رد: فاتن الحناوي
قصيدة: ألفت حرّك لا شكوى ولا سهد
الشاعر: بدوي الجبل
ألفت حرّك لا شكوى ولا سهد
يا جمرة في حنايا الصدر تتّقد
مرّي على كبدي حمراء دامية
يبقى الحنين إذا تسلم الكبد
وما أضيق بهمّ حين يطرقني
لقد تقاسم حبّي البؤس والرّغد
إنّي أدلّل آلامي وأمسحها
مسح الشفيق وأجلوها وأنتقد
حتّى تطلّ على الدنيا بزينتها
حسناء تبدو عليها نعمة ودد
بعض الخطوب ظلام لا صباح له
وبعضها الفجر فيه النّور والرشد
تفجّر الخير منه روضة أنفا
تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا
إذا هم جرعوا من مائها جرعا
توثّبت عزمات فيهم جدد
ومدلجين أضاء الحزن ليلهم
حتّى إذا انطفأت أحزانهم قعدوا
حادوا عن المحنة الكبرى ولو صحبوا
نيرانها الحمر ما ضلّوا ولا انفردوا
فيم التنكّر للآلام قاسية
إذا تباعد في ميدانها الأمد
ألطالعون على الدنيا بنصرهم
لولا الفواجع هل شدّوا وهل نهدوا
إذا ونوا راح يذكي من عزائمهم
حقد هو العدّة الشهباء والعدد
سقاهم خمرة الآلام فاضطرموا
يستلهمون من الآلام واحتشدوا
أمّا الشعوب وقد ضجّت عواصفها
فصلحب النّصر فيها الثاكل الحرد
لقد تلاقى على الغايات من ظفروا
بالملك في زحمة الدنيا ومن حقدوا
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم
لغو من الناس لا ذموّا ولا حمدوا
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا
حزن المحبّين في البلوى ولا وجدوا
الظامئون وظنّوا أنّهم ثملوا
والغائبون وظنّوا أنّهم شهدوا***
لا يبعد الله أحبابا فجعت بهم
وما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة
تقيّلوا الرمل في الصحراء واتّسدوا
تلك الجسوم التي حزّ الحرير بها
حريرها في العراء الموحش الزرد
صادين للموت إيمانا وموجدة
فكلّما لاح منه منهل وردوا
على الصحاصح هامات معطّرة
وفي الرّمال بنان أفردت ويد
في كلّ منزلة قبر تلمّ به
هوج الرّياح وينأى الأهل والولد
مشتّتين فمن أجسادهم مزق
على الأديم ومن مرّانهم قصد
مصارع بعطور الحقّ زاكية
كأنّما سكبوا فيها اعتقدوا
حنا السراب عليها وهي ظاكئة
حرّى الجوانح لا غمر ولا ثمد
بموحش من رمال البيد منبسط
يضلّ في شاظئيه الصّبر والجلد
مسحت دمعي من ذكراهم بيد
وأمسكت كبدي ألاّ تذوب يد***
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة
للشاربين وهذا الشاعر الغرد
إنّ الندامى على عهد الحبيب بهم
لا جانبوا النّشوة الكبرى ولا زهدوا
لا أوحش الله قلبي من مواجعه
ولا تحوّل عن نعمائها الحسد
ولا شفى الله جرحا في سريرته
نديان ينطف منه الخمر والشهد
فجّرت قلبي رثاء ما وفين به
حقّ الزعيم قواف كالضحى شرد
الناقلات إلى الأجيال ما ظلموا
من الأباة وما راعوا وما اضطهدوا
صلى الاله على قبر يطوف به
كبيت مكة من حجّوا ومن قصدوا
أغفى أبو طارق بعد السّهاد به
وخلّف الهمّ والبلوى لمن سهدوا
ضاو من السقم ضجّت في شمائله
عواصف الحقّ والأمواج والزبد
إذا أثير نضا عنه مواجعه
كما تفلّت من أشراكه الأسد
يروع في مقلتيه بارق عجب
وعالم عبقريّ السحر منفرد
يغالب البشر أسقاما نزلن به
يأبى له الكبر أن يأسى لها أحد
داء ملح ونفس لا تذلّ له
حرب تكافأ فيها البأس والعدد
تلك البشاشة أبلى الدّاء نضرتها
فراح يلمح في نعمائها الكمد
كالغيم يحجب حسن الشمس طالعة
وما تحوّل عنها الحسن والرأد
نعمت منك بساعات معطّرة
كأنّها الحلم دان وهو مبتعد
وصحبة كقديم الرّاح لو جليت
لليائسين حميّا كأسها سعدوا***
يا خدنة من قراع الدهر دامية
ألا يهدهد من آلامك الأبد
خيل الزعيم تنزّى في شكائمها
ما فاتها قنص في الحيّ أو طرد
عرينة الحقّ في الشهباء منجبة
يروع أنّى التفتّ الظفر واللّبد
إذا الزعيم تولّى عن شبولتها
حمى الشبولة إخوان له نجد...
أمّا الشباب فما خانوا رسالته
عند الكفاح ولا حادوا ولا جحدوا
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة
شقّ الدجى كوكب من ذكره يقد
حول الزعامة فتيان غطارفة
لا ينقض الدّهر ما شدّوا وما عقدوا
الساخرون من الأقزام يضحكهم
أن راح يلبس جلد الضيغم النقد
المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا
والصابرون فإن جدّ الوغى صمدوا***
سقتهم كفّ إبراهيم صافية
من خمرة الحقّ تروي كلّ من يرد
ففي الدّماء سعير من سلافتها
عجلان يهدأ أحيانا ويتّئد
بين الجوانح إلاّ أنّه أنف
وفي الشمائل إلاّ أنّه صيد
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها
حمراء تلتهم الجلّى وتزدرد
إذا ونت وهتفنا باسمه جمحت
تعيد سيرتها الأولى وتطّرد
فذكره الأمل الهادي إذا انتبهوا
وطيفه الحلم الهاني إذا رقدوا
زعامة الحقّ لا شوهاء يرفعها
على الرّمال الهوى والزور والفند***
مالي أرى الفرس الشقراء عارية
على المرابط لا تطغى فتنجرد
آب المغيرون جنّت خيلهم مرحا
وآن أن يستريح الفارس النجد
|