* : ألحان زمان (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : Dr. Taha Mohammad - - الوقت: 21h12 - التاريخ: 21/10/2025)           »          الصوت البديع حنان (الكاتـب : امحمد شعبان - آخر مشاركة : علي أبوناجي - - الوقت: 21h09 - التاريخ: 21/10/2025)           »          أحمد سامي- 29 نوفمبر 1929 - 12 يونيو 2005 (الكاتـب : الباشا - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 19h44 - التاريخ: 21/10/2025)           »          حفلات فريد الأطرش (الكاتـب : samirazek - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 12h11 - التاريخ: 21/10/2025)           »          مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية و توزيعات منها (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 21h59 - التاريخ: 20/10/2025)           »          دروس في الهارموني النغمي التقليدي و الهارموني الحديث (الكاتـب : Hisham Khala - - الوقت: 20h58 - التاريخ: 20/10/2025)           »          عبد اللطيف حويل (الكاتـب : abuaseem - آخر مشاركة : محمود نديم فتحي - - الوقت: 19h37 - التاريخ: 20/10/2025)           »          الغناء الجماعي في الأعمال الدرامية (الكاتـب : najjar - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 17h36 - التاريخ: 20/10/2025)           »          مطرب مجهول الهوية .. من هو ؟ (الكاتـب : abo hamza - آخر مشاركة : غريب محمد - - الوقت: 17h20 - التاريخ: 20/10/2025)           »          عبد الحي حلمي - اسطوانات مضبوطه (الكاتـب : tarab - - الوقت: 21h21 - التاريخ: 19/10/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > الموروث الشعبي والتراث الغنائي العربي > المغرب العربي الكبير > الجزائر > الدراسات والبحوث في الموسيقى الجزائرية

 
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #4  
قديم 22/09/2012, 16h48
الصورة الرمزية تيمورالجزائري
تيمورالجزائري تيمورالجزائري غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:246641
 
تاريخ التسجيل: June 2008
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 1,284
افتراضي رد: لمالوف القسنطيني.. هل أصوله يهودية؟



تعيد وفاة الفنان اليهودي جزائري الأصل، روني بيريز، إلى السطح قضية العلاقة بين يهود الجزائر وبين التراث الفني الغنائي الجزائري، وبخاصة منه التراث الفني الأندلسي (النوبة بمسمياتها الثلاثة : المالوف في الشرق، والصنعة في العاصمة والوسط، والغرناطي في تلمسان). فما هي طبيعة هذه العلاقة ؟ وما مدى التأثير الذي تركه يهود الجزائر على الفن الجزائري ؟ وما مدى صحة ما يقال هنا وهناك، من أن التراث الفني الغنائي الجزائري، وبخاصة الأندلسي منه، هو من إنتاج يهودي ؟

بعد الدراستين اللتين أصدرهما الزميل والباحث فوزي سعد الله، الأولى تحت عنوان « يهود الجزائر هؤلاء المجهولون » والثانية تحت عنوان « يهود الجزائر موعد الرحيل »، أصدر هذا الباحث في السياق نفسه دراسة جديدة عن دار قرطبة تحت عنوان « يهود الجزائر مجالس الغناء والطرب ». جاء الكتاب في 450 صفحة من القطع المتوسط، مدعما بالصور وعشرات المراجع والوثائق. ويعتبر هذا الكتاب وثيقة مهمة في بابه، حيث إنه يسترجع التاريخ الفني لليهود في العالم العربي الإسلامي عموما وفي الأندلس ثم في الجزائر والمنطقة المغاربية/المغرب الإسلامي على وجه الخصوص.

لم يسبق أن أثارت ممارسة اليهود للموسيقى الجزائرية الاهتمام والجدل اللذين أثارتهما خلال السنوات الأخيرة. مساراتهم، وزنهم على الساحة الفنية المحلية، علاقاتهم بزملائهم من المسلمين، أهمية إنتاجهم الموسيقي والغنائي في مجمل التاريخ الموسيقي الجزائري في القرون الخمسة الأخيرة على الأقل. والحيرة أحيانا في تقويم أعمالهم وتصنيفها ثقافيا وقطريا. كل هذه المسائل طرحت نفسها بحدة على الجزائريين منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي. وكلها أيضا وردت في سياق ما بعد اتفاقيات أوسلو 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
ومن بين ما حفز النقاش حول هذا الموضوع تصريحات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حول « دور الطائفة اليهودية الجزائرية في الحفاظ على التراث الموسيقي الجزائري »، وذلك خلال الزيارة التي قام بها في بداية عهدته الأولى إلى مدينة قسنطينة. وكذلك الغليان الإعلامي السياسي الذي ساد في تلك الفترة، ثم بعدها في سنة 2007 بخصوص إمكانية زيارة المغني اليهودي الفرنسي من أصل جزائري « غاستون غريناسيا » الشهير بـ »أنريكو ماسياس » والشهير أيضا بصهيونيته، لمسقط رأسه قسنطينة، حيث ترافق هذا الحدث بزيارة العديد من الأقدام السوداء من اليهود إلى تلمسان للترحم على ضريح رجل الدين « الربي عنقاوة » المدفون هناك.

الفن اليهودي والهوية الإسرائيلية


الحدثان بزخمهما الساسي والإعلامي وبغض النظر عن ملابساتهما، نفضا الغبار عن موضوع اليهود والموسيقى الجزائرية وأخرجاه من دائرة الماضي المكبوت على ضفتي المتوسط إلى واجهة النقاش. وتباينت المواقف بين مبالغات وتضخيم لدور اليهود في مسار التراث الموسيقي الجزائري، ذهبت إلى حد تقديمهم كمنقذين لهذا التراث من الضياع، وبين تقزيم لهذا الدور حد الجزم بتشويه « هؤلاء العبريين » لهذا التراث لأسباب عدة من بينها « عدم تحكمهم في اللغة العربية » خصوصا منذ احتلال فرنسا الجزائر سنة 1830 والتحولات الثقافية التي فرضت على البلاد إلى غاية رحيل الاستعمار العسكري سنة 1962.

وبين هذه المواقف وتلك، تتضارب أطياف من الآراء في ظل غياب أي بحث واف خاص بهذا الموضوع، لا في الجزائر ولا خارجها، باستثناء المقالات والبحوث المتفرقة والمحاضرات التي ألقيت هنا وهناك في ندوات وملتقيات مرتبطة بالدراسات اليهودية والتي نشرت عادة في مجلات أنجلوسكسونية وإسرائيلية متخصصة. أما أبرز الدراسات والبحوث التي أعدها حتى الآن يهود وإسرائيليون حول علاقة اليهود بالغناء العربي بشكل عام، فلم تهتم كثيرا بغناء الفنانين اليهود في الجزائر، خاصة أنهم بقوا في أغلبهم، حسب رأي فوزي سعد الله، بعيدين عن الأيديولوجية الصهيونية. كما إن بعدهم الجغرافي عن إسرائيل، كجزائريين قبل 1962، ثن كفرنسيين بعد الاستقلال (كثيرٌ من اليهود أو أغلبهم رحلوا عن الجزائر بعد الاستقلال) وأيضا لبعدهم الثقافي عن الهوية الأشكينازية الغربية التي تطغى على الدولة العبرية، باعتبارهم عربا وشرقيين أساسا، قد يكون لذلك كله دورٌ في عدم الاهتمام الكافي بهم إعلاميا وعلميا. وفوق ذلك كله، ركز البحث العلمي الإسرائيلي في المجال الثقافي الموسيقي، على دراسة المشاكل الداخلية للدولة العبرية قبل كل شيء، فجاءت البحوث والدراسات اليهودية الإسرائيلية الأنجلوسكسونية، لمعالجة مشاكل الهوية الثقافية داخل المجتمع الإسرائيلي وسد الشرخ الواسع والخطير بين اليهود الأشكيناز/الأشكينازيم (الغربيون)، واليهود السيفاراد/السفرديم (الشرقيون)، وخاصة العرب منهم الذين يُطلق عليهم أيضا باللغة العربية « الميزراحيم » أي الشرقيين.

محاولات تهويد الفن الجزائري


يأتي كتاب فوزي سعد الله، سدا لفراغ يقول الباحث إنه لا يحق تركه للغير يعبثون به وفق أهوائهم التي قد لا تصب بالضرورة في مصالح الجزائر. وبدأت فعلا قراءاتٌ صهيونية لتاريخ ممارسة اليهود للغناء الجزائري، تفرض نفسها تدريجيا منذ سنوات على الساحة الدولية، في الوقت الذي « طال فيه انشغال البلد بمآسيه الداخلية التي لا يبدو بعد أنها تنوي الاتجاه إلى مسرى الأمان الدائم ». ويمكن القول إنه من غير المعقول أن يُطلق النفير للتحذير من محاولات تهويد جوانب من الثقافة الجزائرية، جون أن يترجم ذلك عمليا إلى حراك ثقافي عملي جاد، لمواجهة التحدي. ولا يكفي القول إن اليهود يستولون على التراث الموسيقي الجزائري ويقدمونه للعالم على أنه تراث ثقافي يهودي ليتحقق تدارك المشكلة، لأن حماية التراث الوطني تبدأ بمعرفته والتعريف به، لأن المعرفة به تشحذ القدرة على النقد ولأن الجهل يزيد في قابلية هضم الأكاذيب مهما كانت ضخامتها، ويفتح الأبواب على مصراعيها للمناورات المشبوهة والطمس والتشويه. ولا شك أن هذا بالذات ما يعاني منه التراث الموسيقي الغنائي الجزائري أمام التحديات التي يفرضها المنطق الصهيوني، أي ضعف المعرفة بالتراث. إن القلق على التراث الموسيقي والثقافي بشكل عام، من « السطو » الصهيوني، الذي يدخل في إطار البحث المتواصل للدولة العبرية عن هوية جامعة لجميع مكوناتها الإثنية تضمن الانسجام الاجتماعي المفقود، لا يبدو أنه يقتصر على الجزائر فحسب، بل يشمل مختلف بلدان العالم العربي من اليمن إلى بلاد الشام والعراق حتى المنطقة المغاربية.


الفن والطابو الديني


ربما يرى البعض أن مجرد الخوض في هذه الموضوعات « اليهودية » يصب مباشرة في خدمة المصالح الإسرائيلية الصهيونية واليهودية العالمية، وأنه من الأفضل تجاهلها. والواقع، كما يقول الباحث، أن المصالح الإسرائيلية تضمنها آليات أخرى ومخططات لا تُرسم بالنظر إلى ما تعتقد أو لا تعتقد البلدان والشعوب العربية والإسلامية، ولا تستند في تحديد غاياتها واستراتيجياتها وأدواتها، إلى ما تحب أو لا تحب هذه البلدان والشعوب، بل لها محددات أخرى مستقلة إلى حد بعيد عن هواجس وهوس العرب والمسلمين، ولا تعبأ كثيرا بخطاباتهم الثقافية ولا السياسية. إن هذه المحددات تخضع لمصالح ولوبيات ومخططات إقليمية ودولية كبرى تتجاوز أحيانا حتى إرادة إسرائيل ومصلحتها، على حد تعبير الباحث.

وبالتالي فإن البحث والتنقيب في الموضوعات « اليهودية »، في علاقتها بالعرب والمسلمين، قد لا يزيد أو ينقص الكثير من الأشياء في حاضر الصهيونية والدولة العبرية بقدر ما يساهم في فهم الذات العربية والإسلامية في علاقتها بالآخر ماضيا وحاضرا. وهو ما قد يساهم في تمتين المناعة الثقافية والسياسية وفي وضع لبنات غد أفضل وأكثر تماسكا وصلابة.
إن ما جاء به الباحث من نماذج كثيرة ومتعددة لفنانين جزائريين يهود أسهموا فعلا في تسجيل التراث الفني والموسيقي والغنائي الجزائري والترويج له في الداخل والخارج، يؤكد فعلا دورهم الذي لا يمكن أن ينكر في هذا المجال. ومن المؤكد أن بعضهم أو ربما الكثيرين منهم، ما زالوا متمسكين بهذا التراث إلى اليوم حتى وهم يعيشون خارج الجزائر.

تأثر اليهود بالثقافة المحلية


غير أن ما سبق كله لا ينبغي أن يجعلنا نغفل عن حقيقتين تاريخيتين في غاية الأهمية : الحقيقة الأولى، وقد أكدها الباحث، هي أن المغرب الأفريقي بمعناه الجغرافي الواسع، كان يُغني هو الآخر كغيره من المجتمعات البشرية، قبل أن يدخل في الفضاء الإسلامي بفعل التحولات السياسية التاريخية. وإن كانت المصادر التاريخية خرساء تقريبا في هذا المجال. في الوقت نفسه، لا يحق لأي كان أن يُصور هذه البقعة من الأرض على أنها كانت لاشيء حتى جاءها الإسلام، كما تميل إلى ذلك بعض الاتجاهات الأيديولوجية والسياسية في الماضي البعيد كما في الحاضر، وكأن هذه المنطقة كانت « بلاد بلا عباد » على حد تعبير الباحثة اليهودية الفرنسية من أصل تونسي « لوسات فالانسي ». وحفظت لنا كتب التاريخ روايات متفرقة تصور لنا كيف أن الموسيقى كانت رائجة في أوساط متعددة لمختلف العصور من غرب الجزائر إلى شرقها، ومن شمالها إلى جنوبها، وأن الجواري والمغنيات والمغنين كانوا يتبارون في الإجادة والحفظ والإتقان. وورد أن الملك الجزائري يوبا الثاني أسس في القرن الثاني قبل الميلاد، أول معهد للتمثيل والموسيقى والنحت والتصوير في مدينة شرشال، وأن بلوغين (الغين هنا تُنطق بين الكاف والقاف كما نبه عليه الشيخ عبد الرحمن الجيلالي) بن زيري الصنهاجي أمر بإحضار آلات الأنس وأدواته بعد رجوعه من بعض غزواته. كما نقلت المصادر أن يوسف بن تاشفين الذي اشتهر بالتقشف والتشدد في الدين، قدم جارية مغنية من أصل مغربي هدية إلى المعتمد بن عباد الأندلسي. هذه كلها إشارات فصيحة عن وضع الموسيقى والغناء في الجزائر وفي المغرب الأفريقي والإسلامي بعد ذلك.


الحقيقة الثانية، هي أن هذا الوجود اليهودي في التراث الفني الموسيقي والغنائي الجزائري، ما هو سوى اندماج طبيعي لأفراد من غير دين المسلمين في ثقافة المسليمن. تماما كما رأينا يهود الجزيرة العربية يقرضون الشعر العربي حتى اشتهر بعضهم بذلك من أمثال كعب بن الأشرف الذي كان يُشبب في شعره بنساء المسلمين حتى آذى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر باغتياله كما تقول مصادر السيرة والتاريخ، وهكذا كان. ولو لم يكن هذا اليهودي بارعا في قرض الشعر، لما تأذى منه المسلمون. وكذلك برع اليهود في تاريخنا الثقافي كفلاسفة أمثال موسى بن ميمون وغيره. وبرعوا في العديد من المجالات الأخرى الثقافية والسياسية وغيرها. وهذا لا يعني أنهم هم الذين أسسوا تلك المجالات أو أنهم يحتكرونها، بل على العكس من ذلك : إن عبقريات اليهود في مختلف المجالات عبر تاريخنا الطويل في الجزائر وخارج الجزائر، كانت قوة في الثقافة العربية الإسلامية على أساس تأثرهم بتلك الثقافة ومفرداتها، فهم لم يكونوا ينتجون ثقافة يهودية، بل كانوا يُنتجون، رغما عنهم، ثقافة عربية إسلامية. واليهودي الجزائري عندما يبرع في الموسيقى والغناء الأندلسي، فهو يبرع في شأن ثقافي جزائري أندلسي لا يهودي. بل إن اليهود في الجزائر، وهذا قد لا يعرفه الكثيرون، دخلوا حتى في مجال الموسيقى الدينية فكان كثيرون منهم مولعين حد الانبهار بالمديح الصوفي العيساوي على سبيل المثال لا الحصر، حيث ما يزال بعضهم يؤديه إلى اليوم في الديار الفرنسية. والمسألة هنا هي تماما كما يحدث عندما يذهب باحث جزائري ليدرس ويعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فمن الطبيعي أن يندمج ضمن الأجندة البحثية الأمريكية. المسألة طبيعية جدا، فلماذا نريد من اليهود أن يولدوا ويتربوا ويعيشوا في الجزائر، ويختلطوا بمفردات الثقافة الجزائرية، ثم لا يتأثروا بالموسيقى والغناء الجزائريين ؟ إن العكس هو الذي سيبدو غير طبيعي. وفي هذا السياق تأتي عبارة « سيمون الباز » أحد الفنانين اليهود البارزين في فرنسا من أصل مغربي، والتي نقلها عنه الباحث إجابة عن سؤال طرحه عليه الباحث التونسي محمود قطاط، حيث قال : »بالنسبة إلي، يهود المغرب مغاربة لا يميزهم شيءٌ عن المسلمين في مجال ممارسة الغناء والموسيقى ». فيما لا يتردد الباحث « إيدوين سيروسي » في تعميم هذه الظاهرة إلى جميع أقاليم العالم الإسلامي، بما يؤكد أن غناء الطوائف اليهودية كان ابن بيئته الاجتماعية الثقافية الإسلامية بكل خصوصياتها الإقليمية والمحلية، من الصويرة وتفيلالت في المغرب إلى بُخارى وسمرقند في آسيا الوسطى، ومن الجزائر وتونس وطرابلس إلى صنعاء وعدن وخُراسان في إيران.


الفن الجزائري ومنظومة الفقيه


لا شك أن المنظومة الفقهية التقليدية التي حرمت في الغالب ممارسة الموسيقى والغناء، كان لها أثرٌ كبيرٌ على عزوف الجزائريين عن هذا الجانب خاصة بعد الاحتلال الذي جاء بثقافة جديدة كادت أن تضيع أمام طوفانها، الثقافة الجزائرية الأصيلة. في هذا السياق ينقل الدكتور صالح المهدي عن الفنان محيي الدين باش تارزي، أن أهل الفن من شيوخ الدين الذين كان أغلبهم إن لم نقل كلهم من الصوفية، والذين كانوا خارج المنظومة الفقهية المنغلقة، شعروا بخطر ضياع فنهم في القرن الثامن عشر، وذلك بتخلي خيرة الشعب عن ممارسة الاحتراف الفني وتركوه بين أيدي العوام الذين تغلب عليهم الأمية، وأكثرهم من غير المسلمين. فدعا المفتي الحنفي الشيخ محمد بوقندورة، أشهر المجودين وعرض عليهم المشكل. وبعد نقاش طويل اقترح ثلة منهم إدخال كلمات القصائد المؤلفة في مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، على الطبوع الغنائية الأندلسية، واقترح آخرون إنشاء ألحان جديدة على غرار ما قام به الملحن التركي المرحوم مصطفى العتري (1640 – 1711م) من تلحين غناء التسبيح الذي لا يزال متواصل الأداء في الأعياد والمآتم في أغلب البلدان الإسلامية. وتزعم هذه الحركة الفنية عدد من المفتيين الأحناف ومنهم المشايخ بن عمار وبن علي وبن الشاهد والقلاتي. وأمام هذا النجاح الباهر، تم تجاوز الطابو الفقهي وتواصلت التجربة وطبقت ألحان الطبوع الأندلسية على قصة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصائد الشيوخ البوصيري وابن عربي وسيدي بومدين، وسيدي عبد الرحمن الثعالبي الذي تبنت طريقته الصوفية هذا الإجراء. ويقول الدكتور صالح المهدي، إن الشيخ عبد الحميد بن باديس نفسه، كان كثيرا ما يحضر حفلات فرقة قسنطينة للمداحين بل ويصحبها في تنقلها إلى العاصمة في مختلف المناسبات.

كما تم بعد الاحتلال الفرنسي، تجاوز الطابو الإثني عندما اندمج اليهود بكل سهولة مع المسلمين، ضمن الفرق الموسيقية والغنائية، حيث وجدنا كثيرا من العازفين اليهود ضمن فرقة الشيخ محمد سفينجة (ت 1908م)، من بينهم : المعلم موزينو، والمعلم لاهو سورور، وشالوم، غيرهم. وكان الشيخ محمد سفينجة كثيرا ما يشارك في حفلات المدائح والأذكار مع ابنه « سعدي » وكان للمفتي الحنفي الشيخ محمد بوقندورة، ولوع خاص بهذا المغني الممتاز. ومن ابرز ما قام به الشيخ سفينجة اشتراكه مع تلميذه اليهودي « إيدموند يافيل ولد مخلوف » والباحث الفرنسي « رواني » في ترقيم مجموعة 76 قطعة من التراث الأندلسي بين سنتي 1899م و1902م، بين توشيات وانقلابات ونوبات، قامت بنشرها أشهر دار للنشر في باريس تختص في الموسيقا، وهي دار « لودوك ». ونشر رواني موسوعته للموسيقى العربية سنة 1903م بعد قيامه برحلة إلى كل من المغرب وتونس والقاهرة ودمشق. وبعد وفاة الشيخ محمد سفينجة، استمر تلميذه « إدموند يافيل ولد مخلوف » في جمعه للتراث الموسيقي الجزائري عن المعلم « شاؤول دوران » المدعو « موزينو » و »سعدي » ابن الشيخ سفينجة، إلى أن وصل إلى 500 قطعة سجلها تحايلا باسمه في جمعية المؤلفين والملحنين الفرنسية « ساسام »، حيث ظل ينتفع بريع حقوقها مدى حياته. كما نشر يافيل كتابا بالعربية جمع فيه نصوص كل ما دونه عن فناني عصره، بقي المرجع الوحيد للتراث الغنائي الجزائري إلى ما بعد الاستقلال، على رغم ما فيه من أخطاء وتحريف، حتى أصدرت وزارة الثقافة مجموعة جديدة مراجعة ومحققة من طرف المتخصصين في المعهد الوطني للموسيقى. مع العلم أن جميع هؤلاء الفنانين، ومن بينهم محمد سفينجة، كانوا جميعا يتتلمذون على الشيخ « مرمش » (ت 1904م).

اليهود وفرق المداحين والمسامع


إذا كان الحضور اليهودي كثيفا إلى حد ما في جانب النوبة الأندلسية وبعض الطبوع المحدثة التي عرفوا بها وتسمت بـ »الغناء اليهودي العربي » الذي ظهر بعد الاحتلال الفرنسي ويكون أحيانا عبارة عن خليط من اليهودية والعربية والفرنسية، فإننا في مقابل ذلك كله، نجد أن اليهود لم يحتكوا كثيرا بظاهرة « المداحين »و »المداحات »و »الفقيرات » اللصيقة غالبا بالثقافة الدينية الإسلامية الصوفية، حيث لم نجد سوى أسماء قليلة من اليهوديات اللواتي كن في فرق « المسامع » من أمثال : المعلمة « تيتين » التي كانت تعزف على آلة البيانو وكثير من الآلات الأخرى ضمن فرقة المعلمة المسلمة « يامنة بنت الحاج المهدي » (ت 1930) التي تتلمذت على الشيخ « بريهمات » وسجلت بين 1905م و1928م حوالى 500 أسطوانة، ومدام « علوش » التي جاءت إلى العاصمة من مدينة المدية وكانت تعزف على آلة الكمانجة، و »أليس فيتوسي » وكانتا ضمن فرقة « مريم فكاي » و »فضيلة الدزيرية »، ضمن أسماء كثيرة اشتهرت في تلك المرحلة (مطلع القرن 20) من غير اليهوديات أمثال : خيرة شوشانة، خيرة جابوني، حليمة البغري، حنيفة بن عمارة، عائشة الخالدي. أما ضمن فرق المداحين في العاصمة فلم نجد أسماء يهودية، حيث اشتهر في نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20 كل من : الشيخ محمد بن اسماعيل، ومن بعده ابناه علي وقويدر، والشيخ مصطفى الدرويش، ومحمد السعفي، وابن سلام، والمقايسي الذي استقر أحد أبنائه بتونس وكانت إحدى حفيداته شيخة الطريقة التجانية في تونس. والشيخ مصطفى الناظور الذي تخرج به الحاج محمد العنقة، والشيخ تيتيش والد الفنان بوعلام تيتيش وغيرهم. (راجع مجلة الثقافة، عدد 103، جويلية/أوت 1994، ص 173 وما بعدها).


سعيد جاب الخير
__________________

"هَذَا الفَّنْ حَلَفْ : لا يَدْخُلْ لِرَاسْ جْلَفْ ! "

الناس طبايع ,, فيهم وديع و طايع,, و فيهم وضيع و ضايع .... إذا دخلت للبير طول بالك ,,,و إذا دخلت لسوق النساء رد بالك....إلّلي فاتك بالزين فوتو بالنظافة ولي فاتك بالفهامة فوتو بالظرافة ... القمح ازرعو و الريح يجيب غبارو ,,,و القلب الا كان مهموم الوجه يعطيك اخبارو.....و للي راح برضايتو ما يرجع غير برضايتي,, ,ولا تلبس حاجة موش قدك,,, و لا على حاجة فارغة تندب حظّك ,,,و ما يحكلك غير ظفرك ,,,وما يبكيلك غير شفرك
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 21h27.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd