* الذكرى 22 لرحيل مطرب العراق الأول*
الأستاذ محمد القبانــــچــي
___________________
قبل مدة كنت قد هيأت بعض المواضيع والمنشورة في الصحف والمجلات العراقية في نفس السنة التي توفى فيه الراحل القبانجي وكان يوم 3نيسان 1989 ،وهو من أرشيف المرحوم أخي الكبير .
ولكني نسيت أن ان أرفعه ولنستذكر الرائد الراحل بهذه المناسة .
* برحيل قاريء المقام العراقي محمد القبانجي (1901-1989 ) تنطوي صفحة حافلة بالعطاء من تاريخ الأغنية البغدادية،هذه الأغنية التي عرف الفنان الراحل كيف يحفظ لها شخصيتها وينقيها من التأثيرات المختلفة.
والمقامات لون من الغناء العراقي برع القبانجي فيه،بعد ان تعلمه على يد قاريء شعبي يدعي *"قدوري العَيشه " كانت له مقهى بالأسم نفسه في منطقة سوق الغزل "بغداد " وقد بلغت براعة القبانجي في أداء المقامات حداً جعل اسلوبه مدرسة فنية تخرج فيها بعض المبدعين والكثير من المقلدين .
وقد طارت شهرة القبانجي في صالات الغناء البغدادية في النصف الأول من القرن العشرين ، حتى انه أختير رئيساً للوفد العراقي الذي سافر الى القاهرة لحضور اول مؤتمر للموسيقى العربية في العام 1932،وبلغ من تقدير الوفد آنذاك أن نوري السعيد رئيس الوزراة العراقية آنذاك، خرج بنفسه لتوديع الوفد بصحبة عدد من الوزراء ، ولفيف من اهل الفن والأدب ، كان بينهم الشاعر معروف الرصافي .
ويشاء القدر ان يرحل القبانجي عن محبيه الكثر ،في الوقت ذاته الذي تصدر في باريس اسطوانه "ليزر" تحمل تسجيلات غنائية للحفلات التي قدمها المطربون العرب الذين حضروا مؤتمر القاهرة الأول وهوتسجيل نادر تم بناء على أوامر فؤاد الأول ملك مصر ، وعلى نفقته الخاصة ، ولايوجد منه سوى ثلاث نسخ منها،واحدة في باريس، وهي التي كانت اساساً لطبعة "الليزر" الجديدة.
في هذه الأسطوانة نستمع الى القبانجي وهو في اوج قدراته الصوتية، ينشد المقام والأبوذية الى جانب المطرب الجزائري الحاج بلعربي الأنصاري، والمغربي عمر الجعيدي ،والتونسي خميس ترنان.
وبعد مدة حافلة بأحلى العطاء ، قست الشيخوخة على القبانجي فأضعفت حنجرته ،وأوهنت بصره،فكانت الدموع تنساب من عينيه وهوجالس امام محبيه واصدقاءه وزواره المخلصين الذين حرصوا على التردد عليه في داره حتى آواخر ايامه ،ولعل سبب حزنه هو انه كان يرى تلاميذه ،امثال ناظم الغزالي ،يوسف عمر، وعبد الرحمن خضر ، يرحلون قبله ...بينما يحضر هو مجالس العزاء لينشد المنقبة النبوية على ارواحهم .
على مشارف التسعين، لحق القبانجي برفاقه،وخرجت بغداد الرسمية والشعبية لتشيعه ،فقد ادخل بصوته المتعه الى كل بيت،والطرب الى كل روح .
_________________________________
"نشر في مجلة الحــــــوار -العدد 22 في 15 آيار(مايس) 1989
* ملاحظة :
ورد "قدوري العيشة " كانت له مقهى بالأسم نفسه في منطقة سوق الغزل "بغداد "
وهو خطأ من قبل كاتب الموضوع آنذاك قبل (22سنة)! والصحيح أن "قدوري العيشة " كان قارئاً للمقام ،والمقهى كانت لأخيه "علوان العيشة " و كان ايضاً قارئاً للمقام تعلموه و أخذوه من استاذهم أحمد الزيدان ( وللمعلومة فأن قدوري وعلوان العيشة ،هم أبناء عمة قاريء المقام ناصر حسين فضل ،رحمهم الله جميعاً ).
* صورة للراحل مطرب العراق الأول محمد القبانجي في احدى حفلاته في بغداد في منتصف الستينيات .(تنشر لأول مرة)

*