
23/12/2012, 18h04
|
عضو سماعي
رقم العضوية:666781
|
|
تاريخ التسجيل: November 2012
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 25
|
|
|
رد: الفنان عزيز عيد ـ بعض من مؤلفاته
سار محمد تيمور مع صديقه، كانا يتحدثان في أمور عديدة، هكذا هما، يخرجان إلى الشارع ، يتحدثان في الفن بكل أنواعه ، فإذا بهما يسيران ساعات كاملة . واجههما محل عام،بابه مغطى بستارة من الخرز الملون، وعلى واجهته صورة لامرأة تغني - مرسومة بطريقة ساذجة –
دخلا ذلك المحل ليرتاحا من السير الطويل، وفجأة ظهرت هذه الفتاة، كانت طويلة ، جسدها يميل للامتلاء ، في وجهها ملاحة ظاهرة. لم يكن القصد من الجلسة متابعة ما يقدم من أغاني ورقص. ظنا أنهما سيكملان حديثيهما ، لكن الفتاة شدتهما إليها خاصة محمد تيمور الذي كف عن الحديث والاستماع إلى صاحبه ؛ ونظر إليها . قال محمد لصديقه:
- ما رأيك ؟
- حرام أن تعمل في محلات رخيصة كهذه .
دارت الفتاة بعد ذلك وسط الموجودين ؛ تمد " طارا " ، فيضع الموجودون فيه بعض القروش. جسدها كان يحتك بأجساد الناس. وضع محمد شلنا بأكمله في طارها ، وطلب مقابلتها ، جاءته بعد أن انتهى عملها في المحل . جلست بينه وبين صديقه ، سألها :
- ما الذي يدفعك لعمل مثل هذا ؟
ضحكت وقالت: الحاجة .
وتكرر حضور محمد تيمور إلى ذلك المحل، ينتظرها حتى تنتهي " نمرتها " ، يصيح بها :
- طماطم، طماطم ، فاطمة .
وتصيح من فوق المسرح: سأحضر يا أستاذ تيمور .
يسيران معا ، يقول:
- سنتناول العشاء الليلة لدى حاتي مشهور بروض الفرج.
يتابعها وهي تأكل مبتسما، تقول وفمها ممتلأ بالطعام :
- أنت – يا أستاذ – من أسرة كبيرة وغنية ، فما الذي يشدك إلى فتاة فقيرة مثلي؟
- أحسست وأنت تغنين أمامي بأن داخلك طاقات كثيرة في حاجة لمن يخرجها.
ضحكت طويلا ، حتى شدها محمد تيمور من ملابسها: ما الذي يضحكك هكذا؟!
- حديثك – هذا – يذكرني بالذين يخرجون العفاريت من أجساد الملبوسين .
وضحك محمد أيضا: رأيتهم يا فاطمة ؟
- إنهم كثيرون في حينا .
عادا إلى الشارع بعد أن تناولا العشاء، قال:
- سنذهب إلى بعض الأصدقاء؛ لأعرفك بهم .
- مغنون مثلي؟
- لا، لا ، كل واحد منهم أستاذ في مجاله .
كانت سعيدة ، محمد تيمور منذ أن عرفها وهو يعطف عليها ، تتناول العشاء على حسابه معظم الليالي ، ويشتري لها الشيكولاتة دائما، قال:
- الذي يحدث في المحل الذي تعملين فيه، ليس فنا، إنه نوع من التسول، الفن أسمى من هذا بكثير .
- ستعود ثانية إلى كلماتك غير المفهومة؟!
وصلا إلى قهوة " الراديو" بشارع عماد الدين، تشبثت بيده جزعة :
- أستاذ محمد ؛ إنني لم أتعود الجلوس في أماكن راقية كهذه.
فصاح بها:
- ادخلي اسمعي الكلام .
سار ناحية مجموعة من الرجال يجلسون في ركن القهوة، وهي تتابعه متعثرة في مشيتها ، تكاد تكبو على وجهها من شدة الخجل، صاح:
- السلام عليكم ، تعالي يا فاطمة ، اقتربي.
قال أمين صدقي :
- من فاطمة هذه ؟
- إنها ، اقتربي يا فاطمة ، مالك مذعورة هكذا ؟!
قالت وهي تتوارى خلف ظهره:
- إنني مرعوبة من هؤلاء.
- ما الذي يخيفك ؟
أشارت إلى عزيز عيد :
- هذا الرجل شكله غريب .
- إنه الأستاذ عزيز عيد ، أستاذنا جميعا .
وصاح أمين ساخرا:
- اقتربي يا ابنتي ، إنه لا يعض .
ومد عزيز يده لها:
- اقتربي يا ابنتي ، أهلا بك ، اجلسي.
- شكرا لك .
قدم محمد تيمور لها مقعدا :
- بطاطا بها روح الفنانة الطموح، واعتقد أنه بقليل من الجهد سيمكنك أن تصقل هذه الدرة الثمينة؛ تجعلها نجمة مشهورة .
حدثها عزيز ليزيل عنها أثر الرهبة والارتباك :
- أنت فنانة ؟
- أنا ؟!
قال محمد تيمور :
- الغريب أنها تتحدث معي بعشرة ألسن ، لكنها الآن مرتبكة ولا تجد كلمة تقولها .
قال أمين : أصل الأستاذ عزيز عيد شكله يعني .....
- ماله شكلي يا أمين ؟
قال محمد تيمور : شكلك يشبه العظماء .
قال أمين صدقي :
- هو يشبه نابليون, لينين ، صدقوني ، به شبه كبير من لينين .
سألها عزيز :
- تمثلين يا عروسة ؟
- أغني .
- ولماذا لا تمثلين ؟
- أملي أن أؤلف مثلما يؤلف محمد تيمور .
- تعرفين القراءة والكتابة ؟
- وهل التأليف محتاج لهذا ، المهم الأفكار .
وضحك الجميع، قال عزيز :
- لابد أن تتعلمي القراءة والكتابة ، هذا مهم في كل مهنة وفي كل فن .
قال محمد تيمور سعيدا لتجاوبها مع عزيز عيد:
- ما رأيك يا أستاذ ؟
- أرى شعاع الفن في عينيها .
قال أمين صدقي :
- هذه فرصتك ، جاءتك خامة جيدة وأنت تجيد صقل المواهب وتهذيبها .
قال عزيز في أسى:
- فعلت هذا مع الكثيرين والكثيرات .
قالت فاطمة :
- ستقدمني لمحل أكبر لأغني فيه .
قال عزيز : شكرا لك يا محمد تيمور، جئت بها في الوقت المناسب، فأنا أفكر منذ مدة طويلة في عرض مسرحية " القرية الحمراء "
- أعرف ، ولكن التمويل غير موجود .
- من حظ هذه الفتاة الجميلة ، جاء التمويل هذا الصباح .
قال أمين :
- الخير على قدوم الواردين .
وقالت فاطمة في أسى : أرجوكم ، أنا لا افهم شيئا مما تحكون .
قال عزيز : ستمثلين يا عروسة ، ستقومين بدور " عين أبوها "
قال محمد تيمور : أحك لها موضوع الرواية لكي تفهم .
***
كانت الآم قلقة على ابنتها ، هي تعود كل ليلة قبل هذا الوقت بساعتين تقريبا .نظرت من الشرفة ، ثم من الباب ، كل شبح يأتي من بعيد؛ تظنه هي ، حتى يقترب فتتأكد من أنه امرأة أو رجل آخر . حتى ملت وضاقت ، وعندما دخلت فاطمة الشقة صاحت فيها غاضبة : ما الذي أخرك .
- قابلته يا أمي ، قابلته.
كانت تتحدث وكأنها تتحرك فوق خشبة المسرح، تحرك يديها وساقيها وجسدها كله ، ترقص .
- ماذا يا – روح أمك – من هذا الذي قابلتيه ؟!
- عزيز عيد ، أبو المسرح المصري .
- قلت لك ألف مرة إياك والخمر .
أمسكت ذراعي أمها : صدقيني ، أنا لا يمكن أن أتذوقها، أنا لست سكرانة، ما أقوله هو الحق . قابلت عزيز عيد ، وقال أنه سيجعل مني ممثلة مسرح كبيرة .
أشاحت الأم بذراعها غاضبة : بلا مسرح بلا غيره، احمدي ربنا على ما تأخذينه من صاحب المحل الذي تعملين فيه .
كانت مرتبكة يوم العرض ،حقيقة هي مثلت دورها باقتدار في البروفات ، لكن أمام كل هؤلاء المشاهدين ؛ الأمر يختلف .
وقف محمد تيمور بجوار خشبة المسرح يشجعها:
- لا تخافي يا فاطمة ، استمري ، لا تخافي .
وتهمس هي له : إنني خائفة .
وأمين صدقي يصيح بها : تشجعي يا فاطمة .
وصاح عزيز عيد وهو يرتدي الملابس الريفية : يا سماء أرعدي .
وخرج صوت فاطمة مشروخا ومتقطعا أول الأمر:أرجوك يا عمدة،أرجوك يا عمدة .
- اقتربي يا فتاة ، اقتربي مني .
- أنا فتاة مسكينة .
وازداد صوته علوا: اقتربي يا بنت .
وبكت فاطمة، اندمجت في الدور: أرجوك ، إنني خائفة من عينيك .
- اقتربي .
ونظرت فاطمة إلى الجمهور وصاحت :أرجوكم ، أحموني من هذا الرجل .
ووقفت أم فاطمة وسط المشاهدين تصيح:
- جننت يا رجل ، تطارد فتاة صغيرة في سن بناتك ؟!
ضحك المشاهدون ووقف بعضهم من شدة التأثر، وأسرع أمين صدقي إلى محمد تيمور : الحق هذه المرأة قبل أن تفسد كل شيء .
وسأل عزيز عيد فاطمة : من هذه ؟
قالت بنفس نبرة التمثيل وبصوت مرتفع سمعه كل المشاهدين :
- إنها أمي ، أمي .
كانت مندمجة في الدور ؛ فلم تستطع الخروج منها ، فزاد هذا الصالة ضحكا وسخرية مما يحدث ، واقترب عزيز من حافة المسرح وصاح بالأم :
- اهدئي يا سيدتي ، إننا نمثل، ما ترينه الآن تمثيلا وليس حقيقة .
وقالت فاطمة بعد أن استعادت نفسها : اهدئي يا أمي ولا تخافي، إننا نمثل .
وجلست المرأة وجلس المشاهدون واستمر العرض.
المخرج المسرحي عزيز عيد
تسير فاطمة وعزيز عيد في شوارع القاهرة النائمة يضحكان ، اشتريا العشاء بكل ما يملكان ، ولم يجدا أجرة التاكسي أو عربة حنطور ،مر الوقت دون أن يحسا ، قال: ها أنت قد أصبحت ممثلة عظيمة، ستعيدين مجد فاطمة اليوسف .
- الفضل لك يا أستاذ .
- أتذكرين يوم أن جاء بك محمد تيمور إلى قهوة الراديو ؟
- كنت مرتعدة وخائفة ، كما أنا مرتعدة من لقاء أمي الليلة ,
ضحكا طويلا ، كانا سعيدين من نجاح الرواية التي يعرضانها ، رغم أن ما تبقى من نقود المشاهدين لم يكف لركوب تاكسي للعودة ، قالت :
- أنت تعرف أمي جيدا .
- أعرفها .
- أتذكر ذلك اليوم ؟
- لا أنساه أبدا ، وقفت وسط المسرح وصاحت معنفة ولائمة وسابة ، ظنت ليلتها أنني أريد بك شرا .
- هي الآن تطمئن علىّ؛ عندما أكون معك ، تقول: " عزيز في سن والدك ، وسيحافظ عليك "
- أنت جوهرة وأحس بأنني سأصنع بك نهضة مسرحية كاملة .
- كما أحس بأن أمي لن تفوت هذه الليلة على خير .
- لا تخافي، بيتك في الشارع المقبل، سأذهب أنا إلى بيتي ، ونتقابل في الغد.
تشبثت في ملابسه : لا يا أستاذ، ستأتي معي لتطمئن أمي وتعرف أني كنت معك .
وسارا معا، لكن لم يضحكا، ولم يتحدثا . عندما دخلت باب البيت صاح هو:
- ها نحن قد وصلنا البيت، تصبحين على خير .
وجاء صوت الأم من نافذتها صائحة :
- لا، تعال يا أستاذ لنتحدث ، أأتمنك على ابنتي فتجئني بها عند الفجر ؟!
ارتعدت فاطمة وقالت:
- قلت لك من الأول يا أستاذ عزيز .
صعد الدرجات وهو يتحدث ، المرأة تنزل إليه ؛ خشية أن يهرب منها ، قال:
- يا سيدتي، لقد جئنا من المسرح سيرا على الأقدام .
- طبعا، لابد أن تأتيا سائرين على الأقدام ، فمن أين تأتيان بالنقود لتركبا سيارة أو عربة حنطور ؟!
- أرجوك يا سيدتي، ففاطمة في رعايتي .
صاحت الأم غاضبة :
- أية رعاية هذه التي تجعلك تسير بها في الشوارع فجرا .
قالت فاطمة :
- الأستاذ عزيز يعاملني وكأنني أبنته أو أخته الصغيرة .
قالت الأم باكية :
- بصراحة، لن أرتاح إلا إذ تزوجت وأصبحت في عصمة رجل يكون مسئولا عنك .
قال عزيز في خوف وارتباك : سيدتي ، هل يمكن أن أتزوجها؟
صاحت الأم في دهشة : ها.........
وقالت فاطمة دون أن تحس : تتزوجني ؟!
أراد عزيز أن يسرع ، ينزل الدرجات المتبقية ويهرب، لكنه أكمل في خوف :
- شكلي ليس كما يجب، وأكبر منك في السن بكثير ، لكن.......
- لكن أنت فنان عظيم وأنا أتعلم منك .
أما الأم فقالت : هذا هو الحل، تتزوجها وتكون مسئولا عنها لأرتاح من قلقي كل ليلة . ما رأيك يا فاطمة ؟
-- إنه يوم المنى أن أعيش مع أستاذي عزيز عيد في بيت واحد .
على خيرة الله ، في الغد نعقد القران .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
نشرت بمجلة الكواكب العدد 2548 في 30 مايو 2000
|