(303 – 354هـ / 915 – 965م )
هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، أبو الطيب المتنبي: شاعر حكيم له القصائد العصماء و الحِكَم البالغة و المعاني المبتكرة و الأمثال السائرة. ولد بمحلة تسمى كِندة، و إليها نسبته. نشأ بالشام ثم تنقل في البادية يطلب الأدب و علم العربية و أيام الناس.
نظم الشعر و هو صبي، و تنبأ في بادية السَّماوة –بين الكوفة و الشام- فتبعه كثيرون. و قبل أن يستفحل أمره أسره لؤلؤ أمير حمص و نائب الإخشيد و سجنه حتى تاب و رجع عن دعواه. وفد على سيف الدولة بن حمدان (صاحب حلب) عام 337هـ فمدحه و حظي عنده، و مضى إلى مصر فمدح كافورا الإخشيدي و طلب منه أن يوَليَهُ فلم يوَلِه فغضِب أبو الطيب و هجاه بعد أن مدحه بأكثر من قصيدة، ثم عاد إلى بغداد.
رحل المتنبي إلى شيراز فمدح عضد الدولة بن بُوَيْه الديلمي، و توجه إلى بغداد فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه و مع المتنبي جماعة من أصحابه أيضا فاقتتل الفريقان فقُتِل أبو الطيب و ابنه مُحَسَّد و غلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من بغداد.
و سبب قتل المتنبي أنه هجا رجلا اسمه ضَبَّة بن يزيد. و كان لهذا الرجل خال اسمه فاتك بن أبي جهل الأسدي. و كان فاتك يتربص لأبي الطيب ليقتله انتقاما لابن أخته ضبّة. فكمن له مع جماعة من أصحابه كما ذَكر.
و يُذْكر في هذه المناسبة أن المتنبي تنبأ بمقتله، فقد اتصل به قوم نعوه في مجلس سيف الدولة بحلب فقال عن مقتله في قصيدة مطلعها:
بِمَ التّعلُّل لا أهل ولا وطنُ --- و لا نديمٌ و لا كأسُ و لا سَكَنُ
فما يدوم سُرورٌ ما سُرِرتَ بهِ --- و لا يرُد عليك الفائِتَ الحَزَنُ
كم قد قُتِلتُ و كم قد مِتُّ عندكم --- ثم انتفضتُ فزال القبر و الكفن
ما كل ما يتمنى المرء يدركه --- تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ما أنصف القوم ضبه --- و أمه الطُّرْطبّه
و إنما قلتُ ما قلــــ --- ــت رحمة لا محبة
و ما عليك من القتــــ --- ـــل إنما هي ضربه
يا قاتلا كل ضيف --- غناه ضيحٌ و عُلبه
و خوف كل رفيق --- أباتك الليل جنبه
ما كنتَ إلا ذبابا --- نَفَتك عنا مِذَبَّه
إن أوحشتك المعالي --- فإنها دار غربه
أو آنستك المخازي --- فإنها لك نِسبه
و قد اشتهر المتنبي بحسن مطلع قصائده كقوله عندما عوفي سيف الدولة مما كان به:
المجد عوفِيَ إذ عوفيت و الكرم --- و زال عنك إلى أعدائك الألم
صحَّت بصحتك الغارات و ابتهجت --- بها المكارم و انهلّت بها الدِّيَم
بَدَتْ قمرا و مالت غصن بان --- و فاحت عنبرا و رنت غزالا
و من شعره في مدح كافور الإخشيدي:
وأخلاق كافور اذا شئت مدحه --- وان لم أشأ تملي علي وأكتب
اذا ترك الأنسان أهلا ورائه --- ويمم كافــورا فمــا يتغــرب
فشرق حتى ليس للشرق مشرق --- وغرب حتى ليس للغرب مغرب
لكنه سرعان ما هجاه بقوله:
إني نزلت بكذابين ضيفهم --- عن القرى وعن الترحال محدود
جود الرجال من الأيدي وجودهم --- من اللسان فلا كانوا ولا الجود
أكلما اغتال عبد السوء سيده --- أو خانه فله في مصر تمهيد
أولى اللئام كويفير بمعذرة --- في كل لؤم وبعض العذر تفنيد