أبدع سعدي الشيرازي (1219م- 1294م) روائع لازال الأدب الفارسي يحتفى بها، أخرج إلى الناس أجمل النصوص الأدبية التي تمزج بين الفائدة والمتعة، وجعلها قمة بلاغية، سهلة ممتنعة، سهلة حين تقترب منها، لكنها ممتنعة حين تتجرأ على مجاراتها، فأضحى سعدي مدرسة أدبية قائمة بذاتها، إذ اعتبر أب النثر الفارسي، استطاع كذلك أن يمزج بين خلاصات تجاربه، بعد ثلاثة عقود تنقل فيها بين الكثير من البلدان والثقافات، لذلك تأهل ليكون رمز المحبة الإنسانية، واستحق أن يزين مدخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك بأبياته الشهيرة: ( أبناء آدم بعضهم من بعض، في أصلهم خلقوا من جوهر واحد
إن أصاب الدهر أحد الأعضاء بألم، استجابت له باقي الأعضاء بالاضطراب،
إن كنت لا تبالي بمحن الآخرين، فأنت لا تستحق أن تسمى آدمي).
عرف سعدي الشيرازي بآثاره الفارسية أكثر من غيرها، إلا أنه نادرا ما تذكر نصوصه الشعرية والنثرية التي أبدعها بلسان عربي جميل، عبر فيها عن وسعة أفقه ورهافة حسه الإنساني، بالإضافة إلى أن هذه النصوص تؤكد الانتماء الحضاري المنفتح والممتد لشاعر قضى أكثر عمره في السير والحكمة..يقول سعدي في إحدى مواعظه العربية:
عيب علي وعدوان على الناس إذا وعظت وقلبي جلمد قاس رب اعف عني وهب لي مابكيت أسى إني على فرط أيام مضت آس مر الصبا وأبيض ناصيتي شيبا، فحتى متى يسود كراسي يالهف عصر شباب مر لاهية لالهو بعد اشتعال الشيب في راسي
ولما اشتد به ألم العشق، أنشد سعدي يقول:
تعذر صمت الواجدين فصاحوا ومن صاح وجدا ماعليه جناح أسروا حديث العشق ما أمكن التقى وإن غلب الشوق الشديد فباحوا سرى طيف من يجلو بطلعته الدجى وسائر ليل المقبلين صباح يطاف عليهم والخليون نوم ويسقون من كأس المدامع راح
ولما طغى عليه حال المحبة، أنشد:
أصبحت مفتونا بأعين أهيفا لاأستطيع الصبر عنه تعففا والستر في دين المحبة بدعة أهوى وإن غضب الرقيب وعفا وطريق مسلوب الفؤاد تحمل من قال اوه من الجفاء فقد جفا دع ترمني بسهام لحظ فاتك من رام قوس الحاجبين تهدفا صياد قلب فوق حبة خاله شرك يصيد الزاهد المتقشفا
وعندما سقطت بغداد في مخالب هولاكو، وبعد قتل الخليفة العباسي المسعتصم بالله، فاضت مدامعه، فقال:
حبست بجفني المدامع لا تجري فلما طغى الماء استطال على السكر نسيم صبا بغداد بعد خرابها تمنيت لو كانت تمر على قبري لأن هلاك النفس عند أولي النهى أحب لهم من عيش منقبض الصدر زجرت طبيبا جس نبضي مداويا إليك، فما شكواي من مرض يبري لزمت اصطبارا حيث كنت مفارقا وهذا فراق لا يعالج بالصبر
هذه هي زفرات سعدي العربية، موعظة ورثاء وغزل، نستطيع أن نسميها عربية القلب والوجدان، وهذا هو سعدي في جلبابه العربي، يؤكد انسجام الشعوب الإسلامية في إحدى مراحلها التاريخية، انسجام رواه الشعر كما خلدته أعمال ومكرمات لازلنا نذكرها.
رشيد يلوح
صحيفة العرب القطرية 27 /1/ 2008
ينطوي الملفّ على مقطع من معشّرة للشيخ العارف بالله سيّدي عبد الغني النّابلسي و طالعها
بمحاسن المحبوب شغفت في الورى جميع القلوب
ثم نفحة من ديوان " بستان " للشاعر الفارسي الكبير سعدي الشّيرازي وهو نصّ الشمعة و الفراشة
__________________
" الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون "
شرف الدين البوصيري شاعر سخر شعره لمدح أشرف خلق الله
شاعر من العصر المملوكي, اشتهر بنظم المدائح النبوية, ومن أشهر قصائده "البردة", هذه القصيدة التي شرحها وعارضها الكثير من الشعراء، وكانت ومازالت واحدة من أروع القصائد في مدح أشرف خلق الله رسولنا الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم".
فيما يلي مقاطع من نهج البردة
الملف الأول
__________________
" الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون "