تـَسـَنـْجـُبْ
قصة قصيرة
لسيد أبو زهده
عند الحد الفاصل بين هدأة الحديقة وصخب الشارع ، جلـَسـَت بالأريكة الخشبية وبعض سناجب تتقافز حولها كأنها تداعبها.
كان قد أرخى عضلاته يتهادى بعدما أنهى تريضه ،هرولة،من بيته إلى"حديقة الجادَّة " ليلقي بجسده فوق الأريكة ، حيث يُخامِدُ لهاثه بتمارين التنفس العميق الهادئ ككل سبت من أسابيعه التي قضاها بتورونتو منذ حل مهاجراً إلى كندا بصيفها الفائت.
إجتاز مدخل الحديقة وعيناه صوب أريكته المفضلة فإذا بها جالسة لا يتحرك من جسدها غير يدٍ تلقي إلى السناجب حباً يشبه البندق بعدما تعض عليه بأضراسها لتهشم قشرته فيسهل على السنجاب فض ما يأكل من لبه.
إقترب يسْتـَرِقـّها تتمتم بكلمات لم يعها ، بينما توزع نظراتها بين السناجب في اهتمامٍ يزيد عمَّن يُطعم الأعجـَمْ.
وقف قبالتها يتابع , دهشا، مايراه . أتاه صوتها بإنجليزية من ولدوا بكندا: أيعجبك هذا؟!
إضطربت السناجب متباعدة ، فاعتدلت بجلستها كمن فرغ من عمله ، أو كأنها أرادت تحويل اهتمامها إلى ذلك الواقف .
ماذا يضير ، وهي تخرج صباح كل سبت لتفعل لاشئ غير محاولة قتل الوقت، أن تحادثه ؟
أومأت إليه بالجلوس تـُكـَرِرُ سؤالها .
أجاب متودداً : هذه حيوانات لطيفة تملأ صورها كتب الأطفال وإطعامها شئ طيب.
حدقته بنظرة محايدة دفعته للإستتراد:
، .... وعلى لطفها فهي عاصية على الإستئناس ، ضلـَّت طريقها إلى المدينة فما أنست لسكانها ، متشبثة بما تبقى من اخضرار هنا أو هناك ، كأنه بعض من موطنها الأصلي.
هي حيوانات مغتربة !
رفعت حاجبيها تتسائل : مغتربة ؟
: نعم ... زحفت المدينة على الغابة فانحسر موطنها في بضع شجرات تعلو بقع خضراء يحدها إزعاج من أسفلت وقبح من إسمنت.
أرسلت ضحكة متعجبة لم توقفه عن استرساله:
... ألا تلاحظين حركة السناجب وما يسمها من اضطراب وزيغ بصر؟ ، أنت تطعميها طائعة وهي تلتقط الحب كلصٍ يتحاشى الرقيب.
إعتدلت مستديرة له ، قالت بحزم ناعم : أنا لا أطعمها ، أنا أستشيرها ! ... نعم آخذ رأيها. لدي مشكلة حلها في لا أو نعم . أبث الحبة شكواي وأنا أشرخ غلافها بأضراسي ثم ألقيها ، فإن فلح السنجاب في إخراج لـُبَّها كانت نعمْ ، وإن خاب فلا...
أليس ببلادك شئ كهذا...
مط شفتيه محدقاً بحطام القشور البنية المنثورة حول قدميها....
: كان أسلاف جزيرة العرب يفعلون مايشبه ذلك في جاهليتهم ، ولكن مع الطيور .... ليس هناك سناجب . كانوا يطلقونها بنيَّاتِهم ، فإن توجهت يمينا فعلوا ... وإن يسارا أعرضوا . كانوا يتطيَّرون كما تتسنجبين.....
تضاحكا يلتهمهما حديث طال بين جلوس وسير بأقاصي الحديقة .
في السبت التالي كان يحمل كيساً به كثير من حب البندق . جلس على ذات الأريكة وقد أضمر معضلته :
يبقى سنجابا هنا أم يعود إلى ماتبقى من اخضرار؟..
إنتظر السناجب ليعض لها الحَبَ ويخبئ به السؤال.
.
.
.
.
__________________
أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم