إن زخم الرموز ، و تعدد تأويلاتِها ، و اتساعُ فضاءِ دلالاتِها ، هو ما يمنح الفكرة في النصِّ ثراءَها و غِناها ،،
و رغم أن الرمزَ " بطبيعة توظيفه داخل النص الأدبي " يميلُ إلى التجريد ، إلا أن العملَ هنا ، استوفى شروط " إمتاع القاريء " ، بقدرته على بسطِ أجواء الغموض و الرهبة ، و الامتناع عن إعطاء " إجابات " لتساؤلاتِه " بما يُفـَعِّلُ دورَ القاريءِ في البحث و التأمل " ، و بما يحققُ مزيّة " تورّط القاريء في محاولة تفكيك المضمون ،، و هنا أحب أن أشير إلى أن النصّ الأدبي الأحادي ، الذي " يُريحُ " القاريء ، فيمنحه " اللغزَ و الحَلّ ، أو " المضمونَ و التفسير " ، يكون بمثابةِ نصٍّ وعظيٍ توجيهي مباشر
ـ إقتصر النصّ في تجسيد الشخوص ، على مجرد الإشارة السريعة ، و اختزال الشخصيّةِ الواحدة ، في موقفٍ واحدٍ " دال " ، و درامياً ، إعتمد تصاعد الحدثِ ، بناء ًعلى منظومةِ هذه الإشارات الدالة
ـ خلا النص من " الصراع " الذي يُنتجُ عادة ً ، تفاعلاً في تصاعد الأحداث ، و استعيضَ عنه " بالتساؤلات " ، التي تواترت على الشخصيّةِ المحورية : تعرف إمتى يوصل القطر ؟ ،، ماتعرفيش يا حاجه القطراتأخر ليه ؟" ،،وانت رايحفين ؟! من فضلك القطر ده رايح فين؟"
بالإضافةِ الى التساؤلات الضمنيّة ، التي لم يصغها الكاتبُ صياغة ً مباشرة ، متفادياً " بحاسّةِ القاص الماهر " تكرار نفس التركيب " الجُمَل الاستفهاميّة " ، كما تعمّدَ كاتبنا طرحَ الأسئلةِ " ببساطةٍ " طفوليّةٍ و مندهشة ، ليجعلَ من " المسافرِ " ، حقلاً خصباً من التساؤلاتِ و الأطروحاتِ التي تبحثُ عن يقين
و قصرُ الصراع ، على هذه " التساؤلات الموحِية " ، هو تـَوَجُّهٌ محكومٌ بطبيعة النص الذي يميلُ إلى طرحِ إشكاليةٍ وجوديّة ، ترتبطُ بتفسير الإنسان ،، و البحث في كُنـْهِ الوجود ،،
إن ملامسة جوهر و لب المعنى ، لا يحتاج من القاريءِ عقلاً واعياً ، بقدر ما يحتاجُ حضوراً روحيّاً و استبصارياً ،، كما أن " تأويل المعنى " ، لا يحتاج إلى حسمٍ ، بقدر ما يحتاج إلى اجتهادٍ ، يظلُّ اجتهاداً !
فهذا العمل لا يطرحُ " مُسَلـَّماتٍ " ، تم تغليفها بقشرةِ " الإبهامِ و الغموض " ، و تفكيك هذا النص الفلسفي ، يُفضي إلى فرضيّاتٍ ، لا إلى إجاباتٍ محسومة
و بعد ُ ، فهذه المهارة القصصية ، وراءها رصيدٌ مُحترمٌ من حساسية التذوق للأدب ،، و موهبة ٌ خصبة ٌفي القدرةِ على التأمل ، و طرحِ التساؤلاتِ الوجوديةِ " الحقيقية "