ولأنها أم كلثوم صاحبة البراح الإنسانى، والمصباح الذى يهتدى به كل المحيطين بها، ستجد أغرب سبب لزيارة منزلها، كما حدث مع أحد عازفى فرقتها الذى زارها لا لشئ سوى أن يعرف رأيها فى بدلته الجديدة ويحصل منها على شهادة الأناقة المعتمدة. سألها: إيه رأيك يا ستنا؟ فقالت له: كويسة. ويبدو أن هذه الإجابة لم تكن مشبعة له وعاد يسألها مرة أخرى: لكن مش شايفة إنها واسعة ومفتوحة شوية؟ فقالت له: معلش. ربنا يضيقها عليك!
فى عام 1952 أحيت أم كلثوم حفلة كبيرة فى سرادق ضخم أقيم فى الإسكندرية واحتشد فيه خمسون ألفاً من الجمهور. وكانت الحفلة فى إحدى أمسيات رمضان، ومثلما حفلت الأمسية بالغناء والطرب، حفلت أيضاً بالطرائف والتعليقات الساخرة.
وفى نهاية الحفلة ذهب إليها اللواء وحيد شوقى بك، مسؤول الأمن بالمحافظة آنذاك، وقال لها معجباً: لقد أسكرتِ الناس.
فأجابت مازحة: أقل واجب. طالما أنت مانع عنهم الحشيش والكيف!
كانت ذاهبة ذات مرة إلى دار الإذاعة القديمة بشارع الشريفين، وفى أثناء طلوعها سلم المبنى صادفت الشاعر أحمد رامى الذى كان نازلاً.
توقف رامى وأخذ يد أم كلثوم بين يديه وظل يرحب بها قائلاً: إزيك يا روحى؟ إيه أخبارك يا روحى؟ إنتى طالعة تعملى إيه يا روحى؟
ولما كانت أم كلثوم فى عجلة من أمرها فقد تدخل ابن شقيقها إبراهيم الدسوقى، الذى كان يرافقا وقال لأحمد رامى:
جرى إيه يا أستاذ رامى. أنت مش نازل؟! فردت أم كلثوم بسرعة بديهية قائلة:
وهو معقولة ينزل وروحه طالعة؟!
فى إحدى حفلاتها كان ألفونس نيقولا نقيب محاميى دمياط يجلس فى منتصف الصف الأول أمام المسرح، وفُتح الستار، ووقفت الست أمام التخت تحيى الجمهور ووقف الأستاذ مقترباً من المسرح يصفق، وكانت الأنوار الكاشفة تضئ أم كلثوم وتلقى ظلالها على الأستاذ ألفونس الذى وقف بشعره الأبيض ووجهه «الأحمر» يصفق بحرارة شديدة، وقد كف الجمهور عن التصفيق، وبالرغم أن التخت بدأ يعزف مقدمة اللحن إلا أن الأستاذ الفونس كان هو الوحيد الواقف،فأرادت أن تعيده أم كلثوم إلى كرسيه قبل بداية الغناء فنظرت إليه باسمه وقالت له: (اقعد يا أحمر محامى) وهنا ضجت الصالة كلها بالضحك!
وكانت لها طريقتها المتميزة فى السخرية من "حال الرجالة المايل"، فذات مرة أثناء سفره بصحبتها فى القطار. أخرج الموسيقار محمد القصبجى قلماً أسود وأخذ يصبغ شاربه.
تأملته أم كلثوم وقد أخذتها المفاجأة، ولكنها سرعان ما قالت بسرعة بديهتها المعهودة: شوفوا الراجل رجع شباب بجرة قلم!
فى إحدى حفلاتها كان بين الجمهور رجل أعور (بعين واحدة) ووصل إلى قمة نشوته من الطرب الكلثومى، فوقف وصاح:
يا روحى أم كلثوم. يا عنيا الاتنين.
فضحكت وقالت: لا. كفاية عين واحدة.
ذات مرة قابلت سعاد محمد المطربة العظيمة وكانت طالعة سلم الإذاعة وهى حامل، سلمت عليها الست وقالت لها:
أنت ضرورى طالعة "توضعى" لحن جديد، كفاية عليك كده النهاردة.