جووووول يا عم هانى انت كمان ..
و بالمناسبة عمنا ( عبرحمان ) الأبنودى ياما حضرت له ندوات
( كلت ) منى راقات .. و كان ليا الشرف انى أدعوه لبلدنا لاقامة
مهرجان شعرى ، و الراجل استجاب مشكورا .. و كعادته كان
( مولعها ) بلهجته الصعيدية و موهبته الخارقة و بساطة عرضه
للهموم البشرية ،و أدائه التلقائى .. و أذكر أنه و هو يلقى قصيدة عامية
لها بصمة ( مختلفة ) عما تعودناه منه تدعى ( العم لامبو )..
أن والدة صديق لى ، أخذت تبكى ( بحرقة ) بعد أن
مستها القصيدة ، و خاصة أنها ( رحمها الله ) كانت من ( الفصيلة
البشرية الراقية ) التى تتعامل مع الدنيا بوجدانها.. فأنتقلت عدوى
البكاء الى المحيط الذى تجلس فيه ، و خاصة أن ( العم لامبو )
تأخذ المتلقى الى حالة من التصعيد الدرامى شديد المأساوية ..
فتوقف الأبنودى للحظات ملتفتا الى الموقف .. و لمحنا دموعه
( ربما لأول مرة فى ندوة عامة ) و أصاب الجمهور حالة من الشجن الجماعى لم يسبق لى أن شهدت مثلها !!
و أدعوك يا هانى( باعتبارك صعيدى أصيل ) الى متعة لن تجد لها مثيلا ..
اقرأ لمحمد مستجاب الذى أشار له ( عصفور طاير )الأديب المحترم و الملقب بعمدة الأدب ..
فهو أفضل من عبر عن الصعيد و همومه .. و هو الساخر الأكبر فى عالم الأدب .. و هو الذى كان بمثابة حائط صد ضد كل محاولات ( التطبيع ) .. وقد قرأت لهذا الأسيوطى المبدع ( قيام
و انهيار آل مستجاب ) فصرت من مريديه .. رحم الله مستجاب
حامل لواء أدب الواقعية الساخرة المختلطة بأجواء سحرية !
و النبى مجاريح يا عصفور يا طاير ..
و انت عارف مولد سيدى ( المشموطى ) و اللى بيحصل فيه ..
و عمك الشيخ حسان ( الكبنش ) منشد الحضرة البيومية ..
و( صلى ) ياللى جنب ( العرق ) جايز يشفع !!
و( العرق ) بكسر العين و تسكين الراء ، هو عمود خشبى طويل يشبه وتدا كبيرا
و يثبت فى الأرض كدعامة لفرد قماش ( السوان ) ، و لمن لا يعرف المنشد ( الكبنش ) أو يجهل السوان ، فليسأل عصفور طاير !
و ربنا يدينى و يديكم طولة العمر ، و أحدثكم عن مغامراتى أنا
و شوية الأفندية أصحابى فى الموالد و ما يقدم فيها من فنون منوعة ،
بدءا من رقص الموالد و رائدته صبرية الحشمة ، و انتهاءا بالمنشد
الدينى عم الشيخ زين الممخناتى ..
بدا اليوم و كأنه لا ينتهى .. و بدا شارعنا متألقا فى أبهى زينة عرفها عبر تاريخه المديد ، بعد أن رسم شباب متخصصون( اسفلت ) الشارع بكامله بنشارة الخشب الملونة فى أشكال ( سيمترية ) جذابة وطفولية ، فخطوا نجوما و شموسا و دوائر ومثلثات متداخلة ، حتى نجمة داوود السداسية أخذت موقعا مركزيا أمام المسرح الذى تم اعداده منذ الظهيرة
و قد انتابتنى بهجة داخلية غامضة .. ربما يكمن سرها فى متابعتى من الشرفة لفروع المصابيح الملونة التى تضىء و تنطفىء بسرعات آلية و متفاوتة ، و التى علقت بكثافة و تنسيق محكم بطول الشارع العريض .. و قد تدلت ( لمبات ) صغيرة مكونة ( تعريشة ) نورانية على شكل عناقيد من العنب لها بريق أخاذ يثير شعشعة و غشاوة بريئة و طاغية ، فأخذت أحدق فى أطيافها متناسيا ( حيلى المهدود ) .. و متعجبا من تحول شارع ( أغا ) الى كرنفال من الألوان و الأضواء و الصخب بفضل أنوسة السمبوخسى !!
أنوسة التى تشبه دبا قطبيا عملاقا يقف على قدميه الخلفيتين .. غير أنها مستأنسة وعاطفية و على قدر كبير من السذاجة التى ترقى الى مرتبة ( الهطل ) ، و لذا فقد كانت صيدا سهلا لشباب الحى العاطل و المفلس ..
اذ يكفي غمزة أو ابتسامة أو معاكسة تليفونية ، لتقع أنوسة فى الحب مباشرة ، و تبادر بأداء فروض العشق و الطاعة لكل ما يحلم به العاشق الولهان ، و فى اعتقادى أن قلبها كان عملاقا مثل جسمها و لديه القدرة على استضافة عاشق جديد كل شهر ..
و هو ما كان يؤثر مباشرة على ميزانية الأسرة السمبوخسية ، فنصف الفاكهة التى يحملها الأستاذ على الى بيته ، كانت تنتهى الى فم آخر العشاق ، و الذى يتلقفها من أسفل البلكون ، بل ان أحدهم كان جريئا و واضحا فى ( حبه ) للدرجة التى دفعته الى طلب حقه ( ناشف ) ، فكان يمر تحت شرفتها فى ستر الظلام ، ، لتلقى اليه أنوسة بثمن علبة السجائر ( البوكس ) بعد أن تلفها فى قطعة صغيرة من ( الفويل ) مقابل قبلة هوائية من النوع الذى يطرقع على باطن الكف و ينفخ فى الهواء ..
كنت بمثابة شاهد عيان على تلك اللحظات المشبوبة ، من ركنى المظلم فى الشرفة الملاصقة ، حين يحلو الاستماع فى هدأة الليل الى ما طاب لى من شدو أساطين الغناء ، فأرى من حيث لا ترانى أنوسة طقوس الحب و الغرام التى تنتهى ( بغنيمة ) يتلقفها فلانتينو ، و يمضى مرتاح الضمير !
أما التفاصيل الأخرى ، فكنت أطلع عليها باسهاب ، كلما ارتفعت صرخات أنوسة الأوبرالية المستنجدة ، بينما الأستاذ على ( يعجنها ) ضربا ، و قد أغراه ضخامة الهدف و عجزه عن الفرار ..
و كالعادة ، تهرع الست جليلة نحو شقتنا و تطرق بكلتا يديها على الباب مستغيثة : الحقونا يا ناس .. الظالم المفترى هايموتها ..
وباعتبارى المنقذ المنشود أنا و أم احمد ، فقد كنت أهرع الى موقع الحدث من باب الفرجة و التسلية و الاطلاع على آخر فضائح أنوسة البلكونية ، و غالبا ما أجد أنوسة قد ارتمت على السرير(مسخسة ) ، بينما الأستاذ على يجلس قبالها (مفرهدا) و محمرا ، و قد غمرت و جهه سيول من العرق اللامع ، فيجأر بالشكوى بمجرد أن يرانى قائلا :
الدبة بنت الدبة عاملة لى حبيبة .. مش كفاية انها ماسحة التلاجة أول بأول .. تلاتة كيلو جوافة ( سكرى ) درجة أولى ، تحدفهم بكيسهم للواد الصايع ابن عم صالح البقال .. و دكى النهار ، تسحب من ورايا أربع تفاحات أمريكانى من الصنف المخرفش اللى قلبك يحبهم ، و ترميهم م البلكونة للواد أوصة ( الفلاتى ) اللى مسيح برطمان فزلين على شعره ( لم تصله بعد ثقافة الجل ) ،
ولا يوم البطيخة الحجازى .. حد فى الدنيا
يفرط فى بطيخة حجازى ( قالها و هم بالهجوم على الجثة المتأوهة الملقاة مثل قنطار قطن بعرض السرير ) ، ارتميت فى حضنه الوسيع محاولا ردعه ، و أسهب متباكيا :
أنا اتهزأت فى الحتة بسبب الملعونة دى ، عارف يا بو احمد ( قالها و قد هدأت أنفاسه المتسارعة ) ، من كام يوم لقيت شوية مانجة فونس ريحتهم ترد الروح ، رحت شارى عداية على ابوها ( قفص بأكمله ) .. تصدق باللى خلقك ( قالها وقد اقترب من وجهى كأنما سيفشى لى بسر عظيم ) ما نابنى منهم غير تلات منجايات !! تانى يوم رايح أحلق عند عمك أبو أشرف ، يقوم يقوللى انت جبت المانجة الحلوة دى منين ؟! .. جيت لاعن سلسفين جدوده هو وابنه أشرف اللى عامل لى روميو ..
طب جولييت كانت رفيعة ( قالها و هو يقفز غاضبا تجاه أنوسة ، بادئا فى وصلة أخرى من العجن ) لكن أنا عمال أعلف فى سيد قشطة !!
و الهانم اللى تسد عين الشمس ( يقصد جلاجل ) سايباها على حل شعرها ، آل ايه خايفة ليفوتها قطر الجواز !! قطر لما يفرمك انتى و هى ف ساعة واحدة ، وتدارك رافعا طبقة السرسعة :
دا انا طاحن نفسى فى الدروس الخصوصية عشان ألاحق عليكم أكل لما خسيت النص ، ثم أردف متحسرا و مهزوما : فونس تصدير أصلى من بتاع مزارع أبو دياب .. ثم قال متفاخرا :
أصل محسوبك خبير فى المانجة !!
و الله فكرتنى بكلامك عن الفجر بأحلى أغنية ( فجرية )
لأميرنا شوقى بك و كبير كبراء الغناء عبد الوهاب :
الفجر شأشأ و فاض على سواد الخميلة
لمح ( كلمح ) البياض من العيون الكحيلة
و الليل سرح فى الرياض .. أدهم بغرة جميلة
...................
هنا : نواح ع الغصون
و هناك : بكا فى المضاجع
و دوح غرق فى الشجون
و دوح ماشافشى المواجع !!