* : اصوات منسية (الكاتـب : هادي العمارتلي - آخر مشاركة : fehersaad - - الوقت: 13h57 - التاريخ: 04/09/2025)           »          فايزة أحمد- 5 ديسمبر 1930 - 21 سبتمبر 1983 (الكاتـب : الباشا - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 11h42 - التاريخ: 04/09/2025)           »          فن التوقيعات (الكاتـب : لؤي الصايم - - الوقت: 07h50 - التاريخ: 04/09/2025)           »          محمد عمر (الكاتـب : abo hamza - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 06h58 - التاريخ: 04/09/2025)           »          الفنان الشعبى صلاح الصغير (الكاتـب : احمد عبدالهادى - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 06h31 - التاريخ: 04/09/2025)           »          وردة الجزائرية- 22 يوليو 1939 - 17 مايو 2012 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : عاصم المغربي - - الوقت: 18h49 - التاريخ: 03/09/2025)           »          حفل غنائى من إذاعة الأغانى (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : جواد كاظم سعيد - - الوقت: 17h05 - التاريخ: 03/09/2025)           »          محمد الكحلاوى- 1 أكتوبر 1912 - 5 أكتوبر 1982 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : وليدابراهيم - - الوقت: 15h48 - التاريخ: 03/09/2025)           »          يونس شلبي (الكاتـب : لؤي الصايم - - الوقت: 15h37 - التاريخ: 03/09/2025)           »          فايدة كامل- 12 يوليو 1932 - 21 أكتوبر 2011 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 14h36 - التاريخ: 03/09/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > مجلس العلوم > موسوعة سماعي > ص

ص حرف الصاد

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 27/07/2007, 17h02
الوحدة الوحدة غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:50273
 
تاريخ التسجيل: July 2007
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
العمر: 47
المشاركات: 7
افتراضي صبرى مدلل

صبري مدلل .. الصوت الذي سكت...من الإنشاد الديني إلى الغناء التراثي
برحيل شيخ المطربين صبري مدلل,تكون الساحة الغنائية العربية قد خسرت حارساً وحافظاً مهماً للتراث الغنائي العربي عامة والحلبي خاصة,ومؤدياً متقناً له,فصبري مدلل يمثل بحق ذاكرة قوية لتراثنا الغنائي العربي,استوعبه استيعاباً كاملاً,وقدمه بصوته القوي الجميل,ونشره ليس في الوطن العربي فقط,بل في أنحاء العالم فكان الفنان الراحل سفيراً فوق العادة لهذا التراث الفني العظيم
وإذا كان المسجد هو المدرسة التي تخرج منها كبار الملحنين العرب أمثال زكريا أحمد وأبي العلا محمد وسلامة حجازي,فإن صبري مدلل لم يشذ عن هذه القاعدة,فمنذ صغره كان يحضر حلقات الذكر,وكانت تشده الأناشيد الدينية فيها,كما كان يبهره الأذان فيذهب إلى الجامع ليسمعه عن قرب,وكان يحلم أن يؤدي الأذان,وفي العاشرة من عمره تحقق حلمه,فقد سمعه شيخ الجامع,وأعجب بجمال صوته,فسمح له أن يؤدي الأذان,وفي سن الخامسة عشرة من عمره,أصبح مؤذن جامع العبارة,وتعرف على عمر البطش,وتعلم على يديه الموسيقا والغناء,فأتقن القدود والموشحات الحلبية,كما تتلمذ على أيدي علي الدرويش وابنه نديم وبكري الكردي,وما لبث أن أصبح مؤذناً للجامع الأموي الكبير في حلب,ووجد في الإنشاد الديني مجالاً رحباً لإظهار مواهبه في الغناء.‏‏
وفي عام 1945 أخذه معلمه عمر البطش إلى إذاعة حلب,فانضم إلى الكورس مردداً,كما كان يؤدي الغناء الإفرادي,فيغني القدود والموشحات,لكن والده لم يرض عن ذلك,فترك صبري الإذاعة واستعاض عنها بتأسيس فرقة للإنشاد الديني عام ,1954وانخرط في الفرقة كبار المنشدين في حلب أمثال حسن الحفار ومحمد وعمر صابوني وفؤاد خانطون وغيرهم,وقدمت الفرقة الكثير من الحفلات في مختلف المناطق السورية,واستمرت الفرقة دينية لمدة عشرين عاماً,وفي عام 1975 شهدت قفزة نوعية,حيث أدخل صبري مدلل إليها فرقة موسيقية,وبدأ بتقديم الغناء التراثي الطربي إلى جانب الإنشاد الديني.‏‏
وكان في ذاك العام يزور حلب الباحث الفرنسي كريستيان بوخيه,وسمع الفرقة في إحدى حفلاتها,فأعجب بها,ودعاها إلى باريس لإحياء عدة حفلات لتبدأ الفرقة بذلك مسيرتها العالمية,وفي عام 1985 قام صبري مدلل بقفزة جديدة في فرقته,فتوسعت في عدد أفرادها وامتد أداؤها إلى كل ألوان الغناء العربي,وأدخل إليها الرقص الشعبي الحلبي مثل رقص السماح والمولوية والسيف والترس واللعب بالبنود,وفي ذاك العام سمع الفرقة وشاهدها الباحث الموسيقي السوري حبيب توما المقيم في أوروبا,فأعجب بها وبأداء صبري مدلل,فدعاه مع فرقته للاشتراك بمهرجان الفن الآسيوي في هونغ كونغ,وتتالت بعدها مشاركة الفنان الراحل وفرقته في مهرجانات وجولات أوروبية,وشملت جولاتها فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا والنمسا وسويسرا واليونان.
وعلى الصعيد العربي شارك صبري مدلل وفرقته في العديد من المهرجانات الكبيرة,ففي عام 1994 شارك في مهرجان بيت الدين في لبنان,وفي عام 1996 شارك بمهرجان جرش في الأردن,وفي تونس شارك أكثر من مرة بمهرجاني المدينة وقرطاج,وفي نفس العام 1996 شارك في المؤتمر والمهرجان الخامس للموسيقا العربية في القاهرة,ويومها كتب عنه جمال الغيطاني في يومياته في صحيفة الأخبار القاهرية يقول: (ثمة شيء في صوته وهيئته يذكرنا بصالح عبد الحي,لكنه أكثر حيوية,وإذا كان صباح فخري امتداداً معاصراً للغناء التراثي القديم,فإن صبري مدلل هو التراث نفسه يمشي على قدمين,ويتنفس برئتين,ويشدو بحنجرة قوية متمكنة رائعة الجمال).‏‏
أما آخر مشاركات صبري مدلل العربية,فكانت في مهرجان القرين بالكويت عام 1998 فأبهر الكويتيين بأدائه الرائع,وتحدثت عنه الصحف الكويتية مطولاً,من ذلك ما كتبه عبد المحسن الشمري في صحيفة القبس,ومما قاله : (صبري مدلل الذي عجنته الأيام بحب الفن والغناء الأصيل,قدم لجيل هذه الأيام من أصحاب الأصوات اللاهثة درساً في الأداء).‏‏
وعلى الصعيد المحلي فإن مشاركته بمهرجان الأغنية السورية مع فرقته عام ,1998عندما قدم أولاً وصلة من القدود والموشحات الحلبية,ثم قدم لوحة المولوية كاملة,وحملت مشاركته عنوان (سهرة حلبية) وكانت أجمل أيام المهرجان وفي عام 2000 كرمه المجمع الموسيقي العربي في مؤتمره السادس الذي انعقد في دمشق وقدمت له التكريم الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية,وكانت وقتها وزيرة الثقافة.‏‏
وعلى الصعيد الشخصي فقد تعرفت على صبري مدلل منذ نحو خمسة عشر عاماً,وكان لي شرف المشاركة معه ببرنامج (خليك بالبيت) في نيسان عام .1998‏‏

***‏‏
شهادات‏‏
خلوق ومهذب‏‏
صباح فخري:‏‏
صبري مدلل رحمه الله أخ وزميل عزيز وهو أكبر مني, كان من الجيل الذي قبلنا, عملنا معاً في إذاعة حلب ضمن الكورس وهو استاذ كبير ومتمكن من الايقاعات والنغمات, وحافظ لكثير من التراث الغنائي العربي مثل الموشحات والأدوار والقصائد. وهو ابن صنعة متمكن من صنعته, استمر في الغناء حتى مابعد الثمانين من عمره, وهذه حالة نادرة.‏‏
أبو أحمد رجل بسيط وطيب وكان يتمتع بخفة دم ومتواضع وكانت تربطني به علاقة جيدة غير باقي الزملاء.‏‏
رحمه الله واسكنه فسيح جنانه‏‏
خسارة للفن‏‏
ابراهيم جودت:‏‏
عملنا معاً في إذاعة حلب ضمن الكورس لعدة سنوات وتعرفت عليه شخصياً ضمن الكورس. كان من الأصوات الجميلة جداً والمتمكنة ثم عمل مؤذناً في جامع العبارة, بعدها انتقل إلى الغناء, كان فناناً متميزاً وقوياً بالنغمات والأوزان وعلى الصعيد الشخصي, كان إنساناً خلوقاً ومهذباً. ومهما تحدثنا عنه لانوفيه حقه, رحيله خسارة لفن الغناء الأصيل, ولنا نحن كفنانين .. رحمه الله.‏‏
حافظة خطيرة‏‏
أمين الخياط:‏‏

صبري مدلل رحمه الله من الفنانين المخضرمين المهمين, تعرفت عليه منذ نحو سبع عشرة سنة. في الجانب الإنساني كان رقيقاً شفافاً, لايحمل أي حقد للناس ومحباً وودوداً لمن حوله.‏‏
وفي الجانب الموسيقي كان متمكناً من فنه تمكناً غير عادي في المقامات والنغمات ولديه حافظة خطيرة.‏‏
فهو يحفظ الكثير الكثير من الأدوار والموشحات والقدود الحلبية وله حضور متميز, واللافت للنظر أنه استمر في الغناء مابعد الثمانين من عمره. وهذه حالة نادرة بين المطربين.‏‏
رحم الله صبري مدلل وأتمنى من الجيل الجديد أن يتخذه قدوة وأن يحتذي به وأن يبقى لنا رمزاً ومثالاً.‏‏
أسلوب خاص‏‏
عبد الفتاح قلع جي:‏‏
خسرت الحياة الفنية الموسيقية والغنائية برحيل صبري مدلل واحداً من أكبر أعلامها المبدعين.‏‏
تميز صبري مدلل بصوته القوي, وحفظه الواسع للتراث وقدرته الفائقة على التصرف في اللحن , والجمع بين الطرب والتعبير, وبراعته في الألحان الكبيرة والدارجة حسب مناخات الحضور كما تميز أيضاً بأسلوبه الخاص في اللحن والأداء شكلاً ومضموناً, وإنه بلباسه التقليدي وطربوشه الأحمر وحركات جسمه الجليلة, تشعر وكأنه يطير في فضاءات النغمات التي يؤديها بأشكال مبدعة مختلفة حتى لتحس بأن جسمه كله قد تحول إلى ايقاع, وأنه يختزل المقامات في الروح والجسد معاً.‏‏
هذا الاسلوب الخاص والمنفرد يظهر أيضاً في تناوله لقصائد وأغاني الأعلام مثل أم كلثوم وغيرها حتى لتشعر بأن اللحن الذي يجيد التصرف فيه بأسلوبه ما خلق إلا هكذا, وهكذا الكبار يرحلون وتبقى الأصوات الكبيرة والذكريات العظيمة خالدة أبداً.‏‏
ظاهرة غير عادية‏‏
سهيل عرفة:‏‏
فقد احتفظ بقدرته على الغناء والوقوف على المسرح لساعات طويلة حتى مابعد الثمانين من عمره محمد عبد الوهاب كان دون سن الستين عندما توقف على الغناء , وتحول الى التلحين استطاع أن ينشر التراث الغنائي في العالم من خلال جولاته على الكثير من الدول الاوروبية . كما زار العديد من الدول العربية‏‏
رحمه الله.. ورذا كان قد رحل عنا بجسده , فسيبقى بينننا بروه وصوته فهو أحد حملة لواء التراث العربي مثل صباح فخري . هو أحد التلاميذ النجباء لعمر البطش وبكري الكردي.‏‏
والمعروف أنه اشتهر متأخراً مع أنه بدأ مسيرته مع الغناء من الخمسينات.‏‏

***‏‏

في موشح الوداع‏‏
تسعة عقود من عمر شيخ المطربين, وأيقونة الإنشاد الديني (صبري مدلل) ابن المدينة العريقة في شتى مناحي الفنون (حلب المحروسة).‏‏
رحلة بدأها مؤذناً في جامع (قسطل الحجارين) في ثلاثينيات القرن الماضي.. وانتقل صوته الساحر بالآذان عبر مساجد عدة منها جامع العبارة, وأهمها الجامع الأموي الكبير, حيث كان يحلو للشيخ صبري أن يجلس أسفل المئذنة وهو يسفح نظراته المتأملة في باحة الجامع الواسعة.. تحط فيها أسراب الحمام الوديعة, وتتناثر هنا وهناك حلقات المنشدين, أو المتحلقين حول شيخ يسألونه ويستفتونه في أصغر الأمور.‏‏
يجلس الشيخ صبري.. وطربوشه الأحمر يهتز مع حركة رأسه الدائبة, وكأن الطرب كان يشمل كيانه كله وليس صوته وحنجرته فحسب.‏‏
نشأ صبري مدلل موسيقياً على يد العلامة عمر البطش, ومنذ مطلع الثلاثينيات كان صبري مدلل يتلقى دروس الموسيقا لدى الشيخ عمر البطش وكانت أجرة كل دقيقة درسية (نصف ليرة سورية), ولكن الشيخ عمر قرر تلقينه الدروس مجاناً نظراً لتفوقه وتميزه.‏‏
وكان لقاؤه بعد ذلك بالمطرب والملحن الكبير بكري الكردي, ثم محمد خير وصباح فخري, وسلسلة لا تنتهي من رجالات الطرب والإنشاد الديني والذكر الصوفي.‏‏
ومنذ أواسط الخمسينيات شرع صبري مدلل في التفرغ للمدائح النبوية من خلال فرقة أسسها لهذا الغرض.. وبدأ يلحن وتتوسع فرقته وتتبلور ميزاتها, وتخرج من هذه الفرقة أصوات ساحرة في مجال الإنشاد منها حسن الحفار وعبد الرؤوف حلاق.‏‏
وكان لابد لهذه الفرقة أن تخرج من نطاق المحلية إلى النطاق العربي والعالمي, فرأينا الشيخ صبري وفرقته يجوبون أقطار العالم, وهو يحمل طربوشه المتميز وينتقل عبر القارات يهز المشاعر بأدائه الساحر الصادق الذي ينفذ إلى الوجدان ويحرك كوامن الحس الإنساني.‏‏
ترك الشيخ صبري أكثر من ثلاثين لحناً في التواشيح الدينية لعل من أشهرها:‏‏
- أنا الإسلام رباني.‏‏
- إلهنا ما أعدلك (من شعر أبي نواس).‏‏
- أحمد يا حبيبي.‏‏
- بلبل الأفراح غرد.‏‏
- ظهر الدين المؤيد.‏‏
- على بيت الله.‏‏
- يا نبي سلام عليك.‏‏
- ميلاد أحمد.‏‏
ولقد كانت رحلات الشيخ صبري إلى مسارح العالم الكبرى القاهرة وباريس وبرلين وسواها مناسبة نقلت هذا الفن الأصيل إلى أنحاء العالم.‏‏
رحمك الله يا أبا أحمد.. أيها الشيخ المدلل الذي حمل في صوته وملامحه صورة التراث.. وبقي بيته في حي (الجلوم) العريق منطلقاً تخرج منه الفنانون والمنشدون ونشروا وهجهم الفني عبر العالم.‏‏

***‏‏
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26/10/2007, 19h13
الصورة الرمزية mghazel
mghazel mghazel غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:96834
 
تاريخ التسجيل: October 2007
الجنسية: تونسية
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 2
Post رد: اعمال الفنان صبري مدلل

صبري مدلل:
سيد الارتجالات وصانع الوَجْد والسرور

تحقيق: بسام لولو

انعجن صبري مدلل بهواء مدينته حلب، وتبلل بمطر مزاريبها، واستظل من شمسها في ركن من مساجدها أو تحت إحدى ياسمينات دورها، واكتوى بلواعج أشواقها، والتقى كبار فناني مدرستها،



وغاب أخيراً في تربتها، وخلال كل ذلك ما كان يفعل شيئاً إلا الغناء، حتى يخال المرء أن صوته لا يقل أثراً في حجارة حلب عن هوائها وشمسها ومطرها، وحتى صارت أشرطته مثل فستقها وزعترها وصابونها وحلوياتها يرسلها الحلبي بفخر إلى أحبته في أصقاع الدنيا. لذلك ما كان بإمكان أي عمل موسيقي أو أدبي أو تشكيلي أو سينمائي أو صحفي أن يتناول صبري مدلل بمعزل عن مدينته، لكن أحد سمّيعته، قال: من المستحيل على أي عمل أن يصل إلى قامة الشيخ صبري، إذ بقيتُ أبحث عن سر بهاء شخصيته، فلم أستطع أن أمسك بتلابيبها. لذلك ما كان همنا في هذا العمل إلا أن نحاول الإجابة عن سؤال: من هو صبري مدلل إنسانياً وفنياً؟ من خلال بعض المصادر التي تحدثت عن سيرته، واللقاء بعدد من الفنانين والباحثين والسميعة الذين عايشوه عن قرب، وبعض مما قيل فيه، فإلى هذه المحاولة:

سيرة ذاتية

من كتاب "شيخ المطربين صبري مدلل وأثر حلب في غنائه وألحانه" لمحمد قدري دلال، وكتاب"مئة من أوائل حلب" لعامر مبيض، وبعض المصادر الأخرى، حاولنا أن نتعرف إلى بعض من سيرة صبري مدلل الذاتية: ولد الشيخ صبري عام1918، في أسرة حلبية متدينة، فقرأ القرآن منذ صغره على يد الشيخ أحمد المصري الذي اكتشف جمال صوته فأوكل إليه مهمة الأذان، قبل أن يتتلمذ موسيقياً على يد الشيخ عمر البطش، فتأثر به كثيراً، كما تأثر بالعديد من أعلام الموسيقى والغناء في حلب، ومنهم الشيخ بكري كردي، وراح ينشد ويغني في الزوايا والتكايا والمساجد وحفلات الموالد والأعراس، إلى أن أنشئت إذاعة حلب عام1947، فكان واحداً ممن غنوا على هوائها المباشر عام 1949، لكنه سرعان ما أطاع والده في التخلي عن العمل فيها خشية أن يصير مطرباً، وهو الأمر الذي ما كانت تفضّله الأسر المتدينة، فعاد إلى الإنشاد الديني عملاً بالمبدأ القائل: "مدّاح طه لا يُضام"، وأسس فرقة تتابع عليها كبار المنشدين مثل أحمد السمان المدني وفؤاد خانطوماني وعمرنبهان ثم عبدالرؤوف حلاق وزكريا مكي ومحمد وعمر صابوني وحسن حفار.. وانتهت بأن تسلم ابن أخته الفنان أحمد حمادية إدارتها. وقد خاض المدلل بجدارة غمار التلحين، فلحن أربعين عملاً دينياً، باستثناء واحد كان غزلياً. لكن النقلة النوعية في حياة المدلل حدثت عندما تعرف إليه أحد الموسيقيين الأجانب، هو كريستيان بوخه، فقدمه إلى الجمهور الفرنسي، لتتتالى بعد ذلك حفلاته في العديد من الدول العربية والأجنبية مثل ألمانيا وهولندا والنمسا واليونان وبلجيكا وسويسرا والصين وتونس ومصر والكويت ولبنان والإمارات العربية المتحدة. حافظ الشيخ صبري على ما ورثه من أساليب الأداء والغناء والانتقاء، فلم يخرج على الجمل الموسيقية القديمة، ولم يتصرف فيها إلا في حدود الجماليات، وما يتناسب مع إمكاناته الصوتية العالية التي دربها أحسن تدريب، وكان لا يقنعه من الألحان سوى ما أُتقنَ صنعه، واستكمل حظه من المراجعة والتنقيح والتدبيج، وهذا ما بدا واضحاً في ألحانه.. وقد استلهم ما خزنته ذاكرته من أعمال سيد درويش والقصبجي ومحمد عبدالوهاب وزكريا أحمد وداود حسني فأعطى لوناً جميلاً لأثواب لم يعرفها الإنشاد الديني قبلاً ولم يعهد مثلها في قوالبه. وقد جعل المدلل من سهرة السبت من كل أسبوع علامة فارقة في مدينة حلب على مدى 15سنة، فكانت تستقطب كبار فنانيها ومبتدئيهم وسميعتها وضيوفها من سفراء وفنانين ومثقفين. وخلال كل ما تقدم ظل الشيخ صبري يتحرك مثل نواس بين منزله في حي الجلّوم، وبين دكانه الذي يبيع فيه صابون الغار الحلبي في حي الكلاسة، وبين المساجد التي عمل فيها مؤذناً، والتي كان آخرها الجامع الأموي الكبير في حلب، حيث كان يؤذن فيه الظهر والمغرب والعشاء فقط.. وقد جعل من كل مكان يحط فيه مدرسة فنية يقصدها ويؤمها طالبو العلم، إلا المكفوفين فقد كان يقصدهم في معهدهم الخاص بهم ليعلمهم أصول الغناء والإنشاد على أمل أن يحصلوا بذلك على مصدر رزق لهم. كُرِّم المدلل من الرئيس السوري 2001 ، ومن كل من التقاه أو سمعه أو سمع عنه، سواء بالحب والتقدير، أو بتخليد ذكره في الصحافة والأدب والتشكيل والسينما والدراسات الموسيقية. شيّعته حلب إلى مثواه الأخير في مقبرة "الصالحين" في 19-8-2006

طفل كبير

البعد الروحي والإنساني في شخصية صبري مدلل، تكلم عنه المخرج السينمائي محمد ملص الذي استطاع بعبقرية فذة أن يمسك بأحد مفاتيح هذه الشخصية من أول سؤال لها في بداية فيلمه الوثائقي عنها، عندما قال لصبري: من أنت؟ فأجابه: "أنا صبري مدلل المنشد الحلبي ومُدْخِل السرور إلى قلوب الناس"، فكشفت هذه الإجابة، فيما كشفت، عن البعد الإنساني العميق لهذا الرجل الذي كرّس عمره ليكون منشداً وباعثاً على السرور، فما كان من ملص إلا أن قبض عليها، وصاغ منها عنوان فيلمه "حلب.. مقامات المسرّة". وفي الوقت الذي يقدّر فيه ملص أن من سوء حظ الكثيرين، من خارج حلب، أنهم لم يتعرفوا إلى صوت المدلل إلا متأخراً في أواخر السبعينيات، يرى أن النصر الكبير الذي حققه صبري هو أنه استطاع أن يرفس سنوات العمر، وألا ينكسر أمامها، فظل ينشد ويبعث السرور، عبر صدق وجمال الصوت والكلمة واللحن، معلناً عن روحه في قدرتها على تجاوز جحود الأزمنة، وتدفقها بالحياة والكرم، وإصرارها على الجمال والتألق. وللكشف عن المزيد من طبقات شخصية المدلل، يتحدث ملص بحميمية عن اللحظات الدافئة والجميلة، في الفترة التي أمضاها، ليلاً ونهاراً، في بيت المدلل الذي وضع نفسه بين أيدي فريق الفيلم، فكان ملص كلما دلف إلى دهليز من دهاليز شخصية المدلل، وجد ذاكرة أمينة ووفية للإنشاد ببعديه الديني والغزلي، وإرادة في التعبير عنه بأصالة وصدق، لحماية هذا التراث الغنائي الخاص الذي يتناثر في أرجاء وهواء مدينة حلب العريقة، فكان يفوح بعطر صوته أمام الكاميرا والأنوار والأجهزة في أوقات التحضير لالتقاط لحظة له، وهو يمسك بالدف ليستعيد على مسامع الفريق مقاماً من المقامات. إلى جانب هذه الذاكرة الحية يرى ملص في المدلل طفولة نابضة، وهو يرتدي"جلابيته" الجميلة، ويقفز على السرير ليلتقط صورة من على الجدار، ولينفخ الغبار عنها، ويقول: "هذه الصورة لي وأنا في باريس، أو مصر.."، أو وهو يلتقط صورة أمه من بين صوره التي بعثرها على السرير، ليقول عنها: كانت لا تقدم لي العشاء، إلا إذا غنيت لها! وعن علاقة المدلل بمدينته ومجتمعها، يتحدث ملص عن التصوير في الشارع، فكان مع فريقه، يتجلل ببهاء قامة المدلل وطربوشه الأحمر القاني، وكانت تكل أيديهم من مصافحة الناس، وهم يعبرون الأسواق، من بيت المدلل إلى مئذنة الجامع الكبير، ليعلن أذان الظهر، فكان بمجرد أن ينبث بكلمات الأذان الأولى، يجلل حلب بصوته وهو يدعوها إلى الصلاة. ولأنه لم يقدر للكثيرين أن يروا الفيلم، فقد ظل السؤال: هل استطاع أن يصل إلى قامة صبري؟ في الإجابة عن هذا السؤال يرى ملص أنه كسب صبري مدلل، وحقق ما يصعب تحقيقه، بجهود وعون أخيه الشاعر الإماراتي أحمد السويدي، لكن كلام ملص ظل يحمل شيئاً من حرقة وغصة على واقع هذه الأمة الذي حال دون توصيل هذا الإنجاز. فملص يرى أن الأزمات في منطقتنا العربية، كثيراً ما تكون ظالمة وجاحدة وناكرة عندما تنثر الرمال فوق العطاءات وفي هواء اللحظات المتألقة في حياة المجتمعات، لكن ملص يؤمن بقدرة التاريخ على إزاحة الغبار عن قاماته، من مثل عباقرة الموسيقى النادرين الذين أسسوا ما سمي بمدرسة حلب في الغناء، وهم: علي وإبراهيم الدرويش وعمر البطش وبكري كردي. وفي نهاية حديثه يؤكد ملص أهمية صبري مدلل في أنه الحافظة أو الذاكرة التي فقدناها والتي نحتاج إليها في كل الأزمنة. نهاية جيل لتوصيف الجانب الفني في شخصية صبري مدلل، كان لنا وقفة مع فواز باقر؛ دكتور في الهندسة المعمارية وباحث في علم الموسيقى، مهتم في العلاقة بين العمارة والموسيقى، وعازف عود ذو سمعة ناصعة، رافق صبري مدلل في عدد من حفلاته، فقال عن صبري: إنه من أفضل مؤذني ومنشدي ومطربي وملحني حلب المبدعين، استطاع بما يملكه من موهبة وروحانيات وخيال وخبرة وحسن أداء وصوت أن يشق طريقاً مباشراً وسريعاً من قلبه إلى حلقه، مستغنياً بذلك عن الطرق الإجرائية الموسيقية، ومستفيداً في ذلك من عمله مؤذناً، ومعبراً في صوته عن كل ما يتحلى به من صفات الكرم والعفوية والشفافية والطيبة واللطف ودماثة الروح. ويلفت باقر الانتباه إلى أن كون صبري ملحناً لا يقل عنه مؤذناً أو منشداً؛ إذ إن جملته اللحنية لا تقل مستوى وجمالاً عن جملة كبار ملحني الموسيقى العالمية، بما تنطوي عليه من خيال وكثافة، ويدلل باقر على ذلك بجلسة جمعته مع صبري وعدد من الموسيقيين الفرنسيين الذين تحدثوا فيها عن لحن سمعوه لأحد الموشحات القديمة، وسحر ألبابهم، فكانت دهشتهم كبيرة عندما عرفوا أن صاحب اللحن هو صبري مدلل الجالس معهم.. بهذه التوصيفات يرى باقر أن صبري ظُلم عندما قَصَره بعضهم على أنه موضوع فلكلوري سياحي.. وبهذه التوصيفات يعلن باقر برحيل صبري نهاية جيل مؤمن بموسيقاه الشرقية كما هي، ومكتف ومملوء بها بانسجام مطلق، من دون أي شعور بالنقص.
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 17h49.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd