيههما من قبل السلطة؟ لن تكون النتيجة في صالح الثقافة والفن دوماً، خاصةً في ظل غياب الديمقراطية والتعددية السياسية.
ومع ذلك، فقد خـَطـَتْ الدولة المصرية في عهد عبد الناصر، خطوات جبارة في بناء العديد من المؤسسات الثقافية والفنيّة، وفي الاهتمام بخلق قاعدة عريضة كان يمكن أن تكون أساساً لتطوير شامل. فبنيت المراكز الثقافية في عشرات المدن الصغيرة والكبيرة. وظهرت العديد من المجلات المتخصصة في شؤون المسرح والسينما والفنون التشكيلية والآداب والموسيقى. وتمّ دعم وتأسيس العديد من المعاهد والأقسام الموسيقية والمسارح، وعقد المؤتمر الدولي الثاني للموسيقى العربية عام 1969، وتعايشت عدّة مدارس غنائية جنباً إلى جنب، وكذلك العديد من الفرق الموسيقية، والتجارب الموسيقية الجادّة ( أبو بكر خيرت، عزيز الشوان، جمال عبد الرحيم، سامي حافظ محمد ... وآخرون). ولا شك أن حضور عبد الناصر بنفسه لحفلات موسيقية وغنائية، وعروض مسرحية جديدة، وكذلك تخصيصه للجوائز والأوسمة الرفيعة لرجالات الفكر والثقافة والفنون، هي أمور لها دلالاتها حقاً. لقد أدرك عبد الناصر مدى أهمية الثقافة والفن في تشكيل الوعي الاجتماعي العام.
إنّ إيمان السلطة بأن توجهاتها هي اشتراكية (... ولكن اشتراكية خاصة تناسب واقعنا ........؟) قد قاد بالضرورة إلى دراسة الاشتراكية الماركسية والاطلاع على أدواتها الإيديولوجية والثقافية والفنيّة، وتمت محاولات تطويع أو خلق اشتراكية ذات مضمون قومي، ولا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسـلامية، وذا ما عرفنا ما كان عليه الـوضع الفكري والثقافـي (والديمقراطي) في العالم الاشتراكي بجذوره الستالينية ، لأدركنا كيف كان يتم صنع الوعي الاجتماعي الثــــقافي والفني في مصر خلال الستينات.
وبهزيمة حزيران 1967، ثمّ موت عبد الناصر في فترة تميّزت بأحداث عصيبة، ومجيء السادات بعده: تغيّرت الصورة رأساً على عقب في جميع المجالات. وبالنسبة للفنون فقد سادها الانحطاط والانحلال التامّين.
__________________
ما ندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مرارا. عمر بن الخطاب

FACEBOOK - ATHMANE
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 17h02.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd