كلما فكرت في الماضي، اكتشفت أنني كنت أتمسك بآراء خاطئة كثيرة، وكنت أتشدق بها أمام أصدقائي. وكان عددا كبيرا منهم - في ذلك السن - يقتنعون بما أرى وأقول، كنت الوحيد بينهم الذي مازال يتعلم، والوحيد بينهم الذي يحب القراءة، ويتحدث في فن السينما والموسيقى والأدب.
من هذه الأفكار رأيي في مؤلفي الأغاني في مصر.
فرغم رفضي لفكر أحمد رامي في الحب، كنتُ أراه في قمة كتاب الأغنية، هو وعبد الفتاح مصطفى، لكن الحب الغريب الذي يبديه رامي لام كلثوم كان يغيظني، وأراه نوعاً من المرض النفسي، وقد قلت لزميلة لي في العمل، جلستْ بجواري في سيارة الشركة عن رأيي هذا.فقالت:
- أم كلثوم ما تتحبش إلا كده.
وكنتُ أرى أن حسين السيد ومرسي جميل عزيز من الطبقة الأقل، والدليل على ذلك أن أم كلثوم لم تغن لهما أغنية واحدة، كنتُ متأثراً برأي أستاذي في المدرسة الثانوية الذي لم يكن معجبا بحسين السيد ويعتبره تابع لاهواء عبد الوهاب ومنفذا لرغباته وأفكاره.
وعندما وافقت أم كلثوم على أن تغني أغنية " سيرة الحب " لمرسي جميل عزيز؛ غضبتُ وحزنتُ واعتبرت أنها خانت آرائي، وعرتني أمام أصدقائي الذين أظهر أمامهم على أني أعرف كل شيء.
ويوم حفلة غناء الأغنية،أستعد " أبو كحلة " للحفل ككل مرة، فأخرج الراديو الكبير خارج الحجرة التي يسكنها في دور أرضي في بيت مبني بالخشب والصفيح الصدئ، وأخرج الحصر والأكلمة من بيته، وفرشها على الرصيف في الحارة، وجلسنا حوله، وأصر ألا نشاركه في مصاريف السهرة، فالسوداني واللب والشاي على حسابه، هذا غير الترمس الذي بلته زوجته – استعدادا لحفل أم كلثوم منذ أكثر من أسبوع- اسمه الحقيقي توفيق، لكنه يضع الكحل في عينيه، فاشتهر في الحارة باسم أبوكحلة، واعتاد الاسم، ووافق عليه هو وأولاده وزوجته وأقاربه جميعاً.
يعمل عربجي كارو، يضع العربة والحمار خلف البيت الذي يسكنه.
دارت الموسيقي التي لحنها بليغ حمدي، ثم انطلق صوت أم كلثوم:
طول عمري بخاف من الحب وسيرة الحب وظلم الحب لكل أصحابه
وأعرف حكايات مليانه آهات ودموع وأنين والعاشقين دابوا،ما تابوا
طول عمري بقول لا أنا قد الشوق وليالي الشوق ولا قلبي قد عذابه
رد: مرسي جميل عزيز
العرض العادي
