اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوإلياس
أخي محمد الحوار الذي أفضى فيه السنباطي برأيه الصريح في فريد تم معه ببيته بعد شهرين ونيف من وفاة فريد الأطرش ومرور أربعين يوما على وفاة أم كلثوم ، ومما جاء فيه :
ومادمنا نرفع غطاء الحزن ..أو غشاوة الحزن أو ثقل الحزن عن النفس فكان لابد أن أساله عن مسيقار فقدناه ..طال مرضه ..وتوقع الأطباء وفاته وعاش ..رغم أنف الطب ،أنه فريد الأطرش ..ذلك الصوت العربي الحزين دائماً ..ولم يجد الأستاذ رياض السنباطي حرجا في أن يقول :إنه ملحن من الطراز الثاني ،وهو محدود وكل أغانيه على وتيره واحده ليس عنده تنويع وهناك فرق كبير بين عبد الوهاب وفريد الأطرش .
عبد الوهاب إبداع وتلوين ،وخصوصاً في أغنياته القديمه ،ولكن فريد من ماء واحد ولون واحد ودمعته على خده في كل وقت ،كل أغانيه حزن ونواح ،وهذا يجعل المستمع كئيباً دائماً إنني أتكلم بصراحه ولا يهمني من يغضب ..
|
شكرا لك أخي الكريم السيد أبو إلياس على هذه الوثيقة بالرغم من أن المصدر الذي أخذت منه ما زال مجهولا، و الحقيقة أنني لم أكن أعلم بوجود هذا التصريح بالرغم من أنني من المتتبعين لأخبار الفن الشرقي منذ ما يقرب من أربعين سنة، أما و قد عرفتني به فإننى أشكرك الشكر الجزيل ، وهذا أمر طبيعي ، فلا يمكن لأي منا أن يكون ملما بجميع التفاصيل و بدقائق الأمور وإلا لما كانت الحاجة لمثل هذه المنتديات..
و بالرغم من احترامي المتزايد لمجهوداتك الكبيرة في البحث عن المعلومات ونشرها فإن الاختلاف في بعض الجزئيات لازم و الاختلاف لايفسد للود قضية.
و الواقع أننى لم أنكر في ردي إمكانية وجود تصريح من هذا القبيل لهذا قلت : لم نعثر على وثيقة تؤكد الخبر، وفعل )عثر( في زمن المضارع المنفي لا يعني إنكار وجود الوثيقة بل المقصود عدم العثور عليها مع إمكانية وجودها، و لهذا استطردت في الجزء السييء الحظ الذي بتر من ردي وقلت بما معناه : إن وجد مثل هذا التصريح فالدافع سيكون لا محالة هو الغيرة التي تعمي الأبصار و الأفئدة. وسأكون لك من الشاكرين أيضا لو أنك زودتني بمصدر هذا التصريح بالضبط لأنه أساسي جدا في تحليلي.
ولم أكن في الواقع أنتظر أن يكون موسيقارا في مستوى رياض السنباطي ينساق بسهولة لركوب موجة الحقد و التحامل و التجريح في حق زميله الميت بهذه الصورة خصوصا أنه كان يعبر عن شعور مختلف عندما كان فريد حيا يرزق، وبماذا يمكننا تفسير هذه التناقضات ؟ هل هي بطولة منا أن نتهجم على زميل فارق الحياة و نقلل من شأنه وهو ميت لا يمكنه الدفاع عن نفسه؟ أم نصنفها ضمن أصناف الجبن و السفالة، ولم يكن الموسيقار الكبير رياض السنباطيي في حاجة لهذه الأساليب ؟ فمكانته الريادية مصونة و لونه في التأليف مختلف. فهو بالرغم من بعض الرتابة التي اتسمت بها ألحانه للسيدة أم كلثوم و بالرغم من اجترار نفس الأجواء اللحنية الخاشعة في جل ألحانه ، فيكفينا منه أنه هو مؤلف موسيقى القصيدة الرائعة و العلامة البارزة في الموسيقى العربية و الذرة الفريدة ، قصيدة الأطلال العظيمة.
أما السؤال الرئيسي الذي يفرض نفسه هو لماذا هذا التحامل؟ أو لماذا كان كل الموسيقيين يمتدحون أعمال فريد ويجاملونه و حين شاءت الأقدار أن يفارق الحياة قبلهم انقلبوا عليه، فكت عقدة لسانهم و انطلقوا و عبروا بفصاحة غريبة عليهم و بطلاقة لسان غير معهودة فيهم ، تنافسوا بشدة في الكيل له و النيل منه و طعنه في ظهره و محاولة التقليل من شأنه في حين أنه كان جثة هامدة ، لا يمكنه الدفاع عن نفسه. حقيقة أنه كان هو بدوره ينتقدهم لكنه كان أشرف منهم لأنه انتقدهم في حياتهم و أحاديثه ما زالت حاضرة، بل انتقد حتى أستاذه الكبير الذي كان يحترمه ، رياض السنباطي ، انتقده ضمنيا حين أشار إلى أن أم كلثوم لم تقدم عملا ذا قيمة بعد الأطلال. ولم يرد أحد على الانتقادات لأن كل ما جاء فيها صحيح وصادق و حقيقي ، وماذا فعل موسيقيونا الشجعان الأبطال ، في مقابل ذلك ، انتظروا و صبروا حتى إذا فارق الحياة انطلقوا وتنافسوا وأبرزوا عضلاتهم في الكيد و النيل والتجريح والسب و الشتم و الحال أنه أصبح جثة هامدة .
جميع التصاريح والأحاديث و التفاهات و السخافات التي حاولت التقليل من شأن موسيقى فريد الأطرش بعد رحيله هي غير ملزمة بل لا اعتبار لها البتة لأن الدافع إليها هو الحقد و الغيرة و اللؤم ولا ندرجها أبدا في تحاليلنا لأنها مفتقدة للدليل الذي يمكن أن يسندها ، فهي إذن باطلة .
اسمحوا لي على الإطالة لأننا ما زلنا لم ننته، فالسؤال الأساسي مازال مطروحا، و هو كالتالي: لماذا كل هذا التحامل...؟ لماذا حدث هذا ؟ لدي الجواب:
يحكي التاريخ أنه في يوم من أيام سنة 1975 قررت فرنسا تكريم الموسيقار الكبير فريد الأطرش لتضعه في المكان المناسب له فمنحته نفس الوسام الذي استحقه قبله بتهوفن و موزار، إذ ارتأت اللجنة العلمية التي أشرفت على الاحتفال أن فريد الأطرش بأعماله الخالدة الحاملة لفكر موسيقي متطور و المكتوبة بلغة موسيقية عالمية ،يستحق عن جدارة وسام الخلود الفني الذي لايمنح إلا لكبار المفكرين في الحقل الموسيقى، حدث هذا في دولة بعيدة عن مصر دولة غربية هي فرنسا وتنتمي لقارة مختلفة هي أوروبا ، لكن وقع الخبر كان صاعقا على زملائه الموسيقيين بمصر، وكان قد فارقهم وغادرهم إلى دار البقاء، كان للخبر وقع الصاعقة ، أسقط في أيديهم وارتبك الجميع، فعلوا كل شيء من أجل التقليل من شأنه، حتى الإعلام سخروه لأجل هذا الغرض...ولحد الآن مازال بعض الإعلاميين يعزفون نفس النغمة النشاز وعلى نفس الآلة المنقرضة التي لا تقنع أحدا...فلماذا؟ لماذا كل هذا؟ الجواب بسيط ، لأن المنافسة الفنية غير الشريفة التي كانت تدور رحاها بينهم في حياة فريد حسمت حسما، حسمها بعد وفاته حكم محايد ، لايعرف التملق و التزييف ولا يسير دواليب مؤسسته بالنفاق و المحاباة و لا بحديث الكواليس و المؤامرات ، انتصر فريد انتصار مذهلا سجلته صفحات التاريخ العالمي و انطلقت الأصوات النشاز في محاولاتها اليائسة وما تزال، ولكن هيهات، فألحان فريد سكنت القلوب وتسللت إلى وجدان الجماهير وأفلتت الفرصة على الحاقدين و المزيفين و المتعصبين. ومهما ما قيل وما سيقال فإن فريد الأطرش سيظل عظيما و رائدا كبيرا و مميزا من رواد الموسيقى في القرن العشرين أحب من أحب وكره من كره، و للحديث بقية فالقافلة مازالت تسير.
محمد فنان
.