دراسة : تقييم فريد الأطرش الممثل
أبوإلياس ( حصريا لمنتدى سماعي )
فريد الأطرش اقتحم بدوره عالم السينما في بداياته الأولى من خلال فيلم انتصار الشباب ، ولن نبالغ إذا قلنا إن السينما هي التي جعلت من فريد الأطرش أسطورة حية إلى اليوم ، وقد نجح فريد في السينما نجاحا ملفتا رغم أنه لم يكن ممثلا محترفا وهذه إحدى مظاهر عبقريته ، فما هي قيمته الحقيقية كممثل ؟
لم يدع فريد يوما أنه ممثل وفي هذا السياق يلخص علاقته بالسينما بقوله :
إنني مطرب أؤدي في أفلامي دورا أنقل من خلاله أغنياتي إلى الناس..
وقد حكى فريد عن توجسه من فكرة التمثيل في فيلم انتصار الشباب حين أخبر مخرج الفيلم أحمد بدرخان بأنه لا يتقن التمثيل فأشار عليه المخرج الكبير بأن الأمر بسيط ويكفيه أن يتصرف في السينما كما يتصرف في الحياة.
يقول مخرجه المفضل هنري بركات في برنامج قدمه التلفزيون الفرنسي عن الموسيقار من سلسة الأصوات الكبرى في الأغنية العربية إخراج سيمون بيتون 1990 :
كان ممثلا سيئا ما أن أطلب منه أن يؤدي مشهدا صعبا إلا ويقول لي هذا للممثل المحترف وأنا لست ممثلا أنا مطرب .
وقال عنه المؤرخ السينمائي العالمي جورج سادول بأنه مطرب عملاق لكنه ممثل ضحل " immense chanteur mais piètre acteur "
صناع السينما فهموا هذه الصعوبة مع فريد ومع غيره من نجوم الغناء في السينما العربية فخلقوا في السيناريوهات شخصية السنيد " صديق البطل " وهو ذلك الشاب الودود الطيب العاقل الذي لا تخطىء حكمته ولايرتجي من متاع الدنيا سوى سعادة صديقه ومستقبله وهنائه ، وكما يدل عليه اسمه فالسنيد ممثل محترف يكون بجانب المطرب البطل يلازمه كظله وغالبا ما يلعب دور صديق المطرب ، والاستعانة به تجد تبريرها في أن المطرب وهو ممثل غير محترف لا يمكنه أن يحمل الفيلم على أكتافه بمفرده ويلزمه ممثل محترف يسنده في أداء بعض المواقف الصعبة ، في البداية يكون السنيد مجرد صديق وكاتم أسرار ، وموضوع سخرية النجم وضحك الجمهور، لكن حضوره الحقيقي يبدأ مع وصول البطل إلى ذروة تأزم عاطفي أو صحي ؛ إذ ينتقل شعور تماهي الجمهورمع النجم إلى شعور بالتعاطف وسيحل محله السنيد في الحظوة بتماهي الجمهورليلعب دوره المثالي الأبدي الذي هو إنتزاع البطل من مآسيه وأوجاعه . وأشهر سنيدين ظهرا إلى جانب فريد هما عبد السلام النابلسي و إسماعيل ياسين إلا نجوما كبار آخرين لعبوا هذا الدور بجانب فريد نذكر منهم أحمد رمزي ؛ محمود المليجي ؛ عبد المنعم إبراهيم ؛ عادل إمام ؛ كمال الشناوي ؛ رشدي أباظة ...
وضعف المقدرة في مجال الثمتيل لم تكن حكرا على فريد الأطرش وحده بل فشل فيها جميع المطربين الذين أدوا أدورا في السينما المصرية ونخص بالذكر محمد الوهاب ؛ أم كلثوم ؛ عبد الغني السيد ؛ إبراهيم حمودة ؛ عبد العزيز محمود ، محمد الكحلاوي وعبد الحليم حافظ ، بالمقابل عرفت السينما العالمية مطربين كانت لهم قدرة التمثيل بقدر مالهم من قدرة الغناء نذكر منهم الأسطورة الامريكي فرانك سيناترا ومواطنيه نلسن إيدي وفريد استيروجيري لويس وجاك ليمون والفرنسيين موريس شفالييه وشارل أزنفور وإيف مونتون والبلجيكي جاك بريل وغيرهم كثير ، ومما تفوق فيه كثير من مغني الغرب من أمثال فرانك سيناترا وإيف مونتون و جاك بريل على المطربين العرب أنهم إستطاعوا التمثيل في السينما تمثيلا مجردا دون غناء أو رقص فحققوا أمنيات المطرب وهي أن يمثل دون يغني وتفوقوا على الممثل الذي يتمنى أن يغني دون أن يمثل .
بعض نقاد السينما المصرية من المتعصبين لعبد الحليم حافظ يعتبرون هذا الأخير أكثر إجادة في التمثيل من فريد ، إلا أنني لا أشاركهم هذا الرأي فالاثنين في نفس المستوى في التمثيل ، إلا أن الفرق أن فريد كان يمثل بانفعال مما يعرض من يمثل بهذه الطريقة لأن تبرز عيوبه في الأداء ، بخلاف عبد الحليم حافظ الذي كان يمثل بهدوء ببرودة دم تساعده إلى حد ما على إخفاء عيوب الأداء .
ويكاد يتفق نقاد السينما المصرية على أن فريد كان مقنعا في أدوراه الكوميدية الخفيفة التي ميزت أفلامه الأولى فيما لم يحالفه الحظ في أدواره التراجيدية في أفلامه الأخيرة ، ويستدلون بطبيعة تكوينه الجسماني الممتليء المائل إلى القصر ومشيته الكاريكاتيرية وملامح وجهه الطفولية الخالية من التعابير الجادة والدرامية وكلها مواصفات تساعد من يمتلكها في أن يكون مقنعا في الكوميديا بشكل أكبر من التراجيديا ، وشخصيا أعتبر هذا الرأي محل نظر ، حقيقة أن فريد لم يكن مقنعا في بعض أفلامه التراجيدية الأخيرة ، إلا أنه قدم أداء مقبولا من مطرب لا يحترف التمثيل في كثير من أفلامه الجادة أخص منها بالذكر لحن الخلود ؛ عهد الهوى ورسالة غرام ، وفي جميع أفلامه نجح فريد في شيء في غاية الأهمية هو التعبير الاحترافي عن معاني وأجواء الأغنية فما أن يشرع في غناء الألوان الحزينة حتى ترتسم على وجهه ملامح الحزن والأسى وهذا أقصى ما يمكن أن نطلبه منه كمطرب .
وفي الأخير فإن أبلغ ما قرأته عن فريد الممثل كان للكاتب العراقي سعاد الهرمزي التي كتب يقول :
كممثل لم يكن فريد الأطرش مقنعا .. خذله التمثيل وأنقده الغناء وأنقده محبوه ومعجبوه والوالهون بغنائه ...وليس عيبا أن فريد الأطرش لم يحقق النجاح المرجو في التمثيل ، فقد كنا جميعا نذهب إلى السينما لنسمع فريد لا أن نقيس قدراته التمثيلية .
وصدق الكاتب فإلى اليوم ورغم شغفي الشديد بالسينما والنقد السينمائي لم أعر قط اهتماما لأداء فريد التمثيلي وعند مشاهدة كل فيلم لفريد وبعد الفراغ من الاستمتاع بأغنية أنتظر بفارغ الصبر مشاهدة الأغنية اللاحقة وكأني بالفيلم أغاني مصورة وهذه مزية لم يحققها غير فريد ، وفي الشرق كله لم يقدم مطرب ثلاثين فيلما أم كلثوم قدمت خمسة أفلام وعبد الوهاب توقف عند السبعة وحتى السوبر ستارعبد الحليم لم يقدم إلا خمسة عشر فيلما .
دراسة : تقييم فريد الأطرش الممثل
العرض الشجري