المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مراجعة في المنجز الغنائي للفنان أحمد فكّرون


زياد العيساوي
23/05/2009, 20h13
بدأ الفنّان ' أحمد فكّرون ' مشواره الفنّي الفعلي في سنة 1975 - بإصداره لشريطه الأول ، الذي تعنوَّن باسم أولى أغنياته ( أوعدني ) في إحدى العواصم الأوربية ، و منذ ذلك الحين و إلى حيننا الراهن ، و بإجراء عملية حسابية يسيرة ، سنتبيّن أنّ عمره الفنّي ، قد وصل إلى عامه الرابع و الثلاثين ، داعياً المولى له و لكم بالعمر المديد و السعيد ، و بالتحري عن عدد الأشرطة ، التي أصدرها خلال هذه المدة ، سنكتشف أنها بلغت ستة أشرطة و كفى ، فبعد إصداره لشريطه المذكور ، اتـّبعه بشريطه الثاني ( شوارع المدينة ) في سنة 1982 - ثم شريط ( كلمات حب ) في عام 1986 - و بعد انتظار لمدة أربعة أعوام ، ألحقه بشريط ( انتظار ) ثم اعتكف دهراً ، حتى أنتج شريط ( سندباد ) في عام 1996 - و أخيراً و ليس أخراً ، و منذ ما يناهز الخمس سنوات ، اتـّحفنا و شنّف أسماعنا بشريط ( عيون سالمة ) الذي حمل اسم إحدى أغانيه ، التي كتبها شاعر المحكية ' الصيد الرقيعي ' التي يقول في بعض مقاطعها :

فـ الليل .. في نجوى الغريب و شوقه
فـ الحزن .. في ارعود الشتا و ابروقه
تخطر عليا سالمة
و نشتاق لصمت عيونها

* * *
فـ الحب .. فـ أنفاسه.. فـ نبض عروقه
فـ الياس .. و أوصال الأمل محروقة
تصعب عليا سالمة
و تصعب دموع عيونها

* * *
عيون سالمة تذكار
على جبين غيمة عاشقة
عيون سالمة أشعار
في خيال ليلة بارقة
عيون سالمة أسرار
فـ أحضان نجمة امفارقة
عيون سالمة أقدار
فـ أحزان مركب غارقة

* * *
عيون سالمة تذكار
فكرة وشمعة ساهرة محتارة
عيون سالمة أشعار
و أحلام نخلة شامخة جبارة
عيون سالمة أسرار
شباك معبد شاحبات أنواره
عيون سالمة أقدار
عنقود موجة عاتية مغيارة

* * *
سحر الوجود و مصدره و مصيره .. عيون سالمة تحكيه
و بعد الفضا و حيرته و تحييره .. عيون سالمة تخفيه
حلم النسيم و صحوته و تكديره .. عيون سالمة تواريه
و إجلال البحر و رهبته و هديره .. عيون سالمة تجاريه

* * *
فـ عيون سالمة يبني العز أسوار
عليها أبراج امحصنة وعنيدة
فـ عيون سالمة يرسم الظل أشجار
و تطلع سنابل واعدة و جديدة
فـ عيون سالمة تهاجر اطيور وأنهار
و تقصد اشطوط املونة وبعيدة

* * *
و ممّا يُلاحظ على كلمات هذه الأغنية ، كما قرأتم بأعينكم ، أنها نُظـِمت على أوزان الشعر المحكي لا الغنائي ، و قد أبدع الفنان ' أحمد فكّرون ' في تلحينها و أدائها ، لصعوبة تلحين هذا النمط الشعري ، حتى جعلها تظهر بطابع يتباين عمّا هو مسموع من غناء في حينه ، و لم تألفه الآذان ، فيما تسمع و سمعت من غناء سابق ، و أتوقع أنْ يحمل مقبل الأيام أنباءً - سارة بالطبع - عن إصداره لشريطه الجديد ، الذي طال انتظارنا له ، لمضي فترة لا بأس بها عن أخر منجز غنائي قدمه لمحبيه .
http://www.almanaralink.com/new/admin/uploads/pics/ahmed%20fakroun%202252009.png
أحمد فكرون
و قد احتوت هذه الأشرطة الستة - فضلاً عن بعض المقطوعات الموسيقية - من الأغنيات ، ما مجموعه ( 56 ) أغنية ، بحسب ما أحسبُ ، لأنّ ثمة أغنيات أخريات ، لم يُعِد الفنان ' أحمد فكّرون ' طرحها ، بعد نفادها من السوق ، و لست أذكرها ؛ و هنا أدعوك عزيزي القارئ ، مرةً أخرى ، لإجراء عملية حسابية ، هي في مقدور الجميع ، لتتعرف من خلالها على معدل إنتاج الأشرطة ، و كذلك معدل الأغاني بالنسبة للفنان ' أحمد فكّرون ' فإذا قسّمت عمره الفنّي على عدد أشرطته بهذه الكيفية : ( 34 / 6 ) ستحصل على الرقم ( 5.6 ) و وحدته ( السنة ) أي بتوضيح أكثر ، أنه يصدر شريطاً كل خمس سنوات ، على وجه التقريب ، من دون أنْ نرفع الكسر ، فيصبح معدل الإنتاج لكل ست سنوات ، بدلاً من خمس سنين ، كي لا نبخسه حقه ، أما معدل الأغاني ، فسنقوم بما قمنا به منذ قليل ، مع جعل بسط العملية الفائتة الإجراء ، مقاماً لعمليتنا هذه ، فتصبح على هذا النحو : ( 56 / 34 = 1.6 ) أغنية ، أي بقصد أكثر دقة ، أنه يصدر ما يقارب الأغنيتين في كل عام ، و من هذه النتائج الحسابية ، تصل عزيزي القارئ ، إلى قناعة ٍ لا ريب في أنني أوافقك عليها ، مفادها أنّ معدل إنتاج الفنان ' أحمد فكّرون ' ضئيل جداً ، لجهة الأشرطة ، و من ثم ، من حيث الأغنيات ، لأنّ بزيادة إحداها تزداد الأخرى ، تبعاً لذلك ، و هذا أمر معروف

http://www.almanaralink.com/new/admin/uploads/pics/sayd%20alrag3e%2022552009.png
الصيد الرقيعي
هذا إذا ما أجرينا مقارنة ً بينه و بين غيره من فناني اليوم و الأمس القريب ، أي الذين بدؤوا الغناء في الثلاثين سنة المنفرطة ، فأقل هؤلاء إنتاجاً ، نراه يصدر سنوياً ، شريطاً واحداً ، و قد لا يكتفي به ، حيث يقدّم حفلات ساهرة على مدار السنة في الداخل و الخارج ، و أغنيات أخرى متفرقة ، مع غيره من مغنين و مغنيات ، في شكل ( دويتو ) أو ( ديالوغ ) .
و في مسألة العمر الفنّي و معدل الإنتاج ، يكمن معيارٌ تقليدي ، لكنه مهم جداً ، لتقييم أداء أي فنان ، إما بالإيجاب أو بالسلب ، فعربياً ، عادة ً ما كان يُنظرُ إلى الفنان المُقـِّل في إصداراته الفنية ، إلى أنه فنان ، ليس في سويّة فنية طيبة ، كي تضعه على صدارة التمايز الفنّي ، بل إنه - و الحال كذلك - لا يستطيع حتى أنْ يدخل في مضمار التنافس مع زملائه الفنانين ، و هذا أمر بديهي ، لأنّ عليه أنْ يكون حاضراً على الدوام بأعماله الجديدة ، لئلا يُستثنى من أي تنافس شريف ، من شأنه أنْ يوصله إلى رضى المستمعين عنه ، الذين يُقبـِلون بالدرجة الأولى على كل ما هو جديد و جيد ، و المقـِّل من الفنانين ، إذ يصبح جليس الظل راكناً إلى الراحة ، و بعيداً عن جمهوره ، غالباً ما تنصرف عنه الأسماع ، و لا تعود تتـّذكره و لا تذكره إلا في حديث الذكريات ، و إنْ كان يحوز ملكات و مقومات المغني المتمكن ، ففي تاريخ الأغنية العربية المعاصرة ، عُرف عن بعض المغنين ، امتلاكه لملكات الغناء ، مثل الفنّان المصري ' عادل مأمون ' غير أنه كان مُقلاً في إنتاجه ، ما جعل الجماهير تستبعده من محيط دائرة التنافس – مع أنّ لديه أكثر من مئتي أغنية - مع الفنانين الذين كانوا يتمتعون بغزارة في الإنتاج مثل ' فريد الأطرش ' و ' عبد الحليم حافظ ' و غيرهما من منافسين ، وصل الرصيد الغنائي للواحد منهم إلى ما يفوق خمسمئة أغنية ، و هذا ما جعلني أصل إلى رأي مهم ، لا يصل إلى التأصيل و التنظير الفني ، فبعد دراسة مستفيضة في المنتج الغنائي لكبار الفنانين العرب ، وجدت بالمصادفة السمعية ، أنّ أغلبهم ، كان يصدر في الغالب الأعم ، عشرين أغنية سنوياً ، لا أكثر و لا أقل من ذلك .

http://www.almanaralink.com/new/admin/uploads/pics/adel%20mamon%202252009.png
عادل مأمون
أبدأ هذه الفقرة بختام الفقرة السابقة ، و بهذه المشاكلة اللغوية ، فإذا كانت ' الكثرة تغلب الشجاعة ' كما نقول نحن الليبيين ، فإنني أرى غنائياً ، بأنّ ' الغزارة الرديئة لا تغلب الملكة الفنية ' مع أنّ غزير الإنتاج من الفنانين ، يكون دوماً أقرب إلى المستمع ، ممّن هو يفوقه فنياً ، و ليس أدل على ذلك من ، أنّ غربان الملاهي الليلية ، حاضرة أسماؤهم لدى المشاهد و المستمع أكثر من أي مبدع حقيقي ، لكنّ الناس تنصرف عنهم ، إذا شاءت التطريب ، و سل عقلك من هي حاضرة اليوم أكثر لدى الناس ، و خصوصاً من الجيل الجديد ، هل هي ' هيفاء و هبي ' أم السيدة ' فيروز ' ؟ و هنا لست أضع لومي على السيدة ' فيروز ' لأنها أغزر و أجود إنتاجاً من الأولى ، لكنّ الإعلام هو من أتاح الفرصة لمن هي في مثل الأولى و شبيهاتها من حسناوات الغزو الفضائي المتلفز - اللاواتي اتخذن الغناء كواجهة ليطلن من نافذتها على المشاهد لأجل مرام ٍ أخرى ، الله يعلم كنهها - ليعلين على الجميع ، و حقيقة ً لست أعي ما سبب حنق من له صلة بالأغنية العربية و كذلك من العامة ، من غزو الموجة الهابطة أو الساقطة للأسواق ، و اكتساحها عالم الأغنية ؟ ألا يكفيهم ما تركه الرواد الأولون من فنون غنائية متنوعة ، فإذا حسبنا بطريقة عشوائية ، ما أورثه لنا عشرة من الفنانين الفطاحلة ، بناء على المعدل الذي تركناه بعاليه ، سنجد أنّ بحوزتنا ما لا يقلُّ عن خمس ألاف أغنية ، أجدها كافية لصدِّ هذا الزحف الهمجي ، لما تضخه هذه القنوات من سموم و تخريب للذوق العام ، و ما ينتجه أغلب مطربي هذا الزمن من موسيقا ، هي الأقرب إلى فنون الشعوذة التي لا يفلح مبتدعها ، و تتبخر و تتطاير على نحو أسرع من أي مائع سائل ، بفعل النار .
صحيح أنّ الفنان ' أحمد فكّرون ' نجمٌ عالمي ، لكنه عربي الانتماء و الهوية ، لذا لا أجد بأساً ، في أنْ أخضعه لهذا المحك الفني المتعلق بإنتاجه ، لنرى إلام سنصل بعد حين ؟ فهو و كما أسلفت الحديث ، فنانٌ مُقـِّـلٌ في الإنتاج إلى حذٍّ بعيد ، و يمكن أنْ يكمن ذلك ، في أسباب أجهلها ، أو أخرى أتوقعها ، كأنْ يكون أهمها ، عدم وجود المنتج الذي يتعامل بحرفية فائقة مع أعماله ، و يعي قيمتها الفنية لجهة الدعاية و اختيار التوقيت و الظرف المناسبين لإذاعتها و إنزالها إلى الأسواق ، و ما إليها من حيثيات أخريات ، قد لا تهم تفاصيلها القارئ ، الذي هو بالقطع مستمعٌ ، إلا أنّ أعمال الفنان ' أحمد فكّرون ' و على الرغم من قلتها ، ما تزال إلى الآن حاضرة في وجدان المتلقي ، ذلك أنه – و كما أتصوَّر – قد وضع في حُسبانه من البداية ، ضرورة أنْ يُقدَّم العمل الغنائي ، الذي يمتلك من مقومات البقاء و الاستمرارية ، ما يجعله يصمد في وجه التقادم ، و ذلك باختياره للحن الحميل و الكلمة المُعبِّرة و التوزيع الموسيقي الذكي ، و هذا ما أحسُّ به كلما أنصتُ إلى أعماله ، فأشعر بأنها صدرت حديثاً ، على الرغم من تكرار استماعي إليها طيلة الفترة التي تلت إصدارها ، فهو و إنْ تأخر في طرح أعماله الجديدة و قلـَّـل من وجودها ، فذلك – و كما أخمّن – أنه يدرك بأنّ قديمه ما فتئ يحوز إعجاب المتلقي ، و باقياً في ذاكرة الأجيال ، و لو ضؤل عدده ، لكونه منذ انطلاقته الأولى و حتى اليوم ، ما أنفك يحرص على المبدأ الغنائي الذي رفع شعاره بذاته ، فهذا ما تيقنت به من خلال استماعي إلى أعماله الأخيرة ، التي لم يضمها شريطاً بعد ، لكني أنصت إليها بشكل مفرد ، مثل أغنية ( موش كفاية ) و ( سلفني القمر ) و ( يا صاحبي ) و ( النورس ) فما يزال شعار التميُّز و الجدِّ و التجديد ، في كلماته و ألحانه و صوته و أدائه ، خفاقاً و عالياً مثلما علو صوته في لحظات الجواب الصوتي الذي عرفته به ، و كعهدي به ، و هو في أوج شبابه.
ــــــــــــــــ

زيـاد الـعـيـسـاوي
Ziad_z_73@yahoo.com