المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما لا يعود.. إلى الكريمتين ناهد البن وعفاف سليمان


عبد الحميد سليمان
04/10/2010, 22h00
ما لن يعود





جلا جلا جلا جله........تعالى عندى يا وله


إن كنت كالحاوى البطل.... افهم وحل المسأله


..... بدا ابن سنواته السبع مبهورا مسحورا حينما تناهت إلى سمعه تلك الكلمات بصوت جهورى واثق, حينها أبصر جمعا كبيرا يتحلقون حول ذلك الحاوى البطل فاندفع ملهوفا إلى رؤيته ولم يجد له سبيلا إلى ذلك سوى اختراق الأرجل المتلاحمة تدوسه هذه وتدفعه تلك, إلى أن اطمأن به مكانه وأبصرته عيناه وهو يتفرس النظارة ويهزأ بذكائهم ويلعب بعقولهم وقلوبهم وبأجسامهم بألعاب سحرية عجيبة ,كان لذلك وقعه العجيب فى نفس الطفل الصغير,وفعل به ما فعله بالكبار المتحلقين المشدوهين, ممن جحظت عيونهم واكفهرت وجوههم ثم انبسطت وسعدت حين رأت أبناء ذلك الحاوي وهم يطفئون النار المتقدة فى أفواههم ثم يقفزون من دوائر حديدية تحيطها وتخترمها نيران حامية, فيعبرونها بانسيابية عجيبة جريئة هازئة ,هال ذلك تلك الوجوه وراعها وأسقط فى أياديها ثم بهرها وأدهشها فصفقت تصفيقا طويلا وتعالت صيحات تكبيرها وتهليلها , وحين شدت بنات ذلك الحاوى ونسائه بأغانيهن الجميلة وموسيقاهن الرائعة البسيطة عاين ابن السادسة وتسّمع لما لم تره عيناه ولم تسمعه أذناه من قبل من عذوبة الصوت وبساطة الإيقاع , وطاب ذلك لنفسه الصغيرة المكلومة التى لم تستسغ من قبل غناء الغوازى الذى تكلؤه ضحكات ماجنات وانثناءات وقحات غاويات, وأوصد ذلك قلبه فصرفه عن تتبعهن فى حوارى قريته وأزقتها وشوارعها,ولم يكن ما تقحم أذنه من أغانى الشحاذين المتوسلة المنذرة المذكرة بالحسنات اللواتى يذهبن السيئات,بأحسن حظا فى قلبه ونفسه, لقد استثقل لزومهم الأبواب فلا يبرحونها حتى تفّتح لهم, ويلقى أهلها لهم بعضا من خبز أو حبوب ربما كانوا أحوج إليها منهم ,فما أن يتلقفوها حتى يذروا تلك الأبواب والدور داعين متزلفين بدعوات لا تكاد تتعدى أطراف ألسنتهم, ثم يبرحون إلى حيث يدلفون إلى دروب ووجوه أخرى لا توصد فى وجوههم على مسغبة أهلها ورقة حالهم, في تردادهم اليومي الذى لا يكلون عنه ولا يسأمونه.


... مثل أولئك كان المواوية الذين كانوا يبدعون بعضا من أزجالهم ونظمهم, يمتدحون بهم من تحسسوا غناه وسعة حاله من أثرياء تلك القرية يبوح لهم بأخباره فقراؤها والقواعد من نسائها على المصاطب فيستنطقونهن باسمه واسم آبائه وأجداده ومناقبهم, وتنتعش آمال المواوية فى نوال بعض من عطاياه, أولئك ما كانوا يلجون حارات الفقراء إلا لتقصى أنباء أولى المقدرة والثراء وسعة الحال ثم يعرفون طريقهم إلى بيوتهم التى نأت بأهلها غير بعيد من بيوت الأجراء والشغيلة ومن يفلحون أراضى هؤلاء الأثرياء ,وهناك يسرف المواوية فى حشد مكرماتهم وإحصاء فضائلهم ويسرفون فى كيل المدائح وتقريظ جودهم وحث كرمهم إلى أن ينتشي أولئك الأثرياء بما يسمعون فيعطونهم من المال ما يصرفهم أو ما يرضيهم, وقد لا يعير بعض من تمكن منه شحه وتوسد فى مستقر نفسه ومكنونات قلبه ,أصيل ضنه ولؤم نفسه فيستطيب مدائحهم وتقريظهم ويهز رأسه رضا وتصديقا فإذا ما انتهى المواوى وأزفت ساعة البذل والعطاء ,غلبه ضن وصرعت أريحيته فقطب وجهه وتغيرت ملامحه وتشيطنت قسماته عندها يقنع المواوى من الغنيمة بالإياب .

... بهت وقع ذلك كله على نفس ابن السابعة على طرافته وإبهاره وانزوى, عندما رفع الحاوى دجاجة وطاف بها على النظارة وأمرها أن تبيض ثم دعاهم إلى البحث عن بيضتها فلما عجزوا وكادوا يرتابون فيه ويظنون به الزيف والكذب وتلمظت أفواههم وتهيأت أكفهم , أخرجها من جيب رجل مشدوه فاغر فاهه.


...أنست غرابة ذلك وروعته هذا الصبى عميق آلامه وأحزانه وحرقة يتمه وصرفت نفسه عما هالها فى طريقه حين غادر حارته إلى حيث ألقت به قدماه مرورا بحارات وأزقة ودروب ذات أهوال وخطوب, تضج بصبية متلمظين متأهبين متأبطين شرورا وأهوالا جساما,يترقبون كل صبى أو صغير غريب عنهم حين ولوجه لحاراتهم فيتقحمونه بعيون الشر والكيد ولا يرعوون عن ضربه وإهانته إن أمنوا لومة اللائم أو غضبه النصير الحامى, لكن ذلك الحاوى بكل ألاعيبه وحيله ورائع أغانيه وشائق عروضه وتدافع الجم الغفير من الرجال والنساء والأطفال المتحلقين حوله, الباذلين بعضا من شحيح نقودهم أو قليلا من قمحهم أو أرزهم أو أذرتهم,كل ذلك لم ينس ابن السابعة أو يصرفه إلا هنيهة عن رحلته التي كادت تكون ناموسا يوميا وحدثا آسرا ملحاحا يترقب قدومه من عشية ليله إلى أن يتأهب لبدئه في رابعة نهاره.


... هى إذا رحلته اليومية التى باتت سحابة أمله فى صحراء يتمه اللامنتهية, يلوذ بها فتسوقه مخترما تلك الحارات والدروب البائسات اللواتى تضم أشباها له وأترابا من اليتامى والضعاف الصغار غير أولى القدرة عن الذود عن أنفسهم , ذلك أن سنى عمرهم الصغيرة لم تتح لهم إتقان مهارات القتال وقذف الحجارة ولم تعتد بعد سطوة اللسان وحدته فمازالت قواميس لغاتهم ضنينة عاجزة, مثلما تضم مردة وشياطين من الأطفال الذين اعتبروا أن عبور صبية من الغرباء لتلك الحارات بغير ضرب وإيذاء لهم أو سب أو سلب, لون من التقاعس والتخاذل والنكوص الذى يتلاومون فيه, وفيهم من دعاه إلى ذلك داع الانتقام مما أصابه في ترحاله إلى غير حارته أو جراء إغارة شنها صبية من حارة أخرى عليه وعلى رفقائه فى ليلة من ليالى الأمس القريب, وعلى ذلك كانوا ينفثون فى الأطفال الغرباء المارين بدورهم وأزقتهم نار غلهم ومكبوت غيظهم .


.... أنهى الحاوى البطل عروضه الشيقة ودارت حسناء من بناته على الحاضرين ترفع إناء فارغا وتستحث الناس باللمزة والكلمة والغمزة والضحكة والمدح والثناء فيبذلون بعضا من شحيح ما يملكون من القروش والملاليم وتحمل بعض النساء اللواتى أطللن على تلك العروض وسعدن بها من على سطوح منازلهن أو من على مصاطبها بعضا من خبز أو حبوب,أما ابن السادسة فقد قادته مستكناته وشجونه إلى غايته التي لا تفارقه ومسعاه الذى يدأب إليه بغير كلل ولا ملل.


.... كان ابن السابعة قد دهته داهية يتمه حين ماتت أمه منذ بضعة شهور خلت على حين غفلة فأقفرت جنة أيامه وغاضت ينابيعها, وأفلت شمس طفولته وصرعه ألمه فلا يكاد يصدق غياب أمه التي لم تذوى حرارة احتضانها من بدنه ,وذهل حينما وجد الأمهات ما برحن ينتظرن عودة أطفالهن إلى بيوتهن حينما تغيب الشمس فيأوي أولئك الأطفال إليها مثلما تأوي الطيور إلى أعشاشها, ول تكاد كل أم أن تهدأ حتى يعود ابنها ويتحلق معها ومع أخوته حول الطبلية مترقبا قدوم أبيه عائدا من حقله ومنتهيا بحماره وماشيته إلى حظائرها ,ثم يشرعون في التهام طعام قد أذاع الابن نبأه وأعلم كل ترب ورفيق لهو ولعب نوعه وكنهه.


.... فقد ابن السابعة تلك الروعة على حين غرة لم تخطر له على بال, فأمه كانت لا تزال فى عشرينيات عمرها وأوج نضارتها وحيويتها وروعة أيامها وكأنها كانت تدرك ما تخبؤه الأيام لها ولأطفالها فكانت تفيض من حنانها وحدبها واهتمامها بهم بما لا نظير له,وكانت لأطفالها الذين تقدمهم ابن السابعة سنا نهرا لا يجف وعينا لا تغيض من الحنو والرحمة والرأفة والعناية فلا تهدأ حتى يعود طفلها إلى حضنها فتقبله وترتوى منه وكأن ظمأ الدنيا كله قد أوغل فيها حتى لتكاد تلقم خده فى فمها فلا تسامه أو تشبع منه ,ثم تهرع إلى ماء أعدته دافئا لطيفا غير موجع فتزيل به وعثاء لهوه ولعبه في أزقة ائتلف ترابها إلى غائط حيواناتها وطيورها فنال ذلك وأوغل في رداء الصبي ووجه, كانت الأم لا تدخر جهدا ولا تتعذر بعذر عن ذلك الطقس اليومي , فلا يصرفها عنه أمر ولو كان جللا مفاجئا هاما ومهما ,حتى أُخذ عليها الآخذون إسرافها في ذلك ونبهها إليه زوجها ولدًاتِها دون أن تأبه أو تكترث وكأنها قد أدركت أن أيام عمرها باتت معدودةً وأن شمس شبابها قد أوشكت على الأفول فأرادت أن تشحن أطفالها بما قد يتزودون به من الحنو والرحمة والعطف لأيامهم السود القادمات ولياليهم الطوال القاتمات.


... مرت أيام سود على ابن السابعة وتلظت نفسه الصغيرة البريئة المكلومة حينما كانت الأمهات ينتظر عودة أطفالهن عند غروب الشمس وتهرولن فى ذعر وهول حين يصرخ أحدهم باكيا أو شاكيا أو خائفا, كان ابن السابعة ينظر ذلك فتشتعل نار لوعته ويتلظى بيتمه ووحدته فيرمق ذلك غير بعيد حزينا كسيرا لا يعبأ بأ حد ولا يعبأ به أحد ثم يميل إلى حيث لا يراه راءٍ ولا يبصره بصير وتسيل دموعه فيضا غزيرا لا يكاد يتوقف,ثم يذهب إلى حيث نومه فيبيت كليما محسورا مقهورا غريبا,ولا يكاد يوم يمر دون أن يترك بصمات ألمه على ذلك الطفل اليتيم الكليم الذى بات يعلل نفسه وتعده أحلامه الغافلة البريئة الساذجة في لياليه السود الباردات الكئيبات بعودة أمه ,جنته الضائعة وفردوسه المفقود, وتأنس نفسه البائسة إلى ذلك فيتعزى به ويعللها بفسحة من الأمل فى عودة ما لن يعود.


...تواترت الأيام وظل ابن السابعة على حاله فذوت نضارته وتبدلت ملامحه وتغيرت أحواله فلم يعد ذلك الصبي الذي كانت النسوة يتندرن بجمال خلقته وروعة قسماته, وكلح وجهه وتراكمت عليه وعلى ملابسه الأتربة فغدا بياضها سوادا وبهاؤها وطراوتها غلظة وقتامة تاركة بصماتها على رقبة الصبى وعلى أطرافه بعد أن فعلت فعلها في نفسه وقلبه.


.... استفحل أمر ذلك الصبي وعظم خطر حاله وضاقت عليه الأرض بما رحبت إلى أن آنست نفسه المكلومة إلى ضرورة تفقد أمه الراحلة في أماكن كانت عامرة بحيويتها وضحكاتها الصافيات وأحاديثها مع صويحباتها وتملكه يقين أن سوف يجدها مثلما رآها من ذي قبل في تلك الأماكن وألح ذلك الخاطر عليه وشعشعت في نفسه الآمال فلم يدخر جهدا ولم يقعد به ضعف ولا شحوب ولاهذال وأرفده ذلك الخاطر بقوة وعزيمة وعافية فلم يترك مكانا إلا تفقدها فيه ولم يترك صاحبة لها إلا وتتبعها علها تقوده دون أن تدرى إلى حيث حضن أمه المفقود.


... ظل على تلك الحال يتحسس القلوب ويتصفح الوجوه والأماكن إلى أن لمح على البعد قامة أمه وهامتها لكنها كانت تسير إلى بيت غير بيتها ويلتقيها أطفال لا يعرفهم في حارة لم يدخلها من قبل فهرع إليها ابن السابعة لكنها كانت قد دخلت إلى بيتها فذهل حين غابت داخل هذا البيت ولم تأبه به وظن بها الغفلة عنه فلبث ينتظر أوبتها حتى غابت الشمس وجن الليل وأقفرت الطرقات والدروب فعاد كسيرا حزينا إلا أن فسحة أمله جعلته يهرع في رابعة نهار غده إلى حيث هذه الدار التي غابت فيها أمه أو من يظنها أمه فظل قابعا في ركن قصى لا يعتاده أحد دون أن تغفل عيناه وأن أثقلها النوم أنعشها الحلم وظل يدأب دأبه هذا كل يوم مخترقا إلى ذلك البيت الحارات والأزقة ,لا يصرفه عن غايته صارف ولا يشغله شاغل في انتظار لعودة مالا يعود.


الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان



الدمام - عشية السادس والعشرين من شوال1431هـ/ الرابع من أكتوبر 2010م.

NAHID 76
05/10/2010, 18h47
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الفاضل الدكتور
عبد الحميد سليمان
أهلا وسهلا بحضرتك مع الشكر العميق لهذا الشرف الذى أوليتمونى إياه وكم سعدت حين قرأت قصتك لأنى إطمأننت على صحه حضرتك
مع هذه التحفه الرائعه بقيت فى سعاده غامره طيلة قراءتها وأنا أتلهف على معرفه المكان الذى كان يقصده الطفل وتخيلت انه ربما كان يعمل صبى فى ورشه ما وتعجلت سطورها ولكن روعة الوصف لما كان يراه الطفل فى طريقه جعلنى أتمسك بسطورها لأستمتع بهذا السرد المتفرد للقصه
وأخيرا عرفت مقصد الطفل
وهزنى ما عرفته وعرفت ألم اليتم رغم أنى لم أقاسيه
بهرتنى دكتورنا الفاضل بهذه التحفه الرائعه
وهل من مزيد
الشكر كل الشكر لهذا الأهداء والذى لن نستطيع رده بنفس الطريقه
سلمت يداك وطاب وقتك سيدى الفاضل
تحياتى

عبد الحميد سليمان
05/10/2010, 20h26
بسم الله الرحمن الرحيم ..... الأخت الكريمة /مدام ناهد---سلام الله عليكم آل البن أجمعين لا أستثنى أحدا والى أهل الجمالية --طبتم وطابت أيامكم وأذهب الله عنا وعنكم كل ضر وصرف كل أذى--آمين --أختى الكريمة--أشكر لك سرعة التفاعل مع هذا النص وهو أحد نصوصى اليتيمة التى تشتكى الى الله قلة قرائها ونأيهم عنها--تلك قضية أخرى لا ولن تصرفنى عن ما أراه وأنهجه--أختى الكريمة أذكر يوما ما حين فقدت الأخت الكريمة عفاف سليمان أحد أعزائها وواسيتها وهدأت روعها وبحت لها بأننا فى الهم شرق ووعدتكما بأن أكتب عن اليتم كما لا يكتب عنه أحد--أختاه --فى إحدى مجالس أبى حيان التوحيدى التى حوتها نادرته المعروفة( الإمتاع والمؤانسة) رد أبو سليمان المنطقى على سؤال سائل --لماذا كان اليتم فى فقد الأم لا الأب--فأجاب إجابة عميق فهمها ورفيع فهمها وناصع رأيها--ذلك لأن الأم حاضنة وليست كالأب--هكذا أسمى العرب فاقد أبيه باللطيم أما من فقد أمه فهو اليتيم_--- أختاه بعد نبف وخمسين عاما لايزال رحيل أمى فى صدر طفولتى نارا تحرق صدرى وألما يعتصرنى ويزيد كلما تقدم العمر واثًاقل الهم وأوغل الألم---أختاه ساعتها وعدتكما بعملين أدبيين رفيعين عن اليتم وهئنذا أوفى بأولهما ولن أغيب طويلا إن شاء الله--أرجو أن يكون النص واضحا رغم التكثيف الشديد فى آخره وكان ذلك مقصدا ورؤية حتى تتحرك عقول ومشاعر القراء فيستكنهوا ألم الصبى اليتيم ويتخيلون ليله الطويلة وحسرته حين يأوى الصبية الى أمهاتهم أما هو فلا يأوى الي أحد وبالأحرى لايكترث له ولا به أحد--شكرا جزيلا أختى الغالية وما الاهداء الاقطرة من فيض فضلكم ونبالتكم وسلامى الى أخى الحبيب وطلابه ومحبيه وقراء هذا النص ورواد هذا المنتدى وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

عفاف سليمان
05/10/2010, 23h22
http://files.fatakat.com/2010/4/1270332997.gif


فى بداية ردى على هذه القصه


اود ان اشكر حضرتك على اهداءك :emrose:


لنا ما قمت به من عمل اكثر من رائع


فى سرد شيق جميل ينساب بعذوبه كعذوبة الماء


ثانيا


اذكر جيدا يوم توفيت امى رحمة الله عليها


واخر حزن يقتلنى حتى الان ايضا فراق اعز اخ لى رحمة الله عليه


كابتن محمد


فكان لى الاب والاخ والمؤنس والمستشار لى


فى اى طلب او استفسار او مسأله رحمة الله عليهم جميعا


اما الان ندخل فى القصه


قصة اليتيم الذى فقد حنان الام الذى حاول ان يجده فى عيون امهات اخريات او قلوبهن او يحاول الوصول الى مكان


امه لعله يجد ما يُسره او يراها


ولعلُه يأخذ بعضًا من الحنان المفقود


الذى غاب مع غياب شمس نهار امه بفراقها


ولكنه لم يجد ما يريد ان يراه


فذهب الى الحوارى والازقه يبحث ويبحث وفى كل مكان يجد


اما ساحرا حاويا يلعب بالنار


وبناته يرقصن ويتفرج عليهن كعامة الناس


او يدخل فى حاره ليست بحارته او زقاق ليس بزقاقه


ويجد اطفال الحاره يقومون بالواجب مع كل طفل غريب


بضربه او سبه او بهدلته


وهذه العمليه ذكرتنى بحارة جدتى لامى زماااااااان فى القللى


ذكرتنى عندما كنت طفله صغيره


اذا نزلت للعب هناك أ ُضرب من الاولاد الاكبر منى سنا


او اذا جاء للحاره طفل او طفله جديده


يسكنون بيت جديد يأخذون الواجب من الضرب


حتى تشتد ساعدتهم ويدافعون عن انفسهم


او تشتكى ام الطفل المضروب لام الطفل الضارب


ويهيهات فى كل مره تتكرر هذه الفعله حتى يصيرون اصحاب


ويتفقون على طفل غيره يعبر من الحاره او الزقاق او طفل جديد


اما عن الشحاذين اللذين يطرقون الابواب


لسلب اهلها قطعة خبز او بعضا من الموجود من الحبوب


ويتوارون بعد ذلك الى بيت اخر


واللأعبون بالشعر نعم انا اسميهم اللاعبون بالاشعار


اذا عرفوا شخصا يملك من الاموال او الاراضى


او له سلطه وهيبه يقومون بسرد جميل


من منظوم الكلمات فى حُسن وجمال وسخاء هذا الشخص


او السلطان او الوالى او ايا ما يكون او شخصا عاديا


المهم انه يملك من المال ما يطيب لهم من اخذ ما يجودون به لهم


وتتوارى وجوههم بعد ما يأخذون ما يريدون فى عبوس وتكشيره


كما يقال


خلاص ما اخذوا مرادهم من صاحب الليله


او من صاحب المغُنَى عليه


وفى كل تلك الاحوال يتجول الصبى المكلوم على فراق اعز الناس


فراق الحنان والحب ودفء المشاعر امه التى حاول ان يجدها فى بعض من الناس


واصبح على هيئة غير التى كان عليها سابقا وهو فى رحاب ورعاية والدته


هكذا تعلمنا الايام والامثال كثُر


اللى من غير ام حاله يغم:(


صدق هذا المثل بعد ان كانت تحسده الناس وابيه على حنان ورعاية ودفء حنان امه له


اصبحت ملابسه متسخه وعدم الاهتمام له ولاخواته


ولم يجد الحنان وان وجد بعضا منه من الجارات او صديقات امه


فهذا لوقتٍ قصير ويتركونه يلقى مصيره اليومى فلن تستطيع اى منهن


ان يعطيانه جزءا من هذا الحنان


دكتورنا العزيز الاستاذ


عبد الحميد سليمان


اسعدتنى هذه القصه بقدر ما فيها من اسى والم وحزن


دمت بخير ولا تطيل الغيبه عنا


وسوف انتظر مع غاليتى واختنا العزيزه مدام ناهدhttp://img264.imageshack.us/img264/661/501030kkfslwz3p11yc7.jpg


القصه التاليه


بل القصص التاليه


اسعدك الله بكل خير


وبارك لك وفيك وعليك


دمت والجميع بصحه وسعاده


اختك عفاف

عبد الحميد سليمان
06/10/2010, 04h28
بسم اللهالرحمن الرحيم
الأخت الكريمة--عفاف سليمان---أهلا بك وسهلا وأشكر لك هذا التفاعل مع هذا النص الأدبى ومستوى هذا التفاعل الذى لم يهمل الموضوعى فيه وبفسح للذاتى ,أختى الكريمة هواليتم المفجع إذا الذى لايصفه على بعض وجهه الحقيقى الا من اكتوى به ولكن ماأفدح أن يستمر أثره موغلا فى نفس صاحبه طوال سنى عمره--أجزم أختى الكريمة أننى أستطيع إن تفرست وجوه أطفال أو رجال عديدين أن أميز منهم اليتيم بنظرة فى عينيه تقرأ انكساره ولوعته وحزنه الدفين حتى ولو بلغ من الكبر عتيا ولعلنا بذلك نعى سر تعدد التناول القرآنى لمشكلة اليتامى ودعوته للقسط فيهم وتذكيره للرسول عليه الصلاة والسلام فى معرض تقوية عزمه وبيان فضل الله عليه فى ذلك الاسلوب الاستفهامى التقريى (ألم يجدك يتيما فآوى ,ووجدك ضالا فهدى ,ووجدك عائلا فأغنى,فأما اليتيم فلا تقهر, وأما السائل فلا تنهر ,وأما بنعمة ربك فحدث) صدق الله العظيم--لن أزيد أختى الكريمة وسوف تقرأين إن شاء الله العمل الثانى عن اليتم قريبا وتقبلى تحياتى واحترامى وصادق أمنياتى ودعائى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليلى ابو مدين
06/10/2010, 23h13
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ الكريم
الاستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان
سلام الله عليك ورحمته وبركاته
أديبنا الكبير....لقد صدقت يا سيدي حين قلت في ردك على أختنا عفاف"أن اليتم لا يصفه على بعض وجهه الحقيقي الا من إكتوى به,ولكن ما أفدح أن يستمر أثره موغلاً في نفس صاحبه
طوال سني عمره وأني أستطيع أن أميز منهم اليتيم بنظره في عينيه تقرأ إنكساره ولوعته وحزنه الدفين حتى ولو بلغ من الكبر عتياً"
أحييك أخي على هذه الديباجه التي تصف حال اليتيم أدق وصف
وتوغل داخل روحه وتستشف ما به من لوعة فراق أغلى الاحباب لديه ألا وهم الوالدين وخصوصاً فقد الام
فأنا يا سيدي مثلكم إكتويت بنار فقد أمي الغاليه ولكن بظروف قد تكون مختلفه فبحكم إقامتي مع زوجي وأولادي في الكويت
لم أرى أمي لمدة عام كامل قبل وفاتها حتى أنني لم أعلم بوفاتها الا بعد مرور شهرين فلقد أخفى عني زوجي وأقاربه المقيمين
معنا خبر وفاتها حتى علمته بالصدفه من شقيقتي وكنت أحاول الاتصال بها طوال هذه المده ولكن أخي هو الذي كان يرد علىّ
متعللاً مرات ومرات بأنها نائمه أوغير موجوده بالمنزل أو أنه هو ليس موجوداً معها وهو خارج المنزل وهكذا..وهكذا لمدة شهرين
ولاتتصور ياسيدي مدى الالم والحزن واللوعه التي أشعر بها
حتى الآن فهي لا تغيب عن مخيلتي لحظه واحده وما يزيد
من لوعتي هو عدم رؤيتي لها قبل الوفاه بعام
ولقد ذكرتني قصتك الشيقه بهذه الاغنيه الرائعه لكوكب الشرق
أم كلثوم(يا ذل حال اليتيم)
أحييك أديبنا الكبير على ما قمت به في عمل أكثر من رائع
وسرد شيق سلس جعلنا نمسك بتلابيب القصه من أولها حتى نهايتها لنعلم ماذا سيحدث لهذا الطفل اليتيم
سلمت يداك وسلم قلمك الذي خط لنا ما أسعدنا
وعذراً على الاطاله
وفقك الله وسدد خطك
مع خالص تحياتي وتقديري واحتراماتي
ليلى ابو مدين
:emrose::emrose::emrose:

abuzahda
07/10/2010, 01h54
ما لن يعود










جلا جلا جلا جله........تعالى عندى يا وله



إن كنت كالحاوى البطل.... افهم وحل المسأله




..... بدا ابن سنواته السبع مبهورا مسحورا حينما تناهت إلى سمعه تلك الكلمات بصوت جهورى واثق, حينها أبصر جمعا كبيرا يتحلقون حول ذلك الحاوى البطل فاندفع ملهوفا إلى رؤيته ولم يجد له سبيلا إلى ذلك سوى اختراق الأرجل المتلاحمة تدوسه هذه وتدفعه تلك, إلى أن اطمأن به مكانه وأبصرته عيناه وهو يتفرس النظارة ويهزأ بذكائهم ويلعب بعقولهم وقلوبهم وبأجسامهم بألعاب سحرية عجيبة ,كان لذلك وقعه العجيب فى نفس الطفل الصغير,وفعل به ما فعله بالكبار المتحلقين المشدوهين, ممن جحظت عيونهم واكفهرت وجوههم ثم انبسطت وسعدت حين رأت أبناء ذلك الحاوي وهم يطفئون النار المتقدة فى أفواههم ثم يقفزون من دوائر حديدية تحيطها وتخترمها نيران حامية, فيعبرونها بانسيابية عجيبة جريئة هازئة ,هال ذلك تلك الوجوه وراعها وأسقط فى أياديها ثم بهرها وأدهشها فصفقت تصفيقا طويلا وتعالت صيحات تكبيرها وتهليلها , وحين شدت بنات ذلك الحاوى ونسائه بأغانيهن الجميلة وموسيقاهن الرائعة البسيطة عاين ابن السادسة وتسّمع لما لم تره عيناه ولم تسمعه أذناه من قبل من عذوبة الصوت وبساطة الإيقاع , وطاب ذلك لنفسه الصغيرة المكلومة التى لم تستسغ من قبل غناء الغوازى الذى تكلؤه ضحكات ماجنات وانثناءات وقحات غاويات, وأوصد ذلك قلبه فصرفه عن تتبعهن فى حوارى قريته وأزقتها وشوارعها,ولم يكن ما تقحم أذنه من أغانى الشحاذين المتوسلة المنذرة المذكرة بالحسنات اللواتى يذهبن السيئات,بأحسن حظا فى قلبه ونفسه, لقد استثقل لزومهم الأبواب فلا يبرحونها حتى تفّتح لهم, ويلقى أهلها لهم بعضا من خبز أو حبوب ربما كانوا أحوج إليها منهم ,فما أن يتلقفوها حتى يذروا تلك الأبواب والدور داعين متزلفين بدعوات لا تكاد تتعدى أطراف ألسنتهم, ثم يبرحون إلى حيث يدلفون إلى دروب ووجوه أخرى لا توصد فى وجوههم على مسغبة أهلها ورقة حالهم, في تردادهم اليومي الذى لا يكلون عنه ولا يسأمونه.




... مثل أولئك كان المواوية الذين كانوا يبدعون بعضا من أزجالهم ونظمهم, يمتدحون بهم من تحسسوا غناه وسعة حاله من أثرياء تلك القرية يبوح لهم بأخباره فقراؤها والقواعد من نسائها على المصاطب فيستنطقونهن باسمه واسم آبائه وأجداده ومناقبهم, وتنتعش آمال المواوية فى نوال بعض من عطاياه, أولئك ما كانوا يلجون حارات الفقراء إلا لتقصى أنباء أولى المقدرة والثراء وسعة الحال ثم يعرفون طريقهم إلى بيوتهم التى نأت بأهلها غير بعيد من بيوت الأجراء والشغيلة ومن يفلحون أراضى هؤلاء الأثرياء ,وهناك يسرف المواوية فى حشد مكرماتهم وإحصاء فضائلهم ويسرفون فى كيل المدائح وتقريظ جودهم وحث كرمهم إلى أن ينتشي أولئك الأثرياء بما يسمعون فيعطونهم من المال ما يصرفهم أو ما يرضيهم, وقد لا يعير بعض من تمكن منه شحه وتوسد فى مستقر نفسه ومكنونات قلبه ,أصيل ضنه ولؤم نفسه فيستطيب مدائحهم وتقريظهم ويهز رأسه رضا وتصديقا فإذا ما انتهى المواوى وأزفت ساعة البذل والعطاء ,غلبه ضن وصرعت أريحيته فقطب وجهه وتغيرت ملامحه وتشيطنت قسماته عندها يقنع المواوى من الغنيمة بالإياب .



... بهت وقع ذلك كله على نفس ابن السابعة على طرافته وإبهاره وانزوى, عندما رفع الحاوى دجاجة وطاف بها على النظارة وأمرها أن تبيض ثم دعاهم إلى البحث عن بيضتها فلما عجزوا وكادوا يرتابون فيه ويظنون به الزيف والكذب وتلمظت أفواههم وتهيأت أكفهم , أخرجها من جيب رجل مشدوه فاغر فاهه.




...أنست غرابة ذلك وروعته هذا الصبى عميق آلامه وأحزانه وحرقة يتمه وصرفت نفسه عما هالها فى طريقه حين غادر حارته إلى حيث ألقت به قدماه مرورا بحارات وأزقة ودروب ذات أهوال وخطوب, تضج بصبية متلمظين متأهبين متأبطين شرورا وأهوالا جساما,يترقبون كل صبى أو صغير غريب عنهم حين ولوجه لحاراتهم فيتقحمونه بعيون الشر والكيد ولا يرعوون عن ضربه وإهانته إن أمنوا لومة اللائم أو غضبه النصير الحامى, لكن ذلك الحاوى بكل ألاعيبه وحيله ورائع أغانيه وشائق عروضه وتدافع الجم الغفير من الرجال والنساء والأطفال المتحلقين حوله, الباذلين بعضا من شحيح نقودهم أو قليلا من قمحهم أو أرزهم أو أذرتهم,كل ذلك لم ينس ابن السابعة أو يصرفه إلا هنيهة عن رحلته التي كادت تكون ناموسا يوميا وحدثا آسرا ملحاحا يترقب قدومه من عشية ليله إلى أن يتأهب لبدئه في رابعة نهاره.




... هى إذا رحلته اليومية التى باتت سحابة أمله فى صحراء يتمه اللامنتهية, يلوذ بها فتسوقه مخترما تلك الحارات والدروب البائسات اللواتى تضم أشباها له وأترابا من اليتامى والضعاف الصغار غير أولى القدرة عن الذود عن أنفسهم , ذلك أن سنى عمرهم الصغيرة لم تتح لهم إتقان مهارات القتال وقذف الحجارة ولم تعتد بعد سطوة اللسان وحدته فمازالت قواميس لغاتهم ضنينة عاجزة, مثلما تضم مردة وشياطين من الأطفال الذين اعتبروا أن عبور صبية من الغرباء لتلك الحارات بغير ضرب وإيذاء لهم أو سب أو سلب, لون من التقاعس والتخاذل والنكوص الذى يتلاومون فيه, وفيهم من دعاه إلى ذلك داع الانتقام مما أصابه في ترحاله إلى غير حارته أو جراء إغارة شنها صبية من حارة أخرى عليه وعلى رفقائه فى ليلة من ليالى الأمس القريب, وعلى ذلك كانوا ينفثون فى الأطفال الغرباء المارين بدورهم وأزقتهم نار غلهم ومكبوت غيظهم .




.... أنهى الحاوى البطل عروضه الشيقة ودارت حسناء من بناته على الحاضرين ترفع إناء فارغا وتستحث الناس باللمزة والكلمة والغمزة والضحكة والمدح والثناء فيبذلون بعضا من شحيح ما يملكون من القروش والملاليم وتحمل بعض النساء اللواتى أطللن على تلك العروض وسعدن بها من على سطوح منازلهن أو من على مصاطبها بعضا من خبز أو حبوب,أما ابن السادسة فقد قادته مستكناته وشجونه إلى غايته التي لا تفارقه ومسعاه الذى يدأب إليه بغير كلل ولا ملل.




.... كان ابن السابعة قد دهته داهية يتمه حين ماتت أمه منذ بضعة شهور خلت على حين غفلة فأقفرت جنة أيامه وغاضت ينابيعها, وأفلت شمس طفولته وصرعه ألمه فلا يكاد يصدق غياب أمه التي لم تذوى حرارة احتضانها من بدنه ,وذهل حينما وجد الأمهات ما برحن ينتظرن عودة أطفالهن إلى بيوتهن حينما تغيب الشمس فيأوي أولئك الأطفال إليها مثلما تأوي الطيور إلى أعشاشها, ول تكاد كل أم أن تهدأ حتى يعود ابنها ويتحلق معها ومع أخوته حول الطبلية مترقبا قدوم أبيه عائدا من حقله ومنتهيا بحماره وماشيته إلى حظائرها ,ثم يشرعون في التهام طعام قد أذاع الابن نبأه وأعلم كل ترب ورفيق لهو ولعب نوعه وكنهه.




.... فقد ابن السابعة تلك الروعة على حين غرة لم تخطر له على بال, فأمه كانت لا تزال فى عشرينيات عمرها وأوج نضارتها وحيويتها وروعة أيامها وكأنها كانت تدرك ما تخبؤه الأيام لها ولأطفالها فكانت تفيض من حنانها وحدبها واهتمامها بهم بما لا نظير له,وكانت لأطفالها الذين تقدمهم ابن السابعة سنا نهرا لا يجف وعينا لا تغيض من الحنو والرحمة والرأفة والعناية فلا تهدأ حتى يعود طفلها إلى حضنها فتقبله وترتوى منه وكأن ظمأ الدنيا كله قد أوغل فيها حتى لتكاد تلقم خده فى فمها فلا تسامه أو تشبع منه ,ثم تهرع إلى ماء أعدته دافئا لطيفا غير موجع فتزيل به وعثاء لهوه ولعبه في أزقة ائتلف ترابها إلى غائط حيواناتها وطيورها فنال ذلك وأوغل في رداء الصبي ووجه, كانت الأم لا تدخر جهدا ولا تتعذر بعذر عن ذلك الطقس اليومي , فلا يصرفها عنه أمر ولو كان جللا مفاجئا هاما ومهما ,حتى أُخذ عليها الآخذون إسرافها في ذلك ونبهها إليه زوجها ولدًاتِها دون أن تأبه أو تكترث وكأنها قد أدركت أن أيام عمرها باتت معدودةً وأن شمس شبابها قد أوشكت على الأفول فأرادت أن تشحن أطفالها بما قد يتزودون به من الحنو والرحمة والعطف لأيامهم السود القادمات ولياليهم الطوال القاتمات.




... مرت أيام سود على ابن السابعة وتلظت نفسه الصغيرة البريئة المكلومة حينما كانت الأمهات ينتظر عودة أطفالهن عند غروب الشمس وتهرولن فى ذعر وهول حين يصرخ أحدهم باكيا أو شاكيا أو خائفا, كان ابن السابعة ينظر ذلك فتشتعل نار لوعته ويتلظى بيتمه ووحدته فيرمق ذلك غير بعيد حزينا كسيرا لا يعبأ بأ حد ولا يعبأ به أحد ثم يميل إلى حيث لا يراه راءٍ ولا يبصره بصير وتسيل دموعه فيضا غزيرا لا يكاد يتوقف,ثم يذهب إلى حيث نومه فيبيت كليما محسورا مقهورا غريبا,ولا يكاد يوم يمر دون أن يترك بصمات ألمه على ذلك الطفل اليتيم الكليم الذى بات يعلل نفسه وتعده أحلامه الغافلة البريئة الساذجة في لياليه السود الباردات الكئيبات بعودة أمه ,جنته الضائعة وفردوسه المفقود, وتأنس نفسه البائسة إلى ذلك فيتعزى به ويعللها بفسحة من الأمل فى عودة ما لن يعود.




...تواترت الأيام وظل ابن السابعة على حاله فذوت نضارته وتبدلت ملامحه وتغيرت أحواله فلم يعد ذلك الصبي الذي كانت النسوة يتندرن بجمال خلقته وروعة قسماته, وكلح وجهه وتراكمت عليه وعلى ملابسه الأتربة فغدا بياضها سوادا وبهاؤها وطراوتها غلظة وقتامة تاركة بصماتها على رقبة الصبى وعلى أطرافه بعد أن فعلت فعلها في نفسه وقلبه.




.... استفحل أمر ذلك الصبي وعظم خطر حاله وضاقت عليه الأرض بما رحبت إلى أن آنست نفسه المكلومة إلى ضرورة تفقد أمه الراحلة في أماكن كانت عامرة بحيويتها وضحكاتها الصافيات وأحاديثها مع صويحباتها وتملكه يقين أن سوف يجدها مثلما رآها من ذي قبل في تلك الأماكن وألح ذلك الخاطر عليه وشعشعت في نفسه الآمال فلم يدخر جهدا ولم يقعد به ضعف ولا شحوب ولاهذال وأرفده ذلك الخاطر بقوة وعزيمة وعافية فلم يترك مكانا إلا تفقدها فيه ولم يترك صاحبة لها إلا وتتبعها علها تقوده دون أن تدرى إلى حيث حضن أمه المفقود.




... ظل على تلك الحال يتحسس القلوب ويتصفح الوجوه والأماكن إلى أن لمح على البعد قامة أمه وهامتها لكنها كانت تسير إلى بيت غير بيتها ويلتقيها أطفال لا يعرفهم في حارة لم يدخلها من قبل فهرع إليها ابن السابعة لكنها كانت قد دخلت إلى بيتها فذهل حين غابت داخل هذا البيت ولم تأبه به وظن بها الغفلة عنه فلبث ينتظر أوبتها حتى غابت الشمس وجن الليل وأقفرت الطرقات والدروب فعاد كسيرا حزينا إلا أن فسحة أمله جعلته يهرع في رابعة نهار غده إلى حيث هذه الدار التي غابت فيها أمه أو من يظنها أمه فظل قابعا في ركن قصى لا يعتاده أحد دون أن تغفل عيناه وأن أثقلها النوم أنعشها الحلم وظل يدأب دأبه هذا كل يوم مخترقا إلى ذلك البيت الحارات والأزقة ,لا يصرفه عن غايته صارف ولا يشغله شاغل في انتظار لعودة مالا يعود.




الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان





الدمام - عشية السادس والعشرين من شوال1431هـ/ الرابع من أكتوبر 2010م.



أستاذنا ، الأديب الجليل
:emrose:الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان:emrose:
بقدر سعادتي بشَرفِ قراءةِ "ما لن يعود" ، أنحني ...
إنحناءَة ً تليقُ بعلوِّ كعبكم على دروب الأدب ،
كلياقتها بسِمُو ِ مقامِ "الكريمتين ، مدام ناهد:emrose: و الست عفاف:emrose:"
،
تلك السعادةُ التي تغمرني بتـَشَرُّفِي بالمرورِ على مُتصفحكم ، سيّدي
يُمارِسُنِي الشَرفُ ، فأمارس الفـَرَحَ بالقراءةِ كفَرَحِي بالكتابة
،
لا يُرهقني طولُ عبارتك ، لتواثُبِ الألفاظِ فيها ،
حتى أنني خِلتكم تقتصدون في علاماتِ الترقيم (!!) ،

بينما ما تنحتونه من طمي اللغةِ يبعثُ في النفسِ جرْساً لصَلصةِ الفخَّار
( فـ وتلمظت ، و إن كانت شائعة ، فإن فيتقحمونه ، نُحِتت بإزميلٍ نوراني ، لا تعرفهُ مواوية الأدب )

،

يا سيّدي ...
كلما أردتُ أن أطهّرَ أذني ، ركنتها إلى فيروز ،
أعدُّ الفراشات التي يعتقها صوتُ فيروز
،
هكذا حالي الآن ، لأني أقرأ لك ،
فالأدبُ الذي يصنعهُ مُخلصُوه ، هو مُعادلي القِرائي لصوت الست فيروز

كأن الفن يرُدُّ إخلاصَهُم ، له ، كَشفاً لهم عن أسرارِهِ

و الفنُ لا يُحِبُّ الأدعياء ، كما بعلمكم ، سيّدي

،
،

تمثلتُ إبن السابعة ، لأهديكم من إبنِ سابعتي

كلاماً كنت قلته لابن سابعةٍ آخر


يتيمان

أنا برضو يتيم زيّك ،
وكان لي أم محلاها
إذا تضحك...
تجيب الشمس لضحاها
واذا تنطق ، ولو، آهه
تشوف اللولي مترصص

وعطر الفل مستخلص
بيتزايد ، مايسْتنقـَص ...
ويُشرق من محياها


أنا زيك...
غادرنى الفرح من يومها
وكان خيري...
يجيني من على قدومها
فاتت لي حياتي و همومها
وعيشة المُرّ باحياها


كانت حلوه...
وطباع الحسن شملاها
تقوم ، تنبت زهور الدنيا ويَّاها
واذا تمشي ،
طيور الدنيا تصحبها
واذا تجلس ،
يقيد البدر من بابها
ولو تدعي ،
يزيد الخير على احبابها
ولو تِتعَب ،
بتدبل وردتي معاها


ولما البَرد يطويني ...
تدفيني كبُردة صوف
وتعرف دربها لقلبي ،
تلف.... تطوف
وتكشف كل أوجاعي ،
وتستر جرحها المكشوف
،
ورحمة أمي ياعمي... و ضيْ العين
أنا بانساني بالشهرين ....
وعمري ف لحظة ما انساها

عبد الحميد سليمان
07/10/2010, 18h49
بسم الله الرحمن الرحيم

الاخت الكريمة الأستاذة/ليلى أبو مدين---سلام الله عليكم ورحمته وبركاته--وبعد
أشكر لك تفاعلك الطيب مع هذا النص الأدبى الصادق وآسف اسفا شديدا أن قد أستشار شجونك وآلامك على فادح ما أصابك من وفاة والدتك رحمها الله وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا رحمة واسعة وأفسح لهم فى قبورهم وجمعنا بهم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر,إنه ولى ذلك والقادر عليه--آمين آمين آمين
أختى الكريمة هى رحلة عرفنا بدءها ولا نعرف نهايتها تجمعنا بأحبائنا وتفسح لنا فى آمالنا وسعادتنا حتى إذا أمنا وطابت لنا نبهتنا الى طبعها ودأبها فغيبت أحباءنا وأعزاءنا فلما التعنا وارتعنا ظنناها على وتيرة الألم الذى لايريم فإذا بها تدور دورة أخرى ورحم الله الشاعر الذى قال:
إنما الدنيا بلاء وعوار مستردة ---- شدة بعد رخاء ورخاء بعد شدة
--هكذا أختى العزيزة حالنا وحال أحباءنا وأعمارنا ورحلتنا --فليهتبل كل حى فرصة حياته وحياة أحبائه وليرتشف من رحيق طلعتهم وليختزن ما استطاع الى الاختزان سبيلا من قربهم وحنوهم وحدبهم عله يتقوى بذلك حين تدهوه داهية الغياب--أختى العزيزة--سلمك الله وسلم لك أولادك وزوجك وأخوتك واجهدى الى الترحم علي والدتك ووصل أحباءها والتصدق والذكر والابتهال الى الله بخالص الدعاء لها وتذرعى بالصبر والرضا وآسف مرة أخرى وأدعوك لتقرأى عملى القادم الذى وعدت به أختى العزيزتين مدام ناهد وعفاف إن شاء الله---لك شكرى وتقدير واحترامى--أخوك عبد الحميد سليمان

سمير حسين
07/10/2010, 19h09
الأديب الكبير د . عبد الحميد سليمان .. قرات .. ما لن يعود ..
تأثرت كثيرا .. وبكيت كثيرا .. وكتبت :

..:emrose: أمى :emrose:..



يا فيتانى وسافرتى بعيـــــــــــــــــــد

بقيت عايش لوحــــــــــــــــــــــــديا

سلامى عليكى من غير إيـــــــــــــــد

ودمع الفـُــــــــــــــــــــــرقة فى عنيّه

...


وأشوفك يا أمه فى الأحـــــــــــــــلام

تقــــــــــابلينى بحنيـّـــــــــــــــــــــه

أبـوسك ... واحضنك ... وابــــكى

تقـــــــــــولى كان على عنيّـــــــــــه

...

وأقولك يا أمه وحشــــــــــــــــــــانى

أشــــــــــــــــــــوف الصمت فى ردك

ونفسى أخـــــــــــــــدك فى أحضـانى

نسيت الحضن من بعــــــــــــــــــدِك

...

حنانك يا امه جــــــــــــوايــــــــــــا

با أحسه لمـــــــــا أجيب ســـــيرتك

وأحط الصــــــــــــــــــــــورة قدامى

وأبكى فى مكـــــــــــــــــــــان نومتك


.. وحشتينى يا أمى ..

.. أعذرنى أديبنا الكبير .. فبقدر ما أعجبتنى قصتكم .. أثارت شجونى .. شكرا لأنك جعلتنى لا أنسى أعز الناس ..

عبد الحميد سليمان
07/10/2010, 19h32
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم رقيق القلب ذكى الفؤاد ناصع النفس عميق التجربة فطرى الموهبة....أحييك أخي على البعد وأعلن لك أن مشتركات عديدة تزيدني إليك اقترابا رغم أننا لم نلتق من قبل..أخى الحبيب أعتذر لك وللأخوة القراء على تضاربى بين ابن السابعة وابن السادسة وحقيقة كانت منزلة عمرية بين المنزلتين تلك التى قصدتها فى هذا النص الأدبي سعيد الحظ باهتمامكم به ...أخي الكريم أراك من عشاق فيروز ومحبيها وباعتباري ابنا لفيروز(لاتعجب فوالله الذى لا اله غيره كان الملف الذي جمعت فيه روائعها من النت بعنوان أمى فيروز وأنا من كان يحلم فى أواخر ستينات القرن المنصرم ولا يزال -حتى أمكنه الله -بحيازة روائعها صوتا وصورة ولم يبق لي إلا موال لها تصرخ فيه فى شجن ليس له مثيل –عينى ما تشوف النوم يا ديب حاكمها قلق ونعاس يا ديب--الخ) ذلك لأنها حين سمعتها لأول مرة تنسمت في صوتها وكبريائها وانكسارها الذين لا يفترقان فى شدوها ونواحها ,نسيم أمى الراحلة التى تركتنى على حين غرة لوحوش لا ترحم ولوعة لاتشفى ودموع لاترقأ-- أخي الكريم إن فيروز لا تختزل فى صفحات ولا فى كتب فعبقها وألمها وحتى حياتها الشخصية نموذج لا يتكرر وشمس لا تأفل وظل لايزول..
أخى الحبيب ...ماخطبك يارجل أو تملك ذلك الإبداع والصدق ولا تنفث به عن مكبوت مشاعرك ومؤلم كوامنك.... لقد قرأت النص الرائع الذى يلزمنى أن أعيد قراءته مرات عديدة لروعة صورته وصدق شعوره...


يتيمان



أنا برضو يتيم زيّك ،


وكان لي أم محلاها


إذا تضحك...


تجيب الشمس لضحاها


واذا تنطق ، ولو، آهه


تشوف اللولي مترصص



وعطر الفل مستخلص


بيتزايد ، مايسْتنقـَص ...


ويُشرق من محياها


نعم والله كانت هكذا الأم وكل أم فى عين ابنها

أنا زيك...


غادرنى الفرح من يومها


وكان خيري...


يجيني من على قدومها


فاتت لي حياتي و همومها


وعيشة المُرّ باحياها


نعم والله وأحيلك إلى ردى على أختى العزيزتين(ناهد وعفاف) حينما قلت لهما إن غصة اليتم وحسرة الفراق وفداحة الألم تظل طاغية على من ابتلى باليتم وخصوصا فى سنى عمره الباكرة فتراها بين عينيه جلية منكسرة تقرأها إن كنت ممن يقرأون لغة القلوب والمشاعر

كانت حلوه...


وطباع الحسن شملاها


تقوم ، تنبت زهور الدنيا ويَّاها


واذا تمشي ،


طيور الدنيا تصحبها


واذا تجلس ،


يقيد البدر من بابها


ولو تدعي ،


يزيد الخير على احبابها


ولو تِتعَب ،


بتدبل وردتي معاها




ولما البَرد يطويني ...


تدفيني كبُردة صوف


وتعرف دربها لقلبي ،


تلف.... تطوف


وتكشف كل أوجاعي ،


وتستر جرحها المكشوف

أخى الكريم --صدقت،أقسم لك أن دفء صدرها الذى أحسسته وأنا نائم فى حجرها مسترخيا لا يزال حيا سخيا يسرى فى أعضائى وفى نفسى ولاتزال أنفاسها معى بعد ما نيف وخمسين عاما .

ورحمة أمي ياعمي... و ضيْ العين


أنا بانساني بالشهرين ....


وعمري ف لحظة ما انساها

أخى الحبيب--أكرر عميق تقديرى وجزيل شكرى وأطيب أمانى لك ولأحبائك وسلام الله عليك ورحمته وبركاته

أخوك عبد الحميد سليمان

د أنس البن
07/10/2010, 19h48
الصديق الحبيب أستاذنا الأديب الدكتور عبد الحميد سليمان

سلام الله عليكم ................ وبعد

هذه التحفه فى تقديرى أكبر وأجل من أن تكون مجرد قصه قصيره
إنما بحسب رأيى قطعه غاليه من الأدب الرفيع ونموذج مثالى لما يجب أن تكون عليه كتابات من يتعاطون هذا الفن
الفكره جيده ورائعه وأروع منها أسلوب المعالجه وكأنك تملك كاميرا خفيه تطلع على خبايا النفوس والمشاعر والأفكار ,تقدم لنا شخوص قصتك بوعى تام وإدراك كامل لمكونهم النفسى والإجتماعى , شخوص من واقع الواقع نعرف من خلاله أنك صاحب عين فاحصه وبصيرة ثاقبه لأعماق النفس البشريه وأعماق أعماق المجتمعات المهمشة خاصة فى أسلوب ونظم كنت فيه مالكا للكلمة متحكما فى مقاديرها ودرجات ألوانها لتعطينا تلك اللوحات الفنية الرائعه التى تكاد تنطق من روعة جمالها
بارك الله فيك يا شيخنا ولأستاذنا وأعاننا على أن نتعلم منك ,فلا يزال أمام أمثالنا الكثير والكثير ...........

عبد الحميد سليمان
07/10/2010, 20h50
بسم الله الرحمن الرحيم


أخى الحبيب كبير النفس عالى الهمة صادق الطوية كريم البذل ناصع القلب الدكتور أنس البن.... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته...وبعد

أخجلتم تواضعنا أخى الكريم وأسعدتم ليلتنا ورويتم غلتنا وجبرتم كسرنا وانكسارنا وأنرتم ليل وحدتنا ورويتم صحراء غربتنا بردكم الكريم فلعمرى إنها من المكرمات والكرامات أن يقرظك الكبار وأن يثنى عليك الأنقياء الأطهار .

أخى الحبيب... سلم يراعك وطابت أيامك وحفظك الله بقدرته وعلمه وسترك بستره الذى لاينكشف جزاء ما أثلجت صدرى وأسعدت فؤادى بما كتبت من كلمات حافزات منبهات صادقات واعيات..لك فائق حبى وصادق ودى وخالص دعائى وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

الباشاقمرزمان
08/10/2010, 07h53
أكتب عن اليتم كما لا يكتب عنه أحد--أختاه --فى إحدى مجالس أبى حيان التوحيدى التى حوتها نادرته المعروفة( الإمتاع والمؤانسة) رد أبو سليمان المنطقى على سؤال سائل --لماذا كان اليتم فى فقد الأم لا الأب--فأجاب إجابة عميق فهمها ورفيع فهمها وناصع رأيها--ذلك لأن الأم حاضنة وليست كالأب--هكذا أسمى العرب فاقد أبيه باللطيم أما من فقد أمه فهو اليتيم_---







أستاذنا الفاضل/أ.د. عبد الحميد سليمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شرفت وسعدت بالتعرف على أديب مميز فلم يسبق لي قبل الآن أن قرأت لكم وهذا هو حال الغربة الذي نفقد معه الكثير مما عايشناه في نشأتنا الأولى وعملكم متميز بالسرد المتسلسل الجميل والوصف البديع والألفاظ السلسة مما يحدوا بالقارئ إلى المتابعة حتى آخر كلمة وواضح تأثركم بالنشأة الأولى التي كما فهمت من حواركم أنه من حي الجمالية ( منشأي أيضاً) فالحاوي كان أحد الظواهر في الأحياء الشعبية (الجمالية ، باب الشعرية - الدرب الأحمر - الظاهر ........)ومع أيضاً البيانولا والأراجوز ...... ذكرتني بما مضى من جميل الماضي الذي لا ينسى.
قد يكون فقد الأم أو الأب في الطفولة أشد ألماً في النفس الصغيرة لارتباط الطفل الوثيق بهما لإشباع احتياجاته والاعتماد عليهم في أمور الحياة ولأن كلاهما أوثق شخصيتين يثق فيهما ثقة عمياء ،ولكن فقدانهم في أي وقت من أوقات العمر مؤلم أيضاً حتى بعد أن يتم اعتماد الشخص على نفسه والبعد عن الحاجة إليهما فحينما تضيق بالنفس من بعض الأمور وتصبح الطرق مسدودة أمام ناظريه فيكفيه بعد أن يلتمس السبل الممكنة أن يستمع لكلمة من أحدهما أو دعاء يجلي صدره المكلوم وتبعث فيه الحيوية وحينما يفقدهم يحس بأن البركة ذهبت بفقدهم.
وان سمحت لي أن أختلف معكم في تفسيركم لكلمتى اليتيم واللطيم والتي أحدثت شكاً في معلوماتي فاضطررت للعودة الى المعاجم للتأكد والتيقن فوجدت أن:
اليتيم: هو من فقد أباه قبل البلوغ(وليس أمه)...... اليتيم هو الصغير الفاقد الأب من الإنسان ... والأم من الحيوان (المعجم الوجيز ص 684)
اللطيم: هو من فقد أبويه في الصغر(المعجم الوجيز ص 558)

مرة أخرى أستاذى الفاضل سعدت بما كتبتم وشرفت بكم فلك مني خالص الشكر والتقدير والاحترام

عبد الحميد سليمان
08/10/2010, 08h23
بسم الله الرحمن الرحيم

أخى الكريم الأستاذ سمير حسين...سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. وبعد
... وكأنى بدلا من أن أسعدك أحزنتك ومن أن أنقل شعورا ورؤية ومظاهر من ساحات قرية كفر سليمان البحرى فى صدر ستينات القرن المنصرم نكأت جراحك وأشعلت غصصا فى صدرك كامنة باقية... عذرا أخى الكريم... إن ما كتبته عن والدتك الراحلة رحمها الله رحمة واسعة لأبعد غورا وأنكأ جرحا وأصدق شعورا مما كتبته فى ما لايعود,وفوق هذا أراه من أصدق ما قرأت ..لقد أوسعتنى ألما بألف ألم وحزنا ببحر من الحزن وحسرة بلوعة لا تنفك ولا تبرح فى نفسي وفى صدرى ما حييت.
...أخى الكريم لا أتقمص شخصية الواعظين وأدعوك إلى الصير والتأسى والتذكر والترحم ولكنى أرى أن أعظم هدية لأحبائنا الراحلين أن نرحم اليتامى ونصبر عليهم ونمد لهم يد العون وأن ندرك حقيقة الوجود وصيرورة الحياة فما نحن إلا راحلون أبناء راحلين آباء راحلين ,ولا ينبغى أن تغيب نصاعة هذه الحقيقة عن نفوسنا..ذلك فى ظنى مدخلا هاما ونافعا لتهدئة النفوس المهتاجة والقلوب الجريحة والذاكرات المتقدة...
أخى الكريم ...لك شكرى وتقديرى واحترامى وصادق تعاطفى معك فما أنا إلا من عرف حرقة المشتاقين من مكابدة ومعاناة له طالت ولم تهن وأوغلت ولم تترفق,واستبدت فملكت وتسيدت إلى حين تتجاور الأجداث وتلتقى القلوب والوجوه في ساحات الرحمن الرحيبة...أخى الكريم أدعوك ونفسى وقراء هذا الحديث إلى تأمل وتدبر قوله تعالى
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَابِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21 صدق الله العظيم ..
بارك الله فيك
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

محمد رمضان ماضي
08/10/2010, 12h49
بسم الله الرحمن الرحيم
تحياتي ومحبتي لأستاذنا عبد الحميد سليمان ،
القاص الرائع المتمكن،
سرداً ولغة ً.
وعذراً لهذا التصويب
اليتيم : هو من مات ابوه صغيرا،
اللطيم : هو من مات ابويه ......،
العجي ٌّ : هو من ماتت أمه صغيرا ،
والجمع عجايا ، ومؤنثه عجيَّة ٌ
كل المحبة والتقدير أستاذنا الكبير.

تحياتي ومحبتي.
:emrose::emrose::emrose:
السلا عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبد الحميد سليمان
08/10/2010, 13h06
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم الباشا قمر الزمان...سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..وبعد
سعدت أخي الكريم أيما سعادة بتفاعلكم الطيب الرائع مع هذا العمل الأدبى البسيط وقد كان ذلك إضافة ثرية إلى مشاركات الأخوات والأخوة إثراءً للعمل وللمنتدى وللأخلاق العامة والثقافة.... أخي الكريم .....لا أدرى أأنت من جمالية القاهرة حيث حى الحسين وخان الخليلى وقصر الشوق وحيث يعيش أخونا العزيز الأديب الكبير جمال الغيطانى,أم من جمالية الدقهلية غير بعيد من واحة آل البن فى الإسكندرية الجديدة حيث يعيش أخونا المفضال الأستاذ الدكتور شوقي الشريفى ,أيا كان الحال فكلا المكانيين قريب أثير لدى النفس ولا أراني غريبا عنهما فالوجوه كوجوه أهلي فى كفرسليمان البحرى والعادات والتقاليد والتاريخ والمرويات تكاد تكون واحدة أومتشابهة.
أخى الكريم ...أشرت في اقتباس ذكى لمقولتى عن تفردي فى الكتابة عن اليتم وأؤكد لك أن آخر ما أذهب إليه هو التفرد بمعنى العلو والاستطالة فتلك مسلكيات خارج قاموسى الأخلاقى والدينى والعقلى والمعاشى و وأؤكد لك صحة ما قلته عن المعنى الحرفى لليتم وفيمن يكون فاليتم لغة يعنى الانفراد، واليتيم هو الفرد فاقد الأب.
وقد ذهب ابن السكيت الى أن [/URL]اليتم فى الناس يكون من قبل الأب ( لأن النفقة منه )، وفي البهائم من قبل الأم ( لأن اللبن منها ). ولا يقال لمن فقد الأم من الناس يتيم ولكن منقطع....صدقت أخي الكريم... لكنى أحيلك إلى درة الحضارة والإبداع الإسلامي (الإمتاع والمؤانسة) حيث كان سياق حديثى عن اليتم في تساؤلات التوحيدى وإجابات ومناقشات أبى سليمان المنطقى فالسياق أن الرجل تحدث عن معنى اليتم في الحيوانات التي تعمل بفطرة الله التي ُفطرت عليها سائر المخلوقات وكان جواب ذلك الفيلسوف أن اليتم فى معناه الحقيقى يعود للأم كونها حاضنة وشذ أن تترك أم صغارها بينما تقرع آذاننا أخبار الآباء الذين يقضون حاجاتهم وشهواتهم ولا يأبهون بعدها فهم كالحيوانات بل أشد نكرا وأغلظ قلبا ولعلك أخي الكريم تسمع عن مشاكل الأطفال غير المنسوبين لآباء فى الغرب تلك المشاكل التى تؤرق مفكرى الحضارة الغربية ورجال دينها.

وأساس الاختلاف بين وجهات نظر اللغويين كابن جنى وابن منظور أبو على الفارسى، ومرتضى الزبيدى,وبين وجهات نظر [URL="http://www.dawalh.com/vb/showthread.php?t=3978"] (http://www.dawalh.com/vb/showthread.php?t=3978)فلاسفة اللغة ومؤوليها هى القضية القديمة التى ما برحت حية مشعة منذ طرحها شيخ البلاغيين عبد القاهر الجرجانى في "أسرار البلاغة" و" دلائل الإعجاز" والجاحظ، وابن جني، وحازم القرطاجني,وهى العلاقة والأهمية بين اللفظ أو المعنى,ويذهب التوحيدى من خلال محاوراته الواسعة العميقة الموسوعية إلى أن
اللغة تقوم على عمودين هما اللفظ و المعنى، و يقر بأن الظاهرة اللسانية هي عملية ذهنية فى الدماغ (مركز النشاط اللغوي)، و يرى أن المعاني سابقة للألفاظ لأن اللغة مبدؤها العقل و ممرها اللفظ و قرارها الخط ، وبعد ان تتضح الفكرة في ذهن صاحبها فإنه يترجمها إلى صورة صوتية منطوقة ومسموعة.و عنده أن من بين أهم الفوارق بين اللفظ و المعنى التي أوردها في كتاب الإمتاع والمؤانسة أن المعاني لا نهاية لها بينما الألفاظ محدودة ، و لهذا فمهما كثرت الألفاظ فإنها عاجزة عن الإحاطة بجميع المعاني ، وقد عبر عن ذلك على لسان السيرافي بقوله " إن مركب اللفظ لا يحوز مبسوط العقل ، و المعاني معقولة لها اتصال شديد و بساطة تامة، وإنسانية لأنها نتاج التجربة الإنسانية في كل مكان و زمان ، بينما الألفاظ تابعة لمجموعات بشرية ذات لغات معينة , كانت هذه بعض الأفكار اللسانية التي وردت في كتاب " الإمتاع و المؤانسة" مدخلا لتصحيح أبى سليمان المنطقى لمعنى اليتم الذى طاب لعقلنا وآنسنا إليه ولاشك أن من فقد أمه كان بؤسه اشد ممن فقده والده؛ ذلك ان دور الام؛ يفوق دور الأب في الحضانة والرعاية، وهذا يفسره قول الرسول صلى الله عليه وسلم فى رده على من سأله عن أحق الناس بحسن صحبته؟: ( قال أمك قال ثم من؟ قال أمك, قال ثم من ؟قال أمك, قال ثم من؟ قال أبوك).... أخى الكريم عذرا للإطالة وأدعوك إلى تجاوز المستوى العادي لفهم المعانى الى الفهم الفلسفى الأعمق وأنت بذلك أجدر وأليق كما أدعوك للإبحار فى غمرات الإمتاع والمؤانسة ثم ادع لي بعدها بصالح الدعاء...شكرا جزيلا وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

عبد الحميد سليمان
08/10/2010, 13h25
بسم الله الرحمن الرحيم
أخى الكريم الأستاذ محمد رمضان ماضى ...سلام الله عليكم ورحمته وبركاته...وبعد... أشكرلك أخى الكريم هذا التقريظ الطيب وهو يدل على نبل الخلق وشرف المقصد وسلامة الطوية وأتفق معك تماما ولا يمكننى أن أختلف فيما أورده كبار علماء اللغة فى تاج العروس ولسان العرب والقاموس المحيط وغيرهم ,لكنى أؤكد لك أننى حينما تكلمت عن اليتم فقد سقت رؤية لأحد أهم الفلاسفة المسلمين, من كتاب هو درة من درر الإنتاج المعرفى الفلسفى للحضارة العربية الإسلامية ومثل هذا النهج الذى نهجه أولئك الأفذاذ وعلى دروبهم نسير حثيثا ونسعى دأبا, وصولا الى مفاهيم أبلغ عمقا للغة ,وأفولا وإباقا من قيود المعانى التى رصدتها تلك المعاجم ,ولك أخى الكريم أن تعلم ثراء هذه اللغة القرآنية التى لايحد بحرها شطآن ولايسبر أغوارها سابر مهما كان وإنما يغوص وينال منها كل من ورد معينها بقدر ماأسعفه جهده ووسعه قلبه وعقله ووقته...مرة أخرى أشكرك أخى الكريم وأحيلك الى ردى على الأستاذ قمرالزمان والى عوالم التوحيدى وغير التوحيدى وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

الباشاقمرزمان
08/10/2010, 15h03
أستاذي الفاضل القدير/ أ.د. عبد الحميد سليمان
في عجالة سريعة أشكرك جزيل الشكر على هذا الرد الوافر والممتع والذي أضاف لي كثير مما افتقده ، وقبل مشاركتى فكرت كثيراً في أن أكتب إليك في رسالة خاصة ولكن الخوف من أن البعض قد يفهم تلك المعاني من حيث المعنى اللفظي خطأ وقد يستند فيها لشخصكم الكريم ومن هذا المنطلق كتبتها في المشاركة وقد جاءت بفائدة كبيرة من ردك بفتح جوانب جديدة ونظرات فلسفية عميقة واسمح لي بالعودة للموضوع مرة أخرى حينما يسمح لي الوقت أما الآن فقد وجب على أن أشكر ردكم الكريم المفعم بكثير من الإبداعيات الأدبية الجميلة الرائعة والتي استفدت منها كثيرا والتي من المؤكد سيستفيد منها آخرون.... وأنا من جمالية القاهرة ..
فتقبل مني خالص الشكر والتقدير والاحترام
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د أنس البن
08/10/2010, 18h04
أرأيت يا صديقى الحبيب وأستاذي العلامة المفضال د. عبد الحميد سليمان , كيف ارتفع سقف النقاش بوجودكم بيننا نتعلم منكم أدب المحاورة وغزير العلم كحال سلفنا الصالح فى قديم الزمان ,
صديقى .. رجاء خالصا لا تحرمنا من تواجدك بين إخوانك ومريديك ,والرجاء موصول لحبيبنا جامعة العلوم والحكم سيد أبو زهده , والغائب الحاضر الأديب الأريب الحصيف فيلسوف الكلمه كمال عبد الرحمن ...... نرجوكم ...........

عبد الحميد سليمان
08/10/2010, 19h30
بسم الله الرحمن الرحيم
لبيك أخى الحبيب فما غبت ولن أغيب عنكم ولا عذر لى بعد كلماتك الطيبات الناصعات الحافزات, أخى الكريم إن الفضل لله ثم لكم على ما أفردتم من هذا المنتدى الفريد لأولئك الشباب الذين يمثلون لهذا الوطن ولهذه الأمة أملها الباقى وسر استمرارها وعنصر بقائها وصمودها فى معتركها .... أخى نعمتم ونعم توجههكم ونعم روادكم ومحبيكم ودعنى أستعير قول الشاعر الصوفى لمحبيه:
ملكتم فؤادى فما الذى.... يضركم لو كان عندكم الكل

شكرا لا يحد لك أخى الكريم وللفضليات اللواتى تشرفت بمشاركتهن ولأولئك النبهاء الأذكياء الموهوبين الفطناء سيد أبى زهده وسمير حسين ومحمد رمضان ماضى والباشا قمر الزمن ولكل من قرأ أو أطل ...بوركتم ووقيتم ودمتم أخلاء أصفياء ورعاكم رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد رمضان ماضي
08/10/2010, 19h38
بسم الله الرحمن الرحيم

أخى الكريم الأستاذ محمد رمضان ماضى ...سلام الله عليكم ورحمته وبركاته...وبعد... أشكرلك أخى الكريم هذا التقريظ الطيب وهو يدل على نبل الخلق وشرف المقصد وسلامة الطوية وأتفق معك تماما ولا يمكننى أن أختلف فيما أورده كبار علماء اللغة فى تاج العروس ولسان العرب والقاموس المحيط وغيرهم ,لكنى أؤكد لك أننى حينما تكلمت عن اليتم فقد سقت رؤية لأحد أهم الفلاسفة المسلمين, من كتاب هو درة من درر الإنتاج المعرفى الفلسفى للحضارة العربية الإسلامية ومثل هذا النهج الذى نهجه أولئك الأفذاذ وعلى دروبهم نسير حثيثا ونسعى دأبا, وصولا الى مفاهيم أبلغ عمقا للغة ,وأفولا وإباقا من قيود المعانى التى رصدتها تلك المعاجم ,ولك أخى الكريم أن تعلم ثراء هذه اللغة القرآنية التى لايحد بحرها شطآن ولايسبر أغوارها سابر مهما كان وإنما يغوص وينال منها كل من ورد معينها بقدر ماأسعفه جهده ووسعه قلبه وعقله ووقته...مرة أخرى أشكرك أخى الكريم وأحيلك الى ردى على الأستاذ قمرالزمان والى عوالم التوحيدى وغير التوحيدى وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذنا الحبيب تحية من القلب ،
أما تقريظي فمستحق لشخصكم الكريم فهو لا يربو
على ما اثريتم به هذه الصفحات ....
أما بخصوص فلسفة اللغة فاسمح لي سيدي بأن أقول ،
وأين اللغة ......؟
أعلم سيدي ان اللغة العربية من أثرى لغات الأرض ،
إن لم تكن الأثرى على الإطلاق ....
ويكفى انها تحتوي على ما يربو من السبعين ألف
جذر لغوي ، ولقد أخذت منها الكثير من اللغات الحية ،
كالاتينية ، الإنجليزية والفرنسية.. وغيرها من ألسنة البشر.
سيدي علينا ان نحيي اللغة قبل فلسفتها فالسواد الأعظم
يحتاجون هذا......
وفقكم الله وسدد خطاكم ، ولا تنسى أستاذنا ما طلبه
دكتورنا الحبيب د. أنس فهو مطلب كل
متذوقي فنك الراقي...
دمتم بخير ، ودامت لنا سماعي.
:emrose::emrose::emrose:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.