اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد السلاموني
شمس الأصيل .. أنشودة الجمال على ضفاف النيل
صورة تنبض بالحياة تلك التي رسمتها كلمات بيرم التونسي ..
ترى فيها الشمس وقت الغروب ، مرسومة على صفحة النيل ، و أشعتها تداعب النخيل
و نسيم عليل تتراقص معه الطبيعة فرحاً على نغمات الناي ..
شمس الأصيل دهبِّت خوص النخيل يا نيل
تحفــة و متصـــورة في صفحتك يـا جميل
و النـــاي على الشــط غنى و القدود بتميل
على هبــــوب الهـــــوا لمـا يمـر عليــــــل
إن تأمُّل هذه الصورة وحده يبعث في النفس الهدوء و الطمأنينة ، فما بالنا و إن أضيفت إليها متعة سمعية لا تقل جمالاًً و لا تناغماًً متمثلة في ألحان رياض السنباطي و صوت أم كلثوم !
وسط تلك الطبيعة الهادئة حبيبان ، كل ما حولهما من جمال ينعكس عليهما ..
يطيب النسيم فتطيب القلوب ، و تصفو النفوس لصفاء الماء !
يا نيـــــل ..
أنــا و اللي احبـــه نشبهك في صفــــــاك
لانت و رقـِّـت قلـــــوبنا لمــــا رق هواك
و صفــــونا في المحبــــــة هو هو صفاك
مالناش لا إحنا و لا انت في الحلاوة مثيل
قد تركا نفسهما للهوى يصحبهما حيث تكمن السعادة .. و لا اعتبار لأي قيد ، حتى الوقت نفسه فقد اختلف الإحساس به فمن كان سعيداً يشعر بقصره مهما طال !
أما التعيس الوحيد فيكون ليله طويلاً ، تمر ساعاته بل دقائقه ببطء و ملل !
أنــا و حبيبـــــي يا نيـــــل نلنـــــا أمانينا
مطرح ما يســري الهوى ترسي مراسينا
و الليـــل إذا زاد و طـــــال تقصر ليالينا
و اللي ضنــاه الهـــوى باكي و ليله طويل
أنــا و حبيبي يا نيـل غايبين عن الوجدان
يطلع علينا القمـــر و يغيب كـأنه ما كــان
فـايتين حوالينـــا نسمـــع ضحكة الكروان
على ســواقي بتنــــعي ع اللــي حظه قليل
نلاحظ أن بيرم التونسي راعى الترتيب الزمني في هذه الأغنية فذكر الشمس وقت المغيب ثم الليل ثم القمر ..
و في " مالناش لا احنا و لا انت في الحلاوة مثيل " قدّم " إحنا " على " انت " فكأنه يقول : يا نيل احنا أحسن منك !
أما السنباطي فأتعجب لقدرته الفائقة في صياغة ألحان ناطقة بمعاني الكلمات ..
فكلمة " الحلاوة " مثلاً لا يمكن تلحينها بشكل أفضل من ذلك ، و لا أحد يغنيها كما فعلت أم كلثوم .. فخرجت الكلمة و كأنها تقطر شهداً !
و كم كانت الجملة راقصة في " و الناي على الشط غنى و القدود بتميل " مع توظيف رائع لآلة الناي ، التي استخدمها في الكوبليه الأخير للتعبير عن حالة مختلفة تماماً
و هذا الكوبليه به من الأعاجيب ما يسلب الألباب .. كيف لحنه السنباطي بلحنين مختلفين و كيف استعرضت أم كلثوم كامل قدراتها الصوتية فيه .. و كيف سمعنا منها صوت " الكروان " !
فلا تملك إلا أن تقول : الله الله الله يا ست .. عظمة على عظمة على عظمة !
( 2 )
على هامش شمس الأصيل
الشمــس هــيّ الشمــس .. و نيلنـا هــوّ النيـــل
إيـــه في الحيــاة اختلف ؟ .. و غيـَّر كل جميل
غـــاب الكـروان و فات .. الناي و لحن حزين
و فيـــن هيّ السواقي ؟ راحت مـع الحلــوين !
يطلــع قمـــر و يغيــب .. و لســه فينــا الحنين
اشتقنـــا للحبــــــايب .. اشتقنــــا للصـــــافيين
لعيون م الفرحة غنّت .. لجمال شمـس الأصيل
و قلــوب م المية أصفى .. و دهب فــوق النخيل
و لعم بيــرم و ثومــة .. و السنبـاطي الأصيل !

|
بالإضافة إلى عمق المعاني وسبكها في شعر بيرم فإن وصفه للطبيعة من خضرة وماء لا يتخلّف أبدا عن الوجه الحسن لمحبوبه وضمّ هذه اللّوحة الجمالية كعنصر من عناصر الطبيعة الخلاّبة . وهنا مكمن الإعجاز في هذا النوع من أشعار بيرم .