* : كارم محمود- 16 مارس 1922 - 15 يناير 1995 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : Edriss - - الوقت: 18h31 - التاريخ: 16/05/2024)           »          الحفلات الخارجية للإذاعة المصرية (الكاتـب : هامو - آخر مشاركة : الفرساني - - الوقت: 17h01 - التاريخ: 16/05/2024)           »          بدوي الزبير (الكاتـب : ابوصالح - آخر مشاركة : علوي الكاف - - الوقت: 15h36 - التاريخ: 16/05/2024)           »          محمد المحلاوي (أبو دراع)- 25 نوفمبر 1919 - 19 يوليو 1988 (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : الكرملي - - الوقت: 15h20 - التاريخ: 16/05/2024)           »          طلبات نوتة أ / عادل صموئيل الجزء الثانى (الكاتـب : عادل صموئيل - آخر مشاركة : Madeleine - - الوقت: 14h12 - التاريخ: 16/05/2024)           »          فى يوم .. فى شهر .. فى سنة (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : رضا المحمدي - - الوقت: 13h03 - التاريخ: 16/05/2024)           »          سلمى( توفيت في 16 ماي 2024 ) (الكاتـب : حماد مزيد - آخر مشاركة : سماعي - - الوقت: 12h10 - التاريخ: 16/05/2024)           »          14 مارس 1969 بنغازي ليبيا * أمل حياتي مقطع (الكاتـب : باسل زعرور - آخر مشاركة : amhateb - - الوقت: 11h05 - التاريخ: 16/05/2024)           »          الفنان الراحل خليفة بدر 1946-2010 (الكاتـب : بو بشار - آخر مشاركة : shokri - - الوقت: 07h20 - التاريخ: 16/05/2024)           »          محمد خيري (الكاتـب : fatinr - آخر مشاركة : loaie al-sayem - - الوقت: 06h48 - التاريخ: 16/05/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > صالون سماعي > ملتقى الشعر و الأدب > نتاج الأعضاء .. القصص والروايات

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #71  
قديم 13/02/2009, 17h16
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

شكر واجب
يسعدنى ان أتقدم بالشكر للصديق الأستاذ سامى عبد العزيز على متابعته الدقيقه وتفضله بتصحيح الأخطاء اللغويه حتى يكون السياق متوافقا مع صحيح قواعد النحو والإعراب
وأرجو بشده من أى زميل متخصص فى اللغه أن يتفضل بتنبيهى إلى أى خطأ لغوى فى السياق فضلا عن أخطاء الكيبورد فهذه أمرها يهون

:::::::::::::::::::::::
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور
رد مع اقتباس
  #72  
قديم 14/02/2009, 11h09
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

177 هجريه الرشيد فى الحجاز
@ بدا الرشيد مسرورا فى أوج سعادته , بعد أن أنهى وزيره الفضل بن يحى البرمكى الفتنة بسلام دون إراقة دماء من هنا أو هناك , ورجع من بلاد الديلم بصحبته غريمه يحي بن عبد الله الطالبى , بعد تمكنه من إقناعه بالرجوع عن عصيانه , وأن يحل فى البلاد ضيفا كريما ومواطنا صالحا , إستطاع مد بساط الأمل له ووعد بحياة هادئة رغيده , ينعم فيها بكل سبل المتعة والراحه والهناء .. إنهما أبناء عمومة جدهما عبد المطلب بن هاشم ..
ولدى عودته من مهمته توجه فى التو حيث الرشيد وأخبره بما كان ......
ــ خرجت يا مولاى فى خمسين ألف رجل بالخيل والعتاد يتقدمهم صناديد القاده , ولما وصلنا إلى طالقان الرى فى مكان شديد البرودة كثير الثلوج يقال له "أشب" , مكثنا فيه أياما أرسلت خلالها مبعوثا بكتاب منى إلى صاحب الديلم وأجزلت له العطايا كما أمرتنى , حتى يسهل لنا خروج الطالبى والسعى لإقناعه بقبول الصلح , فلما أتانى أعطيته كتاب الأمان والحمد لله أن وفقنا إلى إخماد الفتنة فى سلام دون الحاجة إلى قتال وإراقة دماء ..
ــ أحسنت صنعا .. الحمد لله الذى طهر يدى من دمه , ما أكثر الدماء التى ارتوت بها رمال الصحراء طيلة العقود الماضيه فى حروب جرت بين أبناء العمومه .. الحمد لله .. المهم أين هو الآن ؟.
ــ أكرمت وفادته و،زلته فى دارى ضيفا عزيزا كريما , ريثما أدبر له ولمن معه فى القريب العاجل إن شاء الله دارا خاصة تكون لائقة بهم ..
ــ شرحت صدرى أيها الوزير .. فى الغد إن شاء الله نلقاه هنا ..
صمت برهة نظر بعدها للفضل قائلا وهو يشير بسبابته ......
ــ أظننى لست فى حاجة لأحذرك , ضعه تحت المراقبة الدائمه , لا تدعه يغيب عن ناظريك لحظة واحده .. أنا أعرف الناس بأبناء العم , ليس هينا عليهم الرجوع عن عنادهم , أو نسيان حلم الخلافة والحكم ..
كان يحلو للرشيد بعد تلك الحادثة أن يردد أبيات من قصيدة نظمها أحد الشعراء المداحين فى حق الفضل بن يحى البرمكى ....
ظفرت فلا شلت يد برمكية .. رتقت بها الفتق الذى بين هاشم
على حين أعيا الراتقين التآمه .. فكفوا وقالوا ليس بالمتلائم ..
واستمر الوزير الفضل بن يحى يخدمه بنفسه ويرعاه طيلة ضيافته فى قصره , قائما على شئونه ومصالحه مدة من الزمن , أبى خلالها أن يدع أحدا سواه يقوم على خدمته , إلى أن صار يحيا آمنا لا يعكر صفو حياته كدر فى دار كبيرة تليق بقدره ومنزلته تقع على ضفاف دجله , يعيش فيها مع أهله وبعض أنصاره المقربين الذين أتوا معه من الديلم ..........


@ إستتب الأمر للرشيد واطمأنت نفسه بعد خمود الفتن والقلاقل حول النزاع على خلافة المسلمين , لذلك قرر أن يذهب للحج هذا العام , كان الرشيد يحج عاما ويغزو عاما , ظل على ذلك النهج مدة خلافته إلى أن لقى ربه , وحج مرة ماشيا على قدميه , قال فيه أحد المادحين :
فمن يطلب لقاءك أو يرده .. ففى الحرمين أو أقصى الثغور
وما حاز الثغور سواك خلق .. من المتخلفين على الأمور ..
ولم يكن حج البيت وحده دأب الرشيد , بل كان محافظا على كل التكاليف فريضة كانت أم نافله , وله كل يوم مائة ركعه يصليها فى جوف الليل ..
وفى هذه الرحله وهى الخامسه إلى أرض الحجاز خرج ومعه كعادته جمع من الفقهاء والقضاه وأبنائهم , من بينهم هذه المره قاضى القضاه أبو يوسف بن يعقوب الأنصارى , ومن رجاله المقربين إختار أن يكون معه الفضل بن الربيع ..
وبينما ترابط قافلة الحجيج فى مكه , وقد انتهوا من آداء مناسكهم وبدأوا فى الإستعداد لرحلة المدينة المنوره , إذ فوجئ الفضل بن الربيع بالرشيد يدخل عليه خيمته , هب واقفا وقد أخذته الدهشه .......
ــ مولاى أمير المؤمنين , مرحبا بك , تأتى بنفسك إلى خيمتى !. , لو أرسلت إلى فآتيك !..
رد الرشيد وقد بدا شاردا مهموما ......
ــ قد حاك فى نفسى يا أبا العباس شئ , فانظر رجلا صالحا فى مكة نذهب إليه , نسأله النصيحة والموعظه قبل أن نشد الرحال إلى مدينة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ..
ــ كما تحب يا مولاى , هنا فى مكه كثير من الصالحين أهل الورع , لكنى أعرف منهم رجلا تقيا ورعا صالحا , لا مثل له فى البلاد كلها ..
ــ من يكون ؟.
ــ الفضيل بن عياض , شيخ الزاهدين وإمام أهل التقوى ..
ــ أوتعرف داره ؟.
ــ أجل يا مولاى .. ذهبت مرات إليه ..
ــ هيا بنا إليه .. الآن ..


@ أخذا يقطعان الطريق سيرا على الأقدام وهما متخفيان عن العيون كى لا يتعرف عليهما أحد من أهل مكه , حتى أتيا أخيرا على دار عتيقة , وهى الدار التى أتاها الشافعى قبل اثنى عشر عاما مع خاله , وقبل أن يهم الفضل بقرع الباب , تناهى إلى أسماعهما صوته وهو يقرأ القرآن فى صلاه , كان الصوت آتيا من حجرة أعلى الدار , إستوقفه الرشيد بإشارة منه وانتظرا حتى يفرغ من صلاته , وبعد طرقة خفيفة جاءهما صوته من داخل الدار ........
ــ من بالباب ؟.
أجابه الفضل ........
ــ أمير المؤمنين هارون الرشيد ..
رد وهو لا يزال داخل الدار ...........
ــ مالى ولأمير المؤمنين .. ليس لى به حاجه ..
أجابه الفضل مستنكرا ............
ــ سبحان الله .. له عليك حق الطاعة يا شيخ .. أليس له طاعة عليك ؟.
جاءهما صوت أقدام الشيخ نازلا على مهل من على سلم خشبى , فتح الباب ثم استدار صاعدا درج البيت دون أن يسلم عليهما , وفى ركن من أركان خلوته جلس صامتا بعد أن أطفأ السراج وعم المكان ظلام دامس .. أخذ الرشيد ووزيره يبحثان فى الظلام عن كفه ليسلما عليه , سبقت كف الرشيد إلى يد الفضيل الذى عاجله بقوله وهو يتناول راحة يده مسلما عليه ........
ــ يا لها من كف .. ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله ..
تمتم الفضيل وهو يتأوه فى سره ...... آه .. البداية هكذا إذن , والله ليكلمنه الشيخ الليلة بكلام نقى من قلب تقى ..
قال الرشيد .....
ــ هيا لما جئناك له يرحمك الله ..
ــ لأى شئ جئتما ؟.
ــ الموعظة والنصيحه ..
ــ إسمع يا خليفة المسلمين .. لما ولى الخلافة عمر بن عبد العزيز دعا سالم بن عبد الله بن عمر ومحمد بن كعب ورجاء بن حيوه وقال لهم ..... إنى قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا على .. فعد الخلافة بلاء وعددتها انت وأصحابك نعمه ..
سرت رعدة شديدة فى جسد الرشيد رغما عنه وهو يسأله بصوت خافت .......
ــ صدقت والله .. وبماذا أجابوه يا شيخنا ؟.
ــ قال له سالم .... إن أردت النجاة من عذاب الله , صم عن الدنيا وليكن إفطارك منها الموت .. وقال له محمد بن كعب .... ليكن كبير المؤمنين عندك أبا وأوسطهم اخا وأصغرهم ولدا ..
ــ ورجاء بن حيوه ؟.
ــ قال له .... أحب للمسلمين ما تحب لنفسك , واكره لهم ما تكره لنفسك ..
ــ وأنت يا شيخنا الزاهد , ما تقول لى ؟.
ــ أقول لك .. هل معك مثل هذا , أو من يشير عليك بمثل هذا ..
غلب الرشيد البكاء والشيخ يكلمه , وأخذ بكاؤه يشتد وصوت نحيبه يعلو , حتى ان وزيره الفضل شرع برأسه مستاء وهو يقول للشيخ مع تقديره لمنزلته وعلو شأنه .........
ــ مهلا يا شيخنا , رفقا بأمير المؤمنين ..
ــ تقتله أنت وأصحابك يا ابن الربيع وأرفق به أنا !. يا خليفة المسلمين جدك العباس جاء رسول الله "صلى الله عليه وسلم" طالبا منه أن يوليه الإماره فقال له "صلى الله عليه وسلم" ... "إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامه , فإن استطعت ألا تكون أميرا فافعل" ..
إشتد بكاء الرشيد ونحيبه وهو يقول له راجيا ........
ــ زدنى يرحمك الله , زدنى ..
ــ يا حسن الوجه , أرأيت الناس وهم يطوفون بالبيت العتيق , وهم يسعون بين الصفا والمروه ؟.
ــ أجل , أجل رأيتهم ..
ــ كل واحد منهم سوف يسأل عن نفسه يوم القيامه , أما أنت ستسأل عنهم جميعا , فإن استطعت ان تقى هذا الوجه نار جهنم , فافعل .. وإياك أن تمسى أو تصبح وفى قلبك غش لأحد من رعيتك ..
سأله باكيا ......
ــ أعليك دين أيها الشيخ ؟.
ــ أجل ..
ــ لمن ؟.
ــ دين لربى لم يحاسبنى بعد عليه , الويل لى إن سألنى أو ناقشنى , والويل إن لم ألهم حجتى ..
ــ ليس هذا ما أسأل عنه , بل أسأل عن ديون العباد ..
ــ لم يأمرنى ربى بهذا .
ــ على أية حال , هذه ألف دينار , خذها وأنفق منها على عيالك وتقو بها على عبادتك ..
ــ سبحان الله .. أدلك على طريق النجاه , تكافئنى بعرض زائل , إيه , سلمك الله وهداك ..
قام الرشيد ووزيره الفضل وبينما هما على عتبة باب الدار سمعا صوت امرأة وكانت زوجة الشيخ تقول له فى غيظ وحنق ملوحة بكلتا يديه فى وجهه .......
ــ يا رجل , هل جننت , ألم يكفك ما نحن عليه من مسغبة وضيق فى العيش حتى ترد مالا بعثه الله لك , ألف دينار يا رجل , ترد ألف دينار ودارك ليس فيه بر ولا دقيق , إننا لم نر درهما ولا دانقا ولم توقد فى دارنا نار منذ أيام , وأنت ترد ألف دينار , أليست تلك حماقة وقلة عقل , يبدو أنك كبرت وخف عقلك ..
تبادلا نظرات ذات معنى , قال الرشيد بعدها للفضل هامسا .......
ــ ما قولك , نعيد الكرة ربما يقبل المال ؟.
ــ أجل يا مولاى ..
أدرك الشيخ ما نواه الرشيد فغادر القاعة مسرعا وولى مغاضبا متخذا مكانه على سطح الدار , حاول الرشيد بعد أن لحق به أن يكلمه أو يسترضيه قبل أن يغادر الدار , لكنه أطبق فمه وقد أعطاه ظهره , إلى أن خرجت عليه جارية سوداء عابسة الوجه قالت للرشيد فى جفاء وغلظه لا يليقان بمثله .........
ــ يا هذا , قد آذيت الشيخ فانصرف يرحمك الله ..
وفى طريقهما خارج الدار همس الرشيد لوزيره فى لهجة حازمه .....
ــ إذا دللتنى على رجل , فدلنى على مثل هذا الشيخ الزاهد , إنه سيد المسلمين , غدا نتحرك بالحجيج صوب مدينة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" .........

@ لم يشعر بالسعادة تغمره كما شعر بها وهو متخذ طريقه ميمما صوب خيمة الرشيد مستغرق فى حديث نفس ............ سبحان الله .. والله إنه لأمر عجيب .. حقا صغيرة تلك الدنيا .. لكنى كنت واثقا ساعة ما افترقنا , أنى سوف ألقاه يوما .. مصادفة عجيبه جمعتنى بزميل الصبا بعد كل هذه السنين .. حقا تغيرت ملامحه كثيرا إلا أن نبرات صوته كما هى , إنها لم تفارق أذناى بعد , وها أنا أستمع إلى صوته الدافئ الذى تداعب كلماته الآذان كنسمات صبا عطرتها أزهار الياسمين وأوراق الريحان .. صدق من قال .. وقد يجمع الله الشتيتين بعدما .. يظنان كل الظن ألا تلاقيا .. تا الله لأحدثن أمير المؤمنين وأشرح صدره بذكر ما رأيت وسمعت اليوم , فلا أحب إليه من معرفة أخبار أهل العلم وسماع حكاياتهم ..
ولما دخل الخيمة وألقى السلام ابتدره الرشيد ............
ــ من !. الفضل بن الربيع حاجبنا وابن حاجبنا , وعليك السلام يا أبا العباس , أرى البشر والسرور فى صفحة وجهك , ماذا وراءك , أية ريح طيبة أتت بك ؟.
ــ أعز الله أمير المؤمنين وأعلى ذكره فى العالمين , جئت إليك بما يسرك ويشرح صدرك , وتقر به عينك ..
ــ تكلم يا ابن الربيع , لقد أثقلتنا الهموم وزادت علينا المواجع , هات ما عندك ..
ــ رأيت اليوم يا مولاى رجلا قرشيا مطلبيا من ولد شافع , لم أره منذ زمن ..
ــ ما شأنه ؟.
ــ إن له قدما راسخة فى العلم ..
ــ قلت إنك لم تره منذ أعوام , أوتعرفه ؟.
ــ أجل يا مولاى , كنا نحفظ القرآن سويا , سنوات جمعتنى به فى رحاب بيت الله الحرام فى كتاب شيخ مكة ومقرئها الكبير إسماعيل بن قسطنطين رحمه الله ..
ــ هيه , قص علينا كيف رأيته وتعرفت عليه بعد كل هذه السنين ..
ــ كنت خارجا من مسجد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فرأيت جمعا من الناس يتحلقون حول رجلين , دفعنى الفضول أن أذهب إلى هناك لأنظر ما يجرى بينهما , ولما صرت قريبا منهما رأيت مناظرة حامية ونقاشا دائرا , فلما اقتربت أكثر أخذت أدقق النظر وأرهف السمع لما يدور , لم أكن أعلم حتى اللحظه أن أحدهما هو بعينه صديق الصبا محمد بن إدريس الذى فارقته منذ أعوام طويله ..
ــ وهل عرفت الرجل الآخر ؟.
ــ نعم , رجل من الكوفه عرفت فيما بعد أن اسمه الحسن بن زياد .. لكن شتان ما بينهما يا مولاى ..
ــ إيه يا ابن الربيع , صدقت , لم لا يكون صديقك القرشى كما تقول , ألم تسمع قول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" .... "إن عقل الرجل من قريش عقل رجلين" ..
سكت قليلا ثم أردف ............
ــ هل تذكر ما سمعته مما دار بينهما ؟.
ــ أجل , كلمة كلمه , سأحكى لك يا مولاى ما أدركته مما جرى بينهما , سمعت صديقى الشافعى يسأله ...........................
ــ ما تقول فى رجل قذف محصنة وهو فى صلاه ؟.
ــ تكون صلاته فاسده ..
ــ فما حال طهارته ..
ــ كما هى , بحالها ..
ــ وقذفه المحصنه ؟.
ــ لا ينقض طهارته ..
ــ فما تقول إن ضحك فى صلاته ؟.
ــ بطلت صلاته ..
ــ وطهارته ؟.
ــ تبطل كذلك ..
ــ معنى كلامك أن قذف المحصنات أيسر من الضحك فى صلاه ؟.
صمت قليلا ثم عاد يسأل محاوره الذى بدا حانقا ..............
ــ ما تقول أيها الرجل فى صلاة الخوف , كيف يصليها الرجل ؟.
ــ صلاة الخوف منسوخة , لم تعد واجبة على المسلمين ..
ــ كيف ذلك ؟.
ــ لقول الله عز وجل فى سورة النساء .... "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاه ... الآيه" ورسول الله "صلى الله عليه وسلم" لم يعد فيهم , خرج من بين أظهرهم , فلم تعد الصلاة واجبه ..
ــ يا رجل , أما سمعت قول الله تعالى فى سورة التوبه .... "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ... الآيه" هل يا ترى نسخ حكم الزكاة أيضا لأن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لبى النداء ورحل إلى جوار مولاه !.................
@ إستمر الفضل يحكى ...........
ــ هذا يا أمير المؤمنين ما حضرته من تلك المناظره وسمعته من كلامهما ..
ضحك الرشيد وهو يسأل وزيره .......
ــ ماذا فعل الكوفى بعد أن أفحمه صاحبك وأقام الحجة عليه ؟.
بادله الفضل الضحك قائلا ........
ــ وثب من مكانه كاللديغ وولى مغاضبا وهو يتمتم بكلمات لم أتبينها ..
ــ هيه , لم تحدثنى بما فعلت مع صديق الصبا ..
ــ أسرعت نحوه فى الحال بعد انصراف القوم , كان لقاء حارا , تعانقنا وسالت فيما بيننا العبرات وظللنا نتجاذب أطراف الحديث لساعات طويله مرت كأنها لحظات , ما أحلى لقاء الأحبة بعد طول غياب ..
ــ وهل يا ترى تذكرك عندما رآك مقبلا عليه ؟.
ــ فى البداية لم يعرفنى , لقد مضى على فراقنا نحو عشرين عاما , كنا صبية أيامها .. لكنى لم أتركه هذه المره إلا على وعد منه أن نلتقى فى بغداد ..
ــ والله يا أبا العباس لولا أننا أعددنا عدة الرحيل اليوم بعد صلاة العصر لأرسلت فى طلبه لأسمع منه , صدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم" .... "قدموا قريشا ولا تقدموها فإن علم العالم منهم يسع طباق الأرض" .. أكثر الله فى أهلى مثله ..

يتبع .. إن شاء الله ............................



179 هجريه ..... رحلة الجنوب
@ كان وداعا حارا , ما أقساها لحظات الفراق والوداع , كأنها دهر وما أشقها على النفس حين تودع الأحباب والأهل , سالت من المآقى العبرات وامتزجت وهما يغيبان فى عناق طويل قبل أن تفارق أم حبيبه ولدها وفلذة كبدها واملها فى الحياه , عائدة إلى وديان مكه تعيش هناك بين أهلها , وقد اطمأنت عليه فى دار الزوجيه , وعدها ان يزورها كل عام فى دارهم الجديده التى سكن فيها أخواله بذى طوى , لم تنس قبل أن تودعه أن تجدد له الوصية بامرأته حميده وأن يضعها فى عينيه مذكرة إياه بنسبها الشريف الطيب ..
وأخيرا امتطت راحلتها وهى تردد فى نفسها باكية ملتاعه :
ولست أدرى إذا شط المزار غدا .. هل تجمع الدار أم لا نلتقى أبدا ..
تلك هى المرة الثانية التى يفترقان فيها , فى الأولى تركته غلاما صغيرا يحيا سنوات فى ربوع البادية وفى أحضانها وسط قبائل هذيل وشعراءهم العظام , لكنها لا تدرى إن كانت هذه المره سوف تلتقى به ثانية أم ذاك هو الوداع الأخير ..
واستقر الشافعى بعد أن تزوج حميده إبنة خال صديقه المصرى عبد الله بن عبد الحكم , فى دار صغيرة اكتراها له عمه يعقوب , بالقرب من داره فى إحدى حارات المدينه , وظل مداوما على حضور مجالس العلم , طوافا على حلق الدرس لعلماء المدينة وشيوخها , ينطلق من حلقة إبراهيم بن سعد حفيد الصحابى الجليل عبد الرحمن بن عوف , إلى حلقة عبد العزيز الدراوردى , إلى دروس محمد بن أبى فديك , إلى فتاوى سليمان بن عمرو وعبد الله بن الصائغ وغيرهم , لكنه رغم ذلك لم يفارق أبدا شيخ المدينة الأكبر مالك بن أنس , كان له النصيب الأكبر من وقته , غير أن تقدم السن والشيخوخة وما يتبعها من علل بدأت تزحف على جسده الواهن شيئا فشيئا لتزيده وهنا على وهن , وأصبحت لقاءات الشيخ مع تلاميذه تتباعد يوما عن يوم , حتى بلغ الضعف منه فى أخريات أيامه مبلغا جعله لا يقدر على الذهاب إلى المسجد للصلاه أو الدرس .. لم يكن افمام يحب أن يحدث أحدا عن مرضه , غير أنه قال مرة لأحد تلاميذه المقربين لما سأله عن سبب انقطاعه عن دروس المسجد .........
ــ كرهت يا ولدى أن أذهب إلى مسجد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بغير وضوء , ولا أحب ذكر علتى لأحد فأشكو ربى ..


@ وذات يوم بينما هو وحده فى داره يتصفح أوراقا أمامه , إذا به يسمع طرقا خفيفا على الباب , قام ليجد أمامه صديقه المصرى وعلى صفحة وجهه تعبيرات تحمل كثيرا من الغموض , لم يستطع أن يدرك منها حقيقة مشاعره وما انطوت عليه نفسه من فرح أو ترح أو مزيج منهما , أجلسه الشافعى إلى جواره بعد أن حياه , سأله عن حاله وما وراءه وهو على يقين أن وراءه ثم أمور غامضه , لم يطل انتظاره إذ فاجأه بما توقعه .....
ــ أحمل لك خبرين , ستسر لأحدهما ..
نظر إليه مستفسرا وقد توجس فى نفسه خيفة من الخبر الآخر .....
ــ أولا هئ نفسك للسفر من هنا بعد أيام معدوده ..
ــ إلى أين ؟.
ــ اليمن ..
ــ اليمن !. لم , ماذا أفعل فيها ؟.
ــ أنسيت يا صديقى ما سألتنى فيه , عملا تتكسب منه ؟.
ــ كيف لى أن أنسى .. أتذكره طبعا ..
ــ لهذا ستسافر إلى اليمن , ستعمل فيها بالقضاء ضمن جماعة موفدة إلى هناك وإلى سائر البلاد والأمصار من قبل الخليفة هارون الرشيد , وهذا كتاب التوصية بشأنك من أمير المدينة إلى أمير اليمن ..
ــ بارك الله فيك وأنعم بك من صديق .. لكن كيف أمكنك ؟.
أجابه وهو يهم بالوقوف مشيرا له ..........
ــ لم يكن بالأمر الصعب على كل حال .. ونحن فى الطريق سأحكى لك كل شئ , هيا بنا الآن فإنى فى عجلة من أمرى ..
سأله متعجبا ......
ــ نذهب الآن إلى أين ؟.
ــ هذا هو الأمر الآخر , سنذهب الآن إلى دار الشيخ ..
سأله متوجسا ........
ــ من , مالك , هل أصابه مكروه ؟.
ــ أجل , بلغنى منذ قليل أنه طريح الفراش فى ساعاته الأخيرة يعالج سكرات الموت , تذكرتك , أنا أعلم كم هو متعلق بك وأنت كذلك , وأحببت ألا يفوتك معى لقاءه وإلقاء نظرة الوداع عليه , ليتنا ندركه قبل أن يفارق الحياه ..
إستأذنه لحظات يبدل فيها ملابسه وبينما هو كذلك وقد بدا فى عجلة من أمره , سألته امرأته حميده وهى تعيد ترتيب ملابس أمامها وطيها .....
ــ مالك يا أبا محمد , إلى أين , أراك فى عجلة من أمرك ؟.
أخبرها بما قاله له قريبها فعادت تسأله .....
ــ وهل عزمت حقا على الرحيل إلى اليمن ؟.
ــ أجل , أجل , سنرحل سويا إن شاء الله ..
ــ متى عزمت على ذلك ؟.
ــ والله لا أدرى يا حميده , كل ما أستطيع قوله لك أنى لن أغادر المدينة إلا أن يأذن لى شيخى ..
ــ لم أفهم , ماذا تعنى ؟.
ــ لقد أوصانى مالك عندما قدمت عليه أول مره وقال لى ..... أذكرك ألا تبرح أبواب المدينة إلا أن آذن لك أو يدركنى الموت , إنك إبنى الذى رزقنى به ربى فى أخريات أيامى ..... تلك وصيته يا حميده .. لن أغيب عليك ........

@ بعد أن أذن لهما بالدخول , تقدما خطوات لدى الباب لتقع أعينهما على الإمام راقد فى فراشه يتحلقه نفر قليل من خلصائه وخاصته , بينما ولده يحي واقف إلى جواره يترقب أوامره وإشاراته , وإلى جواره أمير المدينه محمد بن إبراهيم حفيد الصحابى الجليل عبد الله بن عباس رضى الله عنهما , يلفهم الصمت والسكون كأن على رؤوسهم الطير ..
رفع الشيخ رأسه قليلا وهو يرنو بعينين كليلتين تجاه الباب , لمح الشافعى وصاحبه , ثبت عينه عليه وهو ينظر إليه نظرة تزخر بالمعانى والكلمات , كأنه يودعه وصيته فيها , كانت لغة القلوب ولسان الحال أقوى ألف مرة من لغة الكلام ولسان المقال , وهما يتبادلان النظر فيما بينهما فى حوار صامت يليق برهبة الموقف وجلال المكان .. بعد حين حول الشيخ عينه إلى الجالسين من حوله قائلا فى صوت واه عليل .........
ــ لا أدرى ما أقوله لكم عما أراه وأعاينه الآن .. كل ما أستطيع قوله أنكم ستعاينون غدا من عفو الله ورحمته , ما لم يكن فى حساب أحدكم ..
صمت برهة يلتقط أنفاسه ثم قال ..........
ــ لله الأمر من قبل ومن بعد , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ..
كان هذا آخر ما تكلم به وهو يتفس فى صعوبة بالغه بين كل كلمة وأخرى , بعدها نطق الشهادتين , ثم فاضت روحه راضية مرضية إلى بارئها تستقبلها ملائكة الرحمن بالقبول والتوقير والإجلال لصاحبها ............................
@ لم تمض بضعة أيام على رحيل الإمام حتى كان الشافعى يعد العدة للرحيل إلى بلاد اليمن وبصحبته إمرأته حميده أو "العثمانيه" كما كان يحلو له أن يناديها مرارا بهذا اللقب الذى يذكره بنسبها للصحابى الجليل ذى النورين ثالث الراشدين عثمان بن عفان .. كانت حميده آنذاك فى شهر حملها الثالث .. وفى ليلة السفر حرص على أن يزور صاحبه عبد الله بن عبد الحكم أو "المصرى" كما كان يناديه , كان هو الآخر يتهيأ للسفر إلى مصر بعد أن تلقى من العلم ما رضيت به نفسه , لم يعد له هو الآخر ما يبقيه فى المدينة بعد رحيل الشيخ والمعلم وفراق صاحبه وحبيبه الشافعى , لم ينس وهو يودعه أن يعرف منه المكان الذى يقيم فيه بالفسطاط حاضرة مصر وقلبها النابض , على أمل أن يتلاقيا يوما .....
قال له ................
ــ دارنا فى الفسطاط , تقع فى خطة أهل الرايه على مقربة من المسجد العتيق ..
قاطعه الشافعى .......
ــ تعنى المسجد الذى أسسه عمرو بن العاص ؟.
ــ نعم هو , لنا بالقرب منه دارا كبيرة ورثها الآباء عن الأجداد الذين هاجروا إلى مصر فى مطلع هذا القرن , إيه من يدرى ربما تحملك قدماك إلى بلادنا , حتى يلتقى الأحباب مرة أخرى , تلك سنة الحياه لقاء وفراق وهلم جرا ..
ــ سنلتقى بإذن الله إن مد الله فى أجلنا , أتعلم أن نفرا من أخوالى الأزد يقيمون بالفسطاط منذ زمن ؟.
ــ أعرف أن قبيلة من الأزد تقيم فى "خطة بنى بحر" قريبا منا , لكنها المرة الأولى التى أعرف فيها أنهم أخوالك ..
ــ إنهم أخوالى تفرقوا ما بين مصر والشام واليمن , منهم يزيد بن أبى حبيب الأزدى مفتى مصر وشيخها فى عهد عمر بن عبد العزيز ..
ــ لله دره , أهو من أحوالك إذن !. كان رحمه الله فيما أعلم عالما محدثا ثقه , إنه أول من أظهر العلم فى مصر , وتكلم فى مسائل الحلال والحرام , وهو أحد ثلاثة عهد إليهم عمر بن عبد العزيز بالفتيا , وأخذ منه وحدث عنه فقيه مصر الليث بن سعد , وقال عنه إنه سيدنا وعالمنا وزاهدنا ....
ودع صاحبه متمتما فى سره بعد أن عانقه والدموع تتلجلج فى عينيه ......
ــ أجل , سوف نلتقى أيها الصديق الحبيب .. لن أنسى أبدا كلمات أمى لى والتى قالتها لى مرات .............. يا ولدى .. سينتهى المطاف بك فى مصر ........

يتبع .. إن شاء الله ............................
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 16/05/2011 الساعة 17h15
رد مع اقتباس
  #73  
قديم 20/02/2009, 22h16
الصورة الرمزية aml samy
aml samy aml samy غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:31196
 
تاريخ التسجيل: mai 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 312
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن


سيدى
د.انس
لشد ما كانت دهشتى عندما وقعت عيناى على ملحمتكم الجليلة
وكيف لم انتبه اليها من قبل
لقد اكتشفت في شخصكم جانبا آخر
لايقل تالقا بل ربما بز باقى مواهبكم الجمة
اننى ما ان دلفت الى النص وشرعت
فى تتبع السرد حتى الفيتنى امام احدالمؤرخين الموغلين فى علم التاريخ
واحد الادباء المالكين لفن الحبكة الروائية
المتمكنين من فن السرد
المالكين لناصية اللغة
تحكم النص ولا تدعه يفلت من يديك
او يجرك الى اسهابات تبعدك عن اصل الفكرة
تغلف النص يغلالة من القداسة تناسب مقام الشخصية موضوع السرد وزمانها
تنطق بلسان الشخصية وكانك قريب منها
تعلم خباياها ومكنون نفسيتها
تتلمس فى كل سطر تقواها وورعها
حلمها وعمق علمها
كامهراساتذة علم النفس
تعكس الخلفية التاريخية كمن عايشها عن قرب
وذاق افراحها واتراحها

فهنيئا لناكاتبنا و مؤرخنا الجديد
كم هنئنا بعم السميعة
والان اترككم لاعيش باقى احداث ملحمتكم
دمت لنا


__________________
ايا كانت الارض التى تشغلها ,,, اقم عليها شيئا
رد مع اقتباس
  #74  
قديم 21/02/2009, 16h54
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

الأستاذه أمل سامى
لا أجد كلمات أشكرك بها أو أرد بها على كلماتك المحترمه الراقيه والتى أرى أنك أعطيتينى من خلالها أكثر بكثير من حقى
عموما بارك الله فى ذوقك وخلقك الرفيع وأدبك الجم ولغتك الجميله ........
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 11h53
رد مع اقتباس
  #75  
قديم 21/02/2009, 16h54
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

@ بدا سعيدا وإلى جواره امرأته حميده وهما ينطلقان براحلتيهما جنوبا إلى أرض اليمن , فى الوقت الذى كان فكره منطلق فى رحلة موازية عبر التاريخ لتلك البلاد اصطلح القدماء على تسميتها البلاد العربية السعيده , عرفت تقدما حضاريا كبيرا قبل ألفى عام من ميلاد المسيح عليه السلام , يضعها فى مصاف الحضارات الأولى الضاربة جذورها فى أعماق التاريخ , ساعد على ذلك مناخها المعتدل وكثرة أمطارها وخصوبة وديانها وسهولها , مما دفع الى زيادة الهجرات إليها من الشمال والغرب وازدهار الزراعات في أراضيها .. واليمنيون القدامى كانوا يزرعون السفوح بعد تحويلها إلى مدرجات ويحفرون الآبار والصهاريجفى الصخر ويقيمون السدود على مجارى سيول الأمطار , وحتى اليوم لا تزال بقايا المئات من هذه السدود قائمة أشهرها سد مأرب العظيم .. إلى جانب ذلك كانت تلك البلاد سوقا تجارية كبيره وفيها صناعات كثيره ومنا ما اشتهرت به مثل السيوف اليمانيه والرماح الخطيه وصياغة الحلى مع الأحجار الكريمه والنسيج واستخراج الذهب وغيره من المعادن ..
تتابعت على مخيلته صورة هذه البلاد بما تحويه من معابد قديمه وقصور أثري ذات طوابق وقلاع وحصون وأسوار أقيمت حول المدن , كم سمع كثيرا من جده عبيد الله الأزدى وهو يحكى له تاريخ بلاد آبائه وأجداده الأزد وموطنهم الأول قبل أن يتفرقوا فى البلاد , عرف منه أن اليمنيين رغم عروبتهم إلا أن عاداتهم تختلف كثيرا عن تلك التى تربى الشافعى ونشأ عليها فى مكة والمدينه , ذلك لاختلاف المناخ والبيئة فضلا عن قرب اليمن من أرض الحبشه , لم ينس أبدا وهو فى سياحته الفكريه أحاديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عن اليمن ومدحه لأهلها .... لم ينس أنه "صلى الله عليه وسلم" وصفهم بأنهم أرق أفئدة وأضعف قلوبا وأن الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانيه ..
أخيرا إنتبه بعد عودته من رحلة التاريخ التى مرت على خاطره مر السحاب فى لحظات قليلة خاطفه , وهو يتحسس فى جيبه الكتاب الذى أعطاه له صاحبه المصرى من أمير المدينه لنظيره فى اليمن , ها هى الفرصة قد جاءت إليه لللعمل بالقضاء بعد أن جمع ووعى علوما جمه من شيوخ الحرمين تؤهله لتولى مقاليد هذا العمل الجليل , صارت لديه مقدرة على استنباط الأحكام والفتاوى والفصل فى المظالم على قاعدة أصيلة من أحكام الكتاب والسنه , فرصة أخرى جاءته فى تلك الرحلة ليمارس هوايته المحببة إليه ويشبع نهمته فى البحث عن منابع العلم وينابيع المعرفه , ويتعرف على علمائهم وفقهائهم وينهل من علوم أخرى برعوا فيها بخلاف علوم الدين والشريعه , من ذلك علوم الطب والفراسة والفلك ........

يتبع.. إن شاء الله ............................






.. يحي الطالبى ..
@ خرج من داره ميمما صوب قصر الخلد لمقابلة الرشيد , وهو يحلق مسرورا فى آفاق من السعادة وسموات النشوى فخورا بما يحمله فى حافظته من أنباء , أخيرا تمكن الفضل بن الربيع من التقاط الخيط الأول الذى يوصله لهدفه ومراده , كم كان يطمح أن يكون أقرب رجل إلى قلب الرشيد ومجلسه وصاحب الوزارة الأولى , لم يمنعه عن ذلك إلا عقبة كؤود حالت بينه وبين طموحاته وتحقيق آماله , البرامكه القادمين إلى بلاده من فارس وعلى رأسهم الأخوين الكبيرين الفضل وجعفر وهما أقرب المقربين منهم إلى قلب الرشيد وعقله , كان يكرههم كراهية التحريم بل أشد , وكان ثمة صراع خفى يدور بين الفريقين , كل واحد يتربص بالآخر منتظرا أن تواتيه الفرصة التى ينقض فيها بلا رحمة على غريمه انقضاض الصقر على فريسته حتى تخلو له الساحة فى بلاط الرشيد ..
وفى لقائه معه فى رحلة الحج قبل ثلاثة أعوام , روى الفضل لصديقه الشافعى قصته مع البرامكه وهو يبثه همومه ينفث عما يضيق به صدره ولا ينطلق لسانه , لم يكن له أن ينطق بمثل هذا الكلام أو يبث شكواه لأى مخلوق فى العراق مهما تكن ثقته فيه أو قرابته منه , ما أهون قطع الرقاب فى تلك البلاد لأدنى شبهة , وما أكثر الرؤوس التى أطاح بها سيف مسرور الفرغانى سياف الرشيد , قال للشافعى صديق الصبا فى ذلك اللقاء .............
ــ أنت لا تعلم يا صاحبى كم بلغت سيطرتهم على زمام الأمور فى البلاد وعلى رأسهم الفضل وجعفر ولدى يحي , أموال الجباية وخيراتها كلها صارت ملك أيديهم يتحكمون فيها وفق أهوائهم ومشيئتهم , الرشيد نفسه لا يستطيع أن يتوصل إلى اليسير منها إلا بإذنهم , وفى مرات كثيره لا يسمحون له حتى بهذا اليسير ..
تملكه العجب وهو يسأل صاحبه ........
ــ لهذه الدرجة وصل نفوذهم ؟. عجيب والله ..
ــ وأكثر من هذا , نفوذهم السياسى طغى على نفوذ الخليفه , مرات كثيره كنت أتصور وأنا فى حضرة الرشيد أنهم هم الحكام الحقيقيون والرشيد مجرد واجهة فحسب , لكنهم على كل حال يبدو أنهم لم يتعلموا من دروس من سبقوهم ولم يعوا أحداث الماضى القريب , غاب عنهم ما فعله أبو العباس السفاح الخليفة الأول مع الوزير الخلال ومن بعده الخليفة المنصور مع وزيره أبى أيوب الموريانى والمهدى مع يعقوب بن داود , حتما سيأتى دورهم ليذوقوا من كاس الصاب والردى .........................................
حث الخطى نحو قصر الخلد ومعه طرف الخيط الذى يحقق به بغيته , تمكن بفضل دأبه وجهود رجاله أن يتحصل على معلومات لها خطرها وأن يعلم أمورا خفيت على غريمه الفضل بن يحى , فى شأن يحى بن عبد الله الطالبى الذى تحدثنا فى شأنه قبل ذلك وكيف أن الرشيد أمر له بقصر يعيش فيه وأهله معززا مكرما بعد أن وعد بالتخلى عن أطماعه فى الحكم , وأمر الفضل بن يحى البرمكى أن يقوم على شئونه وأن يضعه تحت رقابة دقيقة لا يغفل فيها عنه .. إلا أن غريمه الفضل بن الربيع تمكن دس بعض رجاله فى قصر الطالبى من العاملين فيه ليكونوا عيونا له , أملا فى أن يتحصل على أسرار تحقق له ما يريد .. ولدى دخوله على الرشيد قال بعد أن حيا وسلم .............
ــ مولاى أمير المؤمنين , أحمل معى انباء أعتقد أنها تهمكم ..
ــ تكلم يا أبا العباس , هات ما عندك ..
ــ تعلم يا مولاى أنى عينك الساهره التى لا تغفل ولا تنام و .....
قاطعه الرشيد وقد بدا ضجرا مهموما غير مكترث به أو بما سيقوله , كان يحمل من الهموم ما تنوء به الجبال .........
ــ مالك يا ابن الربيع , تكلم ولا داعى لأن تسترسل فى مقدمات أعرفها ..
ــ علمت يقينا من مصادرى معلومات مهمه عن يحي بن عبد الله الطالبى , وتأكدت بنفسى قبل أيام من صحتها ..
إعتدل فى جلسته وقد تبدلت ملامحه وبدا عليه الإهتمام والفضول وهو يسأل بصوت محتبس, .....
ــ إعتدل فى جلسته وقد تبدلت ملامحه وبدا عليه الإهتمام والفضول وهو يسأل بصوت محتبس .....
ــ تقول من ؟. الطالبى , ألم نفرغ منه ومن خصومته لنا بعد أن أعطيناه الأمان وأعلن ولاءه , ونسى حلم الخلافة والحكم ؟.
ــ ليس بعد يا أمير المؤمنين , ليس بعد , لا زال الحلم يراوده ولا زالت أطماعه فى الخلافة قائمه , إنه ابن آبائه وأجداده بنو طالب ..
ــ وماذا يملك من وسيلة أو حيلة لتحقيق ذلك وهو بين أيدينا وتحت عيوننا , إن رجالنا يرقبونه لا يغفلون عنه ساعة واحده , أليس كذلك ؟.
ــ معذرة يا يا مولاى , إضطررت لأن أكلف بعضا من أخلص رجالى يراقبون داره من الداخل والخارج لما علمت بتراخى أولئك الحراس الذين وضعهم البرمكى , وشددت عليهم أن يرقبوا منافذ داره طوال ساعات الليل والنهار لايغفلون عنها طرفة عين , إستمروا فى عملهم وظلوا على تلك الحال منذ كلفتهم إلى أن جاءونى بالنبأ اليقين ..
ــ ماذا تعنى ؟.
ــ علمت أنه لا يكف عن عقد لقاءات فى داره فى جوف الليل مع كثير من أنصاره وشيعته , بعضهم غريب عن البلاد ..
ــ أواثق مما تقول ؟.
ــ كل الثقة يا أمير المؤمنين ..
ــ هل لديك دليل على ما تدعيه ؟.
إرتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة وهو يقول
ــ أجل يا مولاى , وهل كنت أجرؤ على أن آتيك بدونه , بالأمس فقط وقع فى يدى الدليل على صدق ما أقول , لقد دأب منذ بضعة أشهر على استقبال أشخاص ملثمين , علمت بعد متابعتهم وتعقبهم من عيوننا أنهم من البربر الذين يسكنون بلاد المغرب , يقدمون إليه برسائل من أمير بلادهم ..
ــ آه .. من أخيه إدريس بن عبد الله , الذى تمكن من الفرار منذ سنوات وأسس دولة هناك باسمه , لكن لم تقل لى عن الدليل الذى تزعم أنه معك ..
مد يده فى جيبه وأخرج رسالة مطويه
ــ تفضل يا مولاى ..
ــ ما هذا , إنها رساله ..
ــ أجل , بالأمس قام رجالى بترقب قدوم بعض أولئك الغرباء , وأمسكوا بهم قبل أن يدخلوا دار الطالبى , قاموا بتفتيش ملابسهم حتى عثروا أخيرا على هذه الرساله ..
أخذت عيناه تمر على سطورها وعلامات الغضب والحنق ترسم خطوطها شيئا فشيئا على وجهه , مزجت بقدر غير قليل من الألم والحزن , تأكد له صدق ما جاء به وزيره وأن غريمه ضالع فى التآمر عليه , أكثر حزنه وأسفه كان من وزيره الأول الفضل بن يحي البرمكى أكثر منه من خيانة يحي الطالبى ..
طوى الرسالة وأخذ يحدث نفسه والأسى يكسو وجهه ......... كان الأولى أن يأتينى البرمكى بهذ الرساله , وأن يعلمنى بكل ما يحاك من فتن ودسائس فى مهدها , أجل , هو الذى يتولى أمره ويقوم على خدمته ومراقبته , إنه كان أقرب رجالى المخلصين إليه , كيف سمحت له نفسه أن ينسى ما أمرته به وأكدت عليه , كيف حدثت كل هذه المؤامرات والفتن فى غفلة منه , ماذا كان ينتظر ؟......
أخذ الفضل يرمقه بعينه وملامح وجهه تكاد تفضح مشاعر السعادة والغبطة التى غمرت وجدانه , وقد أدرك بدهائه ما يدور فى رأس الرشيد وما يحدث به نفسه .. أخيرا تمكن من وضع بذرة الكراهيه فى قلبه على أحد أقطاب البرامكه وأن يدق أول مسمار فى نعوشهم , لم يبق إلا أن يقتفى أثر القطب الثانى , الفتى المدلل جعفر بن يحي وأن ينقب فى حياته عله يعثر على بغيته .. لقد تمكن من قلب "العباسه" أخت الرشيد وأحب أهله إليه , لم يجد الرشيد حيلة وهو لا يقدر على مفارقة الإثنين , إلا أن يزوجها له زواجا صوريا ليحل له النظر إلى وجهها فى مجلسه , كان شرفا كبيرا أن يظفر مولى من موالى الفرس مهما تكن منزلته أو مكانته , بالزواج من هاشمية من الأشراف ..
مرت لحظات ثقيلة من الصمت والترقب كان كل واحد منهما يحدث فيها نفسه بما تختلج به من هواجس وظنون , بعدها نظر الرشيد لوزيره فى وجوم متسائلا .....
ــ ماذا فعلت مع أولئك البربر ؟.
ــ تحفظت عليهم فى السجون فى انتظار ما تأمر به , إن شئت أجهزت عليهم فى التو ..
ــ لا , لا , ليس بعد ..
إستدرك متسائلا ..........
ــ هل علم الطالبى بما حدث ؟.
ــ أبدا , لم يعلم بشئ حتى اللحظه , أخفينا عنه خبر القبض عليهم وجعلناه يطمئن إلى أن كل شئ يجرى وفق هواه ..
ــ حسن , نعم ما فعلت , دعوا الأمور تمضى كأن شيئا لم يكن , لكن ضاعف الحراسة على قصره , ولا تسمحوا لأحد أن يقترب من أبوابه , حتى إذا أصبح الغد خذ معك قائد الشرطه واقبض عليه وعلى كل من فى الدار من أهله وأشياعه , ضعوهم جميعا فى السجون , أما الطالبى أحضره بنفسك إلى هنا .........

@ لم تكد تطلع شمس اليوم التالى , إلا وفرقة من الحراس على رأسهم قائد الشرطه , يحضرون يحي الطالبى مقبوضا عليه إلى حيث ديوان هارون الرشيد , وقف أمامه شامخا صلبا رغم القيود والأغلال التى أحاطت بمعصميه وقدميه , خاطبه فى كبرياء وأنفة ............
ــ لم أمرت بحبسى وتعذيبى يا أمير المؤمنين , أنسيت أننا أهل بيت واحد , بيننا قرابة ونسبا ولسنا بترك ولا ديلم , أذكرك الله وقرابتنا من رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ..
قاطعه شامتا ساخرا أمير المدينه بكار الزبيرى من ولد عبد الله بن الزبير , وهو الذى يكن كراهية شديدة لآل أبى طالب ...............
ــ دعك من هذا التخابث يا هذا ... لا يغرنك يا مولاى كلام هذا المتمرد الدعى بعد أن شق عصا الطاعة والولاء وأفسد علينا مدينتنا بعصيانه وتمرده ..
إحتد وهو يلوح فى وجهه بيمناه مبادلا سخريته بأكثر منها ونبرات صوته ترتفع شيئا فشيئا ..........
ــ يا هذا , تقول أفسدت عليكم مدينتكم !. من أنتم عافاك الله ؟. إنما بآبائى وآبائه (وأشار إلى الرشيد) هاجر جدك عبد الله بن الزبير إلى المدينه , الناس نحن وأنتم يا أمير المؤمنين , والله ما يسعى بنا إليك هذا المنافق نصيحة لك , والله ما أراد إلا مزيدا من الفرقة بيننا ..
كاد الرشيد يرق فلبه وتلين نفسه لكلماته وهو يرقبه صامتا , بينما فى داخله تدور رحى صراع بين معتقداته التى ورثها عن آبائه وأجداده بنو العباس وأنهم الأحق بالخلافه , وبين النخوة القرشية الهاشميه التى استطاع غريمه أن يحركها واحد من أبناء عمومته فى نفسه وقلبه , بكلماته التى كانت رمية رام كادت تصيب هدفها , لكنه سرعان ما ثاب إلى رشيده وحسم الأمر بوجه متجهم جامد القسمات , وعادت النظرة النارية الغاضبة إلى عينيه وهو يشير بيده إلى الفضل بن يحى البرمكى , أن يعيده حراسه إلى محبسه ولسان حاله يقول ..... يا ترى ما أنت فاعل هذه المرة يا ابن برمك , لم يشأ أن يعاتبه أو يلومه على تقصيره مؤجلا ذلك لحاجة أسرها فى نفسه ..
وعلى الجانب الآخر من القاعة وقف الفضل بن الربيع ينظر إليه من طرف خفى , مجاهدا فى إخفاء مشاعر السرور والنشوة التى ملكت جوانحه , كل الأمور تمضى وفق هواه وعلى مراد نفسه , أدرك هذا اللئيم الداهية ابن آبائه ما يرمى إليه الرشيد من تكليفه غريمه البرمكى أمر يحى الطالبى , كأنه يعطيه الطعم الذى سيوقعه فى الفخ الذي يصطاده به .........................

إنتهى الفصل الثانى من السيره
ونبدأ بعد ذلك فى رواية أحداث الفصل الثالث
إن شاء الله
****
****
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 11h55
رد مع اقتباس
  #76  
قديم 24/02/2009, 23h00
الصورة الرمزية علاء إسماعيل
علاء إسماعيل علاء إسماعيل غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:2017
 
تاريخ التسجيل: mai 2006
الجنسية: مصري
الإقامة: مصر
العمر: 45
المشاركات: 6
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

الأستاذ المبدع د.أنس البن
لا تدري كم أثلج صدري هذا السرد الراقي لسيرة الإمام العلم شيخي و إمامي أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي.
حُييتَ أستاذنا و لعلك تسرد لنا بأسلوبك الأخاذ بعض المواقف التي وردت بها أشعار الإمام الشافعي.
تحياتي لكم
علاء إسماعيل
المصري موطنا القاهري إقامة الأزهري إجازة الشافعي مذهبا راجي عفو الله دنيا و أخرى
رد مع اقتباس
  #77  
قديم 25/02/2009, 10h07
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

أخى الشيخ علاء إسماعيل
أشكرك على كلماتك الراقيه والتى أسعدتنى كثيرا لأنها بقلم واحد من رجال الأزهر , وما أدراك ما الأزهر , ورغم أن والدى رحمة الله عليه كان من قدامى الأزهريين وكان حاصلا على درجة العالميه وإجازة التدريس من كلية الشريعه وكان يجهز لرسالة الأستاذيه كما كانوا يطلقون عليها فى تلك الأيام لكن حالت بينه وبين إتمامها ملمات شديده لا مجال لذكرها هنا , ورغم أنه كان أيضا شافعى المذهب
إلا أنى مذ بدأت فى نشر هذه الصفحات أصارحك القول كنت أترقب قلما أزهريا وأتوجس فى نفسى خيفة منه لعلمى بحساسية الكتابة عن الأئمة الأعلام خاصة لو كان فيه جانب روائى ممتزج بقدر من الخيال , من هنا كانت سعادتى برأيك واحتفائى به , واهلا بك فى سماعى , ونكمل سيرة الإمام .....

__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 11h59
رد مع اقتباس
  #78  
قديم 25/02/2009, 10h07
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

الفصـــل
الثالــث
قاضـى نجـران

@ ذاع صيت الشافعى حتى تعدى منطقة نجران وما حولها إلى سائر أقطار اليمن الأخرى
, تعطرت بسيرته الطيبة ومثاليته آفاق الجزيرة العربية طولا وعرضا . والناس فى نجران من أولئك الذين تغلب عليهم الطيبة والوداعه , لم يكن هناك حديثا لهم فى بيوتهم , متاجرهم , أسواقهم أو منتدياتهم وأينما جمع بعضهم مكان إذا ذكر اسمه أو جاءت مناسبته إلا عن عدالته وأحكامه القاطعة التى لا يجامل فيها أحدا . يتناقلون فيما بينهم حكايات كثيرة عن الدعاوى التى حكم فيها قاضيهم الجديد , كيف بهرهم بتوقد ذهنه وحضور بديهته وقدرته على المحاورة ومناقشة الشهود , عن تمكنه من الإحاطة بمصادر التشريع كلها واستخراج الأحكام العادلة النزيهة فى مهارة وحنكة من بطونها ..

لكم قاسى أهل نجران الطيبين البسطاء من عسف وجور القضاة والولاة السابقين وخضوعهم لذوى النفوذ وأصحاب الجاه والسلطان . إلا قاضيهم الشافعى رأوا فيه صورة أخرى من التقوى والورع والعدل والإنصاف , والتفانى فى آداء الواجب وإقامة ميزان العدل ..
كان الشافعى قد تسلم عمله من قاضى القضاه ورئيس جماعة القضاة باليمن مصعب بن عبد الله القرشى الذى اختار له ولاية نجران ليكون قاضيا عليها بعد أن استضافه فى داره التى تقع فى صنعاء بضعة أيام . ولأن غريزة حب العلم كانت مستحكمة فى نفسه تلازمه كظله لا تفارقه أينما حل وارتحل فقد وجدها الشافعى فرصة قبل أن يرحل شمالا إلى هذه الولاية الوادعة أن ينهل فيها ما تيسر له من علوم هذا الشيخ الجليل وهو أحد الفقهاء الأعلام . تعرف من خلاله على فقه أهل اليمن واستمع إليه وهو يوصيه قبل أن يودعه إلى مقر عمله قائلا له وهو يشد على يديه ...................
ــ أذكرك يا أبا عبد الله بكتاب الفاروق عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبى موسى الأشعرى حيث قال له : “ إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعه . فافهم إذا أدلى إليك وانفذ إذا تبين لك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له . وسوى بين الناس فى مجلسك ووجهك وعدلك حتى لا يطمع شريف فى حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك . البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين الناس إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا . ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه رشدك أن تراجع الحق , إن الحق ومراجعته خير من الباطل والتمادى فيه . والفهم الفهم فيما تلجلج فى صدرك مما لا يبلغك فى الكتاب والسنه . وعليك بمعرفة الأمثال والأشكال ثم قس الأمور عند ذلك ثم اعمد لأحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى . إجعل للمدعى حقا غائبا أمدا ينتهى إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا وجهت عليه القضاء . وإياك والقلق والضجر والتأذى بالخصوم فى مواطن الحق التى يوجب الله بها الأجر ويحسن الذكر . فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس” .. هيا يا ولدى على بركة الله وأظنك ستفعل إن شاء الله , إنى أتوسم فيك التقى والصلاح والفهم ..

@ وفى أول يوم
له فى دار القضاء تعرف على جماعة العاملين معه بعد أن اجتمع بهم . بعدها انتحى جانبا بكاتب القضاء زيد بن عيسى الذى يعمل تحت إمرته ويعاونه فى عمله قائلا له ..............

ــ إسمع يا زيد , أنت أعرف الناس بأهل هذا البلد وأحوالهم ..
ــ أجل يا سيدى القاضى ..
ــ عظيم , أريد منك أن تجمع صفوة رؤوس العائلات وشيوخ القبائل فى نجران , أبلغهم جميعا دعوتى إلى لقاء هنا فى دار القضاء فى الغد .. لدى كلام مهم أود أن أقوله لهم ..
فى اليوم التالى جاءه زيد برفقته جمع من صفوة العائلات وشيوخ القبائل . وفى اجتماعه بهم فى دار القضاء قال لهم................
ــ تعلمون يا سادة نجران أنى حجازى من مكه .. لا أعرف الناس هنا فى بلادكم .. ولا علم عندى بأحوالهم . سيأتينى الشهود فى قضايا الناس ولا علم لى إن كانوا عدولا صادقين أم غير ذلك . المسلمون كلهم عدول إلا من كان مجلودا فى حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا فى ولاء أو قرابه ..
سأله أحدهم ...............
ــ ماذا علينا فعله يا قاضى نجران ؟!.
ــ أريد منكم أن تختاروا سبعة رجال من خيرة أهل هذا البلد , ممن تثقون فيهم ثقة كاملة .. يكونون عونا لى فى مجلس القضاء ..
سأله آخر ................
ــ ليتك تبين لنا كيف يكونون عونا لك فى مجلس القضاء ؟!.
ــ ستقع عليهم مهمة النظر فى أحوال الشهود , يزكونهم أو يشهدون عليهم .. فمن عدلوه منهم يكون عدلا , ومن جرحوه يكون مجروحا , كم من صاحب حق ضاع حقه بسبب شهادة الزور . عندما يستقر اختياركم على هؤلاء الرجال إئتونى بهم ..
@ وفى لقائه بهؤلاء السبعة الأعوان من صفوة الرجال إبتدرهم الشافعى ......
ــ أيها الرجال .. يقول الله جل ثناؤه "وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله" وقال تعالى "ممن ترضون من الشهداء" .... إعلموا أيها الرجال أنكم الآن أهل الصلاح فى الجماعه , كونوا عونا لنا فى إرساء قواعد العدل والإنصاف , ورد الحقوق السليبة إلى أصحابها , ورفع الظلم عن المظلومين ..
سأله واحد منهم .........
ــ نحن رهن إشارتك فى كل ما تأمرنا به , لكنا بين لنا حقيقة عملنا ؟!.
ــ سوف تقع عليكم أيها الرجال مهمة النظر فى أحوال الشهود إن كانوا عدولا أو زورا . إنها ليست مهمة هينة أبدا ..
ــ ليتك تزيدنا إيضاحا وبيانا ؟!.
ــ إعلموا أن الشاهد لا يكون عدلا , إلا إذا كان عاقلا وقت حدوث ما يشهد عليه . بالغا وقت الشهاده لا وقت حدوث ما يشهد عليه . وألا يكون فى شهادته طالبا لمغنم أو دافعا لمغرم . وألا يكون خصما أو ظنينا , وأن يكون مسلما إن كان المشهود عليه مسلما . وألا يكون فاسقا قد سبق حده فى قذف أو خلافه . ولا تجوز شهادة المملوك ولا شهادة الكافر أو الصبى ..
سأله آخر ................
ــ هل هؤلاء فحسب هم الذين ترد شهادتهم ؟!.
ــ الذين ذكرتهم سلفا ترد شهادتهم جميعا بإطلاق لا استثناء فيهم . لكن هناك آخرين يطول الكلام بنا الآن فى تفصيل أحوالهم , مثل الشعراء وأهل اللعب وأهل الأشربة وأهل الأهواء وأهل العصبية , ومتى تجوز شهادة من أقيم عليه الحد وغيرهم ..
ــ معذرة سيدى القاضى , أنت تعلم أن الشعر يجرى على ألسنة الناس هنا كالماء الجارى , وأنت ذكرت الآن ضمن ما ذكرت طائفة الشعراء . ليتك توضح لنا حالهم وهل ترد شهادتهم بإطلاق , أم يؤخذ بشهادة بعضـهم ؟!.
ــ الشعر أيها الإخوان كلام كأى كلام , حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام .. غير أنه كلام باق سائر , فذلك فضله على سائر الكلام . فمن كان من الشعراء لا يعرف بنقص المسلمين وأذاهم , أو إذا مدح أكثر الكذب فمثل هذا لا ترد شهادته . هذا حكم عام ولسوف أشرح لكم أحوالهم تفصيلا فيما بعد..
ــ أكرمك الله أيها القاضى وزادك علما ومعرفة , والله ما أحوجنا لمعرفة مثل هذه الأمور والتفقه فيها ..
ــ لى مطلب أخير ..
ــ لك الأمر وعلينا الطاعة أيها القاضى القرشى ..
ــ عليكم أن تختاروا واحدا من بينكم , يتحدث باسمكم فى مجلس القضاء ………

@ أرسى الشافعى نظاما جديدا فى القضاء لم يعهده الناس من قبل , يجرى مجالس القضاء يومان كل أسبوع , فى موضع بارز علانية على أعين القوم لا يجعل دونه ودونهم حجابا أو ساترا . فى هذا المجلس الذى يتصدره الشافعى يجلس إلى جواره كاتبه زيد , أمامه سجل يدون فيه الدعاوى والأحكام , ويسجل فى صفحاته شهادة الشهود . وعلى بابه يقف قائد شرطة القضاء , الموكل بتنفيذ أحكامه , ومن حوله يتحلقه الرجال السبعه الذين هم أهل الصلاح فى الجماعه , حتى تكون صدق شهادة الشهود مسؤوليتهم وأمانتهم . أما جهة الأمام جعلها لأصحاب المظالم والشكايات , يعرض كل واحد مسألته فى مواجهة خصمه . وبعد أن ينتهى من سماع كل القضايا ويناقش الخصوم والشهود , يصدر أحكامه فى نهاية الجلسة مرة واحده ..
بهذا النظام العادل فى نظر القضايا , الذى ساوى فيه بين الناس جميعهم لا تميز عنده لأحد على أحد , صار للشافعى تلك الشعبية الكبيرة بين أهالى نجران , وتمكن من غرس محبته فى قلوبهم وأفئدتهم , فصار لا يلقى منهم جميعا إلا كل التوقير والإحترام . وضع نصب عينيه مقولة الفاروق عمر رضى الله عنـه : “ إن الضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له , والقوى فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه “ . كان يتذكر دائما ما سبق أن قاله الإمام على كرم الله وجهه فى وصيته لمن يتولى القضاء : “ إن على القاضى ألا يكتفى بأدنى فهم إلى أقصاه . وألا يضيق صدره من الرجوع إلى الحق إذا عرفه . وأن يكون صارما عند اتضاح الحكم , وألا يزدهيه الإطراء , أو يستميله الإغراء “ ..

@ كان أكثر القوم قربا من الشافعى وأدناهم منه مجلسا هو كاتبه زيد بن عيسى . لذلك كان أكثرهم غبطة وسعادة باعتلائه كرسى القضاء , فهو أعرفهم بأحواله وأكثرهم إدراكا لسعة علمه ودقة فهمه , من كثرة ما يرى ويدون من دعاوى وأحكام , مقارنا فى هذا بين نهجه وأسلوبه فى نظر الدعاوى , وبين من سبقوه من القضاة الذين عمل تحت إمرتهم ..
حدث ذات مرة أثناء تناوله عشاءه مع امرأته سعده , وبينهما ابنتهما بدر التى تبلغ من العمر ستة عشر عاما . إذ لمح امرأته بركن عينه وهى تختلس نظرة غامضة إليه تخفى وراءها تساؤلا . هز رأسه باسما ثم سألها دون أن ينظر إليها وهو يلوك لقمة الطعام فى فمه على مهل .......
ــ مالك اليوم يا سعده , ألمح فى عينيك كلاما , وعلى وجهك تساؤلا كأنك تريدين أن تقولى شيئا ؟!.
ردت قائلة وهى تحاول أن تتشاغل بالطعام كأن الأمر لا يعنيها ......
ــ أبدا يا زيد لا شئ , إنما يتهيأ لك ..
قال باسما فى سخرية .............
ــ يتهيأ لى !. ربما أنت أدرى بحالك !. نبرة صوتك تدل على غير ذلك ؟!.
ــ إيه , أوحى تدعيه , أم فراسه يا رجل ؟!.
ــ لا هذا ولا ذاك , إنما أنا أعرف الناس بأحوالك . من ذا الذى يعرف دخيلة نفسك مثلى يا أم بدر ؟!.
ــ قلت لك لا شئ .. غير أنى ...
قاطعها على عجل مشجعا ..............
ــ هيـه أرأيت !. غير أنك ماذا ؟!.
ــ غير أنى , فى عجب من أمرك أيها الرجل !.
ــ من أمرى أنا !. ألم أقل لك إن فى الأمر شئ !. هيه ما هو هذا الذى أنت فى عجب منه يا أم بدر , هلا أفصحت بالله عليك ؟!.
أجابت مترددة وهى تقدم كلمة وتؤخر أخرى .............
ــ ألاحظ هذه الأيام . يعنى .. تغيرا فى أحوالك .. لا أدرى له سببا ..
ــ ما زلت لا أفهم بعد . كيف ذلك يا امرأه ؟!.
ــ يعنى . أراك تدخل وتخرج علينا هذه الأيام , مبتهجا , مسرورا , سعيدا على غير عادتك ..
ــ هيه ثم ماذا ؟!.
ــهذا كل ما فى الأمر ..
ــ أى أمر تقصدين , لم أفهم بعد ؟!.
ــيعنى !. كنت أود معرفة سر هذه السعادة التى طرأت عليك مرة واحدة وملأت عليك حياتك ..
ثم أردفت فى لهجة ساخرة ........
ــ ليتنانسعد معك نحن كذلك ؟!.
أجابها وهو يضحك مازحا .............
ــ ومن قبل يا امرأه , كيف كنت أبدو لكما !. متجهما عابسا كئيبا مثلا ؟!.
قال ذلك وهو ينظر لابنته متمما ............
ــ أسمعت يا بدر . أسمعت يا ابنتى ما تقول أمك, أم أنك أنت الأخرى ترين مثلها تغيرا فى أحوال أبيك كاتب القضاء ؟!.
ــ معذرة يا أبى , إن أردت الصدق منى , أمى لم تقل إلا الحقيقه . أجل الحقيقة التى لا مراء فيها ..
ــ حتى أنت يا بدر , تأبين إلا أن تكونى فى صف أمك دائما ؟!.
إنبرت امرأته معقبة ..........
ــ لا تظلمها يا رجل , والله ما شهدت إلا بالحق , أجل إنك خالفت ما عودتنا عليها زمنا . كم من مرات كثيرة تدخل علينا عابسا مهموما كأنك تحمل على كتفيك هموم الدنيا بأسرها , أنسيت أم أنك بحاجة كى أذكرك ؟.
عاود سؤال امرأته دون أن يرد عليها وهو لا يزال يغالب الضحك ......
ــ وهل يا ترى أحزنك هذا التغير يا امرأه . أتحبين أن أعود لما كنت عليه عابسا متجهما كماتزعمين أنت وابنتك , أم ماذا تقصدين ؟.
سارعت بالرد معقبة .............
ــ لا والله يا زيد لا أقصد شيئا من هذا , أبدا ليتك تظل هكذا . إنما أردت أن أسأل عن شئ أثار انتباهى فى الآونة الأخيره ..
قال مداعبا ...........
ــ مالك تؤكدين على قولك .. فى الآونة الأخيره . إيه يا امرأه ماذا دهاك , أأكون قد تزوجت بأخرى مثلا ؟.
ــ يا رجل ألا تكف عن مزاحك هذا ؟. هلا أجبتنى حقيقة عن سبب هذا التغير فى أحوالك , وإقبالك على العمل فى همة ودأب هذه الأيام , الأمر الذى لم نعهده فيك من قبل ؟.
إكتسى وجهه ملامح الجد والإهتمام وهو يمسح فمه ويديه من بقايا الطعام قائـلا ...........
ــ أجل صدقت والله يا سعده , أنت وابنتك ما قلتما إلا الحقيقه . إنما كنت أمازحكما , لم لا أكون سعيدا بل أسعد الناس فى نجران , بعد أن هبطت علينا من السماء , وبعد طول صبر , نعمة عظيمة ودرة غاليه ..
تلفتت حواليها قائلة .............
ــ نعمه ؟!. أين هى هذه النعمة التى تزعم إنها هبطت علينا من السماء , إننى لا أرى شيئا ؟!.
ــ إنها النعمة التى بسببها إنزاحت عنى أخيرا هموم جمه . آه كم حملتها سنوات على كتفى هاتين ..
قاطعته امرأته قائلة ...........
ــ عن أية هموم تتحدث يا أبا بدر , أثرت مخاوفنا والله . أنت تتكلم اليوم بألغاز لا أفهمها ..
انبرت ابنته متسائلة فى لهفة هى الأخرى .......
ــنعم يا أبت ,أثرت فضولنا , ماذا تقصد بكلامك هذا ؟.
ــ سأشرح لكما الأمر . إننى أقصد بكلامى قاضى نجران , ذلك الرجل الورع التقى النقى الحليم الذى شرفت به بلادنا ..
ــ من !. محمد بن إدريس الشافعى ؟. حقا إن سيرته الطيبة على كل لسان , لا حديث للناس هذه الأيام إلا عن أحكامه العادله . إنه حقا كما قلت نعمة من نعم السماء على بلادنا كلها ..
ــ يا أم بدر , لقد عملت تحت إمرة قضاة ثلاثة قبله , لم أر من بينهم مثل هذا الرجل المكى فى تقواه وورعه . إنه ليس قاضيا حكيما مقسطا فحسب , بل إنه قوى فى الفضيلة والعفة أيضا ..
قالت بدر فى فضول ............
ــ شوقتنا يا أبت لسماع المزيد عنه ..
ــ أجل يا ابنتى إنه رجل متواضع فى غير ضعف , لا يستكبر عن مشاورة من يجدهم معه من أهل العلم , ولا يتعجل فى إصدار أحكامه بل يتأنى فيها . وغير هذا وذاك , وقور مهيب , لا يخشى فى الله لومة لائم ..
تساءلت سعده ...........
ــ وكيف حاله فى مجلس القضاء يا زيد ؟.
ــ آه .. إنه فى مجلس القضاء مثال الحسم والسكينة والوقار , حسن النطق والصمت . خير من سمعته يتكلم العربيه , كأنها لم تخلق إلا ليجرى بها لسانه . نظره فراسة وتوسم , وإطراقه تدبر وتفهم , حتى ضحكه لا يزيد فيه عن التبسم , أسوة بسيد ولد آدم رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ..
ــ هيه وماذا أيضا يا أبت ؟.
ــ لا يسمع شكاية من أحد إلا فى مواجهة خصمه , متيقظ تماما لحيل الخصوم وألاعيبهم . ومع شدة فراسته وطول باعه فى علوم الفراسه , إلا أنه لا يحكم بفراسته أبدا مع تيقنه من صدقها . لما سألته فى ذلك فى إحدى المرات رد على قائلا ...................................
ــ يا أبا بدر الله تعالى تولى السرائر وعاقب عليها , ولم يجعل لأحد من خلقه الحكم إلا على العلانيه . على هذا فلا يصح لقاض أن يحكم بالفراسة , مهما كان بارعا فيها ومتمكنا من علومها , حتى لا تتعطل الطرق الشرعية فى الإثبات من البينة والإيجاب ..
إستأنف زيد قائلا ..............
ــ إننى أنظر إليه يا أم بدر وهو فى مجلس القضاء , فأراه كأنه يعيد أمام ناظرى إلى بلادنا من جديد , أمجاد الصحابى الجليل معاذ بن جبل عندما تولى قضاء جند اليمن على عهد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ; وكما تناقلها أجدادنا وحدثونا عنها ..
ــ رجل يحمل كل هذه الخصال , يجب أن يتولى قضاء صنعاء . ليس هذا فحسب بل يجب أن يكون قاضى قضاة بغداد ..
ــ صدقت والله يا سعده . هيه ألا زلت تعجبين بعد ذلك من مظاهر السعادة التى غمرتنى . إننى والله ما شعرت بسعادة ولا صفاء ذهن, كتلك التى أشعر بها هذه الأيام . قد تعجبين إذا قلت لك أننى أشعر أحيانا أنى أكثر سعادة من هؤلاء المظلومين , الذين ترد إليهم حقوقهم المسلوبة منهم لحظة سماعهم بحكم القاضى الشافعى . كم دوت من قبل صرخاتهم فى جنبات قاعة القضاء . نفس القاعة التى ردت إليهم حقوقهم فيها ولامن مجيب . لهذا السبب كنت تريننى من قبل كئيبا عابسا , مما أشاهده كل يوم من ظلم وعسف وجور ..
سكت برهة ثم أشار لامرأته قائلا ...........
ــ أتذكرين حكاية أم شريك الثقفيه ؟.

يتبع إن شاء الله .............................
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 12h11
رد مع اقتباس
  #79  
قديم 01/03/2009, 14h39
الصورة الرمزية عفاف سليمان
عفاف سليمان عفاف سليمان غير متصل  
اخـتـكـم
رقم العضوية:384752
 
تاريخ التسجيل: février 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 1,424
Smile رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
استاذنا الجميل د(أنس البن)
والاب الروحى لنا
لست ادرى من اى طريق أبدء كلامى
ولكنى أجد فى سردك لنا ما جلعنى أجلس ساعات بين
مفردات كلماتك أغتنم منها حديثا شيقا
فكلماتك هى السهل الممتنع
وسردك لقصة عالم جليل بهذه الروعه
جعلنى انتظر باقى الاحداث
التاريخيه منها والاقتصاديه والانسانيه
فلم تنسى شىء من الاحداث من ما يدور فيها فى تلك الحقبه من الزمن ومن معاصريها فى ذلك الوقت
استاذى وابى الروحى
أنتظر بفارغ الصبر باقى الفصول
أدام الله عليك الصحه والسعاده والهناء
وأعطاك موهبتا تشع نورا وضياء
بالله عليك يا ابت لا تطيل انتظارنا
وتحيا تى لك ولمحبيك
واسعدك الله كما اسعدتنا
ولى رجاء 000أن تطبع هذه القصه وأنشاء الله
يكون لنا منها نصيبا
حتى أستطيع أن اطلع صديقاتىا للاتى لا يدخلن النت
للعلم والتعلم من شيخنا الجليل
ومن سرد حضرتك الجميل
ابنتك عفاف

رد مع اقتباس
  #80  
قديم 01/03/2009, 17h36
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

سكت برهة ثم أشار لامرأته قائلا ..............
ــ أتذكرين حكاية أم شريك الثقفيه ؟.
ردت سعده قائلة .............
ــ أم شريك . آه .. أليست هى أرملة خليد بن مطرف ؟.
ــ بلى إنها هذه المسكينه , ألا زلت تذكرين حكايتها ؟.
ــ كيف لأحد أن ينساها هل مثلها تنسى حكايتها ؟. لقد ظلت مأساتها حديث نجران زمنا بعد أن مات زوجها وهى لا تزال حاملا فى شهرها الأخير فى ولدها الذى أنجبته بعد وفاته مباشرة . تركها تصارع قوى البغى وحدها فى بحر الحياة دون سند أو معين ..
ــ ولم يترك لها من متاع الدنيا إلا دارا صغيرة تأويها هى ووحيدها , يعيشان تحت سقفها فى دعة وسلام ..
ــ مع قطعة أرض تقوم على زراعتها ..
أكمل زيد قائلا .............
ــ إلى أن ظهر فى حياتها ذلك الرجل الظالم اللئيم , رأس الفتنة والفساد الوليد بن جبير المدانى . إستغل نفوذه وسطوته , وأنه سيد قومه , وضعف الأرملة ووحدتها , وحاول بأساليبه الدنيئة أن يستلبها أرضها التى تجاوره حتى يوسع داره ..
سألته بدر ...............
ــ سمعت يا أبت أنه عرض عليها أن يشتريها منها فى بادئ الأمر ؟.
ــ أجل يا ابنتى , إلا أنها أبت وبإصرار أن تبيعه إياها , مع أنه عرض عليها مبلغا كبيرا من المال هى فى أشد الحاجة إلى أقل القليل منه . لكنها أصرت على عدم البيع , والتفريط فى أرضها التى ورثتها عن زوجها ..
عادت تسأله .............
ــ لم لم تستجب له يا أبت , وتتقى بأسه ..
ــ منعها وفاؤها لذكرى زوجها , كانت حريصة على هذه الأرض التى يذكرها ترابها به , والتى ارتوت سنوات من قطرات عرقه , وبالأيام التى عاشتها معه فيها . كانت محبة له وفية لذكراه , حتى أن ذلك الظالم لما عرض عليها أن يعوضها أرضا غيرها , أبت ذلك أيضا ..
عقبت بدر قائلة ................
ــ بالطبع لما لم ينفع معها إغراء المال , لجأ لأساليبه الوضيعة التى يتقنها هو وأمثاله ..
أكملت سعده ...............
ــ أجل يا ابنتى رفع آنذاك دعوى ملكية لهذه الأرض , وقام بتزوير عقد من زوجها له مدعيا أنه باعها له قبل أن يموت . وجاء بشهود زور من أعوانه يشهدون لصالحه بصحة العقد وسلامة البيع ..
ــ هذه هو ما حدث تماما , وحكم القاضى وقتها بهذه البينة القاطعة بتمكين هذا الظالم من أرض الأرملة المسكينه . لم تفلح صرخاتها أو توسلاتها فى ردها إليها . وقتها لم يجرؤ أحد من أهل المدينة أن يتقدم للشهادة معها ..
قالت سعده ................
ــ من ذا الذى يجرؤ على مواجهة هذا الظالم ومناصبته العداء ..
ــ لكن ربك يمهل ولا يهمل , فما كان مستحيلا بالأمس حدث اليوم يا سعده ..
ــ كيف يا زيد ؟. إحكى لنا بالله عليك ..
ــ بعد أن طردت من أرضها لجأت للشكوى إلى الولاة والأمراء وطرقت جميع الأبواب دون جدوى . الرجل نفوذه كبير والكل يحسب حسابه , أخيرا فوضت أمرها إلى الله واستسلمت لقضائه . إلى أن سمعت بالقاضى محمد بن إدريس وأحكامه العادله وأنه لا يجامل ولا يصانع ولا يخشى من أحد ..
تساءلت بدر فى سعاده ..............
ــ هل تعنى أنها تقدمت بشكوى يا أبت ؟.
ــ أجل يا بدر , قامت بتجديد دعواها وتقدمت بها إلى ديوان القضاء منذ أيام , وفى التو أمر القاضى الشافعى قائد شرطة القضاء بإحضار المدعى عليه للمثول أمامه . واسمعوا ما حدث فى هذه الجلسة التى جرت صبيحة اليوم علانية على الملأ بعد أن طلب القاضى الشافعى مثولهما أمامه سألها ..................
………………
ــ أنت أم شريك الثقفيه ؟.
ــ أجل سيدى القاضى ..
ــ وأنت .. ألست الوليد بن جبير ؟.
ــ بلى أنا الوليد بن جبير المدانى سيد قومى بنو عبد المدان وكبيرهم ..
ــ هيه .. إرفعى إلينا دعواك يا أم شريك , أخبرينا بكل ما عندك ؟.
ـ سيدى القاضى , لى قطعة أرض ورثتها عن زوجى الراحل , كنت أزرعها وأعيش أنا وصغيرى هذا على ما أجنيه من محصولها القليل من قمح أو شعير أو بقل . أبيعه وأشترى بثمنه ما نحتاجه من طعام أو كساء , وندفع ما علينا من خراج أو غير ذلك , إلى أن أتى هذا الرجل , الظالم , الكذاب , الذى لا يخاف الله , الذى .......
قاطعها الشافعى ..............
ــ على رسلك يا امرأه , تكلمى فى دعواك فحسب , لا تعرضى بخصمك فإن هذا مما لا يجوز فعله فى مجالس القضاء , إياك أن تعودى لمثل ذلك , أفهمت ؟.
ــ عفوا سيدى القاضى , لا تؤاخذنى , إنما دفعنى لما قلت ما لاقيته من عنت وهوان . إن هذا الرجل دأب على تهديدى والتحرش بى , يريدنى أن أبيعه رغما عنى أرضى التى ورثتها عن زوجى وأعيش على خراجها . فلما أبيت وأصررت على عدم بيعها له , لجأ إلى الحيلة والكذب وادعى ظلما أن زوجى باعها له قبل موته , وجاء بمن يشهدون معه زورا وبهتانا , حتى أمكنه أن يحصل على حكم باطل ظالم بأحقيته فى الأرض ..
قاطعها بحزم للمرة الثانية ................
ــ حسبك أيتها المرأه , لتعلموا جميعا أيها الناس أن قضاء الإمام لا يحل حراما ولا يحرم حلالا . قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" [ إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه . فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من نار ] صدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم" هل أدركتم ما يعنيه رسولنا العظيم أيها القوم ؟.
همهم الحاضرون فعقب فى الحال ..............
ــ هذا الحديث , يدل على أن الأئمه إنما كلفوا القضاء على الظاهر , والحكم على الناس يجئ على نحو ما يسمع منهم مما لفظوا به , لا بما غاب عنه منهم , فأمر هذا موكول لأنفسهم . ولو كان الأمر على غير ذلك لكان أولى الناس به رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أفهمت يا امرأه . أسمعتم أيها الناس ؟.
إنتهى من كلامه الذى وقع فى نفوس الحاضرين موقعا عظيما ثم التفت للمدعى عليه وسأله .............
ــ ما قولك أيها الرجل , فى هذه الدعوى ؟.
أجاب فى نعومة وخبث محاولا التطف والتجمل فى منطقه .............
ــ سيدى القاضى كل ما تقوله هذه الأرملة محض اختلاق وكذب من أوله إلى آخره . والأرض التى تدعى كذبا أنها ورثتها عن زوجها إنما هى أرضى أنا , وصارت ملكا لى بعد أن اشتريتها من زوجها خليد بن مطرف رحمه الله ودفعت له ثمنها كاملا ..
قاطعه الشافعى متسائلا ..............
ــ وهل تسلمت الأرض منه ؟.
ــ سيدى القاضى , لقد أدرك الموت زوجها قبل أن يسلمها لى . ما ذنبى أنا فى أنه مات قبل أن أتسلمها منه ..
ــ هيه , ثم ماذا ؟.
ــ لما ذهبت إليها أطالب بما هو حق لى , إدعت عدم معرفتها بأمر هذا البيع وأبت كل محاولة منى ومن غيرى أن تمكننى من العين موضع النزاع , إضطررت لمقاضاتها وجاء الحكم لصالحى واستلمت الأرض فعلا وأقمت عليها بناء . غير أنها عادت لمزاعمها مرة ثانية وأخذت تردد من جديد أوهامها الباطلة وتطعن فى صحة البيع ..
ــ كم أعطيت زوجها ثمنا للأرض ؟.
ــ مائتى دينار كامله , سلمتها له فى يده أمام الشهود , عدا ونقدا ..
ــ تحلف اليمين على صحة روايتك وصدق قولك ؟.
ــ لم أحلف , ومعى البينة والدليل على صدق ما أقول ..
ــ أين هى هذه البينه ؟.
ــ إليك يا سيدى القاضى العقد الذى اشتريت بموجبه أرض خليد بن مطرف وعليه توقيعه وأسماء الشهود . والبيع متحقق فى هذا العقد بالإيجاب والقبول ..
ــ ما تقولين فى هذه البينة يا أم شريك ؟.
ــ حسبى الله ونعم الوكيل , العقد مزور . كم من مرات صرخت حتى بح صوتى أن العقد مزور ..
ــ هل لديك بينة أو شهود على ما تقولين ؟.
ــ سيدى القاضى , كل الناس يعلمون أنى صادقة فيما أقول وأن هذا العقد باطل وأن زوجى مات ولم يبع أرضه لأى أحد ..
ــ وهؤلاء الشهود الذين شهدوا على العقد ؟.
ــ سيدى القاضى , إنهم من أعوانه وأتباعه . إنهم شهود زور وشهادتهم باطله والناس كلهم يعلمون ذلك ..
ــ ما الذى منع الناس إذن عن شهادتهم معك ؟.
ــ ليتك تسألهم بنفسك , ربما تنحل عقدة ألسنتهم وينزاح الخوف الذى خيم على نفوسهم وعشش فى قلوبهم وباض وفرخ . ألم تقم باختيار هؤلاء السبعه الذين يجلسون من حولك ليكونوا أعوانا لك . أليسوا هم أهل الرأى والصلاح فى الجماعه وعليهم تقع مهمة النظر فى أحوال الشهود . سلهم عن هؤلاء الشهود , وأنا راضية بما يحكمون به حتى لو جاء لغير صالحى ..
ــ بما أنك تنكرين البيع , عليك حلف اليمين على صدق دعواك ..
ــ أحلف يا سيدى , أحلف ..
ران على القاعة صمت عميق , حبس القوم أنفاسهم بينما عيونهم على الشافعى فى انتظار ما سيقوله . أخيرا أمر بإحضار الشهود الذين شهدوا على عقد البيع وكانوا ثلاثة . فلما مثلوا بين يديه التفت إلى الرجال الموكلين بمعرفة أحوال الشهود وسألهم .....
ــ أتعرفون هـؤلاء ؟.
إنبرى أوسطهم المتحدث باسمهم .........
ــ أجل نعرفهم ..
ــ ما تقولون فيهم ؟.
أخذوا يتشاورون فيما بينهم لحظات ثم قام أوسطهم واقفا وقال .............
ــ إنهم ليسوا عدولا ولا نطمئن لشهادتهم ..
حبس الجالسون أنفاسهم حتى جاءهم صوت الشافعى موجـها سؤاله للمدعى عليه ....
ــ ألديك شهودا آخرين ؟.
أجاب متململا متبرما ..........
ــ لا . هؤلاء هم شهودى ..
سرت همهمة فى القاعة لم يقطعها إلا صوت الشافعى الذى قال آمرا ............
ــ تخلى القاعه ولا يبقى فيها أحد إلا كاتب القضاء , ويفرق بين الشهود , ثم يدخلون على فرادى , كل فى دوره ………………
واصل زيد روايته لامرأته وابنته قائلا ...........................
ــ أخليت القاعة من الحاضرين , وتم التفريق بين الشهود , حيث جلس كل واحد منهم فى مكان وحده بعيدا عن الآخر ..
سألت سعده ..............
ــ ما الذى دعاه لأن يفعل ذلك بعدما شهد أهل الصلاح والمشوره وأخبروا برأيهم فى الشهود مبطلين شهادتهم ؟.
ــ لم يغب عنى بالطبع أن أسأله عن هذا الأمر ..
ــ كيف ؟.
ــ فى نهاية الجلسة سألته فى ذلك فأجابنى ………………
ــ فعلت ذلك يا زيد حتى أستيقن بنفسى من كونهم ليسوا عدولا , وأن شهادتهم كانت ملفقة . وما كنت لأفعل ما فعلت من التفريق بين الشهود وسؤالهم كل على حده , لو أن أهل الصلاح والمشورة أقروا بصحة شهادتهم وأنهم شهود عدول . وعلى أى قاض أن يفعل ذلك إذا ثبت أن الشهود مجرحين ودفع ببطلان شهادتهم ………………
عادت سعده تتساءل ............
ــ وكيف أمكنه أن يتحقق من بطلان شهادتهم بعد أن فرق بينهم . هل عرفت منه ذلك ؟.
ــ أجل عرفت , كان يسأل كل واحد منهم وحده عن شهادته واليوم الذى شهد فيه الواقعه والموضع الذى شهد فيه ومن حضره وهل جرى ثم كلام وأسئلة أخرى . فعل كل ذلك وهو يحاور كل واحد منهم ويناوره فى براعة كى يستدل إن كانت فى شهادته عورة أو أن هناك اختلافا بين أقواله وأقوال غيره من الشهود ..
ــ وما الذى انتهى إليه ؟.
ــ بعد أن ناقش الشهود فى براعة وذكاء كشف تضارب أقوالهم وفساد شهادتهم التى شهدوا بها من قبل وتأكد لديه صدق دعوى أم شريك ..
ــ وكيف جاء حكمه بعد كل هذا ؟.
ــ حكم بتعزير الشهود ورد الأرض إلى صاحبتها . لم يكتف بذلك بل أمر قائد شرطة القضاء بتنفيذ الأحكام فى الحال وتمكين الأرملة المسكينة من أرضها المغصوبه كما كانت بعد إزالة ما أقامه عليها من بنيان ..
ــ ياه .. بعد كل هذه السنين تعود أرضها إليها .. حقا ما ضاع حق وراءه مطالب . دولة الظلم ساعه ودولة الحق إلى قيام الساعه ..
إنبرت بدر للسؤال ............
ــ وما الذى فعله يا أبت , هذا الظالم الغاصب الوليد بن جبير ؟.
ضحك زيد قائلا ..............
ــ لم يجد أمامه يا ابنتى بدا من الإمتثال والرضوخ لحكم القاضى الشافعى . لكنه خرج من قاعة القضاء وهو يرغى ويزبد , ويهرف بكلام فارغ يحمل فى طياته معانى التهديد والوعيد ..

يتبع.. إن شاء الله ............................

__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h10
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 18h34.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd