هاشم الهوني : مشروع غنائي حداثوي
سنة 1970 كانت نقطة توقف المسيرة الفنية للفنان ' هاشم الهوني ' فقد اعتزل – في سابقة فنية من نوعها – الفن بكراً في هذه السنة و هو في قمة عطائه ، و توّجه إلى العمل الصحفي ، شاطباً اسمه كفنان ، و مضيقاً إياه إلى أسرة ' الهوني ' الصحفية ، التي لها باع طويل في هذا المجال الحيوي ، ليعرف الجمهور فيما بعد صوتاً آخراً من هذه الأسرة في عالم الموسيقا و الغناء ، هو الفنان الشاب و المجتهد ' ايمن الهوني ' .
و قد كانت تجربة الفنان ' هاشم الهوني ' محفوفة بالإبداع الفني ، الذي لا يمكن لأي متابع للأغنية الليبية تجاهلها ، فأعماله المحفوظة في الذاكرة المسموعة ، تبدو ليّ ، نقطة تحوّل بارزة في الأغنية المحلية في المرحلة الانتقالية ، من الغناء التقليدي ( الكلاسيكي ) إلى تجربة التجديد و التحديث ، التي عرفتها الأغنية الليبية ، منذ ما يناهز الخمسين عاماً ، فهو يتميز بصوته الجميل الحنون و بإحساسه و تماهيه مع اللحن ، الذي كان يصيغه برنات عوده لنفسه ، و عن تجربته الزاخرة بالغناء الحديث المتقن ، لنا قولٌ فصلٌ في هذا الصدد ، سنجزئه إلى قسمين في هذه المقالة ، قسمٌ يتحدث عن أعماله الغنائية ، و الآخر سنفرد فيه المجال ، لنعرض لبعض أعماله اللحنية ، كما سيأتي :
1 – هاشم الهوني المطرب :
في غناء المطرب ' هاشم الهوني ' نكهة بطعم العذوبة الخالدة في ذائقة المستمع ، التي تكون في العادة نتاج رحيق و عصارة فنية ناجمة عن مخزون استماعي جيد عند أيِّ فنان من هذا النوع – كما بدا ليّ – من خلال إنصاتي لأعمال هذا الفنان ، و كذلك لثقافته الفنية الغنية الناشئة من متابعته لكل جديد في الغناء العربي و الإفرنجي ، إما من خلال ما يصل إلينا من الأقطار العربية المجاورة أو من خلال الاستماع إلى الغناء الإفرنجي المتقن ، الوافد إلينا من أوربا و بلاد الغرب ، و حسن انتقائه لأساليب الغناء و التعبير القادمة من هناك ، بذائقة فنية تجيد اختيار ما يتناسب مع هوية المجتمع الليبي الغني بألوان الغناء و ترك ما لا يلزم منها ، و بما يحافظ على جوهره ، في أعماله التي مضي على أخر تسجيل لما أصدره منها ، ما لا يقل عن أربعين حولاً ،غير أنها مع مرور كل هذا الوقت ، ما تزال تحتفظ بشبابها و رونقها و بفسيفسائها ، التي تشكلت باختلاف الألوان التي قدّمها ، فهي آنذاك ، كانت تعبرعن رؤية فنان شاب تأثر بالأغنية العربية في ( مصر ) و ما شهدته من تطور و تحديث ، لكنها لم تؤثر على مشروعه و شخصيته الفنية الميستقلة و المتزنة مع نفسها و خصوصياتها ، فقد كان له صوت هو من الجمال و الروعة و الرقة ، لدرجة تضيع معها بوصلة و قلم الوصف الفني لمكامن الحسن ، ما جعله يحافظ على مستواه الفني الرفيع ، طيلة الفترة التي استمر فيها مشروعه الغنائي ، فحينما تصغي إلى غنائه و طريقة أدائه في أعماله مثل : ( تنشدني ع الصحة - موش كيفما تصبح تمسى – اعتراف - بيك مرحبا يا صبح - بساط الشوق - ليّاعة - الأم - الطلب و الشرط - مليت من تنهيدك ) و غيرها ، التي جميعها من ألحانه و صنعه ، تلحظ بأذنيك ، كم كان ، يبحث عن التنويع في أغنياته ، من حيث الألحان و التوزيع الموسيقي و الأداء و اختلاف المضامين الشعرية - مع أنّ أغلب أعماله ، كانت بتوقيع الشاعر الكبير ' أحمد الحريري ' - بأساليب مغايرة للأغنية الليبية السائدة وقتذاك ، فقد غنى الطقطوقة و الأغنية الخفيفة و ما إليها من ضروب الغناء العربي المتقن ، و اتبعها كذلك بغناء الـ ( فرانكو أراب ) .
2 – هاشم الهوني الملحن :
في الحقيقة لم أستطع الإلمام بألحان الملحن ' هاشم الهوني ' كلها ، غير أنني علاوة ًعلى أعماله التي لحنها لنفسه ، تمكنت من الحصول على لحنين جميلين جداً له ، فقد قام بتلحين أجمل أعمال المطرب الراحل ' أحمد سامي ' و هما أغنيتا ( زي الذهب ) و ( فيها خيرة ) و هذان العملان أعتبرهما من جهتي كمستمع لا ككاتب ، من روائع الأغنية الليبية المقدمة طيلة الخمسين السنة المنقضية ، ففي كلتيهما حمولة من الشجن و الجمل الموسيقية المشحونة بالعاطفة الجياشة ، التي هي منبع الإبداع عند أيِّ مبدع غير مصطنع الشفافية ، فأغنية ( فيها خيرة ) حشّد فيها الجمل اللحنية المنسابة و المتنوعة من حيث القصر و الطول الزمني لها ، مطرزاً إياها على مقاس صوت الراحل ' أحمد سامي ' التي تحتاج إلى التقاطات نطقية بصورة متسارعة و متناغمة مع اللحن بالإضافة إلى الفواصل الموسيقية بين كل مقطع و آخر بمنهجية ( أكاديمية ) دارسة لصوت الراحل جيداً ، و بطريقة تبادل المهام و الأدوار أو بالأحرى تبادل الأصوات ، بين المطرب الراحل و مجموعة ( الكورال ) في غناء هذه الكلمات الشجيات ، التي أعدها الشاعر ' أحمد الحريري ' :
داري الجفي يا قلب فيها خيرة
ع العين تدارى عيون كثيرة
...
ع العين حبي ليها
داري السوايا ما اتفكر فيها
حتى إن خطت .. رغم الخطا تبيها
و شايل في وسط نواها سيرة
...
عايش احكاية معاها
بيها عرفنا حياتنا بهناها
و ذبنا في غيتنا و سحر ابهاها
و كانت بداية حب حلوة كبيرة
...
كانت ابداية زينة
المكتوب رادلها انهاية حزينة
داري الجفي يا قلب نحنا رضينا
نعيش ع الأمل ننشقوا الشقي و الحيرة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
بقلم : زياد العيساوي
أغاني هاشم الهوني
هنـــــــــــااااااااا