عاد، خلال الفترة الأخيرة، الحديث عن يهود الجزائر، مع بروز جملة من الانطباعات المتناقضة حول الموضوع، بين مؤيد لحريات الأديان، متعصب رافض للآخر ووسطي غير مبال.
من المنطقي ملاحظة تداخل الانطباعات حول يهود الجزائر، بسبب حساسيّة الراهن السياسي، تشابك عدد من الحقائق التاريخية وغياب الأطروحات الموضوعية. ولكن، من غير المنطقي، أن يبلغ ''تطرّف'' بعض الجهات المثقفة درجة التحامل والادعاء أن يهود الجزائر تعرضوا للاضطهاد من طرف المسلمين، لأن قراءة متأنيّة في التاريخ الثقافي للتواجد اليهودي، في الجزائر، ستكشف عن حالة تناغم اجتماعية كانت تربطهم مع فئة المسلمين.
حيث يكفي، في هذا المقام، التذكير ببعض الحالات من يهود، ولدوا وعاشوا جلّ حياتهم في الجزائر، أثروا على ميول الأجيال السابقة ونالوا احترام الأجيال الشابّة، كما ساهموا في رسم جزء من تاريخ البلاد، انطلاقا من سلطانة داود، الملقبة رينات الوهرانية (1915ـ 1998). والتي اشتغلت، طيلة نصف قرن، على تحديث أغنية الحوزي الجزائرية، مع العلم أنها عاشت كفيفة. ونالت شهرة تضاهيها شهرة معاصرتها فضيلة الدزيرية، حيث سبق لرينات الوهرانية الاشتغال مع عازف البيانو مصطفي سكندراني، كما غنت، جنبا إلى جنب، مع ''الكاردينال'' الحاج محمد العنقى، وتحوّلت، بعد رحيلها، إلى واحدة من أيقونات الموسيقى الجزائرية. يضاف إليها موريس المديوني، أصيل وهران، الذي ساهم صوتا وتلحينا في تطوير الأغنية الجزائرية، حيث يتحدث عنه الموسيقي الكوبي روبيرتو رودريغاز قائلا: ''تنقلنا موسيقى موريس مديوني من الابتهالات الدينية إلى موسيقى الراي، ومن الصالصا إلى الجاز''. ومن الصدف أن خال موريس ملحن أيضا، اشتهر باسم ''سعود'' مديوني رافق مختلف انتقالات أغنية الحوزي.
ومن الأسماء الفنية اليهودية التي تركت بصمة واضحة على مسار الأغنية الجزائرية، نذكر أيضا ليليه بونيش (1921ـ2008)، والذي قدم له الشاب فضيل، عبر ألبومه الأخير، عرفانا من خلال استعادة إحدى أغانيه القديمة. كما لا يجب أن نتغاضى عن المكانة المحترمة التي تتمتع بها الروائية روزين بومنديل، الملقبة بإليسا رايس (1876ـ1940)، يهودية العقيدة وجزائرية الانتماء، والتي تعتبر رائدة الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية، حيث اشتهرت بكتاب ''ابنة الباشاوات''.
منذ أربع سنوات، لما عرض المخرج مهدي شارف فيلم ''خرطوشة غولواز''، تلقى لوما وانتقادا واسعين، بسبب الصورة المختلفة التي نقلها عن يهود الجزائر، والتي تجسدت في شخصية بطلة الفيلم ''راشيل'' التي ترفض مغادرة الجزائر، والتخلي عن بيتها العائلي بمغنية العام .1962 وهي صورة من شأنها نفي انطباعات مروّجي شائعة ''اضطهاد اليهود في الجزائر'' التي صارت تغري بعض المثقفين وتشكّل ورقة رابحة بغية كسب مصالح شخصية والاستفادة من الحظوة الإعلامية الأجنبية.
جريدة الخبر: 27 فيفري 2010