رد: الاستاذ كاظم نديم-السيرة الداتية
الموسيقار الراحل كاظم نديم
منقول بتصرف عن كتاب ثلاثية طرابلس ( السيرة الذاتية) للدكتور احمد ابراهيم الفقيه
*****
قولة حق لا مراء ولا مشاحة فيها ، بان رائد التحديث والتجديد في الالحان والغناء في لبيا في العصر الحديث هو الفنان الحاج كاظم نديم، وذكرت في متن السيرة الذاتية انه اول شخصية فنية شهيرة اقابلها في حياتي، عندما ذهبت اليه في الاذاعة ، اخر الخمسينيات ، وكان رئيسا لقسم الموسيقى ، اعرض عليه ان يأخذني مطربا في الاذاعة.
وخلال مايقرب من خمسة وستين عاما من حياته، يعني منذ مطلع الاربعينيات ، الى ملاقته وجه ربه عام 2007، وكاظم نديم تحت اضواء الشهرة ، لم يناسفة في قوة الشهرة وذيوع الصيت في بلاده وفي مجاله، اي شخص اخر في البلاد، ولم تغب عنه هذه الشهرة، حتى خلال العقود التي تمحور فيها الاعلام وتركزت فيها الاضواء على رجل واحد، ورغم كل سياسات الاقصاء ومحو الاسماء، فان احدا لم يستطع ان يسحب الاضواء من فوق اسم ورسم كاظم نديم، لانه صار بالنسبة لابناء وطنه كانه اسم واحد من افراد العائلة، لا يذكر الفن، ولا تذكر الاغنية، ولا تذكر الموسيقى الليبية، ولا يذكر كل ذلك مقرونا باسم كاظم نديم ، فظل اسما عصيا عن المحو النسيان والاهمال. وبعد ان مات، لم يزده الموت الا اكتمالا، وصعد نجمه ليأخذ مكانه في سماء الله بين كوكبة الخالدين، الذي يشعون القا ونورا في سقف الكون .
كنت احبه واحرص على لقائه، واجد ترحيبا عظيما منه عندما ازوره كعضو في سهرات فنية يقيمها لاصدقائه الاعزاء في بيته، كما كنت اثناء اقامتي في طرابلس اسعى لتاليف مجموعة متجانسة من ليبيين، واصدقاء من السك الديبلوماسي العربي، وكنت اضع الفنان كاظم نديم على راس القائمة، لان به تحلى الجلسات ، ليس لانه دائما يضع الة العود، في سيارته، جاهزا دون من ولا تردد في احياء السهرة، ولكن ايضا حتى جلسات المقهى، دون عود ودون غناء، كان يحمل في حديثه وفي شخصيته، مادة مزيلة للكآبة, فكان وجود كاظم نديم في طرابلس، اشبه بمزيل لهذا النكد وهذا الغم، ومهما ادلهمت السماء بالسحب السوداء، وغردت غربان سوداء في اجواء الفن الليبي ، تطرد كل كروان مغرد ، وكل بلبل صداح، كان كاظم نديم يقابل ما يحدث بابتسامة ، وبلا غضب ولا زعل، وكانه يومن ان الغضب لا يضر الا صاحبه ، ولهذا فهو يمتليء ثقة بنفسه وبفنه وبموهبته العملاقة.
كاظم نديم، هو مكتشف اغلب نجوم الغناء ، مثل محمود الشريف ، وسلام قدري ، وخالد سعيد وغيرهم ، وقدم ايضا عددا من الملحنين، مثل عبد الباسط البدري، الذي كان تلميذا من تلاميذه، وكان محبا لتلحين القصائد ، وقد هداه ذوقه الراقي ، احدى اجمل قصائد الغزل فبدأ بها مسيرته الفنية وهي صلوات في هيكل الحب ، لابي القاسم. وكان محبا للشعر والشعراء، احرص كلما جاء شاعر عربي كبير على ان يتعرف عليه، وفعلا حصل هذا مع نزار ومع عبد الوهاب البياتي ومع صلاح عبد الصبور، وقد قام بتلحين اغنية لنزار ولم يكن هناك صعوبة في اختيار قصيدة له، كما استجاب لرغبة الاستاذ البياتي ، ان ينتقي قصيدة من اشعاره، وليعتبرها كما قال الشاعر العراقي الكبير هدية منه ، ليقوم بتلحينها ، ولان اغلب شعر البياتي ،شعرا صعبا بما فيه من تركيب وتعقيد ، فقد سالني باعتباري اكثر اطلاعا على اعمال هذا الشاعر اختيار قصيدة يقوم بتلحينها، وفعلا اخترت له قصيدة المستحيل ، التي يقول مطلعها:
يطوف حول السور مستجديا
تنهشه مخالب الموت
يصيح من الاعماق
يا انت
آبارنا مسمومة وسندباد الريح لا ياتي
فوضع لها لحنا جميلا واعطاه لتلميذه النجيب خالد سعيد فاجاد الاداء والانفعال ، وغناها بصوت الرخيم لتضيف الى رصيده في الغناء الشعبي هذه القصيدة الخالدة.
وجاء حبه للشعر الفصيح وترصيع سجله بمثل هذه الدرر، من انه بدأ حياته مدرسا للغة العربية ، ونحوها وصرفها ، وكان لديه حس بالكلمات يجعله قادرا على التاليف ايضا ، وله فعلا اغنيات من تاليف والحانه ، الا انه كان يفضل ان يترك التأليف لاهله، بمثل ما ترك الغناء نفسه لاهله بعد ان بدأ حياته مغنيا، ليمنح جهده كاملا للتلحين ، كما كان منخرطا في المجال المسرحي ، منذ بدايات اتصاله بالحركة الفنية ، فقد بدأ في الاربعينيات ممثلا مع نادي الاتحاد، وقام ببطولة مسرحية خالد بن الوليد، ومسرحيات شعبية كثيرة اخرى مع الفرقة القومية، قبل ان يصبح هو نفسه مديرا لفرقة المسرح الوطني التي انشأتها الدولة ، كما اصبح مديرا لقسم التمثيل بالاذاعة.
يقول عن اول مرة اهتدى فيها لموهبته في التلحين ، انه كان في عقد الثلاثينيات ، صبيا في فرقة الانشاد في الاذاعة، اي الحصة العربية التابعة لاذاعة الراي الايطالية، تحت اشراف الشاعر المعروف احمد قنابة، وكان من عادة الاستاذ قنابه، ان يكتب الكلمات في ورقة ، ويعطيها لاكبر هؤلاء الاطفال وهو كاظم نديم ، ليقوم بتحفيظها للفريق بعد ان يدندن له اللحن، ويعود الشاعر في اليوم التالي ليجد الفريق جاهزا لدخول الاستوديو، واعطاه ذات يوم الكلمات واللحن، الا ان اخانا كاظم ، كما يقول ، احتفظ بالورقة ولكنه نسى اللحن، وكان لابد ان يجد حلا ، لانه لم يكن يستطيع ان يجد السيد قنابه ليساله عن اللحن ولا بد ان ياتي اليه في اليوم التالي مع الفريق جاهزين للاستوديو، واجتهد حتى استحضر اللحن بالصيغة التي راها ، وقام بتحفيظه للمجموعة ، وجاء وقت التسجيل ، فاذا بالاستاذ قنابه ، يفاجا بانه لحن غير الذي اعطاه له، وسال كاظم نديم فارتبك واعترف وهو خجول انه نسى اللحن وحاول ان يتذكره فلم يجد الا هذه الصيغة التي ظنها مطابقة له، فابتهج الاستاذ قنابه وعبر عن سعادته بما سمع ، واخذ كاظم نديم بالاحضان ، قائلا له بان لحنه افضل عشرات المرات من اللحن الذي اعطاه له ، وكان لحنا مقتبسا من اغنية شرقية ، وصار يترك له بعد ذلك اختيار الالحان ،وكان ذلك اليوم هو يوم تعميد مولفا للالحان وعمره لم يكن يزيد عن عشرة اعوام ، وواصل المسيرة، موهبة اشعت في سماء الفن في ليبيا ، ومازلت تملأ فضاء الفن اشعاعا والقا على مدى الزمن باذن الله.
*****
__________________
لو تؤمريني فوق نسمة انطير*** ونجيبلك حزمة نجوم تنير
تضوي طريق الحب للانسان***يا ليبيا و تزرع ترابك خير
أبوعاصم
|