* : الذكري الخمسون [50] لرحيل سيده الغناء العربي (الكاتـب : عبدالرحيم رضوان - آخر مشاركة : محمد عمر الجحش - - الوقت: 14h25 - التاريخ: 13/09/2025)           »          نعيمه عاكف- 7 أكتوبر 1929 - 23 إبريل 1966 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : محمد عمر الجحش - - الوقت: 14h14 - التاريخ: 13/09/2025)           »          أسمهان التونسية (الكاتـب : غريب محمد - - الوقت: 07h40 - التاريخ: 13/09/2025)           »          فايدة كامل- 12 يوليو 1932 - 21 أكتوبر 2011 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 05h39 - التاريخ: 13/09/2025)           »          45 عاما في كواليس ماسبيرو (الكاتـب : الكرملي - آخر مشاركة : رضا المحمدي - - الوقت: 03h46 - التاريخ: 13/09/2025)           »          فكاهيات و منولوجات متفرقه (الكاتـب : سيادة الرئيس - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 01h40 - التاريخ: 13/09/2025)           »          فريد الأطرش فتى غلاف في مجلات قديمة (الكاتـب : el kabbaj - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 01h21 - التاريخ: 13/09/2025)           »          شفيق جلال- 15 يناير 1929 - 15 فبراير 2000 (الكاتـب : احمد عبدالهادى - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 00h06 - التاريخ: 13/09/2025)           »          اعمال غربية مقتبسة من عبد الوهاب (الكاتـب : أيمن مصطفى - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 20h58 - التاريخ: 12/09/2025)           »          مطرب مجهول الهوية .. من هو ؟ (الكاتـب : abo hamza - آخر مشاركة : Omar Saleh - - الوقت: 18h27 - التاريخ: 12/09/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > صالون سماعي > ملتقى الشعر و الأدب > نتاج الأعضاء .. القصص والروايات

 
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #25  
قديم 04/03/2009, 18h06
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

@ مضت الأحكام العادلة تتوالى تباعا والحقوق السليبة ترد لأصحابها واحدا بعد الآخر وانحلت عقدة ألسنة الخائفين وتكلم الصامتون . تشجع أصحاب المظالم المقهورين على تجديد دعاواهم بعد طول يأس واستكانة وتسليم بمقتضى الحال . ولأن نصف الرعية تكره الحاكم وتكيد له ذلك إن عدل , أثارت هذه الأحكام العادلة حفيظة وسخط تلك القلة القليلة من المبطلين المرجفين أعداء العدل وخصماء الحق والإنصاف . ومع أنهم شرذمة قليلون إلا أنهم كانوا أصحاب قوة وأولوا بأس شديد وسطوة , ولهم الكلمة النافذة على كل أهل البلدة الذين كانوا على كثرتهم , ضعفاء مغلوبين على أمرهم ..
شعروا أن الأمر قد ضاق عليها وأن دائرة سطوتهم فى طريقها للإنكماش والتصاغر . لم يعد فى مقدورهم أن يستمروا طويلا فى فرض ظلمهم وسطوتهم على عموم الناس , وانزوت تلك الهيبة التى اصطنعوها لأنفسهم زمنا باستعمال أساليب القهر والطغيان وإظهار الشدة والبأس ..
حاولوا مرة بعد مره أن يستميلوا قاضيهم بالمال وإغراءه بأكياس الدنانير الذهبيه أو يقدمون له الهدايا كما تعودوا من قبل مع أسلافه , كانت تلقى قبولا واستحسانا لدى بعضهم . إلا أنهم كانوا يرجعون كل مرة من عنده وخيبتهم تسبق خطواتهم , فالشافعى لم يكن من ذلك النوع الذى ينخدع أبدا لرنين الدنانير أو يبهر عينيه بريق الذهب . كل هذه المغريات ذهبت أدراج الرياح , لم تخضعه كما أخضعت من قبله واستعبدتهم حتى امتلأت جيوبهم وانتفخت بطونهم وأتخمت خزائنهم بالمال الحرام , بعد أن سمحوا لنفوسهم الضعيفة أن تقبله على أشلاء ضحايا القهر والظلم والباطل ..
علم أنها أعراضا زائفة لا قيمة لها مصيرها إلى زوال وفناء , أما قيم الأمانة والعدل والإنصاف فإنها باقية لا تزول , لهذا أحبه أهل نجران خاصة المستضعفين منهم ..
أخيرا قرر أعداء الحق والعدل أن يعقدوا اجتماعا فى دار كبيرهم , الوليد بن جبير صاحب حكاية أرض الثقفية المغصوبه . يتدبرون فيه أمرهم ويبحثون عن مكيدة يبعدون بها الشافعى عن طريقهم , أو وسيلة يخرجونه بها من ديارهم ما دام سلاح المال والذهب لم يجدى معه ..
وفى مجلسهم الماجن من حول قوارير الخمر وكؤوس الشراب , إقترح أحدهم أن يطلقوا من حوله شائعات مغرضه تقدح فى ذمته وأخلاقه . قال آخر بل نسلط عليه من يتربص له بليل ويوسعه ضربا لإرهابه وبث الخوف فى نفسه . واقترح آخر أن يقتلوه فيستريحوا منه إلى الأبد . إلا أن هذه المكائد كلها وغيرها لم تلق قبولا عند غالبيتهم , إلى أن قام صاحب الدار قائلا لهم وهو يبتسم ابتسامة صفراء ملؤها الخبث والدهاء ..............
ــ هل انتهيتم من عرض بضاعتكم أيها السكارى الأوغاد ؟. هذا كل ما فى جعبتكم مـن حيـل ومكائد ؟.
إنبرى أحدهم مستخفا .................
ــ هل لديك رأيا آخر يا سيد بنو عبد المدان ؟.
ــ أجل لدى .. أنا كفيل به .. دعوا أمره لى وانتظروا منى ما أنا فاعل به ..
نظروا إليه متسائلين فى دهشة حتى جاءهم صوته كثعبان يتلوى ...................
ــ أعرف المكيدة التى سوف تقضى عليه تماما وتريحنا منه للأبد ..
ــ هات ما عندك يا سيد بنو عبد المدان ..
ــ ما رأيكم فى سلمى , أم الدراهم ؟.
قالها كلمة كلمة وهو ينظر نظرات ماجنة عابثة إلى كأس الخمر الفارغة فى يمناه بينما كفه اليسرى تقبض على إحدى ثمار الفاكهة . يقذفها لأعلى ثم يتلقفها فى رتابة وملل مرة بعد أخرى . أخذوا ينظرون إليه وهم فى عجب من أمره منكرين عليه قوله ,إستأنف قائلا وابتسامته الصفراء لم تغادر شفتيه ...................
ــ أجل أم الدراهم بائعة الهوى , ألا تعرفونها ؟.
سأله أحدهم ساخرا ..............
ــ ماذا يا ابن جبير . إلى هذه الدرجة أفقدتك صوابك حكاية أرض الثقفيه . ما هذا الهراء الذى تقوله يا رجل , إنك ولابد تهذى , أين ذهب عقلك يا سيد بنو عبد المدان . هلا أخبرتنا بالله عليك ما علاقة امرأة ساقطة كأم الدراهم بالقاضى الشافعى ؟.
عقب آخر ساخرا ..............
ــ لعله علم أنها صاحبته ؟.
وقال آخر ..............
ــ أو ربما تكون رفيقته مثلا ونحن لا ندرى ؟.
وقال آخر ............
ــ إنه لا يخرج من داره إلا إلى المسجد أو قاصدا مجالس الفقهاء وأهل العلم ..
فأمن آخر على كلامه قائلا .................
ــ حقا يا ابن الحارث , إننى لم أر فى حياتى كلها أحدا محبا للمعرفة وعنده نهم للعلم كهذا القاضى المكى . إنه لا يدع أى مجلس من مجالس العلماء إلا ويرتاده ..
قال آخر .............
ــ أجل لا يكاد يفرغ من درس أبو أيوب مطرف بن مازن الصنعانى حتى يتوجه إلى حلقة يحي بن حسان ..
وقال آخر .............
ــ أو فى دار عمرو بن أبى مسلمه يدرس علوم الفراسة والطب إلى جانب علوم الدين ..
قال آخر معقبا .............
ــ لقد سمعته بنفسى وهو يقول ذات مره ... " علم الأديان الفقه وعلم الأبدان الطب " ..
قال ذلك ثم أردف ساخرا .........
ــ ويأتى صاحبنا ابن جبير , ويدعى إن سلمى أم الدراهم هى التى ستريحنا منه ..
رد آخر وهو يضحك عاليا ...........
ــ لعله رآه ذات ليلة خارجا من عندها ..
أخذوا يضحكون بصوت عال ضحكات ماجنة صاخبه وقد لعبت الخمر برؤوسهم واختلطت ضحكاتهم بعبارات السخرية والمجون التى أخذت تنطلق كالعفن من أفواههم ممزوجة برائحة الخمر , وصاحب المكيدة والمكر الكبار يحملق فيهم هازئا دون أن يرد عليهم أو يقاطعهم أو يشاركهم ضحكاتهم . كان يبدو واثقا من نفسه ورأيه حتى إذا فرغوا من تعليقاتهم الساخرة , قال فى ثقة وثبات ................
ــ هل فرغتم , أم لا يزال لديكم ما تقولونه ؟. إحتفظوا بتفاهاتكم هذه لأنفسكم فإنى أدرك ما أقول وأتحمل تبعة كل كلمة قلتها ..
قاطعه أحدهم فى عصبية ..............
ــ أية تبعة يا رجل ؟. تكلم كلاما يدخل العقل يا ابن جبير بدل أن تضيع وقتنا فى هذا الكلام الفارغ . يبدو أن الخمر قد لعبت برأسك . أية بغى تلك التى نعتمد عليها فى أمر مهم كهذا مع رجل عرضنا عليه آلاف الدنانير فأبى ؟. أتظن أنها من الممكن أن تغويه مثلا أو توقعه فى الخطيئه , أليس هذا هو ما ترمى إليه ؟.
نظر إليه مستهزءا وقال ...................
ــ هل انتهيت من كلامك أنت الآخر ؟. أجل هذه البغى التى تسخرون منها هى التى سوف تريحنا من هذا الشافعى . لكن ليس كما تظنون أو تتصورون , دعوا هذا الأمر لى وسترون غدا بأنفسكم ما أنا فاعل فى هذا القاضى المكى العنيد ..
أخذ يقول فى نفسه .......... سأجعله يدفع غاليا ثمن تحديه لى وإجبارى على رد الأرض للثقفيه وهدم ما أقمته عليها من بناء كلفنى الكثير من المال …………

@ وفى المساء تسلل متنكرا إلى دار بائعة الهوى وهو يتلفت حوله مخافة أن يراه أحدا من جيرانها حتى لا تنكشف المؤامره . داخل الدار جلسا وحدهما وأخذ يهمس لها بتفاصيل المؤامرة الدنيئة , ويلقنها الدور الحقير الذى سوف تقوم به فى الغد . لم ينس قبل أن يخرج من عندها وهو يفرك يديه فى سعادة وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة , أن يدس فى يدها صرة متخمة بالدنانير الصفراء ..
كانت أم الدراهم تسكن فى دار وحدها لا يعيش معها بين جدرانها إلا ابنتها سميه , فتاة بضة مليحة أكملت عامها العاشر من عمرها . مات أبوها بعد مولدها بعام واحد . كانت هذه المرأة على قدر كبير من الملاحة والحسن , تملك صوتا جميلا , بعد أن مات زوجها لم تجد وسيلة تتعيش منها , فاحترفت الرذيلة والبغاء واتخذت منها وسيلة لجمع المال الحرام إلى جانب بيع الخمور ..
وفى بيتها تعقد مجالس الأنس والشراب أحيانا , تغنى وترقص لروادها وفى آخر الليل تسلم جسدها لراغب اللذة الحرام نظير أجر معلوم . كانت على استعداد لأن تفعل أى شئ فى سبيل الحصول على المزيد من الدنانير والدراهم التى لم تكن تعشق فى الدنيا بعد ابنتها سواها , لذلك لقبها أهل نجران بأم الدراهم ..

@ وفى اليوم التالى وبينما القاضى الشافعى على رأس مجلس القضاء تعلوه سمات المهابة والوقار , والناس من حوله يرقبون فى صمت كل ما يدور داخل القاعة , والمتقاضون كل فى مكانهجالسون أمامه كأن على رؤوسهم الطير , لا يتكلم الواحد منهم إلا إذا بإذن أو إشارة منه . إذ سمعت جلبة شديدة وأصوات متفرقة خارج القاعة اختلط بعضها ببعض وامرأة تصرخ قائلة ...............
ــ دعونى أدخل إليه , دعونى أيها الناس , لم تحولون بينى وبينه . أين هذا القاضى المكى الذى تزعمون أنه قاض عادل أيـن هـو ؟.
كانت سلمى أم الدراهم , التى هجمت على مجلس القضاء فى صفاقة ورعونه وهى تصرخ فى غضب محموم بهذه الكلمات , والحراس يحاولون دفعها خارج القاعة دون جدوى حتى إذا انتهت رغما عنهم إلى حيث يجلس الشافعى قال لها بعد أن أمر الحراس أن يتركوها وشأنها .....................
ــ نعم يا أمة الله , مالك تصرخين هكذا , أنا القاضى ماذا تريدين ؟.
نظرت إليه نظرة غاضبة متحفزة دون أن ترد عليه والشرر يتطاير من عينيها , ثم مدت يدها فى جيبها , أخرجت منه بضعة دنانير صفراء, ألقت بها إليه قائلة بفظاظة مفتعله ....
ــ أعرف أنك القاضى , أنسيتنى , أنسيت أم سلمى , أم الدراهم ؟! خذ ..
سألها متعجبا ................
ــ ما هذا ؟.
ردت فى سخرية وفى عينيها نظرة وقحة تعودت عليها فلم تبد غريبة منها ........
ــ أنظر جيدا دقق النظر , ربما تتذكر , ألا زلت لا تعرف ما هذا ؟.
ــ إنها دنانير ..
ــ ألم تر هذه الدنانير من قبل أيها القاضى ؟.
ــ لم أفهم بعد ماذا تقصدين بسؤالك , هلا أفصحتى أيتها المرأه ؟.
ــ إنها مزيفه .
ــ وما شأنى بها إن كانت مزيفة أم غير ذلك ؟.
نظرت للحاضرين وصرخت قائلة ............
ــ القاضى يقول ما شأنى بها , أهذا كلام يقوله قاض يدعى أنه يحكم بالعدل والإنصاف ؟. يا قاضى نجران المبجل أنسيت ما كان منك بالأمس ؟. الدنانير التى أعطيتها لى بالأمس . أهكذا تنسى ما اشتريته منى , أقول لهؤلاء الناس ما كان من أمرك بالأمس فى دارى , بل كل يوم , أم تذكرت ؟.
إمتقع وجه الشافعى وهو يسألها ............
ــ أى دار تلك التى تتحدثين عنها يا امرأه , وما حكاية هذه الدنانير المزيفه الذى تزعمين أنى أعطيتك إياها ؟.
علا صوتها وزادت وقاحتها قائلة .............
ــ أنظروا أنتم أيها الناس واحكموا بينى وبينه . القاضىجاءنى بالأمس متخفيا كعادته واشترى منى ما يشتريه كل يوم من نبيذ وشراب وأعطانى خمسة دنانير , وبعد أن مضى لحال سبيله إكتشفت زيفها . من يرض منكم بهذا ؟.
ما كادت تنتهى من كلامها حتى ساد القاعة صمت عميق كصمت الموت . حبس القوم أنفاسهم وصوبوا أبصارهم إلى قاضيهم فى انتظار ما سيقوله وقد عقدت الدهشة ألسنتهم من هول وبشاعة ما سمعوا . ويالبشاعة ما سمعوا كبرت كلمة هى قائلتها . قاضيهم الورع التقى النقى تتجرأ عليه امرأة ساقطة فاجرة كهذه وتلقى فى وجهه بتلك التهمة الشنعاء . تلقيها هكذا فى قحة وجرأة , تتهمه أنه تسلل فى جنح الليل إلى دارها المشبوهة واشترى منها ما هو رجس من عمل الشيطان , شرابا حرمه الله فى كتابه العزيز وأمر باجتنابه وهو أعلى وأشد درجات التحريم , لم يحرم شربه فحسب وهو الأساس , لكنه حرم على الإنسان حتى ملامستها أوالجلوس فى مجالس شربها حتى لو لم يشارك فى تعاطيها. أى مصيبة تلك التى ابتلى بها الله أسماعهم . لم يصدقوا أنفسهم فى بداية الأمر وهم يستمعون لهذا الإتهام البشع يقتحم آذانهم ..
كانوا يتوقعون أن يثور الشافعى ويثأر لنفسه ولمكانته ويأمر بحبس هذه المرأة وتعزيرها بعدما أسفرت عن وجهها القبيح , وسمحت لنفسها أن تدنس ساحة القضاء بهذه الجرأة لتلقى جزاء وقاحتها وتطاولها على قاضى البلاد , وافترائها بالباطل عليه وهو يعتلى منصة القضاء المقدسه أو طردها . ذلك أضعف الإيمان بعد أن يستنكر هذه التهمة الشنيعة ويدفع عن نفسه تلك الفريـة الباطلـه . لكنه تمالك نفسه وكظم غيظه وتحلى برداء الحلم , حتى أنه أشار لكاتبه زيد إشارة حازمة أن يلتزم مكانه , لما رآه ينتفض واقفا مكانه متحفزا ليفتك بها والشرر يتطاير من عينيه . جلس زيد رغما عنه وهو يتميز من الغيظ يكاد أن يفترسها بعينيه الغاضبتين , ولم يكد يفعل حتى فوجئبصاعقة تنزل فوق رأسه وهو يسمع الشافعى يسألها فى هدوء وثقة ............
ــ أهى دنانير مزيفة حقيقة ؟.
ردت ساخرة فى الوقت الذى كان يتظاهر فيه أنه يتفحصها فى يده ............
ــ أجل مزيفه , ألم ترها بعينى رأسك ؟.
ــ وتريدين غيرها , أليس كذلك ؟.
قالها وهو يمد يده فى جيبه , لتخرج وفيها بعضا من الدنانير, ناولها لها وهو يردف مبتسما .......
ــ لا تغضبى يا أمة الله , إليك هذه الدنانير الصحيحه , أرضيـت يا امـرأه ؟.
ثم أخذ يتمتم فى سره ..........
ــ وأفوض أمرى إلى الله ..
لم يكن ذهول المرأة بأقل من ذهول القوم . إرتج عليها ولم تدر ما تقول , بعد أن سكب الشافعى على جذوة نيران غضبها المتأججة بكلماته الهادئة الواثقة المتأنية ,سيلا من الماء البارد ..................
لقد أعدت نفسها لردود فعل خلاف ذلك ولم تكن تتوقع هذه الإجابة الصماء التى أغلقت عليها باب الجدل والنقاش وهو ما كانت تريده وتتمناه . كانت تتوقع مثلا أن ينتفض ثائرا أو يقوم بطردها أو يحاول دفع هذه التهمة الشنعاء عن نفسه . أن يفعل أى شئ يعطيها الفرصة أن تحاوره وتجادله وتسخر منه أمام القوم وهو ما اتفقت عليه مع صاحبها بالأمس . وكان الشافعى من جهته قد أدرك أن وراء هذه المرأة مؤامرة دبرت بليل وأنه يختار بين أمور أحلاها مر . إن حاول طردها أو حاول دفع هذه التهمة عن نفسه ستنال منه لا محالة وهى امرأة ساقطة مأجوره . والصمت أيضا من جانبه لن يزيدها إلا عنادا وافتراء ..
وفى لحظة خاطفة مرت عليه كأنها دهر إختار الشافعى أن يقطع عليها باب الحوار والجدل وفى الوقت نفسه يكل أمرها إلى الله تعالى وهو يعلم يقينا أنه معه وأنه لن يضيعه أبدا . لقد حفظ ووعى فى طفولته عندما كان يتردد على كتاب الشيخ إسماعيل , قوله تعالى فى سورة الحج [ إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ] ..
خرس لسانها ولم تجد ما تقوله أو تعقب به , بعد أن أعطاها ما ادعت أنه حقها . وضعت الدينار فى جيبها وهى تنظر إليه فى غيظ وحنق , ثم استدارت خارج القاعة والشرر يتطاير من عينيها . نظر القوم لقاضيهم والدهشة لا زالت تعقد ألسنتهم متوسلين إليه بعيونهم أن يفعل شيئا أو يقول كلمة لهم , يريح بها قلوبهم ويطفئ بها تلك النيران التى أججتها فى صدورهم كلمات هذه البغى الحمقاء . لكنه لم يفعل بل التزم الصمت وأسلم وجهه لله . أمام هذا الصمت الذى خيم على قاضيهم والذى لم يدركوا مغزاه لم يجد القوم أمامهم إلا أن يغادروا قاعة القضاء واحدا إثر الآخر , وهم يضربون كفا بكف أن خاب ظنهم فى هذا القاضى الذى كان قدوتهم . لقد تحقق العدل على يديه فذاقوا حلاوته بعد أن تجرعوا كؤوس الظلم والهوان سنين عددا ..
إلا زيد أكثر القوم إيمانا بالشافعى وثقة فى تقواه وطهارته , جلس مكانه مطرقا ذاهلا وهو يضع كفيه على مقدم رأسه , غير قادر على استيعاب ما يدور من حوله . بينما المتآمرون من مكانهم يرقبون فى فرحة تتابع الأحداث وهم مندسون بين الناس وعلامات التشفى والشماتة على وجوههم . لكن فرحتهم وشماتتهم لم تدم إلا لحظات معدودات . أجل إن هى إلا لحظات قليلة حتى فرج الله كربة القوم جاءت الإجابة التى كان القوم ينتظرونها من قاضيهم وهم على أحر من الجمر . لكنها لم تأت منه ولكن أتى الجواب من الله تعالى ولقد خاب من افترى . فبينما المتآمرون على باب الدار يهنئون أنفسهم على نجاح خطة كبيرهم فى تلويث سمعة قاضيهم المبجل وإظهاره أمام الناس فى صورة زئر النساء وشارب الخمر . إذا بهم يرون على البعد شابا يعدو وهو يصرخ بصوت متقطع من الفزع والتعب والغبار يثور من حوله متجها ناحية المرأة لاهثا .............
ــ يا أم الدراهم , يا أم الدراهم , أين أنت يا امرأه . لقد شبت النار فى دارك منذ قليل وأتت على كل ما فيها ومن فيها ..
الله أكبر ما أسرع انتقام السماء حدثت المعجزه وأجاب الله تعالى بدلا من عبده . ها هى المرأة تصرخ مولولة وهى تلطم خديها وسط هذا الجمع الذى كانت تتشدق أمامه منذ لحظات قليلة بالباطل وحديـث الإفك ..
ــ رحماك يارب النار شبت فى دارى . إبنتى إبنتى تركتها نائمة فى الدار . هلكت ابنتى يا ويلى , ذنب القاضى , أنا ظلمته , ظلمت القاضى ...................
ظلت هذه الواقعة الغريبة حديث اليمن كلها لأيام طويله زاد حب الناس خلالها للشافعى وزاد تقديرهم له , بعد أن أظهر الله تعالى براءة ساحته من هذه الفرية الدنيئه أمام الناس جميعا وطهارة ذيله ونقاء سريرته , وتعدت شهرته من نجران إلى سائر بلاد اليمن الأخرى . وكانت أم الدراهم قد أعلنت توبتها من ممارسة الرذيلة بعد هذه الفاجعه التى فقدت فيها ابنتها وفقدت دارها وما تدخره فيها من متاع ومال حرام . رجعت إلى الله نادمة على ما فعلت من آثام راجية منه تعالى أن يغفر لها ما تقدم من ذنوبها بعد أن حكت تفاصيل المؤامرة لأهل نجران وفضحت هؤلاء المتآمرين على الملأ وهى تخطو خطوتها الأولى فى طريق التكفير عن ذنوبها ..
لكن أبت الليالى أن تدع الشافعى ينعم براحة البال بين كتبه وعلومه التى كان يجد فيها سلوته وسعادته . كان ريب المنون له بالمرصاد وكانت المحنة الكبرى التى غيرت مسار حياته ووضعته رغما عنه فى بؤرة الأحداث ومركز دائرة الضوء ..

يتبع.. إن شاء الله ............................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h24
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 15h42.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd