نحن هنا بصددِ نـَصٍٍّ ، لا يُعبر عن تجربةٍ إنسانيّة ،، أو حَدَثٍ واقعي ، و لا ينتمي إلى زمانٍ أو حِقبة ، و المكان فيه لا يتجاوز " التصوّرَ المُجَرّد " ،،
المكان و الزمان في هذا العمل ، هما أداتانِ لخدمة " الفِكرة " أو الحِكمة ، أو حالةٍ من حالاتِ الاستبصار
و نسيجُ قصتنا هذه ، يعتمد على الوصف الخارجي " بعيون السارد " ، " و الانفعالات الداخلية للسارد " ،، و الذي أشاعَ ـ النسيج ـ أجواءَ واقعٍ كابوسي ، يقف في وسطِ المسافةِ بين الحُلمي و الواقعي ، فهو يمزج بين " الواقعي المعتاد " ، و اللاوقعي المُبهم
أما الشخصية المحورية ، فنجد أنها مجرد " وعاء " سلبي ٍغير فاعلٍ أو مؤثرٍ في الأحداث ، و مجرد أداة ، يتم استعراض المواقف " الميتافيزيقية " التي تخالف الطبيعة ، من خلالها ،، و هى حالة تنتقل بالتبعيّةِ إلى القاريء ، الذي يتبنى " تلقائيّاً " موقفَ " المُسافِر " ، و التي يستحيلُ فيها التواصل بين عالمين " واقعي و لا واقعي " ، دونَ حِرفيّةٍ سردية و بنيوية ، تجعلُ المعنى يتسرَّبُ لا شعورياً ، إلى وجدانِ المُتلـَقي
و هذه القصة التي اعتمدت في صياغتها على ترميز المفاهيم ، و اعتماد ما يُسَمّى بالإحالة ،، تتعرض للإشكاليات الكبرى التي تواجه الإنسان ، كالموتِ ، و ماهيّةِ الوجود ، و جدوى الحياة
و المفردات في هذه القصة ، هي إعادة صياغةٍ لمادة الواقع ، فالقطارُ ليس قطاراً ، و المحطة ليست محطة ، و الشخوصُ مجردَ تروس ٍ في آلةِ " المضمون " ، و سلطان " الحِكمةِ " يُحَوِّمُ في أفق الأحداث ، و الرؤية " الصوفية ، أو الفلسفية " ، هي السلطة الحاضرة في متنِ العَمَل
و قد استطاعَ كاتبنا د .أنس ، إلباس الفكرةِ المُجرّدة ، ثوبَ الحِراك الملموس ، كما نجح في إيصال الشعور بالخوف و الرهبة إلى القاريء ، من خلال سردِهِ " الوقائِعي " ، الذي استدرجَ القاريءَ بحِنكَةٍ و تـَرَوٍّ ، مِن عالمٍ يعرفه و يدركُ أبعادَه ، إلى أغوارِ الدهشةِ و التساؤلات ، فقد تبنى الكاتبُ خطاباً حَكَوِيّاً سهلاً للغاية ، مُضمِناً إياه أفكاراً عميقة ً للغاية ،،