رغم تراجع مستوى كلماته وألحانه
''الشعبي'' سيظل القلب النابض للأغنية الجزائرية
''الشعبي''.. ماضيه، حاضره ومستقبله؟.. واقعه رهاناته وتحدياته؟.. هي أسئلة وأخرى طرحناها على الشارع الجزائري، في جولة استطلاعية قادتنا إلى بعض الأحياء الواقعة بالجزائر العاصمة، حيث التمسنا أرمادة من الأجوبة، شكلت في مجملها رأي الجمهور''العاصمي'' في أغنية ''الشعبي''، أو بعبارة أبسط أجابتنا على سؤال: ألا يزال ''الشعبي'' محافظا على نفس درجة بريقه رغم المستجدات الحاصلة في الساحة الفنية الجزائرية؟
وجهتنا الأولى كانت ساحة ''موريس أودان'' أين تسنى لنا قراءة بعض أفكار المتوافدين عليها، وتحديدا بموقف مركبات ''إيتوزا'' المتجهة نحو الأبيار، التقينا هناك شابا في مقتبل العمر يدعى نسيم. ف (تقني سام في الإعلام الآلي)، سألناه فأجابنا مبتسما: ''رغم المكانة المرموقة التي يحظى بها هذا الطابع الغنائي الأصيل لدى شرائح واسعة من المجتمع، وكذا الاهتمام البالغ الذي يوليه له العديد منهم، على اختلاف مستوياتهم العمرية والتعليمية، وفي مقدّمتهم عائلتي، لكنّني لا أخفي عنك أنّني من عشّاق النغمة ''الغربية'' التي أجد فيها راحتي وضالتي، وعموما يبقى لأغنية ''الشعبي'' حيّزا من مكتبتي الغنائية التي تتزيّن رفوفها بروائع أعمدتها، على غرار أشرطة الفنان الراحل دحمان الحراشي، الحاج الهاشمي فروابي، الحاج امحمد العنقى وغيرهم.
ودّعنا نسيم وقطعنا بعض الخطوات التي تفصلنا عن ساحة ''البريد المركزي''، أين اقتربنا من جمال. ب (39 سنة)، صاحب محل تجاري لبيع الألبسة الرجالية، طرحنا عليه السؤال ذاته، فأبدى شغفا كبيرا بالموضوع، ثم استرسل يقول: ''لا يمكن لأحد منّا أن ينكر أصالة وعراقة هذا الموروث الفني الذي جبلنا عليه، فوالدي رحمه الله كان عاشقا ومستمعا وفيّا لأغاني الشيخ عمار العشاب، الحاج مريزق، اعمر الزاهي وغيرهم من ''شياخ الشعبي''، ورغم التراجع النسبي لمستوى هذا النّمط الغنائي في الأعوام القليلة الماضية، نظرا لاكتساح الأغاني الريتمية الخفيفة واستحواذها على سوق ''الكاسيت''، غير أنّني أعتقد أنه رغم كل هذه التحديات والرهانات، سيظل لأغنية ''الشعبي'' متذوّقوها الأوفياء، فالأعمال القيّمة لا يمكن التغاضي عنها أو إلغاء كيانها في يوم من الأيام''.
وأمّا عمّي علي (61 سنة)، الإسكافي الذي التقيناه وهو منهمك في أداء مهمّته النبيلة، بالقرب من الطريق المؤدي إلى المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي، فقد رفض في البداية التحدّث معنا، ولكن بمجرد أن كشفنا عن الموضوع، تحمّس للفكرة ثم أردف قائلا: ''قبل امتهاني لهذه الحرفة، كنت وما أزال فنانا هاويا، فبمجرد فراغي من العمل، ألتقي بـ ''أولاد الحومة''، لاستحضار بعض روائع ''شيوخنا'' رحمهم الله، بمعية آلة ''الموندول'' التي لا تكاد تفارقني، فأغنية ''الشعبي'' كالهواء الذي نستنشقه نحن سكان ''القصبة'' العتيقة، لذا لا يسعني في هذا المقام سوى القول بأن ''الشعبي'' لا يزال بخير، كما أنه لن يموت يوما، خصوصا في ظل الرداءة التي اجتاحت الساحة الفنية الجزائرية مؤخرا''.
وغير بعيد عن ''بيت بشطارزي''، كانت قبلتنا ساحة ''الأمير عبد القادر''، اقتربنا من سمية. ع (21 سنة)، طالبة بقسم الترجمة بالجامعة المركزية، حاولنا جسّ نبضها بخصوص رؤيتها لواقع أغنية ''الشعبي''، فأجابتنا بكل عفوية: ''أظن أن زمن ''الشعبي'' قد ولّى، فمعظم الشباب الحالي قطع صلته به وعزف عن استماع هذا اللون الغنائي ''القديم''، فأنا شخصيّا مولعة بنجوم الراي، فضلا عن الموسيقى ''الشرقية'' التي تستهويني كثيرا، وعليه فإن المسألة هنا تتعلق بالذوق لا أكثر ولا أقل، ومن ثمّة فلكل واحد منّا ذائقته الفنية الخاصة به''.
المصدر: جريدة الخبر، رصدتها كهينة شلي، 1 أفريل 2010