بسم الله الرحمن الرحيم
..........................
روزا والخاتم الفيروزى
كانت تدفع بزواج بناتها لاول طارق يطلب يد البنت فى محاولة منها أن تنتهى من زواجهن سريعا حتى تتفرغ لتحقيق طموحاتها فى الحياة .. قاست فى حياتها كثيرا منذ أن رحل عنها أبيها ثم من بعده أمها وهى مازالت صغيرة فى التاسعة من عمرها .. أخذت تتنقل بين منازل أخواتها الكبار ومنازل خالاتها وخالها .. ولولا بقية من ميراث لها عن والدها ما كان أحدا اهتم بها ولا أعارها اهتماما ..
وما إن بلغت سن الرابعة عشر حتى زوجوها لقريبها الشاب الذى لا تختلف ظروفهعنها .. أتموا زيجتة ببقية ميراثه وتزوجوا فى حجرتين فى المنزل الكبير لعائلته ..
وما إن تم الزواج حتى خلعت الزوجة أساورها (التعبان) وباعتها واستبدلت مكانها أساور من قشرة الذهب .. فعلت ذلك حتى لا تشعر واحدة من سلفاتها أنها باعت الاساور الذهب .. أعطت ثمن الأساور لزوجها مع ما تبقى لها من نصيبها من الميراث .. كى ينطلق إلى عالم تجارة النحاس الجديد والخردة .. حتى أنها أعطته ما كانت تملكه من اوعية نحاسيه مما يكون فى جهاز العروسه .. ومن نجاح الى نجاح فى التجاره وزيادة فى رأس المال .. إلى زيادة فى الأولاد .. زوجتهم جميعا حتى جاء دور آخر العنقود "روزا" .. زوجتها إلى اول عريس تقدم لها على غير رغبة منها .. كانت لروزا شخصية تختلف كل الاختلاف عن شقيقاتها .. كانت حادة المزاج قوية الشخصيه وأسلوب تفكير مختلف ..
تزوجت روزا وعاشت حياتها .. وفى أحد مرات وكان ذلك فى المصيف الذى اعتادت اسرتها علي قضائه كل عام .. وروزا تجلس على شاطئ البحر .. وقعت عينها على أفراد الاسرة الذين اتخذوا مكانا بجوارها
.. صاحت داخل نفسها وقالت ...... يا إلهى ... إنه يكاد أن يكون هو .. لولا أنى متأكدة من استشهاده فى الحرب لقلت أنه هو بشحمه ولحمه
.. معقول مثل هذا الشبه .. يخلق من الشبه أربعين ..
ذلك الرجل يشبه تماما شابا كان يقطن شارعهم القديم الضيق فى الحارة القديمة .. كانت تقف له فى الشباك فى الخامسة صباحا وهو فى طريقه إلى الكليه العسكريه بالقاهرة .. لتحظى بنظرة منه بعد أن يمضى مع أسرته بضعة أيام .. كانت تقف لتراه حين يطير الحمام الذى يفترش الارض فى هذه الساعة المبكرة من اليوم ليلتقط الحب .. كان لطيرانه مع هديله صوتا نافذا .. تعرف منه أنه قد دنا من منزلها .. ليدق قلبها دقا عنيفا حتى أنه يكاد أن يفارق صدرها .. وتزداد وتتسارع دقات قلبها عندما يرمى لها بنظرة يختلسها من وراء ظهر أبيه الذى كان دائما يرافقه ألى محطة القطار وهو مزهو بولده ببدلته الكاكى والنجمة اللامعة على كتفه .. كان فى تلك اللحظة يتظاهر بانشغاله بضبط الكاب على رأسه حتى لا يلحظ شيئا .. بعدها كانت روزا تغلق الشباك لتلقى بنفسها إلى الفراش لتنام نوما لذيذا ..
حاولت بطرق كثيره أن تتعرف على أسرة الجوار فى المصيف .. حتى نجحت أخيرا فى عقد صداقة معهم هى وزوجها وأولادها .. حتى يتسنى لها فيما بعد المصيف أن ترى شبيه جارها القديم الذى أحبته .. ولما حان موعد الرحيل تبادلوا العناوين وأرقام التليفونات .. وعادت كل أسرة إلى بلدها .. ظلت من تلك اللحظة تخطط فى كيفية زيارتهم وحدها فى بلدهم .. وما هى إلا أيام وبدأت الاتصالات المتبادله .. حتى وجهوا أخيرا الدعوة لهم لزيارتهم .. إستطاعت أن تقنع زوجها بالسفر وحدها لزيارتهم ..
وأخيرا سافرت .. وكان زوج صديقتها بانتظارها فى موقف السيارات بسيارته الفارهه واستقلت الكرسى الامامى بجواره بينما هو يرحب بها بشدة متذكرا معها أيام المصيف ولقاء الصدفه التى هى خير من الف ميعاد ..
فتحت حقيبة يدها وأخرجت منها خاتما من الذهب مرصع بفص من الفيروز .. ناولته له قائلة .... هذا لك أنت ... بينما تسلط عيناها عليه متذكرة فتى الحارة متصورة أنه يعرف قصتها معه .. ولولا بقية من حياء منه لرده إليها ..
وصلا إلى منزله لتجد زوجته فى انتظارها وهى فى غاية السعادة للقائها مرة ثانيه .. وحان ميعاد الغذاء وهم يتبادلون الاحاديث المختلفة .. طلبت من صديقتها مصاحبتها الى السوق لشراء بعض حاجياتها من هذه المدينة .. وتعمدت أن يتأخر بها الوقت كى يتثنى لها أن تبقى معهم أطول وقت ممكن .. ولكى تطمئن زوجها اتصلت به تلفونيا قائلة له أن الوقت قد سرقهم وأنها تأخرت حتى دخل الليل عليها وهى تخشى الليل وستعود بعد الفجر مباشرة .. واقتنع الزوج وباتت ليلتها بعد ان قضت معهم وقتا كبيرا من الليل ..
قامت من النوم فى الصباح المبكر حتى تتمكن من السفر .. لتجدت طعام الفطور فى انتظارها .. ومع الفطور فتور فى توديعها .. لم يعرض الزوج عليها توصيلها للمحطة .. شرح لها كيفية الوصول .. شعرت ببرودة الثلج فى سلامهم عليها ونظراتهم تستعجل خروجها وهى فى حيرة من أمرها من هذا التغيير المفاجئ .. أخذت تسال نفسها وهى تهبط درجات السلم حتى أنها من ذهولها نست أن تستقل المصعد .. وما إن خرجت من باب العمارة وهى شاردة نادت .... تاكسى .. وقف التاكسى
..... الموقف يا اسطى ...
وانطلق السائق الذى يعرف طريقه . بينما هى شاردة ذاهلة والسائق يقول لها ..... الموقف يا مدام .. وصلنا يا هانم ..
فتحت حقيبة يدها تعطى السائق أجرته .. واذا بها تجد مفاجأة فى انتظارها .. شعرت أن صفعة نزلت على وجهها .. أفقدتها صوابها .. لكنها تماسكت إلى أن دفعت الاجرة للسائق .. نزلت من التاكسى .. وفى تلك اللحظه عرفت سبب برود وداعهم .. كان الخاتم البراق المرصع بفص الفيروز قابعا فى حقيبة يدها ..
يا إلهى هل أخبر زوجته بحكاية الخاتم .. أم يا ترى وضعه بدون علمها فى حقيبتها التى كانت على "الكنصول" بمدخل الشقه ..
سارت فى خطوات مرتعشه حيث السيارة كأنها الدهر كله والناس من أمامها شخوص تتحرك لا تسمعهم ولا تراهم .. ألقت جسدها المثقل على كرسى داخل السيارة واكتفت بإمائة من رأسها للسائق .. بعدها انخرطت فى بكاء مر اهتز وانتفض له جسدها كله .. وكأنها تنفض عن نفسها أوزار حياتها كلها .. إنهمرت دموعها كسيل منهمر كالمطر كأنما أرادت ان تغسل نفسها بهذه الدموع المحرقه ..
إنطلقت السيارة والركاب فى عجب من أمرها .. وما هى إلا دقائق حتى فتحت شباك السيارة .. ألقت بعيدا بعلبة الخاتم ذو الفص الفيروزى .. أحدثت صوتا حادا وهى تصطدم بأسفلت الطريق .. تخلصت من الشئ الذى سبب لها هذا الموقف المشين .. وأسندت ظهرها الى الخلف ..
يا ترى أيكون بكائها لانه يشبه الحبيب القديم فى عظمتة وكبريائة
.. أم لأنها ولأول مرة .. تجد من يقول لها لا ...........................
__________________
إذا أنا لم أعط المكارم حقها
فلا عزني خال ولا ضمني أب