* : مطرب مجهول الهوية .. من هو ؟ (الكاتـب : abo hamza - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 09h39 - التاريخ: 25/04/2024)           »          هدى سلطان- 15 أغسطس 1925 - 5 مايو 2006 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : ديمتري ميشال مل - - الوقت: 05h26 - التاريخ: 25/04/2024)           »          مع الموسيقى - برنامج إذاعي (الكاتـب : حازم فودة - - الوقت: 03h34 - التاريخ: 25/04/2024)           »          سيد زيان- 17 أغسطس 1943 - 13 أبريل 2016 (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 23h26 - التاريخ: 24/04/2024)           »          أغاني بأصوات الفنانين غير المطربين (الكاتـب : د أنس البن - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 23h17 - التاريخ: 24/04/2024)           »          جمال سلامة -موسيقى الأفلام و المسلسلات (الكاتـب : smsm78 - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 23h01 - التاريخ: 24/04/2024)           »          نعيمة سميح ( 1954 ) (الكاتـب : جابر الحسيني - آخر مشاركة : benarbi - - الوقت: 22h09 - التاريخ: 24/04/2024)           »          شموس(شمس الضحى) (الكاتـب : jamal din - آخر مشاركة : benarbi - - الوقت: 21h52 - التاريخ: 24/04/2024)           »          أحسن القصص (الكاتـب : حازم فودة - - الوقت: 20h18 - التاريخ: 24/04/2024)           »          ألحان زمان (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : Dr. Taha Mohammad - - الوقت: 18h28 - التاريخ: 24/04/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > صالون سماعي > ملتقى الشعر و الأدب > نتاج الأعضاء .. القصص والروايات

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #11  
قديم 09/04/2009, 21h21
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي الدكتور عبد الحميد سليمان ـ المجموعه القصصيه

أبو حيان الدمياطي


الجزء الأول

0000في سياحاته في بحار المعرفة, وأيام درسه الجامعي بكلية الآداب في جامعة القاهرة في ساحات مكتباتها وردهاتها وقاعاتها وشيوخها, وجد الدمياطي عجبا وأدرك جللا حين فجأه وراعه ذلك الفيلسوف المسلم الفذ,أبو حيان التوحيدي, ورويدا رويدا توسد منه أقطار نفسه واستبد بقلبه بعد أن سلب لبه واسترق عقله فشغله عن عداه ونهره عمن سواه, لقد بهره التوحيدي,عبقريا شامخا لا يعبأ بوزير أو أمير, ولا يكترث لمهيب أو جليل,طموحا,لا تثنيه كئود نجاد أو سحيق وهاد,فخورا يري لنفسه من السمو والتعاظم والعلو والمكنة مالا يراه فيه غيره, متعاليا لا ترغم أنفه لراغم وإن علا ولا لجبار وإن ذاع سؤدده,واستقر توسده 0

000انبهر الدمياطي بازدراء التوحيدي لعلماءُ وفلاسفة وكتاب ممن عرف فضلهم واتبعت خطاهم ,لكنهم عند التوحيدي لم يكونوا غير طلاب علم يجهدون فلا يدركون فيدعون ويتزلفون,وحين تعوزهم الحجة وتلجئهم الضرورة يستعينون علي عجزهم بالتملق والمداهنة والتصنع والتجاهل حينا والتعالم أحايين عددا ,ولايرعوون عن تصعير الخدود وتهيئة الأقفية وترويضها إذا اقتضت الحاجة أو استدعي الموقف ,الأمر الذي ينأي بنفسه عنه كل ذي نفس شامخة وباع طويل وعطاء وفير جزيل,,أما التوحيدي فقد أعجزه كبرياء نفسه وعبقرية عقله عن أن يتكيف مع واقع مريض ومجتمع سقيم تروج فيه بضاعة أدعياء العلم والمنافقين والمتوسلين والوضعاء ودناءة السوقة وتسفل السفلة,واجتهد ساعيا,باحثا عن مكانة وعلياء رأي نفسه أولي بهما وأجدر, فأجهده بحثه وخاب فأله ,وانكفأ أمله0

000 تأجج قلب أبي حيان حين اصطرعت حاجات نفسه مع كبريائه الذي وقف عقبة كأداء أمام طموحه ودأبه لتغيير واقعه المتدني وشح حالته وفاقته وازورار مجالس الوزراء والأمراء والوجهاء عنه, ومهيلا جالت حاجات نفسه الدنيا,الملحاحة القاسية جولتها وصالت صولتها , فشرعت قدماه تتحسس خطواتها الأولي بطيئة متثاقلة مترددة إلي تلك المجالس بعيد أن كبحت جماح تعاليه,وجنوح عقليته الفذة وأراقت كبرياءه المستكن الأصيل0

000كان التوحيدي لا يملك سبباً لرزقه وسبيلا لثرائه وانتزاع مكانته المهدرة الضائعة,سوي عبقرية الأديب وبحار من المعرفة خاض غمارها
وطابت له ريحها فامتاح ما وسعته قدرته من كنوزها وللآلئها ودرها، ,لقد أثخنته حاجاته فاضطر تحت وطأة الضرورة وغلظتها, إلي شيء من مداهنة أصحاب التوسد والنفوذ والثراء, سعيا لنوالهم وعطائهم, لكنه لم يدرك من ذلك شيئا مما كان يصبو إليه بعد أن أقصي أنفته ربيبة كبريائه, وأراق’مكرها,آملا ماءها ليفسح ساحات نفسه أمام مقتضيات الحاجة المذلة , لكن تلك النفس الهادرة سرعان ما استعرت نارها واندفعت حمم بركانها, حين أيقنت أن بحار التدني لا تدرك,ومعين فنونها وصورها لا ينضب ,وأغوارها لا تسبر, ونهم سادتها لا يشبع ,بعد أن أغراهم بذلك امتطائهم الآمن المستقر لظهور الذين خبروا عباب الذل وطابت لأشرعتهم ريحها,واستكنت نفوسهم واطمأنت لها وبها, فانتفضت نفسه, برمة ناقمة ثائرة ساخطة, فاستغربته مجالس النفاق ثم لفظته,فتقاذفته أقدام وأحذية المتنفذين ونبذته ساحات المتوسدين إلي العراء وهو سقيم, ,فأوسعته سخرية الساخرين من المستمرئين ,الراقصين, اللاعبين علي كل الحبال,الآكلين علي كل مائدة , الموطئين أكنافهم عن ذلة لازمة ملازمة ووضاعة متأصلة ,اللاعقين لكل حذاء,الذين حسدتهم تلك الأحذية ونفست عليهم انتزاعهم لدورها واستئثارهم بمكانتها ومواضعها, فاستعرت بدورها غيرة وحقدا وغلا, جراء ما لا يباري من مرونتهم ونعومتهم وطاعتهم واستخذائهم,واستنفرت قوتها واستنهضت غلظتها حين كان ممتطوها يوسعون بها أدبارهم ووجوههم ,وأمعنت فيهم حانقة غائلة ,لكنها ارتدت كسيفة خزية حسيرة’, أمام ظاهر رضاءهم ودائم استعدادهم وزائف ابتساماتهم0

000لقد صرع بخل البخلاء ونفاق المنافقين وسخائم الحاسدين, أحلام التوحيدي وحاجاته,فزاده ذلك ضراما إلي ضرام وإباقا إلي إباق, وما إن لفظته ساحاتهم حتى انبري يذم فعالهم ويلمز أخلاقهم ويهزأ بسلطانهم ويستقصي عوراتهم ويقتفي زلاتهم ونقائصهم ويهتك أسرارهم ويستبيح مستكنات نقائصه0

000أوغل التوحيدي ففعل بهم الأفاعيل وأهدر كراماتهم واقتص من تعاظمهم,وظن أنه ناج بذلك, لكنهم لم يكفهم أن أنشبوا فيه مخالب إعراضهم, فتهدده ماحق خطرهم, وأدرك عارفوا قدره فداحة ما ينتظره,وهول ما يتلمظ له من شر وكيد ,فآثر فطناؤهم السلامة , فأعرضوا عنه,ونأت عنه ساحاتهم ووجوههم ,واستبق أراذلهم إلي كيده تزلفا وتوددا, وأشفق عليه من اكتوي بمثل ما اكتوي به,لكنه اصطبر علي ذلك فأضمر غيظه,ووأد حنقه,وصرع تمرده ,لكنه اعتبر حنق التوحيدي وغضبه وثورته وتمرده صرخة لأمثاله من المظلومين وبوح بأنات المكلومين,

000مضي التوحيدي طريدا وحيدا منبوذا جائعا,لا يدري أذكي أريب هو أم غبي مغرور؟ واشتعلت نفسه واتقدت مستكناته فصبت لظاها علي أروع ما فاضت به عبقريته وجادت به قريحته من ذخائر مؤلفاته فأشعل فيها النار ضنا بها أن ينالها ويفيد منها ,مجتمعات وأقوام لم ير منها إلا آيات الجهل والازورار والإعراض والاحتقار والإذلال ,وأفلت من هول ذلك المصير بعض مما ازدانت به القريحة العربية وتباهت واستطالت به الحضارة الإسلامية كالإمتاع والمؤانسة والهوامل والشوامل وغيرها ,لتترك مأساة التوحيدي وكل توحيدي جذعة متقدة دائمة لاتريم,وحشا لا فكاك من أنيابه ومخالبه,وداءُ عضال لا برء منه ولا شفاء,وسوسا ينخر فلا يشبع ولا يقنع في عقل الأمة وروحها وهيكلها رغم اختلاف الأماكن وتبدل الوجوه وانصرام الأيام وفيض الدروس والعبر وافتضاح الخلل وعموم الزلل0

000لم يفت ذلك في نفس الدمياطي ولم يوهن حبه وإعجابه بأبي حيان التوحيدى ولم يألو صعلوك العرب وثائرها الأشهر عروة بن الورد جهدا في عون التوحيدي, وإبقائه علي مكانه ومكانته في نفس الدمياطي,وكان لعروة دالة ومنزلة لا تنافس في قلبي التوحيدي والدمياطي, الذين جمعهما إعجاب لا يحد بابن الورد حين صرف نفسه وجهده ولم يدخر وسعه وأنفق عمره,علي الإقتصاص للمغبونين المظلومين من ظالميهم ومستغليهم وانتزاع ما أمكن له من أموالهم وعروضهم وأمنهم ,ليعيدها إلي مستحقيها وأهلها,وعلي ذلك ذاع شعره الذي ناء بثقل نقمته وسخطه علي مجتمعه وبيئته وأدرانهما فغدا شاعرا فذا وصعلوكا فريدا في تاريخ شعراء العربية ومتمرديها عبر تاريخها الطويل ,لقد أ’خذ الدمياطي مثلما أ’خذ التوحيدي بعروة الناقم الثائر الهازئ وهو يقول:


ذريني للغنى أسعى فإني000 رأيت الناس شرُّهم الفقير‏


وأبعدهم وأهونهم عليهم0000 وإن أمسى له كرمُ وخِير‏


ويُقْصيه النديُّ وتزدريه 00000حليلته وينهرُه الصغير‏


وتَلقى ذا الغنى له جلال00000 يكادُ فؤادُ صاحبه يطير‏


قليلٌ ذنبه والذنب جَمٌّ 000000ولكنّ للغنى ربّ غفور


000لم يألو عروة جهده فألف بين قلبي وعقلي الرجلين, شريكي بؤسه وعوزه,ورفيقي تمرده وحنقه, فتوحدا به ومعه في الرأي والرؤية,وجمعهم الموقف والمسلك والثورة علي نكد الدنيا وتسيد الأراذل وانزواء العباقرة الشوامخ,وزاد يقين الدمياطي بما ذهب إليه عقله واطمأنت نفسه من نهج ,حين أبصر جوهر الإسلام ونصاعة رؤيته وسمو فكرته حيث لا يتمايز الناس بانتماء ولا محتد ولا عرق وإنما يتمايزون بتقواهم ودورهم فلا عنصرية مقيته ولا استعلاء أصم أجوف ,بهره توسد بلال وأبو ذر وخباب بن الأرت وصهيب الرومي وعمار بن ياسر في قلوب وعقول الرسول والمسلمين مثلما توسد أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن معاذ ,وهو ما لم يدرك قليله أثرياء قريش وسادتها ,ومثلما راع زمن الرخاء العباسي أبا حيان التوحيدي ,ارتاع من قبله عروة ابن الورد زمن الجاهلية ,راعت الدمياطي سبعينات القرن المنصرم روعا بقيت أسبابه شامخة حاسرة,جاسرة, وقحة,لا ينال منها نائل ولا تكترث لطائل من فكر أو طرح ولا تتغير أو تتبدل وإنما تسرف في غيها ونزقها, فمريدوها دائما كثر وفاهموها والسالكون طريقها يزيدون ولا ينقصون ويدأبون لديدنهم ومذهبهم ولغتهم ولا يرعوون ولا تستثيرهم أو تنغص أفكارهم وقلوبهم قيمة ,ولا تنكأ ضمائرهم شرعة مهما كانت أو منهجا وإن علا,فبدا التدني والتزلف والتملق والتنكر والجحود والذاتية المفرطة القاصرة المتنكرة ,والتعالي الذي إلا إلي إجادة الإنحاء والاستخذاء, والرضي واستحباب الإمتطاء,ومنافسة الأحذية,لقد أصبح ذلك كله ثقافة مجتمع وسمات جمهرة شخوص الوطن0

000في ساحات آداب القاهرة ,تواترت تساؤلات الدمياطي وحواراته مع أساتذته وزملائه عن أبي حيان التوحيدي,وذاع بينهم نزوعه السافر إليه واقتفاؤه أثره وتمنطقه بمنهجه ,وباحت فأفصحت إيماءاته إليه واحتجاجاته بأقواله ,حتي لقبه بأبي حيان الدمياطي, أحد أساتذته ممن أكثر لجاجتهم وأسرف في جدالهم انتصارا لشخص التوحيدي وثقافته ورؤيته, فشاع ذلك بين أساتذته وأشياخه ورفاقه وزملاؤه ورضيت به نفسه, فاستقرت تلك التسمية في العقول واعتادتها الألسنة,ومثلما كان التوحيدي، الذي لم يكن يملك سوى أدبه وعلمه, غاضباً علي عصره، ساخطاً على أهله ,ناقماً على واقع فاسد يعلي المنافق ويزري بالشريف,حتي لو كان عبقريا فذا, كان الدمياطي يسير علي درب رفيقه ونهجه,فلا يكاد يبرحه, لقد غدا ثورة مستعرة ، وتمردا لا يريم.

000ذهل ابو حيان الدمياطي حين صدمته نهاية التوحيدي وما ساقه تبريرا لحرقه نفائسه حين قال (كيف أتركها لأناس جاورتهم عشرين عاماً فما صح لي من أحجهم وداد، ولا ظهر لي من إنسان منهم حفاظ. لقد اضطررت بينهم بعد العشرة والمعرفة في أوقات كثيرة، إلى أكل الخضر في الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة، والعامة، وإلى مالا يحسن بالحر أن يرسمه بالقلم ويطرح في قلب صاحبه الألم).

000علي أن الدمياطي الذي رأي مآل صاحبيه وعاقبة أمرهما التي كانت خسرا وضيعة, أوعزت له نفسه ووقر في قلبه واستقر في عقله أن رفيقيه قد تكلفا عمرهما ولم تفلح عبقريتيهما وهمتيهما وعلو نفستيهما في قضاء حاجات حياتيهما والرقي بهما إلي ما يرونه جديرا بهما وأولي لهما من المكانة والتوسد والثراء والرفعة ,وراعه مصيرهما بعد أن أشفق علي ولوجوهما ديارا غير مرحبة ولا آبهة لهما أوبهما,فعل ذلك بنفس وعقل أبي حيان الدمياطي الأفاعيل وخيل له غرور عقله ومرونة لازمة مسعفة ملبية نداء حاجته ومقتضيات شدائده ,وتأقلم مع واقعه ,ربي ودرب عليهم, أنهما كان عليهما أن يدورا مثلما دار الناس وأن مآلهما وليد عجز عن فهم وقلة حيلة وانغلاق عقل وبطيئ فكر, واستقرت رؤيته واطمأنت نفسه إلي ما ذهبت إليه وانتوي أمورا ومنهجا في مقبلات أيامه يثبت لنفسه فيه أنه أحصف عقلا وأسع خبرة وأكثر دربة وأقدر مهارة,ليصل إلي ما تطمح إليه نفسه من توسد وتمكن وغني ,وبعد ذلك فلتذهب الأكمة وما وراءها إلي الجحيم0 --الي القاء مع الجزء الثاني
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 29/04/2009, 04h47
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي ابو حيان الدمياطي ج2: الي شباب المنتدي وادبائه العمري ورائد وغيرهم

00أقفرت أيام الدرس الجامعي وغاض ماؤها العذب,وولت بحبوحتها ورحابتها بعدما كان أبو حيان الدمياطي يتحري توليها ويتحرق شوقا إلي انتهائها ,لقد جهد جهده للتغافل عن غائلة أيامه القادمة في قريته التي درج فيه وأحبته دروبها وحاراتها ومصاطبها وخبرته حقولها وأجرانها وأشجار توتها وترعها وسواقيها ,وأنكرت عليه ذكاءه وتوثبه وطموحه قليل بيوتها وشوارعها, وازدرته قلوب وعيون بعض أهلها0

000في قريته تلك كانت تنتظر أمه وأختاه ويتلهفون ويترقبون عودة الأستاذ من القاهرة تزينه أكاليل غار النجاح والتخرج وتحدوه آمال عراض لتلك الأسرة البائسة في واسع عطاءه المرتقب ونواله المرتجي وتوسده المنتظر ,عاد الأستاذ كما كن ينادينه منذ صغره حين تعلقت آمالهن في الانعتاق به من قيود الحاجة وذل الفاقة والعوز والضعة, ولم يجل بخاطره ولا خاطرهن ديمومة أيام انكفائهن علي ضني حاجاتهن وقليل أرزاقهن وهول عوزهن واقتطاعهن ما أمكن لهم من شحيح ذلك وعسيره لمد الأستاذ في غربته بالقاهرة بجنيهات,مؤلمات,قليلات شحيحات,نادرات,بطيئات عزيزات المنال,مكلؤة بمطويات خبز وقليل بيض وأرز, ونادرا ما تكللت تلك الزوادات بذكر من البط ما انفكت أمه عن دس الأذرة في فمه والتنقيب له عن طعامه العزيز المسمن من جوع من تلك القواقع والطحالب التي كانت تتحراها فتفجأها في مكامنها وجحورها علي جسور الغيطان والحقول والترع والقنوات,وتجلب معها ما أمكن لها من سائغ حشائش الغلت والدنيبق والسعد وورد النيل وغيرها من تلك الحشائش التي كانت تعلن عن نفسها وعن تمردها حين تنبت بلامعين وبلا هدف في الحقول, إلا أن تقض مضاجع أولئك البؤساء من الفلاحين الذين كان يرهقهم تقصيها لاقتلاعها وإنقاذ زراعاتهم وملاذاتهم وحلمهم الوحيد في أقوات عامهم الآتي من خطرها وجرأتها0

00علي أن ظهور مثل تلك الحشائش الضارة النافعة كان مؤذنا بأرزاق وفرجات كروب لعيون مترقبة متأهبة لأولئك الذين لا ملاذ لهم من ضروريات أيامهم وحاجاتهم إلا بعملهم في الحقول لتنقيتها من تلك الآبقات من النباتات التي كانت تتحدي طموح نباتات الأرز والقمح والأذرة,وكأن هؤلاء البؤساء قد قضي لهم ألا يرتزقون إلا علي تلك المكروهات المؤلمات من الأعمال التي يستأجرون لتحريها واقتلاعها,وقد يذهب غيظ أولئك الفلاحين والأجراء من عمال وعاملات اليومية,رضوخ للمقدور وتمتع بشجي تلك الأحاديث الشائقة والقصص المؤلمة والآمال الآفلة والتنبيه الذكي بالحب والاهتمام الذي كان يتوامأ به شباب وشابات من بؤساء عمال اليومية حبن يتحينون غفلة رفقاء بؤسهم ,أو خولي العزبة أو صاحب الحقل ,لكم شهدت حقول الأرز والقمح فصول حب صادقة لاهبة بائسة وعذوبة كلمات ودفيئ عون ورحمة ورقيق ايماءات ,إبان اصطفاف أولئك الأنفار حسبما عرفهم الناس به وارتضوه لأنفسهم من وصف وتسمية وتصنيف, لمواجهة غائلة وعشوائية وتمرد وانفلات تلك النباتات التي لم يخل وجودها من فوائد, وأجواء مواجهتها من روعة,لكم أشعلت تلك النباتات الآبقة المتمردة لهيب حب وأحيت آمالا ,وأنشأت زيجات,وأبدعت أطفالا سرعان ما احتوتهم وابتلعتهم تلك الصفوف والحقول,ولطالما أفسحت أبواب رزق للبائسات الفقيرات العائزات,ومثل شركاء عوزهن وشقائهن كانت أم الأستاذ وأختاه يتلهفونها , ويتملقونها0

000عاد الأستاذ وما أدراك ما عودة الأستاذ, لقد كانت في مخيلة أمه وأختيه مؤذنة بانبلاج فجر وزوال هم وتفريج كرب وسعة رزق, وواعدة بغد ليس كمثله غد وأيام تنفض ركام سود لياليهن الماضيات البطيئات الثقيلات المحوجات المذلات, لقد توحد الأمل في نفس الأم الصابرة الساعية المقاتلة وبناتها اللواتي أعجزهن فقرهن وشحيح جمالهن وصرف عنهن عيون وقلوب شباب ما كانوا ليثقلوا كواهل أيامهم بتلك البائسات الفقيرات فأعرضوا عنهن إلي أتراب لهن حزن مالا أو قراريط من الطين أو جمالا أخذا, وتعلقت آمالهن بعودة الأستاذ الظافرة الواعدة المحلقة بهن إلي وضع جديد ومكانة منتظرة,ولطالما أفزعتهن مخافات الحسد المنتظر وموجبات الضغن الآتيات من أولئك الذين شاطروهم عوزهم وقهرهم وضعة أحوالهم أو من أولئك الذين استعملوهن في حقولهن من أثرياء القرية وسادتها الذين كان أولادهم أعجز من أن يجاروا الأستاذ ذكاء وتوثبا وعزما فتعثرت بهم دروبهم أمام شائك الامتحانات إلي أن أجهزت امتحانات الثانوية العامة الهائلة المهولة,علي من استمر يركض في مضمار سباقاتها منهم, وبقي الدمياطي فردا فذا تحرسه دعوات أم رءوم وأخوات حانيات مشفقات لم تنقطع أو تمل, وأشفقت عليهن وتحسست توجساتهن بعض نظيرات البؤس والحاجة اللواتي كان تفوق الأستاذ يبشرهن بثلمة في أبواب موصدة دونهن ودون آمالهن في دورة الأيام وتداولها بين الناس0

000عاد الدمياطي إلي قريته الغافية علي ضفاف النيل جنوب دمياط, تكلؤه آمال من لا آمال لهن وأحلام من لا أحلام لهن إلا به وفيه, لكن مستكنات ومخاوف وهواجس تغابي عنها ودأب علي تغافلها ردحا من زمنه وخفيت علي أولئك البؤساء, من مقبلات لياليه وأيامه, قد ولي زمان تغافله عنها,وانفلت عقال إسارها, فجحظت جلية متغلغلة في صدره ونفسه,لكنها سرعان ما ارتدت علي أعقابها لتعد عدتها لكرتها القادمة وصولتها الحاسمة, حين آب إلي عقله الذي آنس إلي وصف الشاعر لمقبلات الليالي الغامضات المنذرات بأنهن من الزمان حبالي مثقلات يلدن كل عجيبة ,لقد استوعبت نفسه ذلك فوعته ,وحسم عقله أمره متمترسا وراء تجاريب شخوص قرأ سيرها أو خالطها إبان سنوات عمره المنصرمة بالجامعة,سواء لأفذاذ أو لسفلة وإن توسدت تجربة أبي حيان التوحيدي نفسه واحتساها عقله حتي الثمالة عقله,و استقوي بها عزمه,لقد وعي تلك التجربة حين لم تفلح عبقرية التوحيدي في درء جوعه ودفع عوزه,وهاله مآل اعتزازه بنفسه,والقي باللائمة عليه إذ رآه مبالغا معتدا, وهزيلا متوددا مضطربا متملقا فما أغني عنه هذا ولا صان ماء كرامته ذاك,واطمأن رأي الدمياطي,إلي أن الأمر كان ينبغي ألا يجري علي ماجري عليه عند أبي حيان الذي بالغ في رأيه صعودا ُثم بالغ تدنيا,وعظم وقع مبالغته آبقا متمردا مغلظا ومستغلظا0

000 أيام سريعة جال خلالها الدمياطي في دروب قريته,واثق الخطي, مشرق الوجه, عالي الهامة,ماض قدما يخاله الظان أنه ما عاد إلي القرية علي حالته تلك إلا متدثرا بمال كثيرا كافأته به الجامعة تقديرا لعبقريته وتمكنه,ثم شاءت الأيام هازلة هازئة أن تبدد قليلا من قلقه وتوجسه منها فحملت له خطاب تعيينه مدرسا للفلسفة في المدرسة الثانوية الوحيدة بالمدينة المجاورة,لتشرق الآمال في نفوس أمه وأختيه, بعد أن تلقفت أيديهم جنيهاته راتبه الأول الإثني عشر,لكن تلك الآمال العراض سرعان ما تبخرت مع الحاجات الأولي اللازمة للأستاذ, وجاء ذلك الراتب الهذيل واعتاد المجيء تباشير كل شهر, فما ارتوت به غلة الحاجات الدائمات للدمياطي,وما جد علي أمه وأختيه إلا أن الأستاذ أمرهن أمرا لازما ملزما بألا يسرحن مع الأنفار حفاظا علي كرامته وصونا لكبريائه ومكانته, وما كن ينتزعنه من أجر,سد مسده بالكاد راتب الأستاذ الذي لا يكاد يسمن من هزال ولا يغني من فاقة, ويتواري خزيا ضئيلا حقيرا أمام غائلة حاجات لا ترعوي أو تمل0

000 أدرك الدمياطي أن أوان استيعاب تجاريبه واستخدامها لدفع ما ليس منه بد, والإجهاز علي واقعه الضروس قد آن, ووثبت شخصية التوحيدي وتجربته إلي الصدارة في نهجه المزمع الجديد ,وإن تنمرت لها وتأبطت بها شرا,أبيات كان صاحبها يوسف الشربيني صاحب كتاب (هز القحوف في شرح شادية أبي شادوف) أقرب مكانا وزمانا وحالا من الدمياطي ,ذلك أنه عاش في قرية شربين المجاورة القريبة في سنوات القرن السابع عشر الميلادي, في بيئة شبيهة قاتلة أجهزت علي أحلامه في الارتقاء والثراء بعد أن أجازه شيوخه في الجامع الأزهر فما أغني عنه علمه وما كسب, فبات أكثر صرامة وأوضح منهجا ,وأبين رؤية, وأحزم أمرا,من التوحيدي ,الذي ما فتئت تجربته موئلا أصيلا ومعينا وواعظا دائبا للدمياطي ولم يوغل فيها ذلك الا قليلا, وسجلت أبيات سافرت وقحة غير مواربة نهج الشربيني ومستقر رأيه, في سفره الموسوم بهز القحوف الذي يشي عنوان بحمله الدنيء , المتسفل, ذلك النهج وتلك الرؤية والمعالجة والأسلوب, حين قال لائما غيره ممن أخذت عليهم كرامته كل مأخذ, وظن أنها مانعته من الفاقة والذل فما زادته إلا ذلا وتضورا,وأوسعه لوم الشربيني,واستغباه واستجهله بقوله مزريا,لائما,واصفا, ناصحا:
كان والله تقيا صالحا 0000منصفا عدلا وما قط اتهم
كان لا يدري مداراة الورى 000ومداراة الورى أمر مهم

ثم استتبع ذلك بشرح منهجه متفاخرا وقحا مزريا باللائمين,غير آبه بأحد جل أو قل شأنه, وسجله شعرا جليا واضحا لا يحتمل تأويلا ولا يطيق لبسا حين قال:


فطورا تراني عالما ومدرسا 000وطورا تراني فاسقا فلفوسا


وطورا تراني في المزامر عاكفا000وطورا تراني سيدا ورئيسا


مظاهر انس إن تحققت سرها0000 تريك بدورا أقبلت وشموسا


000استدعي الدمياطي وعيه وحزم أمره وبادر إلي التصدي لواقعه المؤلم, وروع مآله الذي طالما استنفر لمواجهته ذاكرته ووعيه وذكائه, ,لقد بدأ طريقه للمواجهة حين جهد إلي ما أوغل فيه زملاء له في المدرسة من الدرس الخاص للتلاميذ وكانت لهم في دفعهم لطلب ذلك وإدراكه أساليب وفنون كثيرة متعددة مقنعة متهددة مستنزفة, وبات الرضوخ لها هما وبلاء وقدرا محتوما,لقد حاول الدمياطي فما أمكن له, ذلك أن الفلسفة علم ومادة غير ذات خطر لا تروع إلا بنادر مما يروع التلاميذ وآباءهم وذويهم من مدلهم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغير ذلك, فوئدت تجارته البائرة الكاسدة, وما أورثته الفلسفة وتضلعه فيها وعمره الذي أنفق أخطره في تحصيلها وإعلاء شانها ,إلا حسرة ولوعة وندم وفاقة وضئيل أهمية وساذج خطر0

000فجأ الأستاذ أمه وأختيه بأنه سوف يتقدم لخطبة زكية,فذعرت أمه ودهشت أختاه من تخيل زواج أخيهن ومعقد أملهن بتلك الفتاة التي جمعت إلي دمامتها وسوء خلقتها وخلقها جبروت أخوة لها,شاع بخلهم قرينا لثرائهم,وذاع توسدهم رديفا لاستغلالهم و بهظهم غيرهم, لقد كانوا ممن ذمهم القرآن وتهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور كونهم إذا كالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون, وعلي هذا كانت اليوميات التي تقضيها أمه وشقيقاته وغيرهم في أرض أشقاء زكية الواسعة هما ثقيلا وألما فادحا, لا يلجئهم إليه إلا روع الجوع وغائلة الحاجة0
000أخبر الأستاذ أمه وأختيه أن ميراث زكية من أبيها سوف يكون خير شفيع لها إلي عقولهم وأسلك سبيلا إلي قلبه ثم قلوبهن,وأنه سوف يقتنص ذلك سهلا هنيئا مريئا ,فمثله لا يرد لمثلها التي فارقتها نضارة الشباب مع ما فارقها من سني العمر, ورضحت أمه وأختاه كارهين متوجسين,وان اعتادوا أن مقالة الأستاذ حتم لا يناقش ومقدور لا يرد0

000 توجه الدمياطي لأخوة زكية الذين استمهلوه متوجسين حذرين إلي أن يجتمعوا إلي كبيرهم الغائب, بعدما يئوب من المدينة, وحين جاءهم أجمعوا أمرهم سريعا أن الأستاذ ما جاءهم إلا طريد فاقته وضعة أهله,وصريع طمع,وأن عليهم أن يتثاقلوا قليلا حتى إذا اضطرم أمره وكاد ينفلت من شراك أعده لهم فقنصوه به, قبلوا طلبه متأففين كارهين متمانعين راغبين,مضمرين أن زواجها هم يزاح وعبئ يلقي,وكاهل يتخفف ولن يكلفهم الأمر شيئا,لأنهم سيتعللون عن تجهيز أختهم بما ينبغي علي أمثالهم وما يناسب ثرائهم, بالرغبة في عدم إحراج الأستاذ الذي لا يملك إلا غرفة يشاطر بها أمه وأختيه في بيتهم الهزيل, وسوف يتخففون من لومة عيون الصامتين , بتلك الأقفاص المغطاة بقماش أبيض المحمولة علي صهوة حميرهم المزدانة ببرادع من الصوف الثمين الذي لا يطيق ثمنه إلا أكابر القرية وأثريائها,الواعدة بعطاء من الطعام والفاكهة والحلوي ,حين يمخر موكبهم المعلن المتشدق بها عباب أزقة القرية ويتحسس مجالس أهلها ليقنعهم بكرم الأخوة ووفائهم لأبيهم الراحل وأختهم, فتخرس لذلك ألسنتهم وترعوي ظنونهم عن مقالات شائعة متواترة أن تلك الأسرة وغيرها من أثرياء القرية وخاصتها لا يورثون نساؤهم حتى لايئول ثرائهم وتراثهم إلي غريب من غيرهم0

000دارت الدائرة علي ما أضمر الجميع وسرعان ما شهدت ساحة منزل الأستاذ توأما يحبو ويكاد يجأر بشكواه من فاقة الأب وضن الأخوال ,وغير بعيد من هذا كله كانت جنيهات راتب الأستاذ تعلن انصرامها السريع مع أيام شهره الأولي,ولم يجد الدمياطي بدا من أن يتحسس أبواب رجال السياسة والإدارة والنفوذ والسلطان علهم يفيئون عليه ببعض مما أفاءه عليهم شياطين أفكارهم وانتهازيتهم وزورهم ونفاقهم, وترددت خطواته عليهم ثم اعتادته مجالسهم, ,لكن ما لم يغب عن خاطر أولئك الأبالسة هو غايات الدمياطي وخطورته,فأجمعوا أمرهم أن يتقبلوه ويفسحوا له موائدهم ومجالسهم وزائف اهتمامهم,علي أن يعلنوا ذلك ما أمكنهم للناس حتى يخلعوا عن الدمياطي كل ما يتوهم فقراء القرية والقرى والعزب المجاورة من مكانته ومهابته وتقدير لنبوغه وفصاحته ومنطقه وعلمه, فإذا ما نضوا عنه تلك الثياب تركوه عاريا ضائعا فاقدا لما قد يتهددهم من خطر عقله وذرب لسانه الذي بهت به ألباب من سمعه حينما كان يتصدي للحديث في الندوات أو يرتقي المنابر في الجمعات0
000 أجمعوا أمرهم وكان ذلك أسلوبا مجربا لديهم ونمطا معتادا لدرء خطر المتوثبين الأذكياء الطامحيين المتهددين الذين كان يغيب عنهم أن دون ذلك المرتقي الوعر مهارات وملكات وسبل لا يعرفها الدمياطي وأمثاله,وهم أغبي من أن يدركوها أو يتقنوها0

000بات الدمياطي منبتا لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي,وقهره يأسه حينما صرعه إياب أمه وأختيه إلي العمل باليومية,ورفض رجال ومندوبي بعثات التعاقد مع المدرسين لبلدان الخليج حيث أحلام الثراء والرخاء,قائلين في ازورار عجيب, وإعراض غير آبه واستعلاء وشموخ وأنفة لا تحد(تخصصك غير مطلوب عندنا)00سارت الأيام بالدمياطي كئيبة مميتة قاتلة واشتد أورارها عليه ,فطفق يبحث ويألم فلم يجد كتبا له ليحرقها مثلما فعل التوحيدي,فاستسلم و تقاذفته الأيام مثلما تقاذفته الخطوب والآلام000وأترك لخيال قارئي العزيز ميدان التكهن بمصير الدمياطي ومآله فسيحا ثريا فطنا0

الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان
الدمام القائظة اللاهبة/ فجر الأربعاء28من ابريل 2009م
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 29/04/2009, 04h47
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي ابو حيان الدمياطي ج2: الي شباب المنتدي وادبائه العمري ورائد وغيرهم

00أقفرت أيام الدرس الجامعي وغاض ماؤها العذب,وولت بحبوحتها ورحابتها بعدما كان أبو حيان الدمياطي يتحري توليها ويتحرق شوقا إلي انتهائها ,لقد جهد جهده للتغافل عن غائلة أيامه القادمة في قريته التي درج فيه وأحبته دروبها وحاراتها ومصاطبها وخبرته حقولها وأجرانها وأشجار توتها وترعها وسواقيها ,وأنكرت عليه ذكاءه وتوثبه وطموحه قليل بيوتها وشوارعها, وازدرته قلوب وعيون بعض أهلها0

000في قريته تلك كانت تنتظر أمه وأختاه ويتلهفون ويترقبون عودة الأستاذ من القاهرة تزينه أكاليل غار النجاح والتخرج وتحدوه آمال عراض لتلك الأسرة البائسة في واسع عطاءه المرتقب ونواله المرتجي وتوسده المنتظر ,عاد الأستاذ كما كن ينادينه منذ صغره حين تعلقت آمالهن في الانعتاق به من قيود الحاجة وذل الفاقة والعوز والضعة, ولم يجل بخاطره ولا خاطرهن ديمومة أيام انكفائهن علي ضني حاجاتهن وقليل أرزاقهن وهول عوزهن واقتطاعهن ما أمكن لهم من شحيح ذلك وعسيره لمد الأستاذ في غربته بالقاهرة بجنيهات,مؤلمات,قليلات شحيحات,نادرات,بطيئات عزيزات المنال,مكلؤة بمطويات خبز وقليل بيض وأرز, ونادرا ما تكللت تلك الزوادات بذكر من البط ما انفكت أمه عن دس الأذرة في فمه والتنقيب له عن طعامه العزيز المسمن من جوع من تلك القواقع والطحالب التي كانت تتحراها فتفجأها في مكامنها وجحورها علي جسور الغيطان والحقول والترع والقنوات,وتجلب معها ما أمكن لها من سائغ حشائش الغلت والدنيبق والسعد وورد النيل وغيرها من تلك الحشائش التي كانت تعلن عن نفسها وعن تمردها حين تنبت بلامعين وبلا هدف في الحقول, إلا أن تقض مضاجع أولئك البؤساء من الفلاحين الذين كان يرهقهم تقصيها لاقتلاعها وإنقاذ زراعاتهم وملاذاتهم وحلمهم الوحيد في أقوات عامهم الآتي من خطرها وجرأتها0

00علي أن ظهور مثل تلك الحشائش الضارة النافعة كان مؤذنا بأرزاق وفرجات كروب لعيون مترقبة متأهبة لأولئك الذين لا ملاذ لهم من ضروريات أيامهم وحاجاتهم إلا بعملهم في الحقول لتنقيتها من تلك الآبقات من النباتات التي كانت تتحدي طموح نباتات الأرز والقمح والأذرة,وكأن هؤلاء البؤساء قد قضي لهم ألا يرتزقون إلا علي تلك المكروهات المؤلمات من الأعمال التي يستأجرون لتحريها واقتلاعها,وقد يذهب غيظ أولئك الفلاحين والأجراء من عمال وعاملات اليومية,رضوخ للمقدور وتمتع بشجي تلك الأحاديث الشائقة والقصص المؤلمة والآمال الآفلة والتنبيه الذكي بالحب والاهتمام الذي كان يتوامأ به شباب وشابات من بؤساء عمال اليومية حبن يتحينون غفلة رفقاء بؤسهم ,أو خولي العزبة أو صاحب الحقل ,لكم شهدت حقول الأرز والقمح فصول حب صادقة لاهبة بائسة وعذوبة كلمات ودفيئ عون ورحمة ورقيق ايماءات ,إبان اصطفاف أولئك الأنفار حسبما عرفهم الناس به وارتضوه لأنفسهم من وصف وتسمية وتصنيف, لمواجهة غائلة وعشوائية وتمرد وانفلات تلك النباتات التي لم يخل وجودها من فوائد, وأجواء مواجهتها من روعة,لكم أشعلت تلك النباتات الآبقة المتمردة لهيب حب وأحيت آمالا ,وأنشأت زيجات,وأبدعت أطفالا سرعان ما احتوتهم وابتلعتهم تلك الصفوف والحقول,ولطالما أفسحت أبواب رزق للبائسات الفقيرات العائزات,ومثل شركاء عوزهن وشقائهن كانت أم الأستاذ وأختاه يتلهفونها , ويتملقونها0

000عاد الأستاذ وما أدراك ما عودة الأستاذ, لقد كانت في مخيلة أمه وأختيه مؤذنة بانبلاج فجر وزوال هم وتفريج كرب وسعة رزق, وواعدة بغد ليس كمثله غد وأيام تنفض ركام سود لياليهن الماضيات البطيئات الثقيلات المحوجات المذلات, لقد توحد الأمل في نفس الأم الصابرة الساعية المقاتلة وبناتها اللواتي أعجزهن فقرهن وشحيح جمالهن وصرف عنهن عيون وقلوب شباب ما كانوا ليثقلوا كواهل أيامهم بتلك البائسات الفقيرات فأعرضوا عنهن إلي أتراب لهن حزن مالا أو قراريط من الطين أو جمالا أخذا, وتعلقت آمالهن بعودة الأستاذ الظافرة الواعدة المحلقة بهن إلي وضع جديد ومكانة منتظرة,ولطالما أفزعتهن مخافات الحسد المنتظر وموجبات الضغن الآتيات من أولئك الذين شاطروهم عوزهم وقهرهم وضعة أحوالهم أو من أولئك الذين استعملوهن في حقولهن من أثرياء القرية وسادتها الذين كان أولادهم أعجز من أن يجاروا الأستاذ ذكاء وتوثبا وعزما فتعثرت بهم دروبهم أمام شائك الامتحانات إلي أن أجهزت امتحانات الثانوية العامة الهائلة المهولة,علي من استمر يركض في مضمار سباقاتها منهم, وبقي الدمياطي فردا فذا تحرسه دعوات أم رءوم وأخوات حانيات مشفقات لم تنقطع أو تمل, وأشفقت عليهن وتحسست توجساتهن بعض نظيرات البؤس والحاجة اللواتي كان تفوق الأستاذ يبشرهن بثلمة في أبواب موصدة دونهن ودون آمالهن في دورة الأيام وتداولها بين الناس0

000عاد الدمياطي إلي قريته الغافية علي ضفاف النيل جنوب دمياط, تكلؤه آمال من لا آمال لهن وأحلام من لا أحلام لهن إلا به وفيه, لكن مستكنات ومخاوف وهواجس تغابي عنها ودأب علي تغافلها ردحا من زمنه وخفيت علي أولئك البؤساء, من مقبلات لياليه وأيامه, قد ولي زمان تغافله عنها,وانفلت عقال إسارها, فجحظت جلية متغلغلة في صدره ونفسه,لكنها سرعان ما ارتدت علي أعقابها لتعد عدتها لكرتها القادمة وصولتها الحاسمة, حين آب إلي عقله الذي آنس إلي وصف الشاعر لمقبلات الليالي الغامضات المنذرات بأنهن من الزمان حبالي مثقلات يلدن كل عجيبة ,لقد استوعبت نفسه ذلك فوعته ,وحسم عقله أمره متمترسا وراء تجاريب شخوص قرأ سيرها أو خالطها إبان سنوات عمره المنصرمة بالجامعة,سواء لأفذاذ أو لسفلة وإن توسدت تجربة أبي حيان التوحيدي نفسه واحتساها عقله حتي الثمالة عقله,و استقوي بها عزمه,لقد وعي تلك التجربة حين لم تفلح عبقرية التوحيدي في درء جوعه ودفع عوزه,وهاله مآل اعتزازه بنفسه,والقي باللائمة عليه إذ رآه مبالغا معتدا, وهزيلا متوددا مضطربا متملقا فما أغني عنه هذا ولا صان ماء كرامته ذاك,واطمأن رأي الدمياطي,إلي أن الأمر كان ينبغي ألا يجري علي ماجري عليه عند أبي حيان الذي بالغ في رأيه صعودا ُثم بالغ تدنيا,وعظم وقع مبالغته آبقا متمردا مغلظا ومستغلظا0

000 أيام سريعة جال خلالها الدمياطي في دروب قريته,واثق الخطي, مشرق الوجه, عالي الهامة,ماض قدما يخاله الظان أنه ما عاد إلي القرية علي حالته تلك إلا متدثرا بمال كثيرا كافأته به الجامعة تقديرا لعبقريته وتمكنه,ثم شاءت الأيام هازلة هازئة أن تبدد قليلا من قلقه وتوجسه منها فحملت له خطاب تعيينه مدرسا للفلسفة في المدرسة الثانوية الوحيدة بالمدينة المجاورة,لتشرق الآمال في نفوس أمه وأختيه, بعد أن تلقفت أيديهم جنيهاته راتبه الأول الإثني عشر,لكن تلك الآمال العراض سرعان ما تبخرت مع الحاجات الأولي اللازمة للأستاذ, وجاء ذلك الراتب الهذيل واعتاد المجيء تباشير كل شهر, فما ارتوت به غلة الحاجات الدائمات للدمياطي,وما جد علي أمه وأختيه إلا أن الأستاذ أمرهن أمرا لازما ملزما بألا يسرحن مع الأنفار حفاظا علي كرامته وصونا لكبريائه ومكانته, وما كن ينتزعنه من أجر,سد مسده بالكاد راتب الأستاذ الذي لا يكاد يسمن من هزال ولا يغني من فاقة, ويتواري خزيا ضئيلا حقيرا أمام غائلة حاجات لا ترعوي أو تمل0

000 أدرك الدمياطي أن أوان استيعاب تجاريبه واستخدامها لدفع ما ليس منه بد, والإجهاز علي واقعه الضروس قد آن, ووثبت شخصية التوحيدي وتجربته إلي الصدارة في نهجه المزمع الجديد ,وإن تنمرت لها وتأبطت بها شرا,أبيات كان صاحبها يوسف الشربيني صاحب كتاب (هز القحوف في شرح شادية أبي شادوف) أقرب مكانا وزمانا وحالا من الدمياطي ,ذلك أنه عاش في قرية شربين المجاورة القريبة في سنوات القرن السابع عشر الميلادي, في بيئة شبيهة قاتلة أجهزت علي أحلامه في الارتقاء والثراء بعد أن أجازه شيوخه في الجامع الأزهر فما أغني عنه علمه وما كسب, فبات أكثر صرامة وأوضح منهجا ,وأبين رؤية, وأحزم أمرا,من التوحيدي ,الذي ما فتئت تجربته موئلا أصيلا ومعينا وواعظا دائبا للدمياطي ولم يوغل فيها ذلك الا قليلا, وسجلت أبيات سافرت وقحة غير مواربة نهج الشربيني ومستقر رأيه, في سفره الموسوم بهز القحوف الذي يشي عنوان بحمله الدنيء , المتسفل, ذلك النهج وتلك الرؤية والمعالجة والأسلوب, حين قال لائما غيره ممن أخذت عليهم كرامته كل مأخذ, وظن أنها مانعته من الفاقة والذل فما زادته إلا ذلا وتضورا,وأوسعه لوم الشربيني,واستغباه واستجهله بقوله مزريا,لائما,واصفا, ناصحا:
كان والله تقيا صالحا 0000منصفا عدلا وما قط اتهم
كان لا يدري مداراة الورى 000ومداراة الورى أمر مهم

ثم استتبع ذلك بشرح منهجه متفاخرا وقحا مزريا باللائمين,غير آبه بأحد جل أو قل شأنه, وسجله شعرا جليا واضحا لا يحتمل تأويلا ولا يطيق لبسا حين قال:


فطورا تراني عالما ومدرسا 000وطورا تراني فاسقا فلفوسا


وطورا تراني في المزامر عاكفا000وطورا تراني سيدا ورئيسا


مظاهر انس إن تحققت سرها0000 تريك بدورا أقبلت وشموسا


000استدعي الدمياطي وعيه وحزم أمره وبادر إلي التصدي لواقعه المؤلم, وروع مآله الذي طالما استنفر لمواجهته ذاكرته ووعيه وذكائه, ,لقد بدأ طريقه للمواجهة حين جهد إلي ما أوغل فيه زملاء له في المدرسة من الدرس الخاص للتلاميذ وكانت لهم في دفعهم لطلب ذلك وإدراكه أساليب وفنون كثيرة متعددة مقنعة متهددة مستنزفة, وبات الرضوخ لها هما وبلاء وقدرا محتوما,لقد حاول الدمياطي فما أمكن له, ذلك أن الفلسفة علم ومادة غير ذات خطر لا تروع إلا بنادر مما يروع التلاميذ وآباءهم وذويهم من مدلهم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغير ذلك, فوئدت تجارته البائرة الكاسدة, وما أورثته الفلسفة وتضلعه فيها وعمره الذي أنفق أخطره في تحصيلها وإعلاء شانها ,إلا حسرة ولوعة وندم وفاقة وضئيل أهمية وساذج خطر0

000فجأ الأستاذ أمه وأختيه بأنه سوف يتقدم لخطبة زكية,فذعرت أمه ودهشت أختاه من تخيل زواج أخيهن ومعقد أملهن بتلك الفتاة التي جمعت إلي دمامتها وسوء خلقتها وخلقها جبروت أخوة لها,شاع بخلهم قرينا لثرائهم,وذاع توسدهم رديفا لاستغلالهم و بهظهم غيرهم, لقد كانوا ممن ذمهم القرآن وتهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور كونهم إذا كالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون, وعلي هذا كانت اليوميات التي تقضيها أمه وشقيقاته وغيرهم في أرض أشقاء زكية الواسعة هما ثقيلا وألما فادحا, لا يلجئهم إليه إلا روع الجوع وغائلة الحاجة0
000أخبر الأستاذ أمه وأختيه أن ميراث زكية من أبيها سوف يكون خير شفيع لها إلي عقولهم وأسلك سبيلا إلي قلبه ثم قلوبهن,وأنه سوف يقتنص ذلك سهلا هنيئا مريئا ,فمثله لا يرد لمثلها التي فارقتها نضارة الشباب مع ما فارقها من سني العمر, ورضحت أمه وأختاه كارهين متوجسين,وان اعتادوا أن مقالة الأستاذ حتم لا يناقش ومقدور لا يرد0

000 توجه الدمياطي لأخوة زكية الذين استمهلوه متوجسين حذرين إلي أن يجتمعوا إلي كبيرهم الغائب, بعدما يئوب من المدينة, وحين جاءهم أجمعوا أمرهم سريعا أن الأستاذ ما جاءهم إلا طريد فاقته وضعة أهله,وصريع طمع,وأن عليهم أن يتثاقلوا قليلا حتى إذا اضطرم أمره وكاد ينفلت من شراك أعده لهم فقنصوه به, قبلوا طلبه متأففين كارهين متمانعين راغبين,مضمرين أن زواجها هم يزاح وعبئ يلقي,وكاهل يتخفف ولن يكلفهم الأمر شيئا,لأنهم سيتعللون عن تجهيز أختهم بما ينبغي علي أمثالهم وما يناسب ثرائهم, بالرغبة في عدم إحراج الأستاذ الذي لا يملك إلا غرفة يشاطر بها أمه وأختيه في بيتهم الهزيل, وسوف يتخففون من لومة عيون الصامتين , بتلك الأقفاص المغطاة بقماش أبيض المحمولة علي صهوة حميرهم المزدانة ببرادع من الصوف الثمين الذي لا يطيق ثمنه إلا أكابر القرية وأثريائها,الواعدة بعطاء من الطعام والفاكهة والحلوي ,حين يمخر موكبهم المعلن المتشدق بها عباب أزقة القرية ويتحسس مجالس أهلها ليقنعهم بكرم الأخوة ووفائهم لأبيهم الراحل وأختهم, فتخرس لذلك ألسنتهم وترعوي ظنونهم عن مقالات شائعة متواترة أن تلك الأسرة وغيرها من أثرياء القرية وخاصتها لا يورثون نساؤهم حتى لايئول ثرائهم وتراثهم إلي غريب من غيرهم0

000دارت الدائرة علي ما أضمر الجميع وسرعان ما شهدت ساحة منزل الأستاذ توأما يحبو ويكاد يجأر بشكواه من فاقة الأب وضن الأخوال ,وغير بعيد من هذا كله كانت جنيهات راتب الأستاذ تعلن انصرامها السريع مع أيام شهره الأولي,ولم يجد الدمياطي بدا من أن يتحسس أبواب رجال السياسة والإدارة والنفوذ والسلطان علهم يفيئون عليه ببعض مما أفاءه عليهم شياطين أفكارهم وانتهازيتهم وزورهم ونفاقهم, وترددت خطواته عليهم ثم اعتادته مجالسهم, ,لكن ما لم يغب عن خاطر أولئك الأبالسة هو غايات الدمياطي وخطورته,فأجمعوا أمرهم أن يتقبلوه ويفسحوا له موائدهم ومجالسهم وزائف اهتمامهم,علي أن يعلنوا ذلك ما أمكنهم للناس حتى يخلعوا عن الدمياطي كل ما يتوهم فقراء القرية والقرى والعزب المجاورة من مكانته ومهابته وتقدير لنبوغه وفصاحته ومنطقه وعلمه, فإذا ما نضوا عنه تلك الثياب تركوه عاريا ضائعا فاقدا لما قد يتهددهم من خطر عقله وذرب لسانه الذي بهت به ألباب من سمعه حينما كان يتصدي للحديث في الندوات أو يرتقي المنابر في الجمعات0
000 أجمعوا أمرهم وكان ذلك أسلوبا مجربا لديهم ونمطا معتادا لدرء خطر المتوثبين الأذكياء الطامحيين المتهددين الذين كان يغيب عنهم أن دون ذلك المرتقي الوعر مهارات وملكات وسبل لا يعرفها الدمياطي وأمثاله,وهم أغبي من أن يدركوها أو يتقنوها0

000بات الدمياطي منبتا لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي,وقهره يأسه حينما صرعه إياب أمه وأختيه إلي العمل باليومية,ورفض رجال ومندوبي بعثات التعاقد مع المدرسين لبلدان الخليج حيث أحلام الثراء والرخاء,قائلين في ازورار عجيب, وإعراض غير آبه واستعلاء وشموخ وأنفة لا تحد(تخصصك غير مطلوب عندنا)00سارت الأيام بالدمياطي كئيبة مميتة قاتلة واشتد أورارها عليه ,فطفق يبحث ويألم فلم يجد كتبا له ليحرقها مثلما فعل التوحيدي,فاستسلم و تقاذفته الأيام مثلما تقاذفته الخطوب والآلام000وأترك لخيال قارئي العزيز ميدان التكهن بمصير الدمياطي ومآله فسيحا ثريا فطنا0

الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان
الدمام القائظة اللاهبة/ فجر الأربعاء28من ابريل 2009م
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 06/05/2009, 18h36
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي الدكتور عبد الحميد سليمان ـ المجموعه القصصيه

تاريخ أهمله التاريخ


نموذج تاريخي منسي فريد لمعالجة الفقر والانحراف الإداري والسياسي في مصر



إسماعيل باشا


1107هـ/1695م الي1109هـ/1697م



000ذاع الفساد الإداري في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي في مصر العثمانية, واستقر ولم يعد هناك من يلوم أو ينتقد حينما أوصد الرقيب المفترض والحسيب المرتجي, أبوابه وأذنيه وقلبه فلم يعد يعبأ بكبير ولا بصغير وبدهي أن الصراعات على النفوذ واصطناع الأحلاف ومطاردة المعارضين المعترضين وانصراف الباشوات عن إيجاد حلول جذرية للمشكلات لم يكن سوى أحد وجهي المشكلة على حين تكفلت الطبيعة بالوجه الآخر من المشكلة إذ أن قصور النيل في السنوات المختلفة قد أثر كثيراً على دخول الملتزمين وذلك إلى جانب بهظ ملتزمي الباطن وغيرهم الناس بالحمايات والضرائب غير الرسمية مما أدى إلى عجز كثير منهم عن الوفاء بما عليه من أموال وفر البعض الآخر من الالتزام لانعدام الفائدة وتحول الأمر إلى غرم وخسارة مع ما لذلك من تأثير مباشر على الفلاحين والحرفيين الذين كانوا يكتوون بنار مثل تلك المغارم والمظالم وبلغت المأساة ذروتها سنة 1106 هـ / 1693 م , حيث صورها القينالي بقوله ( في أواخر سنة ستة ومصر وبلادها شراقى قفراً لم طلع في غيطان حشيشية خضراً يأخذوه بحجة مال السلطان مصطفى خان .. ) ([1]) .

000وكان من نتائج ذلك القصور في فيضان النيل أن ارتفعت أسعار الحبوب ارتفاعاً كبيراً ووجد لوبي التجار العاملين في تجارة الحبوب ومن استمالوه إليهم وارتبط معهم بمصالح مشتركة من المماليك وكبار رجال الأوجاقات الفرصة سانحة لتحقيق المزيد من الأرباح وحاول كوجك محمد باش أوده باشي ([2]) بمقتضى منصبه الذي يخوله حق الإشراف على الأسعار وضبطها ,التصدي لذلك ورغم إخلاص الرجل ونبل مقصده وحزمه إلا أن الذين وجدوا في قصور النيل فرصتهم للوصول إلى أرباح طائلة أفزعتهم ذلك ودبروا أمرهم بليل حيث اغتيل الرجل وذهب ضحية توجهه الإصلاحي ,وتغلغل لوبي المصالح, والصراع الفقاري القاسمي ,وأعقب ذلك سريعا تضاعف أسعار الحبوب فور ذيوع نبأ اغتياله لتبدأ أحداث مجاعة بشعة تعرض لها سكان مصر من ريف وحضر وهاجر أهل الريف إبانها إلى القاهرة هرباً من المجاعة وعزت الأقوات وأكلت الناس القطط وأجساد الموتى وانتشر في أعقاب ذلك طاعون أودى بأعداد ضخمة ([3]) .

وفي معرض تناوله لتلك الأحداث ذكر أحمد شلبي أن سبب تلك المجاعات والمشاكل الاقتصادية ذلك الفراغ الذي تركه قتل كوجك محمد وذلك بقوله ( لو أراد الله ولم يقتل لم يكن هذا الأمر من هتك الأعراض وبيع الناس أولادهم وهجاجهم إلى يومنا هذا لأنه لما اجتمعت أرباب الغلال والوكلا وتعطفوا خاطره وعملوا له الدراهم التي لها صورة ,امتنع وقال لهم هذا أمر لم يكن مع وجودي على قيد الحياة .. ) ([4]) ,وقد وصفه القينالي بقوله : ( كان رجل خير طيب النفس لم يقبل الرشوة وهو على صلاح وتقوى كان قبل ذلك في الانكشارية ولم يرضه قليل من العدل .. ) ([5]) ولم تجد الدولة العثمانية حلاً لذلك إلا بإرسال إسماعيل باشا لإنقاذ ذلك الوضع المتردي ووضع حلول عملية لمشاكل مصر المالية والإدارية والاقتصادية .

000أدى تفاقم الأوضاع الداخلية في ولاية مصر على نحو ما أسلفنا إلى أن تعهد الإدارة المركزية العثمانية في استانبول إلى أحد رجالها الأكفاء بمهمة إصلاح النظام المالي والإداري وضبط الأمور وإعادة الانضباط داخل الإدارة وعناصرها إضافة إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعويض الأموال التي تأخرت من جملة ما كان على ولاية مصر أن ترسله إلى الخزينة السلطانية في استانبول مما أصطلح على تسميته بأنه (إرسالية الخزينة) وكانت الدولة آنذاك في أمس الحاجة لذلك لاشتداد صراعاتها العسكرية ([6]).
وقد وقع اختيار الإدارة المركزية في استانبول على إسماعيل باشا والي الشام للقيام بتلك المهمة ورغم أن الرجل لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة فإنه كان على كفاءة إدارية كبيرة , وكان قد استدعى إلى استانبول لمناقشة أوضاع ولاية مصر العامة وما بها من مشكلات وبحث سبل حلها وقد أصدرت الإدارة المركزية في استانبول من القرارات ما يحدد مهمة إسماعيل باشا في مصر ويمكن من تنفيذها ويعطي مهمته الغطاء الرسمي اللازم لنجاحها والقبول بما تتخذه من إجراءات ولذلك جاء ومعه في هذا الخصوص عدة خطوط شريفة وأوامر سلطانية تخوله إجراء الإصلاحات المناسبة ([7]) واتخاذ ما يلزم لإتمام إرسالية الخزينة الواجب إرسالها سنوياً من مصر وما من شأنه إصلاح الخلل الإداري والاقتصادي وقد استقبل الرجل بمظاهرة من الجوعى والفقراء والمتضررين الذين اشتد بهم الكرب خاصة وأن القاهرة كانت قد أصبحت غاية يقصدها كل أهالي البلاد المقفرة والمتضررة من المجاعات وقصور فيضان النيل فلما استقر في الديوان وسأل عن ذلك أمر بالنداء في شوارع القاهرة في إجراء غير مسبوق أن على هؤلاء جميعاً أن يقصدوا إذا كان الغد ميدان ( قراميدان ) ([8]) .
ويقول أحمد شلبي بن عبد الغني في تناوله لتفاصيل ذلك ( فلما كان الغد نزل الباشا إلى قراميدان فأتت خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله فأمر الوزير بتوزيعهم على الصناجق والملتزمين بمصر كل إنسان على قدر حاله وبحسب مقامه بحضرتهم جميعاً وأخذ لنفسه ولأعيان دولته ألف نفس وعين لهم من الخبز والطعام ما يكفيهم صباحاً ومساءً إلى أن انقضى الغلا .. ) ثم تصدى لخطر الوباء بأن أمر بتكفين ودفن الموتى من الفقراء وصرف في ذلك مبلغ 625.000 نصف فضة ( بارة ) وذلك لضخامة أعدادهم ([9]) .

وقد أسهمت تلك الإجراءات في صناعة شعبية إسماعيل باشا ومكانته عند الأهالي إضافة إلى إنشاءاته الخيرية وأوقافه والمدرسة التي أنشأها وأوقف عليها وعلى طلابها ومدارسها وكل ذلك كان من ماله الخاص وقد كلفت تلك الإجراءات غير المسبوقة لإسماعيل باشا قبولاً كبيراً لدى الناس وكانت محل تقدير لديهم خاصة أن النيل في أعقاب إسماعيل باشا قد عاود عطاءه فاستقرت الأسعار وتبدلت أحوال الناس وعاد الرخاء فاستبشر الناس بهذا الرجل وأحبوه وقد عبروا عن ذلك بأسفهم الشديد حينما عزل وتوجه إلى بغداد للمهمة الجديدة التي أولتها له استانبول وما أصابه إسماعيل باشا في قلوب الناس اجتمع إلى ما حققه من نجاح إداري تمثل في أدائه كل التزاماته المالية تجاه الخزينة السلطانية وتجاه الحرمين الشريفين وتجاه رواتب الجنود والأوقاف وغير ذلك دون أن يحدث عجز في أي جهة على عكس معظم الباشوات السابقين له واللاحقين به ([10]) .

وقد قال الدمرداش واصفاً إنجازات إسماعيل باشا الإدارية والاجتماعية ومكانته لدى المصريين ( أرسل أحضر حسن أفندي الروزنامجي عمل حسابه مغلق مالاً وغلالاً وتراقي ومعتاد ولم تأخر عليه شيء من بقايا ولا غيرها كتب له قائمة وصنجها وأعطاها له ضلع عليه فروه سمور,ولما عرفت أعيان مصر سناجق وأغوات وزعيم مصر أتوا تماماً وركبوا قدامه وصارت الخلق تدعي له من بيته إلى باب النصر وساداتنا العلما وقفوا له بالغورية ودعوا له بالسلامة التامة .. ) ([11]) .

أما القينالي فقد انفرد بنقل تحسر أهل مصر وتأسفهم على رحيل إسماعيل باشا ولمزهم من تسبب في ذلك كالسلطان والبكوات المماليك والأوجاقات التي تآمرت عليه لما عاينوه وأحسوه من كفاءته وإنسانيته بقوله ( أتت كامل الصناجق والأغوات واختيارية السبعة بلوك طلعوا قدامه وتأخروا أهل مصر علماً وتجار ورعية يدعون له الله تبارك وتعالى يكفيه غدر السلطان ومكر الشيطان ويحرم من حرمنا منك ) ([12]) , ولم يودع أهل مصر أحداً ممن تولى منصب الباشا بمثل ما ودعوا به إسماعيل باشا سواء من السابقين أو اللاحقين به .

00000 صفحات من التاريخ المصري الذي لا يعرف عن قصد أو عن جهل,
مهداة إلي أهل منتدي سماعي طرب وأخص الأخ الكريم الدكتور انس البن ومدام ناهد والأستاذ رائد والأستاذ أبي زهده00أما الشاعر الوطني المخلص طارق العمري فقد كانت إشعاره عن الحرف وما آل إليه حال أهلها وتعليقات الأخوة والأخوات دافعي الأساس إلي اقتطاع ذلك النذر اليسير من كتاباتي التاريخية والمشاركة مستفزا العقول والقرائح لتفحص كل هذا ودلالاته ونتائجه وتخيل الحلول الناجعات له000مع شكري وتقديري واحترامي
الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان


[1] ) القينالي – مجموع لطيف يشتمل على وقائع مصر القاهرة من سنة 1100 هـ إلى آخر تاريخ المجموع سنة 1152 هـ المكتبة الوطنية بفينا – cod – arabe 391 – his 38 ص 8 – 9 .

[2] ) في الأصل تعني كلمة أوده تعني( غرفة ) ولكنها كانت هنا تعني كتيبة أو قوة من أوجاق الانكشارية قوامها 100 جندي وقائدها يعرف بلقب ( أوده باشي ) وكل 10 كتائب من ذلك تكون وحدة عسكرية تسمى ( البلك ) ويرأس ( باشا الأوضباشية ) الجميع , أما( أوضباشي) البوابة فهو أحد العاملين تحت رئاسة الوالي أو الزعيم الذي كانت توكل إليه مسئولية الأمن في مصر القديمة وبولاق والقاهرة ,وعموماً فإن هناك لبسا في مسئوليات القائمين على هذا المنصب لأن الأحداث تظهر تصدي كوجك محمد للارتفاع في الأسعار وتلك المسئولية كانت من ضمن مسئوليات آغا أوجاق الإنكشارية ( مستحفظان ) غير أن ظروف الصراع على النفوذ بين كوجك محمد ومنافسيه على زعامة الأوجاق, جلبي خليل ومصطفى كتخذا القازدغلي في تلك الفترة تظهر أن كوجك محمد قد انتزع تلك المسئولية آنذاك من آغا مستحفظان .
أحمد شلبي بن عبد الغني – المصدر السابق ص 175 – 176 – 185 – 191 .
Holt : studies in the history of the near East ( the career of kucuk Mohammed ) London – 1962 – pp. 245 – 249 .
-عبد الحميد حامد سليمان – نظم إدارة الأمن في مصر العثمانية – مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة – عدد 57 – 1992 م ص 62 : 59 .

[3] ) الدمرداش – المصدر السابق – ص 56 – 62 .

[4] ) أحمد شلبي بن عبد الغني المصدر السابق ص 189 – 191 .

[5] ) القينالي – المصدر السابق ص 7 – 8 .
الجبرتي : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار – دار الجيل – بيروت ج 1 ص 138 .

[6] ) لمزيد من التفاصيل حول النشاط العسكري العثماني في أوروبا وآسيا في تلك الفترة يرجع إلى :
محمد فريد بك -تاريخ الدولة العثمانية تحقيق إحسان حقي – دار النفائس ,بيروت سنة 1981 ص 303 : 310
-يلماز أوزتونا – تاريخ الدولة العثمانية – استانبول سنة 1988 – الناشر مؤسسة فيصل التمويل ص 529 : 569 .
-ليست لدينا معلومات عن أصل الرجل ودوره فيما قبل ولايته للشام ثم مصر وكان قد تولى باشويه الشام سنة 1104 هـ / 1691 م ثم عزل في نفس العام وأعيد إلى منصبه مرة أخرى وأخضع شريف مكة بعد خلاف بينه وبين الإدارة المركزية واتخذ إجراءات لضبط الأخلاقيات العامة في دمشق ثم نقل إلى مصر وعين مكان عثمان باشا السلحدار 1107 هـ / 1694 م فتقلد باشويه مصر في 27 صفر سنة 1107 هـ / 1694 م واستمر بها لمدة سنتين حيث عزل في 15 ذو الحجة سنة 1109 هـ / 1696 هـوحين وصل إلى مصر كانت الأزمة والمجاعة على أشدها فبادر بإجراءات عملية هامة للتصدي لها ,وعلى المستوى الشخصي ضرب القدوة أمام الأثرياء من الصناجق والباكوات والمماليك وغيرهم حين طلب منهم أن يقوم كل واحد منهم بإعالة عدد من الفقراء كل على قدر استطاعته وأخذ لنفسه ألفا منهم وعين لهم من الطعام والشراب ما يكفيهم إلى أن انقضت الأزمة في إجراء غير مسبوق, وتوالت إجراءاته للتصدي لتلك الأزمات وعلاجها ووضع النظام المالي الجديد الذي نحن بصدد دراسته وحقق به نجاحاً كبيراً دونما ظلم على الأهالي أو ممالأة لأصحاب النفوذ وكان طبيعياً أن يجدوا في ذلك خطراً عظيماً على مصالحهم وأن يدبروا أمرهم بليل للتخلص من إسماعيل باشا ولذلك حين وقع خلاف بنيه وبين القاسمية فتحالفوا مع الأوجاقات على عزله إلا أن الدولة العثمانية كانت قد أعدت له مهمة أخرى حيث أمرته بالتوجه لقيادة حملة عسكرية لنجدة حسن باشا والي بغداد الذي كان في احتكاك عسكري دائم مع إيران وكانوا آنذاك قد تهددوا بغداد نفسها وأرادت الدولة دعم الجند العسكري العثماني بإرسال ستة من الباشوات على رأسهم إسماعيل باشا والتقوا في حلب متجهين إلى بغداد ولكن الإدارة المركزية لأسباب غير معلومة كانت تضمر الغدر لإسماعيل باشا إذ أرسلت خطاً شريفاً إلى حسن باشا بغداد تأمره بقتل إسماعيل باشا عند وصوله إليه ومصادرة أمواله ولكن أحد المتعاطفين معه من أتباع حسن باشا علم بذلك فأرسل ورقة خالية من التوقيع لإسماعيل باشا يخبره فيها بما ينتظره من مصير ففر الرجل ليلاً والتجأ إلى حكام إيران الذين أجاروه وعينوه حاكماً على أحد الأقاليم واستقبل بها استقبالاً حسناً وظل بها عدة سنوات حتى مات وقيل مات مسموماً ولجأ ولداه إلى استعطاف الإدارة المركزية في استانبول فأجاروهما وعملا في خدمتها وحين خرج هذا الرجل من مصر ودعه أهلها كما لم يودعوا أمثاله وأظهروا من الحب والتقدير والألم لرحيله ما ينبئ عن المدى الذي وصلت إليه علاقته بالأهالي في شعبية غير مسبوقة .
إبراهيم حليم – تاريخ الدولة العلية العثمانية المعروف بكتاب التحفة الحليمة – الناشر مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت .
محمد بن جمعة المقار – الباشات والقضاة في دمشق – جزء ضمن كتاب ولاة دمشق الذي حققه ونشره الدكتور صلاح المنجد – دمشق سنة 1949 ص 48 – 49 .
الدمرداش – المصدر السابق ص 92 – 93 .
القينالي – المصدر السابق ص 10 : 20 .
الملواني – المصدر السابق ص 217 : 223 .

[7] ) الدمرداش – المصدر السابق ص 72 – 73 .
-القينالي – المصدر السابق ص 10 .

[8] ) هو الميدان الممتد أسفل سور القلعة ومكانه الحالي منطقة المنشية وميدان صلاح الدين أسفل القلعة بقسم الخليفة .
الملواني – المصدر السابق هامش رقم ( 1 ) ص 168 .

[9] ) أحمد شلبي بن عبد الغني – المصدر السابق ص 197 – 199 .
القينالي – المصدر السابق ص 11 .
الملواني – المصدر السابق ص 217 – 218 .

[10] ) من الباشوات الذين حدث لديهم عجز في حسابهم الختامي عن مدد ولايتهم قبل إسماعيل باشا وصودرت أموالهم وحبسوا مصطفى باشا سنة 1035 هـ / 1624 م , محمد باشا الشريف سنة 1058 هـ / 1647 م , إبراهيم باشا الشيطان سنة 1073 هـ / 1662 م وممن حدث لهم ذلك بعد إسماعيل باشا حسن باشا أرنؤط سنة 1109 هـ / 1697 م محمد باشا النشنجي سنة 1141 هـ / 1724 م .
-الدمرداش – المصدر السابق ص 139 – 152 .
-أحمد شلبي بن عبد الغني المصدر السابق ص 160 – 540 .

[11] ) الدمرداش – المصدر السابق ص 91 – 92 .

[12] ) القينالي – المصدر السابق ص 20 .
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 15/07/2009, 00h16
علاء قدرى علاء قدرى غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:416240
 
تاريخ التسجيل: avril 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 209
افتراضي رد: الدكتور عبد الحميد سليمان ـ المجموعه القصصيه

(البطل )
رحلة فى عالم اديبنا د عبد الحميد ؛الثرى والذى يدهشنا بمشاهدات واقع عالمه الخاص ؛باسلوب قصصى فريد ؛ لا يمل القارئ منه طرفة عين؛ ما ان نبدا بقراة اسطر قليلة حتى ندخل فى هذا العالم المدهش ؛ وكاننا نشاهد فيلما سينمائيا ملئ بجميع عناصر الابهار ؛ مجموعة اشخاص مهمشين ممن جعلتهم الحياة فى اقصى ركن فيها ؛ لا يحلمون الا حين تضن عليهم الحياة بالاقوات ؛ ؛فيقتاتون بالحلم ؛ وما عساه ان يفعل لهم ؟؟ هم ابطال يصارعون اهوال الجوع و الفقر ؛ لا بالاناشيد ولا بالغناء ؛ لكن بكل قطرة من دمائهم ؛ نماذج اهملها التاريخ لكثرتهم ووفرتهم ؛ وقلة حيلتهم ؛ سوى بعض من الادباء جعل الله لهم بصيرة يرون بها ما لا يراه الاخرون ؛ يرون واقعهم ؛ و احلامهم ؛ وسذاجة الفكر النقى ؛ حين نقترب من عالمهم البسيط ؛ نكتشف فيهم نقاء السريرة ؛ و بساطة الحلم ؛ وسذاجة التامل ؛ ورغبة البقاء والعيش رغم مرارته
هم ابطال من طراز فريد ؛ يصارعون غولا اسمه التعالى؛و التجاهل؛ شكرا لك اديبنا ؛ اهديت لنا فصلا مهملا على مسرح الحياة ؛ فالذاكرة الان لا تتسع الا للاعبى الكرة ؛ و الراقصات؛ وتفاهات افرزها الواقع عن عمد ؛ متناسيا ابطال تزخم بهم الحياة ؛
وتكاد تضيق بهم ذرعا......
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 01/11/2009, 19h33
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي الدكتور عبد الحميد سليمان-المتسحبون

بسم الله الرحمن الرحيم
أحبائي وأعزائي00عذرا علي الغياب فليس عن تثاقل او تكاسل أو قلي وإنما شغل بما ينشغل به أمثالنا من كد العيش ووطأة الهم وضيعة العمر وإباق الشباب00سلامي اليكم جميعا وها هي الصفحات الأولي من (المتسحبون1 ) علي أمل أن تحوز رضاكم وقبولكم ان شاء الله تعالي


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم


00اوغل ظلام الليل واشتد البرد القارس وتدافعت موجات الأمطار المتكاثفة المنسالة الكاسحة التي ما كانت تهدأ إلا لتعود غليظة ثقيلة, ثم ترأفت السماء بمن أثخنتهم , فأذهبت ريح سموم عاتية,صولة المطر والبرد لكنها لم تتقاعس عن سوالفها فكادت تطيح بإسماعيل الذي تشبثت بتلابيبه زوجته وصغاره فزاده ضعفهم وهنا إلي وهنه وعجزا إلي عجزه وما أسعفه أخواه وأبناؤهم,علي فتوة شبابهم وميعة صباهم إذ صرفهم عن الاهتمام بهم ما لم يفرق بينهم جميعا من داهم الريح العاصف,التي كادت تقتلعهم جميعا وتتقاذفهم الي حيث تريد, لكنها نظرت إلي تشبثهم ورقة حالهم وآيات ضعفهم وفاقتهم ورعبهم مرتسمة علي وجوههم فرقت قليلا لهم,حين عاينت فزعا خط خطوطه السود علي قسمات وجوه, تكأكأت عليها الدنيا وادلهمت لها الأيام ,لقد بدا ذلك الفزع جاحظا وقحا متحفزا,مستهينا بما جهد إليه الريح العاصف والمطر الكاسح والبرد القارس وما ساقوه من هول ,فمنذ متي كان الفزع علي سواء,

000لقد مثلت سطوة وجبروت الأمير إبراهيم كتخدا مستحفظان ملتزم كفر سليمان البحري فزعا ليس كمثله فزع وهولا لا يدانيه هول, لقد فدحت بقدومه قريتهم تلك القابعة المكلومة علي ضفة النيل الذي رفدته بدموعها ودموع أهلها وفاضت عليه بمعين لا ينضب من من دموعها المنسكبة الدامية من مآقييها,حسرة وأسي علي أبنائها الذين اغتالت أمانهم وسكينتهم في رحابها ظلمة الظالمين وبشاعة المتسلطين من أولئك الملتزمين المستقوين ومن خالطهم وتبعهم ودار حيثما داروا من خفراء وعسكر ومشدات وكبراء وكتاب وصيارفة وإمام مسجدها الوحيد ومأذونها,لقد تكالبت قواهم واشرأبت حرابهم طمعا في غنائم وعطايا وإعفاءات علي أجداث أهليهم وحطامهم وآلامهم,أو خوفا وسعيا للإفلات من مصير يعلمون فداحته,أو ضنا بتميز قبيح علي بني جلدتهم وإخوانهم قد يعصف به جبروت الملتزم الذي صحبه جنوده وخلصائه ومن يأتمرون بأمره الذي كان عليهم أن ينصاعوا له وهو قائد فرقة مستحفظان العسكرية بالإقليم والقائم علي أمنه أو بالأحري الممتطي لأمنه وأمن أهله, لقد آتاه منصبه المتدثر بانشغال الباشا في القاهرة عن كبح طائلة المستطيلين أو تحالفه معهم وتقاسمهم جميعا مائدة الأيتام الذين لا يرثي أو يكترث بهم أو لهم أحد ,

00لم تعهد كفر سليمان من ذي قبل مثل تلك العرايس الخشبية التي نصبت أمام المسجد وعند الشونة المقفرة ليصلب عليها المتمردون أو العاجزون أو المتقاعسون عن دفع ماعليهم لولاة أمورهم حسبما وسمهم إمام المسجد , الذي أفلت بما سولت له به نفسه من لومة ضميره,وهل هناك أسوغ عقلا وأقل كلفة وأربح نتيجة,من لومة الطائر الذبيح علي سذاجته وتجرؤه علي غشيانه الأشجار والسكن إلي ما صنعه واعتاد اللواذ اليه من الأعشاش التي روعها وروع عصافيرها وبلابلها, صياد قناص قادر باطش ,اقتاد معه الحق والرحمة والنخوة أساري راضخين طيعين يقلبهم كيفما شاء له قلبه وسول له عقله واشتهت خزائنه, لقد كان علي الأشجار أن تلفظ ساكنيها وربائبها,ويهرع إليه أهلها خاضعين,شاكرين, داعين مهللين مكبرين غير عابئين بما سيعجزهم من جديد الضرائب والعوايد والفرد والإتاوات والكلف والغرامات التي تمنطقت بمنطق جديد وتسربلت بسرباليها القديم والجديد,دون أن تـابه أو تقدر أو تخجل في سعيها الجديد الدءؤب كي تمتص باقيات وضنينات عافيت فلاحيها وموجوداتهم ,

000كانت كفر سليمان البحري قرية وارفة الظلال ترفل في خضرتها علي ضفاف النيل وتنهل من سلسبيله,ومثلما كانت تجود عليه بمصلياتها المستظلة المحتمية بدعوات أهليها في صلواتهم وبشجرات الصفصاف و التوت والجميز والتين والموز العتيقة,كانت زهرات بناتها ونسائها يعتدنه ليغترفن من منهله الثر السلسبيل,وكن يستأمننه علي أعراضهن وحرمة أجسادهن وشرفهن حين كن يتخففن من ملابسهن إن أمن المتلصص الرقيب أو تسترا بتلابيب الظلام المنسدل الحافظ الأمي,كان النيل لهذه القرية أليفها وسندها وحبيبها وراعيها وقلبها الذي تسري مياهه ويفيض خيره في شرايينها ,فيضفي علي وجهها رونقا وشبابا ليس له نظير,ومثلما كان يجود عليها بمائه كان يكلؤها بفيض لا يتوقف ولا يحد من الشبار والبلطي والشيلان والسردين النيلي والقراميط والبوري والحنشان وحمير السمك سيئة الحظ بتسمية لايد لها فيها ولا مناص منها , ولم تستشر فيها ,وأني لها ذلك فمصائر الأشياء والجمادات كانت كمصائر الناس قدرية لا فكاك منها, لكن تلك التسمية لم تصرفها عن روعتها ولم تترك أثرا علي طعمها الفريد, وما انفكت أفران كفر سليمان تفيض بمشوياتها من رائع فيوض السمك النيلي التي تلتحف بخبز ليس له نظير في روعته وطعمه,لم يتقاعس عن منافسة الأسماك في تنوعها وتفردها فكان منه فطير الأرز والكوماج والرقاق والأبابير والمفرود اللين الطري والسن الثري الغني والمشلتت وصواني اللبن الممتزج فيها الخبزالمحمص في السمن البلدي بثري اللبن الجاموسي وووو00,

000كانت الأيام تمضي بكفر سليمان علي خبر حال حين كانت تجتاز هادئة هانئة سنوات عقودها المتوالية في القرن 17 الميلادي,لقد جادت أرضها بخيراتها وبادلت أحبابها ورعاتها وحماتها وأبناءها الذين كرسوا جهدهم وعشقهم لها ووسعتهم وحفظتهم وأكرمتم أحياءا وأمواتا, نعم بادلتهم حبا بحب وودا بود وعطاء بعطاء وسخاء بسخاء, ويجزم أحدهم أن الزرع في الحقول يهتز فرحا وبهجة حين يهل عليها هو وإخوانه , الذين يلبثون رابعة نهارهم فيها إلي أن يودعوها علي أمل لقاء يترقب متعجلا انصرام الليل وإطلالة الفجر وتباشير الصباح , حينها كان عطاء الأرض وخيراتها يستبقي لأهلها فيوضا من الحبوب والفاكهة والخضار بعد أن يدفعوا ما عليهم للملتزمين من ضرائب وعادات وكلف ثابتة ,ولم يروعهم يوما جحفل سنجق دمياط وجلاوزته , لقد استظل ريف مصر آنذاك بعدالة حكامها, وتصديهم لمن يفكر في بهظ فلاحيها ,الذين كانوا لايضنون بضيافة أو إطعام,يقدمونه عن كرم نفس وطيبة قلب, لمن يعمل يعتادها اويمر عليها من العسكر أو رجال الإدارة والمرسالجية الذين يستظلون بظلها في رحلتهم بين القري أو في طريقهم من دمياط إلى شربين والمنصورة والقاهرة ,وهي لا تختصهم بخيرها وإنما يستظل بفيئها ويتزود من عطائها كل من يلوذ بها من الفقراء وعابري السبيل والكتبة والخفراء والنوتية والحواة والقراداتية والغوازي والموواوية وشعراء الربابة وكل من استظل بظلها وتنسم عبيرها0
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 02/11/2009, 19h41
علاء قدرى علاء قدرى غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:416240
 
تاريخ التسجيل: avril 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 209
افتراضي رد: الدكتور عبد الحميد سليمان-المتسحبون

عودا حميدا الاديب د عبد الحميد سليمان ؛ انتظرناه طويلا لاثراء نفوسنا المتعطشة لقراءة صادق الادب ؛ وتاريخ حق ؛ لاولئك الذين شكلوا معالم تاريخنا يوما ما دون ان يذكروا على صفحاته كثيرا ؛ فللوجوه المهمشة ان تعمل لياكل غيرها ؛ وان تكد ليستريح اخرين ؛ كعمال المسرح ؛ هم يمهدونه ؛ ليلعب غيرهم ؛ ويعلوا صوتهم ؛ ويذكروا احياءا و امواتا ؛ اما من هم خلف الكوليس ؛ فهم ناس الظل ؛ لا يابه لهم احد ؛ رغم انهم ابطال الرواية الحقيقين ؛ كما ذكرهم الاديب (يحيي حقى ) فى( كومبارس)
اقول ان الله قد قيد قلما اديبا بليغا لتلك البقعة من ارض الله (كفر سليمان)لكى يرد للوجوه ملامحها ؛ وللهامات هيئتها ؛ ويعيد صياغة ما صنعوه ؛ وما عانوه ؛ بريشة فنان اديب انسان اسمه (د عبد الحميد سليمان)
فاذا كانت مقدمة الاستهلال بهذا القدر العبقرى من اختيار المفردات ؛ ورائحة ذكيه لزمن فات ؛ فكيف تكون الباقية ؟ انا اعلم يقينا ان (المتسحبون) درة يتيمة ؛ يسعد برؤيتها كل من يقراها ؛ لان التاريخ الحق يكتبه الاديب لا المؤرخ .
وانتم شهود على ما رايتموه فى ذلك الزمن الذى يشبه الحلم بكل ما يحمله من مرارات كثيرة ؛ و قليل من الراحة ...
فمرحبا بعالمكم الذى يصاغ بصورة اروع ما تكون من قلب مبدع اصيل يحلق بعيدا بعيدا بمفرداته و اسلوبه وتمكنه ؛ لكى يعيد للادب الحق مكانته ؛ وللمهمشين حقهم .
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 04/11/2009, 18h57
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي رد: الأديب المثقف الانسان علاء قدري

بسم الله الرحمن
أخي الحبيب أشكر لك سرعة اهتمامك الرائع وعمق ما تكتبه 00ولن أجاملك حين أقول انك أنك كنت وراء البدء في كتابة المتسحبين فالأفكار واسعه والمشغلات كثيرة,واحساس بندرة من يقرأ لي تأففا أو ايثارا للسلامة أو الستر أو ردا غير مباشر علي ما قد يظن من تجاهلي لأعمال البعض وأنا أبرأ الي الله والي نفسي من كل ذلك فما الأمر سوى أنني مهموم بكثير من البحوث والدراسات والاشراف الأكاديمي وهذه هو ايميلي لك ولمن يشاء من أهل المنتدي لأرسل له آخر ما انتهيت من كتابته وهي دراسة بعنوان(الاستيطان الاسرائيلي في القدس-سطوة الايديولوجيا وترويض التاريخ)سوف القيها ان شاء الله في مؤتمر دولي بالهيئة المصرية العامة للكتاب في 15 نوفمبر القادم ان شاء الله --لقد أرهقتني وأضنتني وأنا اسعي لدحض التزوير التاريخي والتلفيق والغرور والسكوت المشين والتسطيح المقصود وافتقاد النصير00هذا دور لا أستطيع أن أغفر لنفسي تجاهله ولا أطيق ثقل الاحساس بالهروب من مسئوليته 00أخي علاء هذا هو الايميل قارسل الي لأرسله لك لتكون من أول قارئيه وأنت به أولي وبوعيه وبفهمه أقدر00هكذا تمر أيامي ووحدتي غريبا وحيدا بلا أنيس أو رفيق ,وحين اطل سريعا علي منتدي سماعي تكون اطلالة صاد كاد يقتله الظمأ علي بئر عذبة في صحراء حياته المدلهمة يعتادها حين يرهقه دأبه وسعيه في تلك الفلاة بلا نصير او معين00أخي الحبيب ,كأني أقدم عذري واعتذاري لك ولأخي النبيل الحبيب الدكتور أنس وزوجه الطيبة مدام ناهد والي أعزاء شاركوني وقرأوا لي من قبل ثم عزفوا عن ذلك انشغالا او اهمالا أعيذهم منه لمن لم يرد عليهم ولم يحتف بهم مثلما احتفوا به فلربما ظنوا به كبرا أو غرورا أو تعال أعاذنا الله واياكم واياهم من تلك الآفات التي علي كل واحد منا أن يتحسسها ويتصدي لها فهي باب شرلايغلق وثلمة عقل ونفس لا تبرأ وآية للضعف الفكري وفساد العقل والنفس00عذرا أعزائي رائد عبد السلام وأبي زهده وسعد الشرقاوي وطارق العمري وعفاف سليمان وكل أهل المنتدي00هذا هو الايميل لمن أراد أن يراسلني مباشرةMAYAKESHK@HOTMAIL.COMوهوباسم حفيدتي حتي لا يطيح بي خيال المتخيلين ولا تو جسس المتوجسين00بارك الله فيكم وأعدكم جميعا باتمام المتسحبين(1) واستكمال سلسلة تنا قش قضايا بالغة الأهمية والخطورة واعدا ان شاء اللله بالجديد الجديد00حييتم ووقيتم وسلم الله عليكم ورحمته وبركاته
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 28/01/2010, 04h41
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي الأستاذ الدكتورعبد الحميد سليمان المتسحبون (النسخة الكاملة) إلي مدام ناهد البن

بسم الله الرحمن الرحيم

المتسحبون


.. أوغل ظلام الليل واشتد برده القارس وتدافعت موجات الأمطار المتكاثفة المنسالة الكاسحة التي ما كانت تهدأ إلا لتعود غليظة ثقيلة, ثم ترأفت السماء بمن أثخنتهم, فأذهبت ريح سموم عاتية,صولة المطر والبرد لكنها لم تتقاعس عن سوالفها فكادت تطيح بإسماعيل الذي تشبثت بتلابيبه زوجته وصغاره فزاده ضعفهم وًهنا إلي وهنه وعجزا إلي عجزه وما أسعفه أخواه وأبناؤهم,علي فتوة شبابهم وميعة صباهم إذ صرفهم عن الاهتمام بهم ما لم يفرق بينهم جميعا من داهم الريح العاصف,التي كادت تقتلعهم جميعا وتتقاذفهم إلي حيث تريد, لكنها نظرت إلي تشبثهم ورقة حالهم وآيات ضعفهم وفاقتهم ورعبهم ,مرتسمة علي وجوههم فرقت قليلا لهم ,حين عاينت فزعا وهولا خط خطوطه السود علي قسمات وجوههم التي تكأكأت عليها الدنيا وادلهمت لهم الأيام ,لقد بدا ذلك الفزع جاحظا وقحا متحفزا, بعد أن جهد إلي استنفاره الريح العاصف والمطر الكاسح والبرد القارس ,كان فزعا ليس كمثله فزع, ومنذ متي كان الفزع علي سواء ,لا تختلف ولا تتنافس ولاتتباين ولاتتجدد أو تتبدل أو تبتدع ,مذاهبه وصوره ,ذلك لا يعلمه ولا يعيه ويصطلي به,إلا أمثال أولئك المهمشين المنبوذين المطحونين,الذين تركلهم وتلفظهم قلوب وعقول ونفوس وأقدام وساحات المتوسدين المتمكنين الذين لا يطوف بخيالهم مجرد طيف تبدل الأيام وهاجس دورتها وتحولها.

... دهت كفر سليمان البحري وتوابعها بقدوم الأمير إبراهيم كتخدا مستحفظان إليها ملتزما جديدا,وبما سبقته إليها من أنباء قسوته وجبروته و سطوته ووقائعه مع قري التزامه التي كانت تتناقل فصولها ومصائر ضحاياها ألسنة الناس في القري والعزب والنجوع, كان ذلك القدوم الأشأم روعا وفزعا ليس كمثليهما روع أو فزع ,فالرجل كان متمترسا وراء صولة موقعه ومنصبه,وكثافة مريدي حظوته وسالكي طريقهم إلي لعق حذائه إلي أن يتمكنوا من إقصاء ذلك الحذاء وانتزاع حظوته لدي ممتطيه,و لاريب أنهم سوف يصلون إلي ما سعوا إليه مهما توسل الحذاء القديم واستجدي البقاء وترقق لقدم إبراهيم كتخدا مذكرا بإخلاصه وطاعته وولائه وصادق بلائه,إنهم أطري منه جلدا وأنعم ملمسا وأقل كلفة وأبخس ثمنا, ولن يتقاعسوا في تنافسهم وإلحاحهم وإستجدائهم رضا قدمي إبراهيم كتخدا, الأعلم والأدري بتباين الحظوظ والملكات حتي في عالم الأحذية ودنيا الجلود,وتنوع الدور,وهو الأمهر في استخدامها وفقما تقتضيه حاجاته وما تعوزه ظروفه,إن منها ما تقتضيه جولاته ممتطيا صهوة جواده بين جنوده وجاويشيته,ومنها ما ينتخبه لامتطائه حين لقائه بباشوات مصر وكبرائها في القاهرة,ومنها ما لا يجد بديلا عنه حين يلوذ إلي الخلاء ليتخلص مما يتخلص منه الناس,ورغم تنافس تلك الأحذية وتكايدها,إلا أنها متراضية مجتمعة متفقة علي ألا تأبه لملامة لائم صارخ أو صادع,ولا لإعراض صامت مستنكر قلبه,راضية قسماته,مضطرمة دخائله, لقد وعت تلك الأحذية ما ينتظرها لقاء جهدها وتفانيها, من دور أو منفعة أواستقواء ينسي الناس ضعفها وهوانها ووضاعتها ويعلي خسيستها,وإن أرقها وشغلها طيف وهاجس استبدالها بأحذية أدني مكانة وأقل طموحا,وأكثر جهدا وأطوع نفسا وأطري جلدا,ساعتها يشتد دأبها وتمعن في تملقها وترخصها سعيا لاستبقاء ذبالة من نفوذ,اقتنصته من أحذية ذوات أدوار أكبر وأهم,وهل يستوي من يمتطي عند لقاء الأكابر والوجهاء بمن يظل رابضا أمام أماكن قضاء الحاجات لا يقلقه لزومها,ولا يزعجه كريه رائحتها, ولا يستثيره نجسها وضعة حالها,إنها تلزم دورات المياه وبولها وبرازها ولا تبارحها وتعتادها وتألفها,وتسرف فلا تكاد تألف غيرها,هكذا اعتادت تلك الأحذية أقدام إبراهيم كتخدا مستحفظان وأمثاله وأضرابه وأشباهه ونظائره وخبرتها وتمرست عليها,وما أبخس ما كانت تطمح إليه لقاء ذلك وما تطمع فيه من القنص أو الاستقواء والاستطالة علي الضعفاء من أهليها وبني جلدتها,لقاء مزيد من الإنحاء والخنوع والخيانة, والهوان والضعة .

.. كان التزام الرجل بكفر سليمان البحري وتوابعها, داهية دهت بها وفزعا راعها ليس كمثله روع, وهولا لا يدانيه هول, لقد فدحت بقدومه تلك القرية المكلومة القابعة علي ضفة نهر النيل الغربية فرفدته بدموعها ودموع أهلها وفاضت عليه بمعين لا ينضب من مآقيها,حسرة وأسي علي أبنائها الذين اغتال أمنهم وسكينتهم,ظلم الظالمين وبشاعة المتسلطين من أولئك الملتزمين المستقوين المتنفذين ومن خالطهم وتبعهم ودار حيثما داروا من خفراء وعسكر ومشدات وكبراء وكتاب وصيارفة وإمام مسجدها الوحيد ومأذونها, أولئك تكالبت قواهم وتلمظت أنيابهم واستعرت أطماعهم في نوال غنائم وقنص عطايا وإعفاءات من السادة الجدد, دونما اكتراث بأجداث أهليهم وحطامهم وآلامهم, وبعضهم دفعه إلي ذلك جبن مستكن وذاكرة مترعة مثقلة بمصائر بائسة لأولئك الآبقين علي الذل,المتشبثين بحقهم في البقاء في بلادهم والتمتع بخيرها,الثائرين لكراماتهم, المنافحين عن أعراضهم ودينهم وإخوانهم,الذين تمثل فيهم جليا واضحا قول الجواهري الشاعر:


يُطاق تقلبُ الأيام فينا.. وأما أنْ نَذلَّ فلا يُطاق

,ودائما ما كان تلوك ألسنة أولئك السفلة ,هذيل أمثال وحكم قديمة بالية تفلسف الرضي بالذل وتؤدلج الخنوع والخضوع وتضفي عليه قدسية زائفة وحكمة مضللة, وتسرف في التذكير بمصارع السابقين من آباء وأجداد رفضوا الظلم والخنوع وأنفوا من الذل والقهر والخضوع, فقاوموا وتصدوا ولم يحنوا هاماتهم ولم تستذل نفوسهم فكانت عاقبة أمرهم خسرا وقتلا وهولا وتعذيبا,دونما غائث أو معين أو متململ أو متضجر,من أهل وشركاء ألم وقرناء بؤس, أولئك ردعهم خوفهم وسعيهم للإفلات من مصير أيقنوا فداحته,وقليلهم ضن بتمايز قليل وضيع,علي بني جلدته وإخوانه فأمن أن يعصف به جبروت ذلك الملتزم الذي صحبه جنوده ومنافقوه ومن يأتمرون بأمره فهو قائد فرقة مستحفظان العسكرية بالإقليم,والقائم علي رياسته,الممتطي لأمنه وأمن أهله,الذي توسد منصبه متدثرا بعطاء لا ينقطع واسترضاء واستمالة لا تتماهل ولا تتراخى أو تبخل ,تصدع لأوامر الباشا في القاهرة وتتلمس حاجاته وتتحسس فتستبق أحلامه,وتقيه مغبة الإفصاح,لقاء ذلك كان الباشا وكبار متنفذي القاهرة يغضون الطرف عن الاضطلاع بواجبهم في كبح طائلة المستطيلين المتسربلين بسرابيل الحكم, ويتغاضون عن كل ما يقترفه حلفاءهم ورجالهم وإن عظم خطره وفاح خبثه,لقد تقاسم أولئك اللئام موائد الأيتام الذين لم ولن يرثي أو يكترث بهم أو لهم أحد.

... لم تعهد كفر سليمان البحري من قبل,مثل تلك العرايس الخشبية التي نصبها رجال الملتزم وجلاوزته,في الساحة الواسعة أمام المسجد وعند الشونة المقفرة, ليصلب عليها ويجلد المتمردون العصاة والعاجزون أو المتقاعسون,عن دفع المال الميري وخلافه,لولاة الأمور حسبما وسمهم إمام المسجد,الذي جزم بحرمة ذلك وأن مقترفيه يستحقون أبشع عقوبة وأبلغ روع,ردعا لأمثالهم وحفظا للمال العام الذي تعانق مع المال الخاص, في عقله ومستكنات نفسه ورفات ضميره, إلي أن ذابا في وله وانصهار وعشق,وباتا رفيقي درب ومصير, لقد كافأه إبراهيم كتخدا مستحفظان وجلاوزته فأعفوه,من الضرائب علي كتابة وتسجيل عقود البيوع والمعاملات والأنكحة ووقائع الطلاق التي كان يكتب حججها ويقيدها في دفاتره,ويتقاضي عنها رسوما نقدية وهدايا عينية مما تنبت الأرض,من فومها وعدسها وبصلها وقثائها وأرزها وقمحها وبطيخها وشمامها,وما تضج به الأسطح من أبراج حمامها وعتيق أوزها وبطها وطيورها الشمرت البداري,ومايجود به النيل والترع وقنوات حقول الأرز من قراميطها وشبارها وحنشانها وبوريها وشيلانها وسردينها وبلطيها و حمير سمكها وجمبريها ,وووو...الخ, حتي ليكاد ذلك العالم العلامة والبحر الفهامة,والباب الذي لا يقرب الجنة متقرب ولا يطؤها واطئ,إلا عبر تزكيته ودعائه,يشارك الناس في أرزاقهم وأقواتهم وموجوداتهم, وحين أبلي ذلك العالم النحرير والفيض المتدفق الغزير,بلاءه غير الحسن وحان قطاف يانع ثمار سعيه الآثم الوضيع,أُعفِى من الضرائب والكلف والفرد والإتاوات التي كانت تثقل كواهل أولي رحمه وبني جلدته وبلدته,والتي كان عليه أن يدفعها مثلهم عن عدد هزيل من الأفدنة,يزرعها له أخوته, وغدا الإمام بعد تلك المكرمات الغائثات العارفات بقدر أهل العلم,المساقات حسب زعمه والزعم دائما مطية للكذب,من فيوض أرزاق الله التي يختص بها عباده الزاهدين التائبين اللائذين, فولاة الأمور وخلفاء الله في الأرض علي عباده,ما جادوا عليه بها استرضاءً ولا استرقاقا وإنما عن تقدير عميق للدين وأهله ورجاله...هكذا كان أمثال إمام السوء يقنعون أنفسهم الميتة وقد وأدوا صولة ضمائرهم ولومها, تلك الضمائر التي عصف بها وأذهب ريحها صمت الصامتين وإطراء المنتفعين ونهج الساعين المرجفين,وانزواء المتوجسين المرتجفين, وهل هناك أسوغ منطقا وأقل كلفة وأربح نتيجة وأسترعيبا,وأمكن لهروبهم وتنصلهم مما يرونه ويعاينوه وُيدبر علي مسامعهم,من ذلك التبرير الزائف الكاذب الوضيع,ولم يشفع لدي العالم النحرير,القطب الرباني,السراج المنير, أو يستثير نخوته الآفلة وغضبته البائدة المنعدمة,أن كبار قريته وصغارها كانوا لا يتقاعسون عن تقبيل يده, ولا يتأففون ولا يضجرون من الترجل عن دوابهم حين مرورهم به أو مروره بهم إكبارا للدين وأهله والقائمين عليه,ويسرف بعضهم فيخلع نعليه حتي يمر محييا ومهللا ومكبرا,حين يراه متوسدا مجلسه علي مصطبة المسجد أو ماشيا في ردهات وحواري القرية,أو متربعا في أحد الأجران,ولا يعود إلي حذائه أو بلغته أو حدوته الجلدية الغليظة أو قبقابه الخشبي التليد, إلا بعد أن يجاوزه أو يجاوز مجلسه,أو يحول بينهما حائل من بيت أو دوار,أو عريش,أو أذرة أو أشجار سامقات, لقد سولت للرجل نفسه المريضة وأنانيته المتخاذلة ,أن القوم إنما يكبرونه عرفانا بفضله وتقديرا لريادته, فمثله وريث للأنبياء ورديف للصالحين,وردع حاسما قاطعا طائفا طاف بخاطره يوما ما مترددا خائفا مذكِرا منبها الي أنهم لا يقدمون علي ذلك إلا احتراما وحبا وولاء لدينهم وليس له أو لغيره,وطاعة لقرآنهم وسنة حبيبهم الذين ألزموهم بتقديرهم ورفع درجاتهم وطاعتهم فهم ولاة أمور المؤمنين ومعدن الفضل واليقين.

... تمترس إبراهيم كتخدا مستحفظان ملتزم كفر سليمان البحري وتوابعها كفر المنازلة الجديد وعزبة اللوزي وكفر يوسف والسياحات والمستباعد والبرية,وراء خيله ورجله ومنصبه وسطوته ,تكلؤه دعوات الإمام وأحكامه ومبرراته,لتغتال ظهور ورقاب وكرامة الفلاحين البسطاء البؤساء ,سياطه وعرايسه الخشبية التي كان يصلبون عليها ,دون أن يترقق قلبه أو قلب من معه,لآهات الأمهات المكلومات علي فلذات الأكباد,ولا زفرات النسوة العاجزات اللواتي يغتالهن مشهد رجالهن,دروعهن من عاديات الدهر,وهم يصلبون ويجلدون ويسحقون, ولا تستثيره ولا حتي تلفت انتباهته صرخات وآنات وانكسارات أولئك المثقلين المرهقين المخذولين ولا دماؤهم ولا دموعهم .

... وما انفك إمام السوء يسوغ ويبرر, ويستغرقه الدور وتهوله مغبات الإباق, فيسرف علي نفسه ويصب جام غضبها الماكر المتنصل الرعديد,علي تلك الطيور الذبيحة,التي يتهمها أمام آلهته وسادته بالمكر والخبث والمُطل, وإن لاح له طيف ندم أو شبح خوف من انتقام السماء ودورة الأيام والليالي الحبالي المثقلات بكل عجيبة, أو ذّكـره أمر بربه وبفادح جرمه وبشاعة تبريره وتسويغه, هرع إلي لوم الطيور الغفل السذج المجترأة علي غشيان الأشجار والسكني إلي أعشاشها, فعنده أن الأشجار عليها أن تلفظ ساكنيها وربائبها,حين يروعها ويروع أفراخها,ويخرس شدو بلابلها,قانص قادر باطش, يقتاد الحق والرحمة والنخوة أساري راضخين طيعين يقلبهم كيفما شاء له قلبه, وسول له عقله واشتهت خزائنه وظمأت نفسه... وعند إمام السوء وجوب أن يهرع خلفه كل من يأتم به من أهل قريته, صاغرين خاضعين طائعين شاكرين, داعين مهللين مكبرين ,غير عابئين بما سيثقل كواهلهم ويتهدد كراماتهم وحياتهم , وما سيعجزهم به إبراهيم كتخدا وأمثاله ونظائره, من فادح الضرائب والمغارم وهائل المضافات والبراني والحلوان,ومعجز العوايد وظالم الفرد والإتاوات والكلف والعونة,اللواتي تمنطقت بمنطق هزيل وتسربلت بسرباليها القديم والجديد,دون أن تتحسب أو ترحم أو تأبه أو تخجل,في سعيها الجديد الدءوب لامتصاص أرزاق الناس وعوافيهم وموجوداتهم , ولا ضير عند إبراهيم كتخدا ملتزم كفر سليمان البحري وتوابعها من ذلك ومن أبشع منه, فهو يعي أن سادته ورعاته وحماته وقادته في القاهرة, لا يغفرون ولا يتسامحون ولا يستعتبون.

... كانت كفر سليمان قرية وارفة الظلال ترفل في خضرتها علي ضفاف النيل وتنهل من سلسبيله,ومثلما كانت تجود عليه بمصلياتها المستظلة المحتمية بدعوات أهليها في صلواتهم وبشجرات التين والموز والصفصاف والتوت والجميز العتاق,كانت زهرات بناتها ونسائها يعتدنه ليغترفن من منهله الثر السلسبيل,وكن يستأمننه علي أعراضهن وحرمة أجسادهن وشرفهن فيتخففن من ملابسهن إن أِمن تلصص المتلصصين وترقب المترقبين, أو حين يتسترن بتلابيب الظلام المنسدل الساتر الأمين, كان النيل لهذه القرية أليفها وسندها وحبيبها وراعيها وقلبها الذي تسري في شرايينها مياهه ويغمرها بفيوضه وخيره,فيضفي علي وجهها رونقا وشبابا ليس لهما نظير, ومثلما كان يجود عليها بمائه السلسبيل وطميه الثري الأصيل,كان يكلؤها بعطاء لا يتوقف ولا يحد من الشبار والبلطي والشيلان والسردين النيلي والقراميط والبوري والحنشان وحمير السمك سيئة الحظ بتسميتها التي لا يد لها فيها ولا مناص لها عنها, فمنذ متي اختارت الناس أوالموجودات أسماءها أو استُشيروا فيها,وأني لهم ذلك فالأسماء كالمصائر قدرية لا فكاك منها,لكن تلك التسمية لم تصرف حمير السمك عن روعتها ولم تترك قليل أثر علي طعمها الفريد,وما انفكت أفران كفر سليمان تفيض بمشوياتها من رائع تلك الأسماك النيلية التي كانت تلتحف بخبز ليس له نظير في روعته وطعمه,لم يتقاعس عن منافستها في تنوعها وتفردها, فكان منه فطير الأرز,والكوماج والرقاق والأبابير والمفرود اللين الطري ,والسن الثري الغني والمشلتت وصواني اللبن الممتزج فيها الخبز المحمص في السمن البلدي بثري اللبن الجاموسي وووو..,

... هكذا كانت الأيام تمضي بكفر سليمان علي خير حال,وهي تجتاز هادئة هانئة سنوات عقودها المتوالية في القرن 16 الميلادي,حين جادت أرضها بخيراتها وبادلت أحباءها ورعاتها وحماتها وأبناءها الذين كرسوا جهدهم وعشقهم لها فأكرمتهم أحياءًوأمواتا, ووسعتهم وحفظتهم,وبادلتهم حبا بحب,وودا بود,وعطاء بعطاء,وسخاء بسخاء,ويجزم أحدهم أن الزرع في الحقول يهتز فرحا وبهجة حين يهِل صاحبه عليه, ليلبث رابعة نهاره فيه إلي أن يودعوه علي أمل لقاء يترقب متعجلا انصرام الليل وإطلالة الفجر وتباشير الصباح,حينها كان عطاء الأرض وخيراتها يستبقي لأهلها من الحبوب والفاكهة والخضار ما يزيد عن كفاياتهم فيسعون به فقراءهم وأقرباءهم ومن يحل بساحاتهم ويستظل بظلهم ويتنسم عبيرهم عن كرم نفس وطيبة قلب, ولا يضنون باستضافة من يعتادهم أو يمر عليهم من العسكر أو رجال الإدارة والمرسالجية الذين يستظلون بظلهم في رحلتهم بين القري أو في طريقهم من دمياط إلى شربين والمنصورة والقاهرة,وهم لا يختصونهم بأريحيتهم وكرمهم لجليل مكان أولئك الجنود وأرباب الوظائف والمكانات ولا لفادح خطرهم وإنما عن أريحية نفس وكرم محتد ,وآية ذلك أنهم كان يشاركهم فيأها ويتزود بعطائها,كل من كان يلوذ بكفر سليمان من المراكبية الذين حطت مراكبهم بساحلها أو سكنت عنها الريح فغدت حبيستها ورهينة رضاها وحنوها,وغيرهم من فقراء وفقهاء وعابري سبيل وكتبة وخفراء ونوتية وحواة وقرداتية وغوازي ومواوية زجالين,وصييتة ومنشدين,وأرباب صاجات وغاب ونايات ودفوف,وشعراء رباب رواة بطولات أبي زيد الهلالي سلامة وتابعه أبي القمصان وقصص أبنائه مخيمر وشبان وأبناء شقيقاته مرعي ويحيي ويونس ,وحلفائه دياب بن غانم والسلطان حسن بن سرحان وأخته الجازية والخفاجي عامر وحبيبته ناعسة الأجفان وأعدائه,الزناتي خليفة وأمثاله,وحكايات ثارات الزير سالم وبكائياته,التي لم تشفع لديها بحور دماء البكريين قتلة أخيه كليب,والتبع اليماني وسيف اليزل أبطال ومحرري اليمن من قبضة الفرس,وقاهري الروم البيزنطيين ,ذات الهمة وابنها عبد الوهاب وأبو عبد الله البطال,وعنتروعبلة,وقيس وليلي وجميل بثينة,وأزجال وحكم ابن عروس, وغير ذلك من فيوض لا حدود ولا نهاية لها,كانوا يصدحون بها في ساحات كفر سليمان ودروبها وأزقتها وحواريها,ومياتمها وموالدها ومواسمها,وأفراحها وطهور صبيانها,آنذاك كان أهل هذه القرية يدفعون ماعليهم للملتزمين من ضرائب وعادات وكلف ثابتة,دون أن يروعهم يوما ما,جحفل سنجق دمياط وجلاوزته,سنوات وأيام كان ريف مصر إبانها يستظل بعدالة الحكام,وتصديهم لمن يفكر في بهظ فلاحيه وظلمهم والافتئات عليهم.

... رحم الله الشاعر الذي أبدع أيما إبداع حين رأي الأيام الجميلة الطيبة تمر سريعا, فتخلي الذاكرة والعمر لسنوات الألم ووقائع العذاب,وتغدو تلك الأيام الآفلات ,حلما لا ينال وأملا لا يتحقق,وألما لا يرعوي أو يكف,وحسرة لا تنقضي,ودمعا لا يرقأ:


مرت سنون بالوصال وبالهنا.. فكأنها من قصرها أيام.

ثم انثنت أيام هجر بعدها ..فكأنها من طولها أعوام.

نعم انقضت تلك السنون وأهلها .. فكأنها وكأنهم أحلام.

,لقد بدأ العام رائعا جميلا,لكنه كان يخفي في تلابيب مقبلات أيامه ولياليه سوادا وغلظة وقسوة,ووقائع وكوارث عابسات قالحات ضنينات, ومصائب جائحات,لقد ترأف ذلك العام بالناس في بداياته فجهد في دفع ذلك ومنعه,إلي أن أعجزه الأمر وأقعده الهول, فانزوت أيامه الطيبات كليمات باكيات ليواجه أهالي كفر سليمان البحري شقا رحى لا يرحمان,كانت أسرعهما مقتضيات حوائجهم وأقوات ذويهم وحقوقهم في حصائل عرقهم وثمرات كدهم من حقولهم وبساتينهم التي توارثوها عن آباء لهم وأجداد جاءوا إلي تلك الدوحة العذراء علي ضفة النهر الغربية منذ أن استقرت سبله ولان مجراه,وطاب له سكناه, وكأنهم تآلفوا مع النيل فتحابوا وتعاشقوا,وتواعدوا فتصاهروا,وتلازموا فتصابروا, وتمازجوا فتوحدوا وتذاوبوا,إلي أن دهتهما تلك الدهياء المظلمة ,التي تفردت علي سابقاتها بعرائس إبراهيم كتخدا الخشبية وجلاوزته وسياطهم وكرابيجهم,وعصيهم,وغلظة قلوبهم وقسوتهم وموت مشاعرهم.

... ابتُلي إسماعيل وأخوته بما ابتُلي به قرناؤهم وجيرانهم وأقاربهم,الذين لم ترحمهم سنتهم العجفاء من سني النيل التي ابتلي بمثلها أجدادهم أيام يوسف الصديق عليه السلام,وماذا عساهم يفعلون وهم من لم يأل جهدا,أو يدخر وقتا أو راحة,ولم يصرفه صارف من صروف أيام تداعت عليهم قاصمات فاتكات حاسمات, لكن إسماعيل والذين معه علي جلل ما وسعهم لم يشغلهم شاغل عن العناية بقراريط أرزهم,محصولهم الرئيس وقوتهم وساتر حالهم,وحين استغلظ ضن النيل بمائه, وتعطلت سواقيهم وجفت آبارهم, طفقوا يحملون شحيح الماء علي ظهور ودوابهم وظهورهم, فما أغني عنهم ذلك شيئا,وخلا الجو وطاب الأمر لحشائش الغلت والدنيبة والسِعد والحندقوق والزفون,فاستوحشت واستأثرت يقليل الماء,وجهدت شجيرات الأرز البائسات اللواتي ترأفن بدموع إسماعيل وأخوته وتذكرن سابق عطائهم وحدبهم عليهن فترأفن بهم وأشفقن علي صغارهم وتوجسن غائلة جوع لا يرحم وطائلة جبار لا يعبأ,وعز لديهن أن يحرموهم من عطائهن اللواتي أبصرنه شحيحا هزيلا,لا يقي ولا يكاد يغيث,وكاد الجرن أن يبكي حال إسماعيل وإخوته ومواسم حصاد وأفراح آفلات, كان ساحتها, إبانها كان ذلك الجرن يتباهي مثلما تتباهي أجران القرية بفيوض من الأرز,أبي الرجال الذين أذروها إلا أن يزينوها بألواحهم ومذاريهم وأدواتهم, فجمعوها في أهرامات اسطوانية ورسموا عليها بألواحهم ومذاريهم وأدواتهم لوحات رائعات, وهم يكبرون ويهللون قبل أن يفيض عليهم صاحب الجرن بأجرهم العيني من الأرز الذي يكفيهم عامهم القادم ويزيد,ويمتد الفرح بأولئك الفلاحين,فلا يردون سائلا ولا صاحب عادة, فكان الحلاقون والبياطرة ونجاروالسواقي, والقياسون ومشايخ الطرق الصوفية وبائسوها واللائذون بها,وشيوخ الكتاتيب وقارئو القرآن ومرابعو الترع وبروجية المصارف وحفاروها وخفراؤها وكتبة أحوالها وفقراؤها ومتسولوها وعابروها, وضعاف أراملها ومرضاها, وأرباب العادات والعاهات كل أولئك وغيرهم كانوا يدلفون إلي الأجران فيرتزقون من خيرها ويدعون لأصحابها بدوام الرزق والبركة والستر الذي لا ينكشف.

... نعم انقضت تلك السنوات الطيبات وهاهي سنة من السنين السود التي أعقبتها ورافقتها مجاعات وأوبئة كانت تخلي قري كاملة من أهلها يهلك منهم من هلك ويرحل من وسعه الرحيل إلي حيث تسعهم قري أخري كانت بمفازة من ذلك الهول الفاجع,ووسعت أهلها خزائن الطين الأسطوانية الطويلة الحافظة بذخائرها ومدخرها من الحبوب,قمحا وأذرة وأرزا وشعيرا وبصلا وثوما,لقد كاد جرن إسماعيل وأخوته أن يكون قفرا يبابا إلا من قليل من الأرز جهدت به الأرض ما وسعها الجهد ,فلا يكاد يروي غائلة ولا يرقأ جوعا,وخال الرجل وأخوته أن إبراهيم كتخدا وجلاوزته سوف يرفعون عنهم سطوتهم وسياطهم ويعفونهم مما اعتادوه في الأعوام المنصرمة من نهبهم لما كانت تثمره الحقول والغيطان والبساتين, فأني لهم ذلك وقد عزت محاصيلهم ونفقت مواشيهم وطيورهم وما بقي لهم من ذلك إلا ما ادخرته السماء منها حتي لا تذوي أو تنقضي وتبيد.

... كان ظن إسماعيل وأخوته وأضرابه,حلما بعيد المنال,حيث لم يغن الحال إبراهيم كتخدا وكلابه, الذين أوعزوا إليه أن الفلاحين هنا ,أكثر الناس لؤما ومكرا وتحسبا وأغناهم مالا ومتاعا وأنهم يدخرون ذلك في سراديب عميقة, تنوء فيها صفائحهم بشتي العملات الذهبية والفضية,من دوكات وريالات ذهبية بوطاقة وأسدية, وبارات وأنصاف فضية سليمانية, وأن مخابئها تظل أسرارا لا يعرفها غيرهم,وفيها ما يكفيهم ويزيد من مدخرات سنينهم الفائتات ,للوفاء بحق الملتزم ورجاله الواجب,فاستشاط الرجل غضبا واستحضر إمام السوء وبعض معاونيه ومنتفعيه وخائفيه من مشايخ القرية وأعيانها,وسألهم عما أٌوعز به إليه ,من مكر ولؤم فلاحي كفر سليمان,فتمتموا وأبهموا ثم انبري إمام السوء مؤكدا في خبث وضعة لا يباريه فيه أحد,أنه لا يتهمهم ولا يبرؤهم,فأقسم إبراهيم كتخدا ليصلبن علي عرائس الخشب كل من يتأخر عن سداد كيلة واحدة من الأرز, أو نصف فضة من النقود, وسوف ينتزع نساء وأطفال كل من يهرب أو يأبق ويتمرد,ولن يوقفه في سبيل ذلك أمر حتي لو مات أهل القرية ونساؤهم أجمعين.

... تواترت تلك الكلمات وتناهي صدي تلك الغضبات إلي الناس في كل مكان فهالهم وأفزعهم و باتوا في هم وروع جاثم علي قلوبهم وصدورهم لا يريم,وحين عاينوا مصارع بعض من عُجل بهم أيقنوا أن لابد مما ليس منه بد,وألا نجاة لهم إلا بالتسربل بظلام الليل الدامس والتماس الأمن والنجاة في فلوات البراري الموحشات القاتلات الفاتكات العامرات بالفواتك والزواحف والقوارض والهوام, الجاثمات غربي الفرع الشرقي للنيل المنسوب إلي دمياط, والممتدة إلي نهايات بحيرات غربي الاسكندرية.

... أرخي الليل سدوله وأوغل الظلام فأجمع إسماعيل وأخوته أمرهم أن يتركوا بيوتهم وحقولهم سريعا هربا من مصير أسود وغائلة لا ترحم, قبل أن يفطن إبراهيم كتخدا وجلاوزته فيسعون لمنعهم أو يرتهنون بعضا منهم فلا يهرب الآخرون,واستعاد إسماعيل أبيات كان أبوه يرددها عليه وعلي جلسائه و صغاره في قيلولتهم حين تسعهم ظلال شجرة التوت العجوز فتفيئونها ويتناول غداءهم, ويروون من قلل الماء الباردة المعلقة علي جذعها صداهم:


و إذا خشيت تعذرا في بلدة..فاشدد يديك بعاجل الترحال
واصبر على غِيَر الزمن فإنما..فرج الشدائد مثل حل عقال

...استرجع إسماعيل تلك الأبيات علي أخوته,علي حين قبعت نساؤهم خارج المندرة وقد تشبثت بهن صغارهم ,يرقبن واجفات حسيرات يائسات عاجزات مشفقات,ولم يمهل إسماعيل أخاه عطيه وهو يستمهله أياما حتي يري ماذا عساه أن يحدث,فنهره متمثلا حكمة والده ,استيقانا منه بمصير مرعب وهول مفزع ,فبيتهم من البيوت التي كانت متهمة دوما بالستر والغني,لعفتها وأمانتها وكرمها ومتدفق عطائها الذي لا يرد مسكينا ولا مريضا ولا سائلا خاوي الوفاض,وأعز إلي النساء أن يجمعن ضروريات الملابس وأن يعددن أطفالهن لليل البرية القارس الطويل ,وأمر أخوته أن يحملوا علي حميرهم ما أمكن لهم من متاع وطعام,وأنبأهم أن وجهتهم قرية الخاشعة في حفير شهاب الدين فبها بعض من أقاربه ,وأن طريقهم إليها لن يكون المسلوك المألوف من السبل والدروب وإنما عبر البرية التي لن يتتبعهم فيها متتبع ولا يفجأهم مفاجئ مطارد, مخافة الأفاعي والحشرات والذئاب ,ولا يعرف مسالكها إلا من خبرها وبلاها, وأنبأهم إسماعيل أنه سلكها مع بعض من معارفه يوما ما,وصولا إلي عزبة ميت زنقر ,وهناك دفعوا مبلغا كبيرا حلوانا لبعض اللصوص الذين أقاموا في بريتها مقابل استعادة مواشيهم المسروقة.

.... لم يتوان القوم وسرعان ما احتوتهم البرية وأخفاهم غابها وذهب نعيق بومها ونعيب غربانها ونقيق ضفادعها, بأصواتهم ,واستغرقهم ليلها الطويل أياما عديدة كلت فيها جهودهم وتغضنت وجوههم واكفهرت قسماتهم,ورزح الهم علي صدورهم فلم يستثن منهم صغيرا ولا كبيرا ولا رجلا ولا امرأة, حتي باتوا علي أعتاب قرية الخاشعة,فأمرهم إسماعيل أن يلبثوا بأطراف البرية الي حين ينتصف الليل, فلا يراهم أحد حين يدلفون إليها,فلطالما سمع إسماعيل إبان جلساته في أعطاف أبيه صغيرا في مجالسه مع نظرائه في المصلاة الوادعة ,علي ضفة ترعة الساحل عمن كانت تتلي أسماؤهم في المساجد أو يطوف بها منادي القرية زاعقا صارخا منوها بوجوب عدم استقبال كل متسحب من قريته أو متاواته وإيوائه وأن من أوي واحدا منهم ولم يبلغ ملتزم القرية ومتكلميها وولاة أمرها به فلا يلومن إلا نفسه.

... لبث القوم نهارا باردا ثقيلا يستخفون بشجر الطرفة وأعواد الغاب والبوص والبردي حتي إذا جن الظلام واختلط,واستكنت الخاشعة وأهلها في سبات عميق وصمت مطبق تحسست أصابع إسماعيل باب أبي بدير ابن عمه الذي نهض متثاقلا متشككا فما ألف أن يعتاده أحد من القرية في هذا الليل البهيم,وفتح الباب فأبصر أشباحا متضورة من الإرهاق والألم والخوف وتحسس ملامحهم وقسماتهم فعرفهم ووسعهم صدره وقلبه مثلما,وسعهم بيته وأهله وشحيح قوته ورزقه من أرضه وصيده,ولبثوا معا إلي أن جرت في النهر مياه جديدة.


( صدر هذا الفرمان المطاع الواجب القبول والإتباع من ديوان مصر المحروسة خطابا إلى حاكم ولاية البحيرة سليمان بيك والي ذو الفقار بيك حاكم ولاية الغربية دام عزهما,وإلى أقضي قضاة المسلمين وأولي ولاة المؤمنين,معدن الحق واليقين,مولانا قاضي ولاية البحيرة ومولانا قاضي ولاية الغربية,دام فضلهما,والي المتسلمين وقيام المقامات,والمتولين, والصوباشية والجوربجية, والسدادرة والعسكر وغفرا الأدراك وقيام مقامات البلاد ومشايخ العربان ومشايخ البلاد وجميع المتكلمين بها, نعلمهم أن قري وعزب نواحي براري حفير شهاب الدين والحامول وبيلا والبرلس وبلطيم قد تسحبت إليها جموع من العاصين والهاربين من أغراب وفلاحين من قري خط البحر كفر سليمان البحري وتوابعها وكفر البطيخ وميت أبوغالب وكفرها والسوالم والأحمدية وغيرها,الواقعة جنوب ثغر دمياط المحروس,وتسبب ذلك فى تعطل زراعاتهم وفلايحهم والقيام بما عليهم من المال الميرى وأن أمير اللواء إبراهيم كتخدا مستحفظان قابودان ثغر دمياط المحروس دام عزه وملتزم نلك النواحي,قد قدم عرض حال شرح فيه أنه تأخر عليه وعلي الملتزمين بتلك النواحي من باطنه مال ميرى كثير,وأن السكان والرعايا المقيدين بسجلات التزام القري المزبورة قد باتوا قليل ,بعد أن تسحب كثيرهم,فبموجب ذلك أصبحت تلك البلاد خاربين, وبموجبه طلب منا فرمانا,أن كل من يدخل نواحي براري حفير شهاب الدين والبرلس وبلطيم والحامول وبيلا وبلقاس وبسنديلة وبهوت وكفرها,ولم يتقيد فى سجل البلدة التي يضبط فيها,يقبض عليه وعلي كل من معاه, كبيرا وصغيرا وشيخا وامرأة وطفلا,ويقيدون في سلاسل الحديد علي وجوه التنكيل والهوان والإذلال, ردعا لأمثالهم,ويخرج بهم صوباشية وجوربجية ومشدات وغفرا من النواحي التي يضبطون بها,علي وجوه البت والسرعة ليعودوا إلي بلادهم لمحاكمتهم والقصاص منهم وزراعة فلايحهم,حتي لا يتأخر أو يضيع مال السلطان,الذي لابد أن يطلع ولو من بين الضفر واللحم, وبعد قيد الفرمان يكون ِإجهار المناداة في كل النواحي المذكورة,أن كل من يعارض الحكام المذكورين ويتاوي أحد من أولئك المجرمين أو يتحامى به, فلا يلومن إلا نفسه,كون أن بعضهم جمع لموم من المتسحبين العصاة وأولاد الليل وأهالي البراري, من الخاشعة وبلقاس وبسنديلة وبهوت وكفرها ,ودليلهم وكبيرهم هو إسماعيل أبو سليمان وأخوته وعطا الله أبو عامر وأخوته وشحاته الزهداني وأخوته من أهالي كفر سليمان البحري المذكورة بجملة حوالي ستماية نفر خياله ومشاة لموم ,رمحوا على قرية كفر سليمان المذكورة وقت الفجر وقصدوا خرابها والانتقام من إبراهيم كتخدا مستحفظان ملتزمها وتابعه محمد جوربجي قايم مقام ورجالهم, كونهم قبضوا علي جماعة من فلاحي كفر سليمان وضربوهم بالعدة والكرباج لتأديبهم لأنهم تأخروا عن سداد ماعليهم من ميري وبراني وخلافه, فنفذ فيهم أمر الله وماتوا تحت الضرب فى أواخر شهر شعبان سنة تاريخه أدناه, وفر الملتزم المذكور الي ثغر دمياط, وقتل إسماعيل أبو سليمان من الفلاحين المتسحبين العصاة واللموم التي رمحت معه ,قايم مقام الناحية محمد جوربجي وثلاثة وعشرين من العسكر العثمانلية وخمس مشدات,وحرقوا موجودات الوسية وغيطها, وثلاثة وعشرين كوم دريس ومائتين فدان قمح وكسروا ثمانية عشر ساقية وسحبوا من الدوار ألفا ومائتين وثمانين رأس غنم ومائة وخمسين جاموسة وخمسين فحل جاموس وستين ثور بقر وخمسة عشر جملا ومصاغ ونحاس وفرش ومليوس,وخلافه معين ذلك كله بقائمة بعلم الذاهب والمنهوب,وعليه بعمل بذلك علي وجوه السرعة والحسم والإبرام, كون إن قايم مقام مصر هو الذي كتب هذا الفرمان فحال وصوله إليكم تعملوا اللازم بدون تقاعس أو تسويف والاعتماد فى ذلك على الكف المفخم والختم المكرم فى سادس ربيع الآخر سنة ستة وتسعين ومائة وألف من الهجرة ..) .............

الأستاذ الدكتور/ عبد الحميد سليمان

الدمام 28/1/2010م

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 05/02/2010 الساعة 07h12
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 05/02/2010, 08h43
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي رد: الأستاذ الدكتورعبد الحميد سليمان المتسحبون (النسخة الكاملة) إلي مدام ناهد ال

أستاذنا القدير وصديقنا العزيز الدكتور عبد الحميد بك سليمان
لا أخفيك سرا أنى قرأت هذا النص الأعجوبه "المتسحبون" مرات ومرات , وهو بحق أعجوبه بداية من عنوانه الذى تم اختياره بعناية فائقه بحيث أنه يستحيل استبداله بمرادف لغوى آخر , حتى ذلك الفرمان العجيب وكأنى أستمع إليه سماعا بصوت مولانا الشيخ عبد الرحمن الجبرتى ,وليس نصا مقروءا لمولانا الدكتور عبد الحميد سليمان فى سماعى ,
المهم قرأت النص مرات باستمتاع عجيب كما أسلفت وكأننى أستعيد قصيدة أم كلثوم المحببة الى نفسى كيف مرت على هواك القلوب أو مايعرف بهوى الغانيات , وفى كل مرة أشعر أنى أستمع اليه للمرة الأولى , كذلك المتسحبون , وأعترف أنه كان عصيا أن يهضمه عقلى القاصر ووجدانى من المرة الأولى , كان أشبه بوجبة طعام مليئة بكل صنوف الدسم والمتبلات والمقبلات يتوسطها دكر من البط العتيق المحشو بخلطة الفريك والمكسرات والزبيب ,,,,,
أدعو أحبابنا أرباب الأدب والشعر الى تلك المائدة العامره الثرية لغة وتاريخا وسردا وبما تحويه من معان وفلسفات لعل أروع مافيها لغة الأحذية التى وردت بشكل عابر فى بداية النص , وإن كنت أتمنى من أديبنا الكبير راجيا منه أن يضع تلك الفقرة خلف البروجكتور الإبداعى وأنا على ثقة أنه سيخرج علينا نص إبداعى فلسفى كبير
وبعد ..... فأنا لم أكتب بعد شيئا حول هذا النص الفريد الدسم , وأستسمح أستاذنا الدكتور عبد الحميد سليمان فسحة من الوقت أكتب بعدها مايليق بهذا الإبداع ,
لكنى أدعو أخواى سيد أبو زهده ورائد عبد السلام , وأختاى عيون المها ورغد اليمينى , وحبيبى المهندس محمد على , وكل سماعى مهتم بالأدب الرفيع ............
لقراءة متأنية فاحصة لهذا العمل الرائع بكل مايحويه من دلالات تاريخية وسياسية ولغوية وفلسفية واجتماعيه

أحييك على إبداعك يا أستاذنا وأكرر اعتذارى عن التأخير والتقصير

__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 09h54.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd