ملوك الشر في السينما المصرية

**خليـل زيـدان** · #1 26/09/2009, 21h43

بدايـة المشوار

ويبدو أيضا أن محمود المليجي كان على موعد مع الفن ،
ففي هذا الوقت أعلنت أم السينما المصرية عزيزة أمير، التي كانت أول فنانة
تقدم فيلما روائيا مصريا طويلا هو (ليلي) عام 1927، عن حاجتها لبعض الوجوه الجديدة،
فذهب إليها مع بعض الزملاء الحالمين بالظهور على الشاشة الفضية، وعندما اعترض بواب
فيللتها طريقهم محاولا منعهم من الاتصال بالفنانة الكبيرة، حدثت مشادة كلامية سرعان ما انقلبت
إلى اشتباك بالأيدي، وتدخل عدد كبير من بوابي العمارات المجاورة لنصرة زميلهم البواب،
وكانت نتيجة هذا الاشتباك غير المنتظر واضحة على وجوههم، كدمات، ودماء.

وخرجت الفنانة عزيزة أمير هي وزوجها ــ وقتذاك ــ أحمد الشريعي
من داخل الفيللا ، وعندما عرفت أنهم من الممثلين الهواة الباحثين عن فرصة
لإثبات وجودهم، دعتهم هي وزوجها للدخول إلى المنزل ، ووعدتهم بأنها
ستتصل بهم في الوقت المناسب قبل تصوير الفيلم الجديد.

عــزيزة أمـــير

وكان محمود المليجي يدرس في ذلك الوقت في المدرسة
الخديوية الثانوية ، وكان ناظر المدرسة واسمه محمود مراد،
هو الذي أسهم بالجانب الأكبر في نشر هواية التمثيل بين طلبة
المدارس الثانوية، وقد أنشأ فرقة لهواة التمثيل من طلبة المدرسة ، وكان من
بين الطلبة الذين انضموا إليها محمود المليجي ، الذي تفوق على جميع أعضاء الفرقة
حتى أصبح رئيسا لها ، ومثل عددا كبيرا من المسرحيات الكوميدية، مما جعل اسمه يتردد
كممثل كوميدي، فشجعه أحد الزملاء على الاشتراك في فرقة رمسيس ضمن
مجموعة من الكومبارس ، مقابل مكافأة يومية قدرها عشرة قروش.

الحـلم يتحقـق

وفي أوائل عام 1930 بدأ محمود المليجي
مرحلة مهمة في حياته ، عندما انتقل فريق التمثيل من طلبة المدرسة الخديوية
ليعرض رواية (الذهب) على مسرح الأزبكية ، بعد أن استأجرته المدرسة من فاطمة رشدي،
التي كانت تعمل عليه، ويحمل اسمها ، وعندما رفع الستار، تسللت فاطمة رشدي
لتشاهد العرض ، فانبهرت بالطالب محمود المليجي ، وظنت أنه ممثل محترف ،
وأن الفرقة استعانت به ، وبعد انتهاء العرض طلبت مقابلته ،
وهنأته ووعدته بأن تضمه قريبا إلى فرقتها المسرحية .

فاطــمة رشــدي

ولم تمض أيام قليلة حتى بعثت فاطمة رشدي إليه لتبلغه
بالحضور إليها للعمل في فرقتها ، وهكذا بدأ حلم حياته يتحقق ،
وانتقل من مجموعة الكومبارس في فرقة رمسيس إلى فرقة فاطمة رشدي
بمرتب شهري قدره أربعة جنيهات ونصف الجنيه ، وقدم أول أدواره في
مسرحية ( 667 زيتون) ، تأليف الممثل المشهور انذاك أحمد علام ،
وتوالت أدواره المسرحية بعد ذلك فقدم (الزوجة العذراء)
ثم (علي بك الكبير) ، ثم عدة أدوار كوميدية جعلت اسمه
يلمع ويتداول بين رواد المسرح، وقدم بعد ذلك مسرحيات
(الولادة) و(يوليوس قيصر) و(حدث ذات ليلة).

**خليـل زيـدان** · #2 28/09/2009, 01h45

السينما .. وطريق الشر

حتى ذلك الوقت ، لم يكن محمود المليجي قد عرف طريقه
إلى أدوار الشر ، التي لم تأته إلا بعد أن قدم أول أفلامه مع فاطمة
رشدي أيضا التي قدمته في دور كوميدي في فيلم (الزواج) عام 1933،
فهو من تمثيلها وتأليفها وانتاجها وإخراجها ، صورت مناظره في باريس
واسبانيا ومصر، يدور موضوعه حول مشكلة (بيت الطاعة)

وقد قام فيه أمامها بدور الفتى الأول محمود المليجي ، بينما قام
بدور الفتى الشرير علي رشدي ، الذي لم يحقق نجاحا عند عرضه بسينما كوزمو ،
وبعد فشل هذا الفيلم استقال محمود المليجي من فرقة فاطمة رشدي وانضم
مرة أخرى إلى فرقة رمسيس وصاحبها يوسف وهبي بك، وقدم مسرحية
(مليون ضحكة) وظل بعد ذلك يتنقل ما بين الفرق ، فانضم إلى فرقة
اتحاد الممثلين ، ثم (الفرقة المصرية)، ثم (فرقة اسماعيل ياسين).

لقطات من مسرحية كل الرجالة كده

وفي اوائل عام 1939، بدأ محمود المليجي مشوارا جديدا مع السينما ،
والتقى في ذلك الوقت مع المخرج ابراهيم لاما الذي أسند إليه دورا في فيلم
(قيس وليلى) ، كان أول أدوار الشر التي أداها ، وكان نجاحه فيه عاملا
مشجعا على تقديم أدوار الشر في عشرات الأفلام قدم خلالها : (قلب امرأة) ،
و(صرخة الليل)، و(رجل بين امرأتين)، و(عاصفة على الريف) ،
و(صلاح الدين الأيوبي) ، و(أولاد الفقراء) ، و(عريس من استامبول) ،
حتى أطلق عليه لقب (شرير الشاشة).

محمد الديب يحاول الإشتباك مع شرير الشاشة في فيلم الدم يحن

كان محمود المليجي دائم البحث عن الجديد في إطار أدوار الشر
التي برع فيها ، ولذلك جاء كل دور مختلفا عن الآخر، ولذلك كان يرفض
الكثير من السيناريوهات ، ولما وجد ما يقدم إليه لا يفي باحتياجه إلى الجديد اتجه
إلى الانتاج السينمائي ، وظل منذ عام 1947 يقدم مجموعة أفلام تتماشى مع الإطار
الذي رسمه لنفسه، فقدم (الملاك الابيض) ، (الأم القاتلة)، (المغامر)،
(نحن بشر) ، (المبروك) ، وكون مع زميله فريد شوقي دويتو
قدم أنجح الأعمال مثل (حميدو) ، (رصيف نمرة 5) ، (أبو حديد)
(سواق نص الليل) ، (سوق السلاح)،(المشاغب)، وغيرها.

عنصري الشر في رصيف نمرة 5

وعلى عكس هذه الصورة تماما ، لعب محمود المليجي
في أفلام المخرج يوسف شاهين دور الإنسان الطيب المحب
لأرضه وبلده، وخرج بذلك من إطار أدوار الشر، وقدم الادوار
الإنسانية والاجتماعية المتنوعة، كأدوار الأب والمحامي والفلاح
والطبيب في أفلام مثل: اسكندرية ليه، جنون الشباب، الشوارع
الخلفية، عودة الابن الضال، وحدوتة مصرية.

**خليـل زيـدان** · #3 28/09/2009, 01h46

أطـيب شـريـر

رغم أن محمود المليجي كان فنانا ساحقا
خشي الوقوف أمامه كبار الممثلين ، والجدد منهم
على حد سواء ، فانه كان في الحياة انسانا طيبا وخجولا وصامتا ،
وإذا تكلم فبالظرف والفكاهة ، وكان زملاؤه يحبون أن يسمعوا منه حكاياته
عن نفسه ، لأنه كان راوية شديد الطرافة ، ومما يروي عن نفسه أنه كان ملاكما
ومنافسا للبطل المعروف مختار حسين ، ذلك أنه كان متفوقا في وزن الريشة ،
وكان على مشارف الفوز ببطولة الجمهورية ، ووقف يشاهد مباريات الأوزان
الأخرى باستخفاف وبينما هو كذلك سأله جار له : مع من ستلعب ؟..
فرد عليه : مع عيل اسمه جاك ، وبعد دقائق نزل الى الحلبة ،
فإذا به أمام جاره هذا، فلم يكن هذا الجار إلا (العيل اللي اسمه جاك)،
وأذاقه هذا العيل الويل من قبضته، وانهال عليه يؤدبه، وكلما وجه
إليه لكمة سأله: مين العيل فينا؟ لكن محمود المليجي
لم يتمكن من الرد، فقد تلقى ضربة قاضية
كومته وأخرجته من البطولة ،
ومن لعبة الملاكمة كلها.

لـقـطة من فـيلم المـنزل رقـم13مع عماد حمدي ولولا صدقي

ورغم الجرأة التي كان يظهر عليها محمود المليجي على الشاشة،
فانه في حياته كان خجولاً لدرجة أنه ظل يحب زوجته الفنانة علوية جميل
لسنوات ، قبل أن يتزوجها ، دون أن يجرؤ على أن يصارحها بأمر قلبه ،
إلى أن كان ذات يوم في دمياط مع فرقة رمسيس المسرحية عام 1938
وتلقى برقية عاجلة تخبره بأن والدته في خطر، فبكى من قلبه ،
وبكت معه علوية جميل ، وانتحت به جانباً ودست في
يده 20 جنيهاً، لعله يحتاج إلى مال.

وسافر إلى القاهرة ، لكن الموت كان قد سبقه إلى أمه ،
ولحقت به في القاهرة علوية جميل لتواسيه بقلب يغدق الحنان ،
فتفجر حبه الصامت ، وباح به، وتزوجها.

العـروسان في أول حياتهما

ومضت السنون ، ولم يرزقا بأبناء ، فما اهتز حبه لها يوماً ،
رغم أن علوية سبق لها الزواج ولها ابن واحد يقيم في بيروت ،
لكن في عام 1963، وبعد ربع قرن من حياة لم تمر بها سحابة
خيانة ، ارتكب محمود المليجي ما اعتبرته زوجته سقطة الأوفياء ،
تزوج من فتاة دون الثلاثين هي فوزية الأنصاري، كانت تعمل على
مسرح إسماعيل ياسين ، لكن علوية جميل تصدت للموقف وأجبرته
على أن يطلق زوجته في اليوم الثالث للزواج ، ففعل.

**خليـل زيـدان** · #4 28/09/2009, 01h47

استراحة مع عدة وجوه
لعملاق الشاشة محمود المليجي

**خليـل زيـدان** · #5 02/10/2009, 17h13

من طرائف المليجي

كان محمود المليجي مرحاً وطريفاً،
لكن أحياناً ما يكون (هزاره) من النوع الثقيل،
وهناك قصة لواقعة حدثت معه أثناء تصوير فيلم (ابن النيل)
عام 1951، كان على محمود المليجي أن يسرق محل جواهرجي
في شارع سليمان باشا، واختار يوسف شاهين أن يكون الجمهورهو الكومبارس،
وبالفعل غطى مدير التصوير آلة التصوير حتى إذا أقبل محمود المليجي على السرقة
كالاتفاق مع الجواهرجي دارت الكاميرا واستبدت بالناس الدهشة وأسرع محمود المليجي
من محل الجواهرجي يجري، والجواهرجي يصيح: امسكوا الحرامي.. فينطلق المارة في اتجاهه..
والكاميرا تصور المطاردة الواقعية.. واقعية أيضاً عندما دلف من شارع سليمان باشا
إلى شارع جانبي حيث امتدت أمامه قدم غليظة وأوقعته أرضاً.. وانهالت عليه يد عنيفة
باللكمات وارتفع حذاء حكومي ليدوسه، ومحمود المليجي يصيح بأعلى صوته
: (حاسب.. أنا ممثل) ، فقال العسكري ، الذي كان يؤدبه .. قال وهو يهوي
عليه ويفرغ فيه شحنة حقده على كل اللصوص: (ما أنتم كلكم بتمثلوا)،
وفي هذه الأثناء لحقه يوسف شاهين بمشقة..
وحملوه على الأيدي مثخناً بالجراح.

كان محمود المليجي فناناً محلقاً خارج سرب السينما المصرية
ولا يزال محلقاً بأعماله الفنية التي كلما شاهدناها تذكرنا أنه كان
فنانا عظيما قادرا على التلون في الأداء والانتقال بنعومة
من البراءة إلى الشر بكل الدرجات الابداعية

ولم يمر على تاريخ السينما المصرية والعربية ، ولن يمر عليها
واحد في حجم وقدرة العملاق الكبير، شرير الشاشة الأول ، وجبار الشاشة
محمود المليجي الذي خرج من إطار الشخصية الواحدة -شخصية الشرير-
وبدأ ينوع أدواره ، وقدم الأدوار الاجتماعية المختلفة ، الفلاح الطيب المحب لأرضه وبلده ،
أدوار الأب والدكتور والوزير، والمحامي.

**خليـل زيـدان** · #6 04/10/2009, 02h39

اللحظـات الأخــيرة

ثم تأتي النهاية ، وكانت اللحظات الأخيرة
من حياة الفنان الجميل محمود المليجي
أشبه بمشهد سينمائي مثير

فقد كان يجلس مع عمر الشريف في كازينو الليل بالهرم ،
ظهر يوم الاثنين 6 يونيو عام 1983 يستعدان لأداء آخر مشاهد الفيلم
التلفزيوني (أيوب) ، وبينما هما يضحكان فوجئ به عمر الشريف يشهق وهو يضحك ،
وكانا يتناولان القهوة ، ومر الأمر من دون أن يتوقفا عنده ، ثم روى طرفة لعمر الشريف
وقعـت لهما أثناء تصـوير فيلم (من أجل امرأة) ، آخر فـيلم جمع بينهما عام 1959،
ضحك لها ، وضحك محمود المليجي أكثر، لكن ضحكته اختفت فجأة وتسمرت عيناه ،
فأسرع إليه عمر الشريف ، وضمه إلى صدره ، وظل على هذه الحالة
إلى أن جاء الطبيب يعلن وفاته.

رحل العملاق محمود المليجي ، قبل أن يحقق أمنيته
التي عاشت معه آخر أيامه ، لقد كانت أمنيته أن يمثل فيلماً آخر
يحكي المرحلة التالية من فيلم (الأرض) ، لأن هذا الأخير ينتهي
بالإقطاعي وهو يسحل (محمد أبوسويلم) على الأرض ، ولم يقل
الفيلم انه مات أو لم يمت.

رحل الأستاذ تاركاً وراءه 750 فيلماً و320 مسرحية
و160 عـملاً للإذاعـة وعـشرات من المسلسلات التـلفـزيـونية.
وخلال مشواره الفني حصل محمود المليجي على العديد من الجوائز والأوسمة ،
ومنها وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى عام 1966، وجائزة الدولة التشجيعية
من المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية في مصر عام 1972،
وشهادة تقدير من المركز الكاثوليكي ، و3 جوائز سينمائية ،
و5 جوائز من المسرح ، كما عين عام 1980
عضواً بمجلس الشوري .

YouTube - The land ظ†ظ‡ط§ظٹظ‡ ظپظٹظ„ظ… ط§ظ„ط§ط±ط¶

والأهم أنه ترك اسم محمود المليجي منطبعاً في قلوب الناس ،
بما تركه من أعمال خالدة ، كانت ومازالت علامة
باقـية في تاريخ السينما المصرية

النهــــــــاية

**خليـل زيـدان** · #7 06/10/2009, 11h15

بعض أفيشات أفلام
محـمود الملـيجي