الآن فقط ، عرف ماذا يقول شارع "جسر البحر" لشارع "شبرا" عندما يلتقيان عند ميدان "الخلفاوي".
كان يحيّره هذا السؤال: ترى بما يتجادل الشارعان عند الملتقى؟
شارع جسر البحر المتواري إلى الظل ، وهو وقود شهرة شارع شبرا ، إختصر الدنيا كلها بين ضفتيه و عجن أسفلته بالأسرار .
بينما شبرا "شارع الأفندية" كان من حظه الوصول إلى "وسط البلد" بلا استداراتٍ لقضبان الترام. وبه أسموا الحيّ : شبرا.
سَمِعَه يهمس على استحياءٍ متأنق إلى جسر البحر الواصل بإصرارٍ فوق موازاة النيل ، رغم إجهاد العابرين عليه من كل مصر.
نظر غرباً صوب النهر .. مازالت جزيرة "الورَّاق" راسيةً تُشَرِّع مداخن "الصّوبّات" كأنها أوتادٌ هبطت من السماء تثبت الجزيرة بصفحة الماء.
لما حرَّمَت الحكومة صناعة "الطوب الأحمر" الذي فض بكارة الحقول بالتجريف ، ظلت "الأوتاد" متشبثة بدخانها ، تُخرج "الطوب الطَّفْلي" إلى الإعمار وتمنع الجزيرة من الإنصياع لجريان النهر شمالا.
فرِحَ لأنه أحصى عدد المداخن هذه المرّة ، لم تَحُلْ بينهما أبراج أغاخان بتعاليها السافر.
ثم أرسل قبلة اشتياق إلى الكازينو الساهر قبالتها بالشاطئ. تذكر مكانه الذي كان فضاءً من "الهيش" يحتضن "عيال الحي" الهاربين من الرقباء للتدخين . فلما كبروا و نبت الكازينو فوق "الهيش" ليحتضن العشاق ، واصل عيال الحي مراوغة الرقباء إليه ، لما استحالوا دخاناً تصّاعد حلقاته إلى التلاشي.
مالوا يحملوه لجهة المسجد . حادت حافلة عامة عن الطريق تفسحه للجنازة.
لمح سائقها يتمتم شاهراً سبابته فابتسم ، حتى إذا اصطف بالحافلة يوقفها لقراءة الفاتحة ..
ضج بالضحك متذكراً "الهايص" سائق هيئة النقل العام عندما كان يستوقفه الشوق إلى "حرق حجرين" ....
بينما "حركات" يجمع أوراق الكوتشينة من طاولة المقهى على الرصيف المقابل ليحمل ما انتقاه من "وجاء النار" بمصفاة يلوح بها طرباً ، حتى يلقى "الهايص" عند "الخُنْ".
تاركين ابن "العايق" الميكانيكي يحاول إصلاح عطل الحافلة وسط دعوات الركاب بالتوفيق.
أتم السائق الفاتحة ، ثم أخذ منديل قفاه يمسح به الزجاج الأمامي . والنعش يمخر الجموع بمحاذاة النوافذ ليواصل الركاب دعواتهم بالرحمة و المغفرة للمرحوم ، بينما هو يتمنى أن يعود إليه ذلك الأثير الذي غادره قبل الغسل برعشة خشنة. أو مايكفي منه لتحريك لسانه فينادي من نعشه على المشيعين:
أيها المكتوبون على الثلج لانتظار الشمس ، إني أحبكم فتحابوا لتقللوا من مرَّات الندم ......
كان يرجو الله ، الرجوع وهم ينزلوه بركن المسجد ذاهبين إلى الوضوء.
ماينفعش ياأستاذ ..!!
أنا ماشبعتش ...
وأكيد غيري برضه ح يشعر بنفس الإحساس ...
ياأديبنا الذي لا يشق له غبار ..
أ/ سيد ابو زهدة
أبعد كل هذه الجبهات التي فتحتها لنا
وتعشمنا في بحور نسبح فيها دون حدود ..
نفاجأ بهذا الإيجاز والتكثيف ...؟؟
نعم إن التركيز والوحدة مطلوبان
ولكن ماذا يفعل من يريد أن يشبع من تلك العوالم السحرية
التي خبّأتها لنا في شخوصك الفنية ..من : الهايص ....للورّاق
للخُن ...للهيش ... لحركات ...عالم ثري ...
كنت أود أن أقرأه حتي الارتواء
عموماً ملحوقة ...في انتظار المزيد ...دون تقييد
وها نحن منتظرون
وتقبل تحياتي