باسم رزق

[عاشق رفعت]

من مقال بإحدى المجلات الثقافية ، تتحدث صحفية عربية عن أمسية أحياها عازف العود والمؤلف الموسيقي اللبناني باسم رزق في مسرح "باريت" في مبنى الجامعة اليسوعية في بيروت وتقدمه للجمهور العربي
للمرة الأولى يطل علينا عازف العود والمؤلف الموسيقي اللبناني بأمسية موسيقية تكاد تكون من تأليفه، سوى عملين فيها، وذلك أول من أمس في مسرح "باريت" في مبنى الجامعة اليسوعية في بيروت. تسع مقطوعات قدمها رزق في الأمسية المذكورة، استهلها بتحية "إلى أبي"، الذي غاب قبل أشهر، وكان الداعم الأساس لموهبة الإبن، استوحاها من طبيعة الوالد عادة، الحنون، الصارم، وكل ما يمكن تذكره من تفاصيل ماضية في خصب ذهني مفاجئ، وتداعيات لظروف وعلاقات عبرت في لحظات. فيما عزف مقطوعات من آخرين: لحن أغنية "كان أجمل يوم" للراحل محمد عبد الوهاب، "أندلسية"، "من الشرق" على مقام الحجاز كار، ومقطوعة وارتجالات على مقام الركباني.
مؤلفات أخرى لرزق عزفها في الأمسية: "حنين"، "صور متحركة"، "أورغنزا" و"فيرتويوز". تصاعدت فيها الأفكار اللحنية رويداً، فمن الرومانسي التقليدي في حنين، وصولاً إلى "صور متحركة" القصيرة نسبة إلى المقطوعات الأخرى، وجمل لحنية ذات صور مزدحمة، وكثافة نوتات متسارعة وحيوية، ليدخل في"أورغنزا" إلى صميم المقامات وتداخلاتها، وإلى تقنيات في العزف متقنة، لاهبة، تطلق الآه، مما حدا بالجمهور إلى طلب إعادتها، وهي من النوع الذي يعلق في الذهن بسهولة، وربما سيطلبها مستمعوه باسمها بالذات في أمسياته المقبلة كما يحدث أن يطلب الجمهور مقطوعات بعينها في حفلات الفنان نصير شمّة. على أن معزوفته الختامية "فيرتويوز" التي تصب في إطار الارتجال في غالبيتها، تضمنت تقنية عزف على صدر العود من الداخل، تلك الأماكن من الأوتار التي قليلاً ما يطرقها العازفون عادة، أماكن الأصوات الحادة "الجوابات"، ويتناول رزق فكرة العزف على الأوتار وضرب إيقاعي معين على خشب العود في الوقت نفسه، قد تكون الفكرة متناولة سابقاً من قبل آخرين، إلا أن رزق دمج العزف والإيقاع معاً، وكرّسها كفكرة أساسية تدور حولها أفكار المعزوفة ويعود إليها بعد كل جولة لحنية.

لم تتح معزوفة "من الشرق" إظهار إمكانات العازف إلا قليلاً، ومثلها معزوفة "أندلسية"، فيما لفت الحضور في معزوفة "مقام الركباني" التي اشتهر بها نصير شمة، حيث العزف غالباً باليد اليسرى فقط، عبر طرق الأوتار بها، من دون الضرب بالريشة باليد اليمنى، وهي الطريقة المبتكرة للمعوقين ذوي اليد الواحدة، وهو مقام الحداء المتداول في الصحراء، وأكثر إبداع رزق مع موسيقى غيره، كان في أدائه موسيقى أغنية "كان أجمل يوم" لعبد الوهاب، إذ غنت أصابعه هذه الأغنية وكأن روح الراحل وصوته فيها، إذ أضاف من عندياته العديد "التحليات" و"العِرب" و"الزخارف" و"القفلات" اللافتة، الدقيقة، والممتعة في آن. باختصار كانت أصابع رزق شبيهة إلى حدّ كبير بصوت سوبرانو أو تينور، إن صحّ التشبيه، ذلك الصوت الكامل الآسر في تقنيته، وأدائه مساحات وسلالم موسيقية واسعة، هكذا كانت الأصابع تجول على العود كله، لا على الأوتار فحسب، فتسمعنا مطارح جديدة وإمكانات غير محدودة، وفي مخزونه غزارة جمل لحنية يدرسها طويلاً قبل طرحها، ونحن بانتظار أسطوانته الأولى التي يحضر لها منذ أشهر طويلة، لنكتشف تطور أداءاته وتصاعد إمكاناته في التأليف وفي العزف معاً. في السنوات الماضية أحيا رزق العديد من الأمسيات في فرنسا، وفي لبنان، وضمن مهرجانات منها حاز في أحدها ـ مباراة جامعة الدول العربية والأونيسكو ـ على جائزة أفضل عازف وكان الأصغر سناً، ومنذ أن وعى الدنيا ورأى آلة العود، أسرَته المدرسة العراقية فتأثر برموزها أمثال جميل بشير ومنير بشير واليوم نصير شمة، لم يخترها طوعاً أو واعياً، بل اختارته ليكون من رموزها مستقبلاً. اليوم ثبّت باسم رزق خطواته الأولى في سلم الاحتراف والشهرة، وليبدأ رسم ملامح شخصيته ليلتمع اسمه في السنوات المقبلة إلى جانب مؤلفين معروفين لآلة العود وعازفين، وليكون في مقدمة جيله، جيل العشرينات، وليبعث الأمل ببروز جيل جديد يكمل الرسالة، في تأليف موسيقى لهذه الآلة الأصيلة، ملائمة للعصر، تعيش لأجيال مقبلة. ( منــــــــــــــقول )