هذه الصفحة مهداة لروائع الشعرالعربي القديم الموزون والمقفى ، ونتوخى أن نضع فيها أحمل القصائد في تاريخ الشعر العربي ، ونهيب بكل من يأنس في نفسه القدرة على إغناء الصفحة أن يقدم تعليقا بسيطا على القصيدة ، وأقدم أول مساهمة ، وهي قصيدة أضحى التنائي لشاعرالأندلس إبن زيدون ، وهي من أجمل قصائد الغزل في الشعر العربي ، وقالها الشاعرفي شاعرة أندلسية شهيرة هام بها إسمها ولادة بنت المستكفي ، وهي على البحر البسيط .
أضْحَى التّنائي بَديلاً منْ تَدانِينَا،
وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ،صَبّحَنا
حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِنَاعيِنَا
مَنْ مبلغُ الملبسِينا،بانتزاحِهمُ،
حُزْناً، معَ الدهرِ لا يبلىويُبْلينَا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِيناالهوَى فدعَوْا
بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدهرآمينَا
فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا؛
وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا
وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا،
فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا
يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْأ عاديَكم،
هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا
لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ
رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَا
ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذيحَسَدٍ
بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا
كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِيناعَوَارِضُه،
وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا
بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا
شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا،
يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا،فغَدَتْ
سُوداً، وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا
إذْ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تألُّفِنا؛
وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا
وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية ً
قِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُما شِينَا
ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُالسّرُورِ فَما
كُنْتُمْ لأروَاحِنَا إلاّرَياحينَا
لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛
أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!
وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً
مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا
يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَوَاسقِ به
مَن كانَ صِرْف الهَوىوَالوُدَّ يَسقينَا
وَاسألْ هُنالِكَ: هَلْ عَنّىتَذكُّرُنا
إلفاً، تذكُّرُهُ أمسَى يعنّينَا؟
وَيَا نسيمَ الصَّبَا بلّغْ تحيّتَنَا
مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا
فهلْ أرى الدّهرَ يقضينا مساعفَة ً
مِنْهُ، وإنْ لم يكُنْ غبّاً تقاضِينَا
رَبيبُ مُلكٍ، كَأنّ اللَّهَ أنْشَأهُ
مِسكاً، وَقَدّرَ إنشاءَالوَرَى طِينَا
أوْ صَاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً،وَتَوجهُ
مِنْ نَاصِعِ التّبرِ إبْداعاً وتَحسِينَا
إذَا تَأوّدَ آدَتْهُ،رَفاهِيّة ً،
تُومُ العُقُودِ، وَأدمتَهُ البُرَى لِينَا
كانتْ لَهُ الشّمسُ ظئراً فيأكِلّته،
بَلْ ما تَجَلّى لها إلاّأحايِينَا
كأنّما أثبتَتْ، في صَحنِوجنتِهِ،
زُهْرُ الكَوَاكِبِ تَعوِيذاًوَتَزَيِينَا
ما ضَرّ أنْ لمْ نَكُنْ أكفاءهشرَفاً،
وَفي المَوَدّة ِ كافٍ مِنْتَكَافِينَا؟
يا رَوْضَة ً طالَما أجْنَتْلَوَاحِظَنَا
وَرْداً، جَلاهُ الصِّبا غضّاً،وَنَسْرِينَا
ويَا حياة ً تملّيْنَا،بزهرَتِهَا،
مُنى ً ضروبَاً، ولذّاتٍ أفانينَا
ويَا نعِيماً خطرْنَا، مِنْ غَضارَتِهِ،
في وَشْيِ نُعْمَى ، سحَبنا ذَيلَه حينَا
لَسنا نُسَمّيكِ إجْلالاًوَتَكْرِمَة ً؛
وَقَدْرُكِ المُعْتَلي عَنْ ذاك يُغْنِينَا
إذا انفرَدَتِ وما شُورِكتِ في صِفَة ٍ،
فحسبُنا الوَصْفُ إيضَاحاًوتبْيينَا
يا جنّة َ الخلدِ أُبدِلنا،بسدرَتِها
والكوثرِ العذبِ، زقّوماً وغسلينَا
كأنّنَا لم نبِتْ، والوصلُ ثالثُنَا،
وَالسّعدُ قَدْ غَضَّ من أجفانِ وَاشينَا
إنْ كان قد عزّ في الدّنيا اللّقاءُ بكمْ
في مَوْقِفِ الحَشرِ نَلقاكُمْوَتَلْقُونَا
سِرّانِ في خاطِرِ الظّلماءِ يَكتُمُنا،
حتى يكادَ لسانُ الصّبحِ يفشينَا
لا غَرْوَ في أنْ ذكرْناالحزْنَ حينَ نهتْ
عنهُ النُّهَى ، وَتركْناالصّبْرَ ناسِينَا
إنّا قرَأنا الأسَى ، يوْمَ النّوى ، سُورَاً
مَكتوبَة ً، وَأخَذْنَا الصّبرَيكفينا
أمّا هواكِ، فلمْ نعدِلْ بمَنْهَلِهِ
شُرْباً وَإنْ كانَ يُرْوِينَا فيُظمِينَا
لمْ نَجْفُ أفقَ جمالٍ أنتِ كوكبُهُ
سالِينَ عنهُ، وَلم نهجُرْهُقالِينَا
وَلا اخْتِياراً تَجَنّبْناهُ عَنْ كَثَبٍ،
لكنْ عَدَتْنَا، على كُرْهٍ،عَوَادِينَا
نأسَى عَليكِ إذا حُثّتْ،مُشَعْشَعَة ً،
فِينا الشَّمُولُ، وغنَّانَا مُغنّينَا
لا أكْؤسُ الرّاحِ تُبدي منشمائِلِنَا
سِيّما ارْتياحٍ، وَلاالأوْتارُ تُلْهِينَا
دومي على العهدِ، ما دُمنا،مُحافِظة ً،
فالحرُّ مَنْ دانَ إنْصافاً كمادينَا
فَما استعضْنا خَليلاً منكِ يحبسُنا
وَلا استفدْنا حبِيباً عنكِ يثنينَا
وَلَوْ صبَا نحوَنَا، من عُلوِمطلعه،
بدرُ الدُّجى لم يكنْ حاشاكِ يصبِينَا
أبْكي وَفاءً، وَإنْ لمتَبْذُلي صِلَة ً،
فَالطّيفُ يُقْنِعُنَا،وَالذّكرُ يَكفِينَا
وَفي الجَوَابِ مَتَاعٌ، إنْشَفَعتِ بهِ
بيضَ الأيادي، التي ما زِلتِ تُولينَا
إليكِ منّا سَلامُ اللَّهِ مابَقِيَتْ
صَبَابَة ٌ بِكِ نُخْفِيهَا،فَتَخْفِينَا