عرض مشاركة واحدة
  #359  
قديم 24/03/2013, 21h09
الصورة الرمزية بشير عياد
بشير عياد بشير عياد غير متصل  
رحـمة الله عليه
رقم العضوية:58261
 
تاريخ التسجيل: August 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 2,219
افتراضي رد: بشير عياد مصري / عروبي حتي النخاع

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بشير عياد مشاهدة المشاركة

مع باعة الصحف الآن بمصر
العدد الجديد ـ رقم 24 ـ من مجلة " إبداع "
وبه مقالٌ لي عن الموسيقار الراحل عمّار الشريعي
قد أعيدُ نشره هنا .


*****************
و.... ها هو المقال :
*************

عمّار الشريعي
غوّاص النغم الذي سلّم المجداف للريح وترك رصيده من الأصداف لورثة الجمال
ــــــ

بقلم : بشير عيَّـاد
ــــــ
أصبحتُ أضعُ يدي على قلبي كلّما ساورني خيالي بالكتابة لمجلتنا " إبداع " ، فعلى مدار عامين لم أستطع نشر قصيدة أو دراسة أو إبحار أدبي ما ، وكلّما هممتُ يباغتنا الموت باختطاف غصن ضخم من شجرة الإبداع المصري ، وأجدني ـ في حضرة الموقف الجليل ـ منحازا للكتابة عنه ، تلك الكتابة التي لا تزيد عن باقة ورد نضعها على ذكراه في كتاب الوطن .
الجمعة ، السابع من ديسمبر 2012م ، كان موعدنا مع حزنٍ جديد ، ذلك الذي تجسّد في رحيل الموسيقار الكبير عمّار الشريعي الذي شكّل خطّا متميزا في مسيرة الموسيقى العربية على مدار ثلاثة عقود متصلة ، بدأت في أحضان الكبار : محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ومن خلفهما كمال الطويل ومحمّد الموجي ، وانتهت ـ عند رحيله ـ بسقوط المنحنى الغنائي ـ والفن عموما ـ في مستنقعات الخفة والتسطيح والابتذال ، وبقدر ما كان عمّار الشريعي رقما كبيرا في معادلة الأصالة ، كان أيضا مسؤولا إلى حدٍِّ كبير عن مأساة السقوط المدوّي لفن الأغنية .
وربّما لا نجد في تاريخ الموسيقى العربيّة مَن ينازع الشريعي في "عدد " تخصصاته ، فقد كان عازفا وملحنا وموزّعا ومحللا ومطربًا ـ أحيانا ـ ومقدّما للبرامج الفنية التي تميل في معظمها إلى الموسيقى والغناء ، وأكاد أذهب ـ إلى حدّ اليقين ـ إلى أن ما قدّمه في برنامجه الشهير غوّاص في بحر النغم على موجة إذاعة البرنامج العام بالإذاعة المصريّة سيظل أبقى من كثيرٍ من ألحانه المناسباتية أو التي سكبها في المسلسلات ، وهذا البرنامج ، برغم الهفوات الكثيرة فيه ، سيظل مدرسة مفتوحة لأجيال مقبلة في تذوق الموسيقى والجمال ، ويزيد من اتساع رقعة هذه المدرسة انتشار حلقات كثيرة منه على شبكة الانترنت لتصبح في متناول كل الباحثين عن العلم والفن والذوق بمعطيات العصر الحديث .
في السادس عشر من أبريل 1948 م كان ميلاد عمّار الشريعي بسمالوط بمحافظة المنيا ، التحق بمدرسة للمكفوفين في مرحلة الروضة ، ومال إلى دراسة الموسيقى من بدايته ، وشاء القدر أن يضع في طريقه أستاذا متخصصا في الموسيقى أدرك عمق موهبته من اللحظة الأولى وهو الفنان عبد الله محسن ، فما كان من أستاذه إلا أن يكتب إلى مدرسة "هادلي " الأمريكية التي ترعى المكفوفين فتمّ ضمّه إلى سجل الدارسين بها بنظام الانتساب ( وطال انتسابه إليها ) ، وفي هذه المرحلة تعلم العزف على البيانو ثم الأوكورديون وأصبح مشهورا في حفلات المدارس ، وقبل أن يتم الرابعة عشرة كان قد تعلم العزف على آلة العود .

مها صبري
****
التحق الشريعي بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ( جامعة عين شمس ) ، وبعد تخرّجه في العام 1970م ، اعترضت العائلة الشريعية ( الصعيدية الأصيلة ) على تفكيره في الاتجاه إلى احتراف العزف ، غير أنه لم يتراجع ، وانضم إلى الفرقة الذهبية الشهيرة التي كان يقودها الفنان صلاح عرام ، وكان في البداية يعزف على آلة الأوكورديون ، ثم تحوّل إلى البيانو الكهربائي ، وفي منتصف العام 1975م واتته فرصة ذهبية ليتحوّل إلى التلحين ، إذ أعطاه الشاعر فاروق صالح كلمات أغنية بعنوان " امسكوا الخشب " ، فلحنها عمّار ، وكان يعزف الأورج خلف المطربة الراحلة مها صبري ، فعرض عليها اللحن فأعجبها جدًّا ، وقدّمته لأول مرة في حفل ساهر بتاريخ الحادي والعشرين من يوليو 1975 م ، وذاعت شهرة الأغنية بشكل غير متوقّع ـ وإلى الآن ـ وأصبح اسم عمّار مقرونا بها ، فحرّضه النجاح على الدخول في تجارب أعمق وأوسع ، فكوّن " فرقة الأصدقاء " التي كانت تضم منى عبد الغني وعلاء عبد الخالق وحنان ، وقدم من خلال الفرقة عددا كبيرا من الأغنيات التي نجحت في وقتها ، كما لحن عددا كبيرا من الأغنيات لشادية وردة وماهر العطار وياسمين الخيام وعفاف راضي ونادية مصطفى ولطيفة وهدى عمار وحسن فؤاد ، واتجه كذلك إلى وضع الموسيقى التصويرية للأفلام والمسرحيات والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية ، وقام بإعادة توزيع أغاني أم كُلثوم وفريد وعبد الحليم وفيروز بالآلات الحديثة ، ولقيت شرائط هذه الأعمال رواجا واسع النطاق على الساحتين المصرية والعربية ، وفي العام 1988 بدأ برنامجه الشهير " غوّاص في بحر النغم " الذي أسكن عمّار ذاكرة المستمعين على مدار أكثر من عشرة أعوام ، كان عمّار يتناول الأعمال الخالدة الرصينة ويقوم بتحليلها شعرا وموسيقى بأسلوب سهل رشيق ، وكان حكّاءً بارعا خفيف الظل قريبا من المتلقّي العام ، وكانت الهفوات التي يقع فيها ، والتي أشرت إليها أعلاه ، تتعلق ببحور الشعر ، وبعلم النحو عندما يقوم بتحليل الفصحى ، لكنها كانت تمرّ إذ كان المضمون يغطي عليها ويطويها .

علي الحجار
من أهم المطربين الذين تعاملوا مع عمّار الشريعي

ــــــــــــ
كان البرنامج ـ غوّاص في بحر النغم ـ فاتحة لزاوية أخرى في مسيرة عمّار كمقدّم برامج ، إذ أفرز بعد ذلك عدة برامج أهمها " سهرة شريعي " الذي قدمه على شاشة قناة "دريم " ، كما قدم برنامج " مع عمار الشريعي " على موجة " راديو مصر "، وبرامج رمضانية عديدة على شاشة التليفزيون المصري وموجات الإذاعة المختلفة ، لكنها تهاوت جميعا أمام " غوّاص في بحر النغم ".
مع موجة فرح العمدة أو الاحتفالات الأكتوبرية السنوية ، تم اصطياد عمّار والإيقاع به من حيث يريد أو لا يريد ، وبذلك تقرّب بسرعة من وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف الذي كان كل همه إرضاء صاحب الفرح ، الرئيس المخلوع ، ووجد الشريف ضالته في ألحان عمّار الشريعي التي أمطر بها تلك الاحتفاليات في حضور المخلوع وذويه وحاشيته، كانت الأعمال تتغنى باسمه ، وكانت لا تنتمي إلى الفن في عمقه وتوهجه في شيء ، جاءت كلها أعمالا دعائية إعلانية تموت تحت أقدام المطربين ( الموظفين ) على المسرح ويتناثر غبارها على ملابس السيد الرئيس والسيدة حرمه وكبار الضيوف الذين يجلسون في الصف الأول يوزعون الابتسامات البلهاء المجانية ، كان السيد المخلوع فرحا بذلك العرس الشعبي الوهمي ، يدندن ويحرّك قدميه مع الموسيقى ، ثم يقف في النهاية ليترك بصمات يده الكريمة في أيدي كل المشاركين في وجبة النفاق هذه من المؤلف إلى الملحن إلى المغنين والراقصين والمخرج ، وكانت استجابة عمّار السريعة مفتاح باب الإذاعة وقطاع الإنتاج ، لبرنامج "غواص " من ناحية ، وللمسلسلات التليفزيونية من ناحية أخرى ، استأثر عمّار بكل شيء ، ولم ينل الآخرون سوى الفتات أو البقايا ، فالتزم المحترمون بيوتهم ودخلوا البيات الاكتئابي ، أما الأشقياء الصاعدون فلم يستسلموا وأعلنوا عن وجودهم صعودا على مواسير الصرف الخلفية لمبنى الإذاعة والتليفزيون ، وامتلأ الشارع بكل أنواع القبح ، وضاعت التجارب الجادة المحترمة من شعراء وملحنين ومطربين آخرين تحت ركام هذا الابتذال ، وتقديرا لعمّار وتعاونه مع وزارة الإعلام أسندت إليه بقية الأعمال الأخرى : الليلة المحمدية ، أعياد الطفولة ، أعمال مهرجان الإذاعة والتليفزيون .... إلخ ، كما حرصت إذاعة "الشرق الأوسط " ـ بتوجيه من الوزير ـ على منحه جائزة الحصان الذهبي لسبعة عشر عاما متتالية ، عن ماذا ؟ لا تجد إجابة ، فقد تعددت الألحان وتنوّعت وحلّ عليها الضعف والوهن إذ ابتلعت مسلسلات التليفزيون خمسين بالمائة منها ، وهي أعمال ، في معظمها ، لتسلية ربّات البيوت ، باستثناء أعماله مع إسماعيل عبد الحافظ وما لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة مع الآخرين ، وبالرغم من تلحينه لكثيرين وكثيرات من الكبار إلا أننا لا نستطيع أن نجد من عشّاق الفن العربي من يستطيع ذكر عناوين عشرة أعمال ، مجرّد عناوين ، وللراحل عدة أعمال مع الفنانة وردة ، منها " طبعا أحباب "، " بلد الحبايب " ( وطنية ، تم تقديمها في احتفالات اكتوبر مرتين ) ، " قبل النهار ده " ، سألته كيف وضعها ؟ كنت أقصد كيف ارتضى لنفسه أن تكون في سجل أعماله ! كنا ، وقتها ، في صيف العام 1995م ، بمنزله السابق بشارع الحسين قبل انتقاله إلى المنزل الأخير ، وكان يقوم بتلحين أربعة عشر نصّا من كلماتي ( الزجلية ) وأشعاري ( الفصحى ) لمسلسل تليفزيوني من إنتاج شركة " صوت القاهرة " هو " زقاق السنجقدار "، تعددت سهراتنا ، وكان لا يضيق بالنقد بل يسعد به ، أحببته أكثر على المستوى الإنساني وهذا الكرم المصري الفيّاض ، لكنني لم أسعَ إلى تكرار التجربة إذ وجدته يتعامل مع الكلمات بشكل آلي خالي من الإحساس ، يعتمد فقط على العلم ( علوم الموسيقى ) والوعي الفطري بقوانينها ، ولم يبذل مجهودا يهزّني إلا في كلمات المقدمة والنهاية التي غنّاها المطرب المختفي حسن فؤاد ، أما داخل الحلقات فغنى الممثلون ، وكان لمحمود الجندي وشيرين وجدي ( المختفية أيضا ) نصيب الأسد .
طغت البرامج والأعمال الدرامية على موهبة عمّار ، فلم تترك منها إلا النزر اليسير للموسيقى والألحان المتوهجة ، فقدم الموسيقى التصويرية لأكثر من ثمانين مسلسلا للتليفزيون ، وخمسة وأربعين فيلما ، وأقل من عشر مسرحيات ، ونال جوائز كثيرة بمصر وخارجها ، ومهما يكن لنا ولغيرنا من ملاحظات عليه ، فإن مجموع ما قدمه في مجال الموسيقى يبقى كبيرا ومهمّا في وجدان الذين عاصروه ونسجوا ذكرياتهم على وقع موسيقاه ، في أغنية ، أو فيلم ، أو مسلسل ، كما سيبقى مدرسة مفتوحة للقادمين الذين يبحثون عن العلم في اقترانه بعبقرية الذوق والجمال .

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg 01.jpg‏ (28.2 كيلوبايت, المشاهدات 99)
نوع الملف: jpg Maha_Sabri (1).jpg‏ (22.3 كيلوبايت, المشاهدات 99)
نوع الملف: jpg مع علي الحجار.jpg‏ (60.8 كيلوبايت, المشاهدات 101)
رد مع اقتباس