سلام و احترام،
الاخ الكريم عبد السميع خلو
نعم قصة المناضل الشهير الدغباجي ليست بأسطورة خيالية لكنها ملحمة حقيقية و صفحة ناصعة في تاريخ المقاومة التونسية و العربية ضد الاستعمار الأجنبي مما جعل ذكره يستقر بالوجدان الشعبي، فغناه وخلد وقائع كفاحه، ثم بكاه ورثاه لما مات شهيدا ...
و أنقل لكم مقتطفات مما ورد في بعض المراجع التاريخية و منها، كتاب المؤرخ الكبير الأستاذ محمد المرزوقي (محمد الدغباجي – نشر دار المنار 1979)...
هو محمد بن صالح الدغباجي من مواليد 1885 بواد الزيتونة الذي يبعد 30 كم عن مدينة الحامة في ولاية قابس بالجنوب الشرقي لتونس... و خُلّد ذكر المناضل الدغباجي كثائرا ومثالا للفدائي الذائد عن العزّة والكرامة...
خضع سنه 1907 للتجنيد الاجباري لمدة 3 سنوات في جيش الاستعمار الفرنسي . ثم عاد من جديد سنه 1915 لصفوف ذلك الجيش بعد معاناة شديدة من البطالة و الفقر. و في الاثناء، كانت تصل أنباء عن المقاومة الليبية الباسلة للغزاة الايطاليين فقرر الانسلاخ عن الجيش الفرنسي و فرّ من معسكر الذهيبة بولاية تطاوين مع 4 من رفاقه و عبر الحدود حيث التحق بالمقاومين الليبيين و من أبرزهم المجاهد خليفة بن عسكر النالوتي و عمر كريد .، و سرعان ماشتهر بشجاعته و إقدامه، ومهارته في الرمايه. و بدأ في مهاجمة الحصون الفرنسية على الحدود بداية من سنه 1918 و أشعل المقاومة ضد الاستعمار و خاض العديد من المعارك و منها معركة (خنقة عيشة) و معركة (الزلوزة في 01/01/1920)، التي قتل فيها عدد من أعضاء الديوانة (الجمارك) الفرنسيين.. فأضحى هو و رفاقه مطلوبين و عزمت سلطات الاستعمار الفرنسي على مطاردته، والمطالبة برأسه.
و سلط المستعمر ألوانا من القمع و التنكيل الانتقامي على بني زيد وأهالي الدغباجي ، حيث عمدوا إلى ردم الآبار لقطع الماء عن المقاومين، ونقلوا الأهالي مع حيواناتهم إلى مدينة الحامة. و وضعوا الرجال في السجون، والنساء في معتقل خاص. وأجبر بعض السكان على حمل السلاح لمطاردة المقاومين، و ترأسهم العميل عمار بن عبد الله بن سعيد، الذي وعدته السلطات الاستعمارية بمنصب خليفة على مدينة الحامة
و حاول هذ العميل استدراج الدغباجي، الذي تفطن للمكيدة و بعث له رسالة بتاريخ (16/02/1920) يقول فيها :
أنتم تطلبون منا الرجوع إلى ديارنا... لكن ألسنا في ديارنا ؟ إنه لم يطردنا منها أحد، فحركتنا تمتد من فاس (بالمغرب) إلى مصراتة (بليبيا)، وليس هناك أحد يستطيع إيقافنا... ونقسم على أننا لو لم نكن ننتظر ساعة الخلاص لأحرقنا كل شيء، والسلام من كل جنود الجهاد..
وتثبت هذه الرسالة الأبعاد، التي كانت تعبئ الدغباجي وأمثاله بروح المقاومة، وهي الأبعاد الوحدوية والجهادية الرافضة للاستغلال والظلم، وتعبر عن روح التحدي لقوة الاستعمار وبطشه. و واصل الدغباجي تصعيد المقاومة و خاض معارك عديدة في الجنوب التونسي أهمها معركة (المحفورة)، وواقعة (المغذية) من ولاية صفاقس، والتي واجه فيها مع قلة من رفاقه، 300 عنصرا من عساكر المستعمر، وكذلك واقعة (الجلبانية)، التي كاد يسقط أثناءها بين أيدي القوات الاستعمارية بعد إصابته بجراح خطيرة ...
و تمت محاكمة الدغباجي غيابيا يوم 27/04/1921 و صدرت عليه و على رفاقه عقوبة الاعدام ، و شاركت جيوش الطليان في ملاحقتهم الى أن تمكنت من القبض عليهم و تسليمهم للسلطات الفرنسية...
وفي الاول من شهر مارس 1924 اقتيد البطل إلى ساحة سوق البلدة. ويروى أنه رفض ساخرا العصابة، التي تقدم بها نحوه ضابط فرنسي ليضعها على عينيه. و خاطب أمه وهو يبتسم قائلا :
لا تخشي علي يا أمي فإني لا أخاف رصاص الأعداء، ولا أجزع من الموت في سبيل عزّة وطني ..الله أكبر ولله الحمد
و تم إعدامه رميا بالرصاص تحت وابل من الهتافات و الزغاريد التي دوت عاليا، مباركة شجاعته و بطولاته. وهكذا بقيت قصّة الدغباجي حية في ذاكرة الشعب التونسي عبر الأجيال...
و سأقدم لكم لاحقا ان شاء الله، كلمات أغنية الخمسة اللي لحقوا بالجرة ...
(يتبع)