احد المقامات التي غناها الاستاذ محمد القبانجي في مؤتمر القاهرة كان مقام الرست الي انشد فيه ابياتا من شعر الشاعر العراقي الحبوبي النجفي ومطلعها :
يا يوسف الحسن فيك الصب قد ليما
ولو راوك هووا للارض تعظينا
لمن حباك فنون الحسن تتميما
لح كوكبا وامش غصنا والتفت ريما
وان عداك اسمها لم تعدك السيما
ويروي الاستاذ محمد القبانجي في احد المقابلات الاذاعية معه انه حين غنى هذا المقام كان بين الحاضرين امير الشعراء احمد شوقي. وما ان انتهى من غنائه طلب احمد شوقي مقابلته حيث اعرب له عن اعجابه بالشعر وساله من هو الشاعر الذي تنسب اليه هذه القصيدة, فاجابه القبانجي انها يا سيدى للشاعر العراقي الحبوبى النجفي. فقال احمد شوقي انني لا اعرفه. وهنا قال له القبانجي بلهجته العراقية الاصيلة :ان كل طفل في العراق يعرف من هو احمد شوقي وانت يا امير الشعراء لا تعرف من هو شاعرنا الكبير الحبوبي النجفي
ان سؤال احمد شوقي عن صاحب قصيدة "يا يوسف الحسن..." كان ،كما يبدو ، لان امير الشعراء اراد ان يعرف من هو الشاعر الذي جعل من يوسف الحسن موضوعا لقصيدته، وذلك لانه تناول نفس الموضوع في قصيدة "مضناك جفاه مرقده" التي لحنها الاستاذ محمد عبد الوهاب وغناها . ففي هذه القصيدة يقول احمد شوقي
الحسن حلفت بيوسفه والسورة انك مفرده
وتمنت كل مقطعة يدها لو تبعث تشهده
بهذا التعبير الرئع يشير احمد شوقي الى قصة سيدنا يوسف كما جاء ذكرها في سورة يوسف بالمصحف الشريف
لماذا وقع الاختيار على محمد القبنجي لرئاسة وفد العراق الى مؤتمر القاهرة عام 1932؟
حين تلقت الحكومة العراقية الدعوة للاشتراك في المؤتمر كان طبيعيا ان يكون اشتراكها ذا طابع عراقي اصيل ولا مثيل له في الاقطار العربية الاخرى، والا فليس هناك معنى خاص لهذا الاشتراك. ولهذا كان طبيعيا ان يكون الاشتراك باداء المقامات العراقية التي هي لون من الغناء العربي خاص بالعراق وحده وليس معروفا له مثيل في قطر عربي اخر. وقد كان في العراق انذاك عدة قراء مجيدين للمقام ولكن الاختيار وقع على محمد القبنجي لانه كان اكثر هؤلاء جميعا ثقافة وهو يكتب الشعر ويجيد اللغة العربية وقواعدها وخلافا للاخرين، لا يعرف عنه انه وقع مرة في خطأ قواعدي في غناء شعر منظوم بالعربي الفصيح. ويبدو ان هذه الميزة كانت مهمة جدا في اختياره. ثم اذا كان الاختيار قد وقع على المقام فمن الطبيعي ان يكون الجوق المرافق من نوع الجالغي البغدادي الذي يستعمل في العزف الات موسيقية تقليدية قديمة هي الاخرى غير مستعملة في اقطار عربية اخرى. ووقع الاختيار على جوق حوكي بتو الذي لم يستطع هو نفسه السفر بسبب حالته الصحية فرشح لهذه المهمة ابنه يوسف الذي كان عازفا ماهرا على السنطور. ولكن المسالة لم تنه عند هذا الحد، فقد كان اعضاء الجوق يرتدون الملابس اليهودية التقليدية الامر الذي كاان يمكن ان يسبب الاحراج في القاهرة حبث الجميع يرتدون الزي الاوروبي. وهنا دعا نوري السعيد الذي كانت له كلمته في تشكيل الوفد عازف العود المعرو ف عزوري، وطلب اليه ان ينضم الى الوفد. فقال عزوري انه عازف على العود والعود ليس محسوبا على الجالغي.فقال له نوري السعيد ان مهمتك مع الوفد هي ان تشرف على ان يظهر العازفون بمظهر لائق وبلباس محترم وليس مهما كيف تشترك في العزف. وهنا اقترح عزوري ان يلحق بالجوق عازف القانون يوسف بصون ليساعده في مهمته وكانت هذه المرة الاولى التي يشترك عود وقانون مع الجالغي البغدادي امام الحمهور. ومن يستمع الى تسجيلات المؤتمر يجد ان صوت العود والقانون كان ابرز من الالات الاخرى