بدأت شهرة موسيقار الأزمان في العالم العربي الكبير بعيد نجاح فلم حبيب العمر الذي حفر اسمه في وجدان العرب في جزء من وطننا الكبير , وتهافت المتعهدون يطلبونه بالإسم , وبدأت رحلاته الفنيه خارج القطر المصري الى الشمال الأفريقي العربي وصحبته رفيقة دربه حينها ساميه جمال تتراقص على انغامه , ثم الى الهلال الخصيب ارض الشام الرحيبه بأجزائها ثم الخليج العربي وخاصة الكويت التي سجلت له العديد من اعماله تلفزيونيا , قدم لنا من خلال اطلالته الجميله المحبوبه الكثير من اغانيه اسعدتنا جماهيريا وبقيت تشهد له بالأصاله والعمق بألوان عديده من الحانه الوقورة والراقصه والخفيفه , وكان لرائعتيه ( الربيع واول همسه ) النصيب الأكبر لأسماع محبيه , وكنا نتمنى لو ان الأذاعات العربيه التي قامت بتسجيل حفلاته في حينها ان تهتم بها وتذيعها بدل تركها في رفوف الأذاعه , لأن لكل بلد ارتحل اليها حفلاته سواء ماقام بغنائه من قبل او ماأختص به تلك البلدان , ومع انه تم اذاعة بعضها الا انه يبقى عدد غير قليل مقبورا في مكتباتها ,والأمل يبقى واردا بإخراجها الى النور لنستمتع بها مع ماسبق وجوده
ويبقى موسيقار الأزمان مطلوبا مهما طال الزمن وجاءت اصوات والحان اخرى , فله اطلالة جميله ولحن خالد وقلب يفيض شجنا وقيمة ليس لها ثمن .
رحمه الله
لم تكن اسمهان لموسيفارنا شريكة بطن واحد فقط , بل توافق احساس وسمو طباع انسانيه , رافقته رحلتها الفنية القصيره ورحلت فجأة تاركة الحانه الأصيله دون حنجرة ترقى لعنان اوتارها الذهبيه , فكان لخسرانها كبير الأثر على نفسه وانكسار لايعوض لمسيرته الفنيه , ولو انه كتب لها ان ترافقه فنيا ولو عشر سنوات , لأختلف الميزان الفني الجماهيري , ولكانت هناك حسابات اخرى كثيره , يصل الى الف حساب لوجوده على الساحة الفنيه المصريه , لكنها مشيئة الله , فانطفأت الشمعة من حياة موسيقارنا, ليبقى وحيدا يجاهد معاول الهدم البغيضه من اعداء النجاح بعنصرية مقيته وحسدا من انفس لاترى الا القبح في عينيها المرمده ,
ولله حكمته في امر العباد .
فريد الأطرش
صدر عن دار البحار ـــ و دار ومكتبة الهلال في لبنان
اعده للنشر محمد رفعت المحامي
صدرت الطبعة الأولى في 1995م
يحتوي على مجموعة مواضيع تحكي جوانب من حياته فنيا وانسانيا
بينما شمل ثلاثة ارباع الكتاب نصوص بعض اغنياته مصحوبة بالنوته وبعض الصور المعروفه .
اغلب كلمات اغاني الموسيقار اصبحت مألوفة تقال في بعض المواقف الحواريه , وهذا مايعنيه هذا الكاريكاتير , وإن تم تحريف الكلمه لتحاكي الموقف , لكن الأساس كان لرائعته الخالده ( بنادي عليك )
في لحظة خيل لي أن الدنيا إنتهت, في لحظة ثانية بدت وكأنها تشرق من جديد:هل هي ابتسامة الأم وما تفعله في نفس وليدها؟
» إنني منذ استمعت إلى غناء وعزف أمي, وأنا أسبح في هذا البحر الكبير كقطرة
» وحده الفنان يسعى إلى الحب ولا يشبع منه على ما أظن….
» الحب هو السلك الذي يضيء الحياة, ويجدد النفس, ويبسط الأمل جنات…
» الحب فيه حاجات كثيرة لذيذة وشاعرية وتبعث الراحة والطمأنينة في النفس ووحي للشعراء والملحنين ..
» أحب وطني و فني و المرأة. الحب في نظري شيء من الله!
» ربنا أوصى بالحب ووضع لنا قلوب لنحِب ونحَب فأنا بوصي كل الناس إن يحبوا بعضهم ولا يكرهون بعضهم لأن الكره يسبب تعاسة في القلب ومنغصات وضغائن ويكون في جسد الإنسان شي ما يدعوه للانتقام فربنا أوصانا بالحب
» إذا غنيت فإن الكلمة حزينة…وإذا لحنت فإن النغم أكثر حزنا, وكأن الأغنية كلمة وموسيقى الجسر الوحيد للتعبير عن هذا الحب.
» علمتني الحياة أن اليوم الذي يمر لا يا يعود أبدا, وأنه ليس بالإمكان أن يعود مهما كانت المحاولة والبذل.
» الوقت أثمن ما في الحياة وأغلى من كنوز الأرض…
» الأعمار بيد الله و لكني أشعر وأنا اغني وخاصة أمام جمهوري فهي إطالة في عمري
» إن الحقيقة الأولى التي هزتني بالفعل هو هذا الواقع الذي صرنا إليه دفعة واحدة, كما أن الصدمة التي هزتني هو مشهد والدتي وهي تكد على شغل الإبرة إكراما لبعض العيش. (في بداية حياتهم في القاهرة)
» أصعب حرمان عشته هو حرماني من أختي أسمهان، يوم ما ماتت أسمهان لقد كانت كل شيء في حياتي ..أسمهان وأنا كنا نحب بعض حب لا يمكن أن يتخيله إنسان … كانت صديقتي وأختي وحبيبتي والصوت الذي يؤدي لي ألحاني ولا يستطيع غيرها أن يؤديه.
» رحت أبتهل إلى الله لكي يمدني بالقوة ويبعد عني المرض أو أي زكام في الطريق, أما إذا لم يكن هناك من مفر, فليكن المرض بعد الامتحان وليس قبله يا رب…
» يخرج الإنسان من مشكلة ليواجه مشكلة ثانية : هل هو اختبار الحياة؟ فمرحبا بالقدر!
» كنت سعيدا رغم كل التعب الذي كنت أبذله في النهار، فإحساسي أنني أعيل أسرة كان يمنحني قسطا من الرضى, وشعوري أنني أتعلم الموسيقى كان يمدني بالقوة وتحمل التعب.
» علمتني الحياة أنها تيار مستمر متغير يتطلب العناد والحركة والمقاومة، أما من يتوقف فإن التيار يجرفه ويغرقه
» إن النجاح إذا ما تم في ليلة بدا كأنه نسيج حلم…إن الحقيقة تكمن فيما هو مستمر وفيما هو دائم.
» دارت الكاميرا فدار قلبي معها…وتوقفت فلم يتوقف دوران القلب…كان خليطا من فضول وقلق وترقب يشبه مشاعر الأم لحظة الولادة.
» أنا أعتقد أن الفنان لم يخلق للزواج. الفنان يتزوج فنه وهو ينجب ألحانا وأغنيات وأفلاما.
» الحياة مليئة بالمفارقات الغريبة فيها سعادة بؤس وشقاء وملذات.
» أكره الكذب و النفاق والخيانة وخاصة خيانة الصديق فهي طعنة تبقى في النفس وتعذب القلب
العود ... هذه الآلة الشرقيه الجميله الشجيه ... هذا الأنيس الجليس الذي إن عرف له ممسكه يعطي اجمل النغمات واحلا الدمعات ...
رفقة طويله ومتعة دائمه بين هذا ألأصم وبين موسيقار الأزمان ... اعطاه من روحه فأنطق احلا النغمات ...
رافقه في صباه واغنياته وافلامه وحفلاته وسهراته و... وحدته
لم يعشق عازف آلته بمثل عشقه بــه ولم تتحدث آلة بلغة مثلما تحدثت معه
ضحك العود معه لضحكته كما في ( الدولاب ـ آكلك منين ـ حبيبة امها ) ورقص كما ارقصه في ( نـورا ـ جميل جمال ـ ماقاللي وقلتله ) وابكاه كما في ( كفايه ياعين ـ حبيب القلب ـ سألني الليل ) والكثير مما لايصح تعداده لمن هم عارفوه ...
وحين نستمع الى ( ختم الصبر ) بعجنتها الكعكيه اللذيذه ... فسوف نقف مشدوهين لهذا التمكن والأبداع .
ابداع جعل من معلمه رياض السنباطي ان يصرح قائلا ( اتحداه ان يعزفها مرة اخرة بنفس القدره والتطريب )
ونحن نقول ــ وليس اقلالا من عظمة السنباطي ــ لكنها الحقيقه , نقول انها الغيره الفنيه والرفض ان يتفوق تلميذ على استاذه فيأتي بما لم يأت به سواه .
واذا كان موسيقار الازمان حين اتى بجملة لحنيه لــ( أستورياس ) واضافها لمقدمة حكاية غرامي في فلم ( من اجل حبي ) لتبيان قدرة العود على مجاراة الآله الغربيه في حوار العود والبيانو , وكونه اخذ يكررها في تقاسيم حفلاته , فهذا ليس افلاسا وهو الملحن العظيم , إنما تجاوبا مع رغبة الجمهور وهو الكريم الذي لايرد طلبا لأحد , وهي في النهاية نقطة في بحر انغامه .
سيبقى العود يذكر موسيقار الأزمان ليذكرنا به دوما على مر الأزمان من موسيقار الأزمان .
من اسوأ ماخلفته اتفاقية ( سايكس بيكو ) الأستعماريه انها فرقت العروبه وجعلت لكل جزء علما ونشيد وحدود , فولدت الضغائن والعنصرية من رحم الأستعمار واصبح لكل عضو في الوطن العربي هوية وانتماء منقوص , وحين اتى موسيقار الأزمان رفق عائلته من ارض الشام الأبيه الى ارض مصر المحروسه , كان انتقال اجساد وليس تبديل هوية عروبيه , كان هروبا من نار مستعمر الى نار مستعمر آخر يفرق بينها السلاح , هناك سلاح البارود وهنا سلاح الهيمنه ووأد السياده التي كنستها ثورة يوليو فيما بعد , وهذا حديث آخــر .
ومع ان موسيقارنا الطيب استقر في ارض مصر وطابت له الحياه واتاح له المناخ الفني ان ينطلق بتوفيق الله ثم بموهبته المضيئه , تلك الموهبه التي احتظنها الشعب المصري في ارض وادي النيل وغمره بحبه , تلك الموهبه التي صنعت له اسما يرفرف في سماء الوطن العربي بكل اقتدار , الا ان البعض لم يعجبه هذا ( حسدا من انفسهم ) وتأصيلا لأتفاقية سايكس بيكو المشؤمه قريتة وعد بلفور البغيض , حجتهم انه ليس بمصري !؟ فظهر اعداء النجاح والمطبلين والمنافقين واصحاب المصالح , ممن اعماهم جهلهم وهداهم فكرهم الضرير لمحاربة نجم اشاع بنوره فأغمضوا كارهين سطوعه , وشحذوا اسنتهم الثلمه ونسوا انهم لو جمعوا كل قطعة قماش في ارض مصر وصنعوا منها غطاء ليحجبوا به شعاع الشمس المبهر لخاب مسعاهم , ولأنه رجل كريم النفس طيب الطباع فقد ساءه هذا , وبات متيقنا باضطهاده من زملاء المهنة ومسانديها من صحافة واعلام , تلك المهنة الساميه صانعة اجمل الاحاسيس التي لوثوها بحقدهم , مما دعاه تحت وطأة الظلم ولأنه بشر ضعيف يتأثر ويؤثر ان يقرر الأعتزال تاركا الساحة لهم يعبثوا بها كما يشاؤا !
لكنه وفي خلال ايام وتحت ضغط جماهيره المحبه تراجع عن قراره وعاد فارسا مهابا يصول ويجول في ميدانه صانعا اجمل الألحــان , وبقي حاسدوه وطوت الايام اغلبهم في مجاهل النسيان بينما لازال بيرقه عاليا خفاقا في سماء الفن الأصيل .
الحب في حياة موسيقار الأزمان الوان عديده , فهو رقيق الحاشيه طيب القلب سريع التأثر , واحب بدأ معه منذ الصغر , لاأبالغ اذا قلت ان حبه الأول كان عوده , ثم بنت الجيران , وتتابع الخب في وجدانه ولعب بقلبه كثيرا , فأتعب كل منهما الآخر , ولعل الرابح هو جمهوره الذي شرب من حلو انغامه الكثير من نبع الألم والحرمان , تتابعت الحسان على قلبه في سني عمره ولم يفز بإحداهن , منه ومنهن ومن الظروف , ومثل موسيقارنا المشاهير الذين تتعدد مجالسهم واعمالهم يمضي بهم العمر سريعا ثم يفيقون على فقدان هذه النقيصه .
ولاأدري كيف احتمل قلبه كل هذا الحب , كان يعطي من دفق قلبه بلا حساب حتى على الحيوانات , فقد احب فرسة ورعاها وحين اتاه خبر موتها لم يقدر على منع دمعة فرت من عينه , ومثل هذا الرجل لانستغرب اذا قتله قلبه , لم يحسن الصرف معه , فعصره عصرا , حتى جفّ , احب بلا مكابح , وظلم في حبه بلا حدود , لم يكن انانيا لكن البعض لم يفهم من هو فريد الأطرش ,
تشابكت الخيوط في فسيفساء الحب فطغت امور انسانية كثيره , وظروف باعدت وقاربت فأنتجت ضحايا وعشاق وغيرة وتقارب وابتعاد , واطراف اخرى لم ترغب لكل حب في ازدياد , وانتهى كل امر بينه وبين من احب الى بعاد .
رحمه الله كان يمتلك قلبا بلوريا تستطيع ان ترى ماوراءه بسهوله.