المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في صوت الفنان مصطفى طالب


زياد العيساوي
10/06/2008, 17h44
عدّوا معي إنْ استطعتم ، كم مرة يردّد الفنـَّانُ ' مصطفى طالب ' عبارته : ( لا و النبي يا غالي ) في أغنيةِ ( هاي و ننسى ) .. أعلمُ بأن َّ تسجيلَ هذه الأغنية ليس بحوزتِكم ، و لا من أحدٍ يأتيُكم بمصدره ، لذا ستصعبُ عليكم مسألة ُالعدِّ ، لكني جرّبت مرةً ، أنْ أُحصي بنفسي

عددَ هذه المراتِ ، من دون أنْ أكبُسَ زرَّ الإرجاع ِ في جهاز التسجيل ِ المسموع ِ ، فقد استمعت إليها ذات مساءٍ ، من خلال ِ مصدر التسجيلاتِ الأوحدِ في بلادِنا ، ألا و هوّ الإذاعة ؛ و في واقع ِ الأمر ، أنا لست أبتغي أنْ أوّقع قلمَي في دائرةِ التـِّكرار و المعاودةِ في موضوعاتِي ، فمسألة ُعدم ِ وجود تسجيلاتٍ للأغنيةِ الليبيةِ في الأسواق ِ المحليةِ قبل العربيةِ ، كما نعلمُ جميعا ً، هي إشكالية ُ ُ قائمة ُ ُ و مفروغُ ُ منها ، كما أنها مدعاة ُ ُ للملـّل و السأم ِ كلما تحدثنا عنها ، فقد سبق ليّ أنْ تناولتـُها في مناسبةٍ فائتةٍ من خلال هذا المنبر الإعلاميّ ، و لكنْ لأهميتِها ، أرجو منكم أنْ تجدوا ليّ الْعذرَ ، لكوني عدت و كرّرت الفكرة َ ذاتها في مستهل ِ مقالي هذا ، و أعدكم وعدَ الحُرِّ، الذي هو دينُ ُ عليه ، بألا أعود إليها بعد هذه المرة ( و لا مرة ) من دون سوء و لا مكروه بعون الله ، مع أنَّني أعي بأنَّ الأمر ، يستوجب منَّا العودة إليه و الوقوف عنده طويلا ً ، حتى تُحلُّ هذه المعضلة ، فهذه هي المَهَمَّة الحقيقية للكاتب الحقيقي ، أي فضح و كشف القضايا المسكوت عنها .

لكني سأفردُ بابَ النقاش الآن للحديث عن التـِّكرار من مفهوم فنّي ، إذ ْأنَّ التـِّكرار في الأغنيةِ العربيةِ ، شأنُ ُ معروفُ ُ و تمتازُ به في ألوانِها جميعا ً ، و يبدو أبرزُ تجلياته و اضحا ً في فنِّ الموشحات الأندلسية و نوبات المالوف و القصائد و الطقاطيق ( جمع طقطوقة ) و في الأدوار الغنائية أيضا ً، و التـِّكرارُ ليس بالأمر الهيّن ، كما قد يُخيَّلُ إلى البعض ِ ، أو أنه ابتذالُ ُ، قد يقعُ في مطبه الفنَّانُ ، نتيجة ً لعدم ِ امتلاكِه ناصية َالغناءِ ، سواء أكان مُلحِّنا ً أو مُطرِّبا ً ، لاحظوا أنني وصفت المؤدي هنا بـ ( المطرب ) ذلك أنَّ التـِّكرارَ وسيلة ُ ُ للتطريبِ ، فقد يلجأ ُ المغني إليه في أداءِ مطلع ٍ لأغنيةٍ ما من أعمالِه ، أو في أحدِ مذاهبِها نزولا ً عند رغبة الجمهور ، الذي قد يطلبُ إليه إعادة َ فقرةٍ ما ، عندما يكونُ اللقاءُ بينه و مُستمعيه مباشرة ً ، كأن يكون على المسرح ِ أو في الهواءِ الطـَّلق ِ في الحفلاتِ الغنائيةِ السَّاهرةِ و العامرةِ ، و من جُملةِ الفنانين الذين برعوا في الأداءِ بهذا الأسلوبِ ( التكرار ) موسيقارُ الأجيال ' محمد عبد الوهاب ' و بالذات في مقدمةِ أغنيته ( كل ده كان ليه ) فهو يُعيدُ مطلعَ الأغنيةِ غير مرةٍ ، و في كـُلِّ مرةٍ ، ينشدُه بطريقةٍ تختلفُ عن التي سبقتها و بمذاق ٍ مُغاير ٍ في الأداءِ و الإحساس ِ ، و من حيث طبقاتِ الصوتِ أيضا ً ، فهو تكرارُ ُ ظاهريّ ُ ُ و طافٍ على السطح ، أما ما يختبئ تحت هذا السطح ِ ، فثمة مغاز ٍ و مرام ٍ عديدة من وراء ذلك التكرار غير المُمِّل ِ ، كالتأكيدِ على شأن ٍ ما في مضمون ِ و لبِّ العمل ِ الغنائيِّ ، الذي ضربت لكم به مثلا ً ، ذلك أننا نلحظ ُ بآذاننا ، أنَّ التـِّكرارَ جاء في مطلعِها كما أسلفت الذكر ، و هو يكتنفُ في باطنِه استفهاما ً إنكاريا ً ، لكونه ينكرُ على نفسه ، التي لم تأمره بسوء ، لكنْ على حنينِها إلى الحبيب و هذا ما نسجه له الشَّاعرُ المُخضرَمُ ' مأمون الشناوي ' رحمه الله ، فأراد أنْ يُبيّنَ للمُستمِع حجم التضحيات الجـِسام ، التي قدَّمها عن طيبِ خاطر للحبيبِ ، في الشَّطر الثاني ، فبعد ما يقارب الثلث ساعة من بدايةِ الأغنيةِ ، يجدُه المُتلقي ، يُخبَّرُ عن الشطر الأول بقوله : ' حن قلبي إليه و انشغلت عليه ' ليكتملَ بذلك معنى المطلع ٍ ، بعد كل هذا التقديم المكرّر .

لكنَّ الفنَّانَ الليبي ' مصطفى طالب ' في أغنيةِ ( هاي و ننسى ) التي صاغها له مواطنه الشَّاعرُ الرَّاحلُ ' عبد السلام زقلام ' الذي أعده أولَ من نوَّع في مضامين الأغنيةِ الليبيةِ بكلماتِه ذات الطعم الجديد ، التي حشّدها دائما ً بالمعاني السَّامية و طعّمها بمفرداتٍ جديدة على الكلام ِ السَّائدِ أنذاك ، و قدَّمها إلى مُلحِّن ٍ عبقري ، تزخر قريحتـُه اللحنيةِ بعديدِ الجُّمل ِ الموسيقيةِ المُتنوِّعةِ ، بخلافِ غيره من مُلحِّنينا ، الذين ما يزال بعضهم يسيرُ على طريقةِ اعتمادِ الجُّمل ِ الموسيقيةِ الشَّعبيةِ المُستهلـَكةِ في ألحانِهم ، على أيةِ حال ٍ ، فقد تضافرت مجهودات ثلاثتهم ليقدموا لنا عملاً غنائيا ً راقيا ً و ناجحا ً بكل المقاييس ، عندما استعمل المُلحِّنُ التـِّكرارَ بشكل ٍ فريدٍ من نمطِه ، و هذا لا يعني بأنّ التـِّكرارَ في هذه الأغنيةِ ، كان له مرمىً مشتجرُ ُ عمّا أشرت إليه في أغنية ' محمد عبد الوهاب ' فكلاهما تلاقيا عند نقطةٍ واحدةٍ ، فالفنَّانُ ' مصطفى طالب ' أراد هو الآخرُ أنْ يؤكدَ من تكراره لعبارته ، التي ألمحت إليها في بدء المقالة ، استحالة أن ينسى المحبوب ، غير أنه لم يعد لنا العبارة بأكملها و دفعة واحدة ، في كل مرة ، بل إنَّ المُلحِّنَ ' علي ماهر ' هو من جزَّأها بتكرار كلمة ( لا ) لوحدها ثلاث مرات ، ثم ألحقها ببقيتها ، لتمسي كاملة ، عندما ينشد : ( لا و النبي يا غالي ) و هذه العبارة تنطوي على قسم مما لا شك فيه ، مع أن القسم لا يجوز إلا باسم الله ، لكننا كليبيين ، نلجأ إلى هذا النوع من القسم في لهجتنا الدارجة محبة في الرسول صلى الله عليه و سلم ، و تعظيما ً لقدره ؛ و مما يلاحظ جليا ً أن الفرق بين هذاه الأغنية و التي تناولناها قبلا ً ، أن هذه الأغنية لم تقدم على المسرح و لا في الهواء الطلق ، أي بقصد ، أنَّ أسلوب التكرار فيها ، لم يكـُن بناءً على طلبٍ من الجمهور ، لأنها مسجلة ُ ُ داخل قاعات التسجيل المسموع ( الأستوديوهات ) و هنا مكمن الإبداع ، فعلى الرغم من ذلك إلا أنَّ الفنَّان ' مصطفى طالب ' استطاع لامتلاكه لصوت رخيم و مميز عن الأصوات الليبية الأخرى ، بنبرته المجروحة ، أنْ يوضحَ لنا بأنه لا يستطيعُ نسيان المحبوب و الخلاص من حبه ، مهما كانت الأسباب و الظروف ، من خلال هذه الكلمات الجميلة :


غلاك نسماتي .. يهبن فرحة وعون ديما ايواتي


غلاك كل شيء عندي غلاك حياتي .. غلاك هو كلام صمتي و هو موالي ..


ثم يُتـّبعها بشطرة : ( لا و النبي يا غالي ) بعددٍ من المرات ، يساوي بالأرقام و الحروف 24 ( أربعاً و عشرين ) مرة ، فلا يهولنكم هذا العدد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بقلم : زيـاد العـيـسـاوي - ليبيا
بنغازي في : 7 / 1 / 2008
Ziad_z_73@yahoo.com

abuaseem
14/06/2008, 14h04
اخي زياد

السلام عليكم

نرحب بك في سماعي لقد سبق لي التعرف على كتابتك من قبل في موقع اخر و اود ان اشير الى اعجابي باسلوبك في الكتابة و كدلك في تناولك للمواضيع الفنية المختلفة الدي نحتاجه في هدا الركن من المنتدى طبعا هدا لن يمنع في حق الرد لبعض ما ورد و يورد في كتابتك اثراء للحوار و اضفاء المزيد من المعلومات حول كل المواضيع التي تقدم في هدا الركن

ففي هدا الموضوع اعتقد ان العنوان جاء بخلاف صلب الموضوع لان السياق كان حول اغنية ننسى و تكرار جزء من المطلع وهو لا و النبي يا غالي عدة مرات فحين ان العنوان هو قراءة في صوت الفنان مصطفى طالب والجملة الوحيدة التي اشرت فيها الى صوته كانت في عبارة(( مصطفى طالب ' استطاع لامتلاكه لصوت رخيم و مميز عن الأصوات الليبية الأخرى ، بنبرته المجروحة)) وهده العبارة لا اعتقد تعنى قراءة للصوت بالمعنى الدقيق للكلمة

وقد يكون الهدف من دكر عنوان مخالف هو جدب الانظار للموضوع وهو اسلوب معمول به في الكتابة و خصوصا الصحافية او انه هناك جزء تاني للموضوع و الدي سوف يحوى القراءة الكاملة لصوت مصطفى طالب

اهلا بك مرة اخرى و نتمنى المزيد من المشاركات الفنية لاحياء قسم الاراء و الدراسات في الغناء اليبي بمنتدى سماعي و دمت بخير

زياد العيساوي
15/06/2008, 11h34
الأستاذ الرائع

أبو عصام

أني لممتن لكم على حسن الضيافة عبر هذا الموقع ، و على كلماتكم النبيلة بحقني .. هذا أولاً .

و فيما يتصل بملاحظاتك ، أود أن أخبرك بدايةً بأنني سُعدت بها أيما سعادة ، و ها أنا بعون أحاول ما وسعني الجهد أن أجيبك عنها بكل حب و أن أكون واضحاً في ردي عليك .

فيما يخص كلمة ( نبرته المجروحة ) قصدت بهذه اللفظة أن أصفها بأنها حزينة .. هكذا .

و عن ما إذا كان عنوان المقال متصلاً بالمضمون ، أجيبك بأنني لم أسلط الضوء على الخصائص التي يمتلكها صوت هذا الفنان و التي قد تكون عند غيره من الفنانين الآخرين .. لكني أردت أن أوضح ميزة التكرار التي انتهجها الملحن المخضرم علي ماهر لصوت الفنان مصطفى طالب ، فجاءت على مقاسه .